حقوق كبار السن في الإسلام

خالد الكناني
1446/04/05 - 2024/10/08 11:55AM

حقوق كبار السن في الإسلام

الحمد لله ربّ العالمين ، أنزل الكتاب بالحق ولم يجعل له عوجًا ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد : عباد الله ، اتقوا الله حق التقوى ، واعلموا أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وجعل حياته تمر بمراحل ، تبدأ بمرحلة الضعف وهي مرحلة الطفول ، وفيها يحتاج إلى من يقوم برعايته والعناية به ، ويقوم بهذه الرعاية والتربية الوالدان ، فيبذلان من الجهد من أجل ذلك ، ثم تليها مرحلة الشباب وهي مرحلة القوة والنشاط والعمل والكدح ، ثم يعود مرة أخرى إلى مرحلة الشيخوخة والضعف ، وفي هذه المرحلة يحتاج مرة أخرى إلى مد يد العون والمساعدة بعد أن ضعفت قواه ، قال تعالى : ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )) سورة الروم 54

هكذا هي مراحل عمر الإنسان ، وفي هذه المرحلة من العمر مرحلة الشيخوخة ، يضعف فيها البدن ، ويرق العظم ، ويثقل السمع ، ويكل البصر ، ويتجعد الجلد ، ويبيض الشعر ، وهذا الضعف يمر بكل من بلغ هذه المرحلة من العمر  ، فهذا زكريا عليه السلام ، ينادي ربه وقد بلغ تلك المرحلة ، قال تعالى : ((قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا )) سورة مريم 4

أيها المسلمون : إن من عظمة الإسلام ، كما أهتم بالإنسان صغيرا ووجه إلى رعايته والاهتمام به من قبل الوالدين والأسرة والمجتمع ، كذلك أمر بحسن رعاية واحترام الكبير  في الإسلام ، أيا كان أبا أم أما ، قريبا أو بعيدا، فقال تعالى عن الوالدين : ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ،، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )) سورة الإسراء 23 ، 24

((إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا )).... الكبر مرحلة الشيخوخة والضعف .

وأمر الإسلام وجعل من الآداب احترم الكبير وتوقيره ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا»

فكبار السن ، لهم قدر ومكانة في ديننا ، لهم حق الإجلال والاحترام والصفح والعفو والرحمة والرأفة ... وهذا كله من تعظيم الله وإجلاله

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَال اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ))

إن من أكرم ذا الشيبة المسلم وتحمل ما يصدر منه وقام بحقه الذي أُمر به نحوه ، فإن الله سيهيئ له عند كبره وشيخوخته من يرعى حقه ، ويقوم بخدمته ويكرمه والجزاء من جنس العمل ، وعلى العكس من ذلك فإن من قصر في حقهم ولم يراع شيبتهم ، فليحذر من أن يشمله هذا التهديد والوعيد الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم ، بقوله : ((مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) ، فكيف بمن أهدر حقه وتأفف منه وتذمر من تصرفاته في شيبته ، وهو في مرحلة أحوج ما يكون إلى العطف والتقدير والاحترام ومد يد العون والمساعدة .

فإن مثل هذا الصنف من الناس حري بأن لا يعان عند كِبَره وأن لا يقدر عند شيخوخته ، فإن ما تفعله مع كبار السن في شبابك ، سيفعل بك عند كبرك ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وهذه سنِّة في الغالب الأعمّ ، لأن الجزاء من جنس العمل ، اللهم ارحم كبار السن وأعنّا على القيام بحقوقهم وخدمتهم وإزالة الأذى عنهم .

أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين

...................

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وسَلَّمَ تسليما كثيرا .

أما بعد : أيها المسلمون ، هذا إمامنا وقدوتُنا صلى الله عليه وسلم يوم أن دخل مكة فاتحا منتصرا ، جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ، لَأَتَيْنَاهُ تَكْرُمَةً لِأَبِي بَكْرٍ»

وقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةً ( ثياب ) ، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، ( وكان مخرمة شيخا كبيرا حادّ اللسان ، غليظ الطبع ) فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ، فَادْعُهُ لِي، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: «خَبَأْنَا هَذَا لَكَ»، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «رَضِيَ مَخْرَمَةُ»

يخرج صلى الله عليه وسلم إليه بنفسه ويداريه ويعطيه ويُسلِّيه كلُّ  هذا من أجل شيبته وكبر سنه .

وهذه بعض من الأمور التي ينبغي أن نقوم بها تجاه المسنين وكبار السن في مجتمعاتنا :

+ احترامهم وتقديرهم ومبادرتهم بالمصافحة مع تقبيل رؤوسهم ، والسؤال عن أحوالهم .

+ التبسم والبشاشة عند مقابلتهم واشعارهم بالفرح والسرور بمقابلتهم

+ مدحهم بما هم أهل له والثاء عليهم وذكر محاسنهم وماضيهم وجهودهم وأعمالهم .

+ عدم التدقيق عليهم في كل شيء ، وعدم محاسبتهم على كل كلمة يقولونها ، لضعف صبرهم ولعدم تحملهم للانتقاد والعتاب

+ أكارمهم في المجالس ، حتى يشعروا بمكانتهم ومنزلتهم

+ ممازحتهم ومداعبتهم بما يليق فهذا يفرحهم ويدخل السرور عليهم

+ زيارتهم في بيوتهم وفي محلات إقامتهم

هذه بعض مما ينبغي أن نقوم به تجاه كبار السن ، فاتقوا الله عباد الله وقوموا بواجبكم تجاه من يكبُرُكم سنًّا وأحسنوا إليهم ، (( .... فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) .

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل وعلا

((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))

 

المرفقات

1728377750_حقوق كبار السن في الإسلام.pdf

المشاهدات 725 | التعليقات 0