حقوق كبار السن في الإسلام
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].
أيُّها المؤمنونَ: اهتمَّ الإسلامُ بكرامةِ الإنسانِ وحقوقِه منذُ بدايةِ وجودِه في هذه الدنيا وحتى يرحلَ عنها، قالَ اللهُ تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] ومِنْ أهمِّ مراحلِ العمرِ التي اهتمَّ بها الإسلامُ وحثَّ على العناية بها مرحَلةُ الكِبرَ، فكبيرُ السِّنِ في هذهِ المرحلةِ تصيبُه أمراضُ الشيخوخةِ؛ وضعفِ العظامِ، وتَجعُّدِ الجلْدِ، وثِقَلِ السَّمعِ، وبُطءِ الحركةِ، وضَعفِ البَصَرِ، والذاكرةِ، ولذا يَحتاجُ معها إلى شدِّةِ اهتمامٍ، ومزيدِ احترامٍ، وتبجيلٍ، وحسنِ صحبةٍ، وتواضعٍ، ورفقٍ، وصبرٍ، وعطفٍ، ورأفةٍ، ورحمةٍ.
وقد جاءَ الإسلامُ حاثًّا على البرِّ بهم، والإحسانِ إليهم، ورعايتِهم، وتعاهُدِهم، وعدَّ ذلكَ من جليلِ الأعمالِ الصالحةِ، وهؤلاء لهم قدْرُهم وهيبتُهم واحترامُهم، ومَنْ قصَّرَ في حقِّهم فَقَدْ وَقَعَ فيما نَهى عنه نبيُّنا ﷺ حيثُ قالَ:(لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرحمْ صغيرَنا، ويُوقِّرَ كبيرَنا) رواه الترمذي (1919)، وصححه الألباني في الصحيحة (2196).
عبادَ اللهِ: اعلموا أنَّ العنايةَ بكبارِ السِّنِّ ورعايتَهم وحُسنَ صحبتِهم والقيامَ بحقوقِهم يعودُ على المجتمعِ بالخيرِ العميمِ، فهم أهلُ حنكةٍ وخبرةٍ وتجربةٍ ومعرفةٍ ببواطنِ الأمورِ؛ وقد عَرَكَتْهم الحياةُ ودرَّبتْهُم المواقفُ، وأَنَضَجَتْهمُ الأحداثُ، يقولُ ﷺ: (البرَكةُ مع أكابِرِكم) رواه ابن حبان (559)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2884).
وكبيرُ السِّنِ كلمَّا زَادَ اللهُ تعَالى في عُمُرِه كانَ ذلكَ له خيرٌ؛ فَقدْ قالَ ﷺ:(وإنَّه لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلّا خَيْرًا) رواه مسلم (2682)، وقالَ أيضا ﷺ عندما سُئل عن خيرِ الناسِ؟ قالَ:(مَنْ طَالَ عُمرُهُ، وحَسُنَ عملُهُ) رواه الترمذي (2329)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2329).
ووجودُ كبارِ السِّنِّ في المجتمعِ من أسبابِ كثرةِ الرِّزقِ وحلولِ البركةِ، وتيسيرِ الأمورِ، وصرْفِ الفتنِ والمحَنِ والبلايَا عن البلادِ والعبادِ، قالَ ﷺ:(أبغُونِي ضُعَفَاءَكم، فإنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بِضُعَفائِكم) رواه الترمذي (1702)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1702).
أيُّها المؤمنونَ: ومِنَ الآدابِ التي حثَّ عليهَا النبيُّ ﷺ عندَ التعاملِ مع كبارِ السِّنِّ ما يلي:
أولا: احترامُهم وتبجيلُهم؛ والابتداءُ بهم، وتقديمُهم في الأمورِ كلِّها؛ كالتَّحدثِ والتَّصدُّرِ في المجالسِ، والبدءِ بالطعامِ والجُلوسِ، وغيرِ ذلكَ، قالَ ﷺ: (إنَّ مِنْ إجلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ) رواه أبو داود (4843)، وحسنه الألباني في سنن أبي داود (4843).
ثانيًا: إكرامُهم وحُسْنُ معاشرتِهِم وصُحْبتِهم.
ثالثًا: رحْمتُهم وتوقيرُهم، قالَ ﷺ:(ليس مِنَّا مَنْ لمْ يَرحمْ صغيرَنا، ويُوقِّرَ كبيرَنا) رواه الترمذي (1919)، وصححه الألباني في الصحيحة (2196).
رابعًا: البداءةُ بالسلامِ عليهِم: قالَ ﷺ:(يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ على الكَبِيرِ، والمارُّ على القاعِدِ) رواه البخاري (6231).
خامسًا: التواضعُ لهم ومناداتُهم بألطفِ خطابٍ وأجملِ كلامٍ، والدعاءُ لهم بالعافيةِ وطُولِ العُمرِ في طاعةِ اللهِ، وحُسْنِ الخاتمةِ.
سادسًا: أَمْرُه بالتخفيفِ عنهم في كثيرٍ من الأحكامِ الشَّرعيةِ مراعاةً لما يصيبُهم من المرضِ والضَّعفِ والوهنِ.
وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23، 24].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلموا أنَّ كبارَ السِّنِّ في هذهِ المرحلةِ يَحتاجونَ إلى بعضِ الأمورِ الهامةِ والضروريةِ حتى يَسعدوا بحياةٍ كريمةٍ، ومن ذلك:
أولا: تخصيصُ مكانٍ مناسبٍ لجلوسِهم وصلاتِهم ونومِهم، وإعانتُهم على طاعةِ اللهِ تعالى، وتيسيرُ سُبلِ ذلكَ لهم.
ثانيًا: الاعتناءُ بنظافتِهم وغذائِهم، وتحمُّلُ صُحْبتِهم، واحتسابُ أجْرِ خدمتِهم.
ثالثًا: الصبرُ على ما يَصْدُر منهم مِنْ أخطاءٍ، وعدمُ إظهارِ التذمُّرِ والضَّجرِ.
رابعًا: جمعُ أفرادِ العائلةِ حولَهم، لِلأُنسِ بهم والفرحِ بوجودِهم.
خامسًا: مصاحبتُهم عندَ الخروجِ من البيتِ للتنزُّهِ والزياراتِ، إن كانوا قادرينَ على ذلكَ، فهذا يُريحُهم ويُسْعدُهم ويُؤْنِسُهم.
سادسًا: الاهتمامُ برعايتِهم الصِّحيةِ والنَّفسيةِ، وبذلُ الجُهدِ في ذلك.
سابعًا: الاهتمامُ بملبسِهم وخاصةً في المناسباتِ، كالأعيادِ وغيرِها؛ حتى يُشاركوا الناسَ فرحتَهم وسـرورَهم.
ثامنًا: مجالستُهم وصحبتُهم وإدخالُ السرورِ عليهم، وعدمُ تركِهم للوحدةِ والعُزلةِ، وتذكيرُهم بمحاسنِهم ومآثرِهم، وما كانوا عليه من خيرٍ وبرٍّ وإحسانٍ.
تاسعًا: حثُّهم على الإكثارِ من ذكرِ اللهِ تعالى وتسبيحِه وتهليلِه ودعائِه.
عاشرًا: الدعاءُ لهم بالعافيةِ ونيلِ الجزاءِ الحَسنِ من اللهِ، فهم يحبونَ سماعَ ذلكَ ويفرحونَ به أشدَّ الفرحِ.
عبادَ اللهِ: وبلادُنا المباركةُ ـ حَرَسَها اللهُ ـ وَضَعَتْ نظامًا من أجلِ رعايةِ حقوقِ كبارِ السِّنِّ، وتقديمِ كلِّ ما يكونُ عونًا لهم على الحياةِ الكريمةِ، فعلى الجميعِ أَنْ يتعاونوا على أداءِ حقوقِهم وتقديمِ جميعِ الإمكاناتِ المتاحةِ من أجلِ إسعادِهم.
أسألُ اللهَ تعالى أن يوفِّقَنا وإيَّاكم للقيامِ بحقوقِهم، وأَنْ يجعلَ ذلكَ في موازينِ الحسناتِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: 56].
الجمعة: 11 / 6 / 1443هـ