حقوق الناس في الشريعة الإسلامية >> الشيخ حسين أحمد عبدالقادر
الفريق العلمي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، من الأمور العظيمة التي يجب الاستعداد لها يوم القيامة حقوق الناس والوفاء بها فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمةٌ لأحدٍ من عرضِه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليومَ ، قبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ ، إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدرِ مظلمتِه ، وإن لم تكنْ له حسناتٌ أخذ من سيئاتِ صاحبِه فحمل عليه» (البخاري:2449).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدنَّ الحقوقَ إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء -التي لا قرن لها- من الشاة القرناء» (مسلم:2582). وهذه الأحاديث النبوية تعظم من قدر حقوق الناس يوم القيامة، وتنذر من عاقبة هدر هذه الحقوق والإخلال بها، وتبين السنة النبوية أن الوفاء بهذه الحقوق يوم القيامة يكون بنقص رصيد حسنات من أهدر هذه الحقوق، وفي هذا الوقت تكون الحسنة فيه أغلى من الدنيا وما فيها من نعيم. ولذا ينبغي لنا تدبر هذا الأمر، ومعرفة حقوق الناس والسعي للوفاء بها، والحذر من التهاون فيها فرب حسنة تدخل المرء الجنة وتجنبه العذاب يوم القيامة. حقوق الناس الأمانة والحكم بالعدل قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58].
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: "الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله سبحانه. وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا: لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها؛ فوجب ذلك.
وفي قوله: {إِلَى أَهْلِهَا} دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن، ووكيلُه بمنزلته؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها. {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو. والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام من الحدود والأحكام، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به. ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } وهذا مدح من الله تعالى لأوامره ونواهيه، لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون. " انتهى من (تفسير السعدي).
وفي القرآن الكريم أسمى التشريعات وأعلاها، فهي شريعة الله رب العالمين الذي أمر بالعدل في كل حال ومع جميع الناس، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]. قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: " {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ} ْأي: لا يحملنكم بغض {قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ْ} كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا " انتهى من (تفسير السعدي).
وعن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في (صحيح أبي داود). القول الحسن للناس قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ} [البقرة:83]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: " {وقولوا للناس حسنا} فالحسن من القول : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم ، ويعفو ، ويصفح ، ويقول للناس حسنا كما قال الله سبحانه ، وهو كل خلق حسن رضيه الله تعالى" (تفسير ابن كثير). وفي السنة النبوية نهى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عن بعض الصفات التي تتنافي مع تمام الإيمان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ» رواه الترمذي وصححه الألباني في (صحيح الترمذي:1977). فحفظ اللسان من التكلم بالسوء حتى في ذروة الغضب يجنب المسلم الحسرة والندامة، ويكسبه سكينة القلب وحلاوة الإيمان، فالكلمة قد تورث جرحا عميقا يؤذي مشاعر الناس ويكدر صفوهم. عدم الاعتداء قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190].
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: "والنهي عن الاعتداء, يشمل أنواع الاعتداء كلها, من قتل من لا يقاتل، من النساء، والمجانين والأطفال, والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى، وقتل الحيوانات, وقطع الأشجار [ونحوها] ، لغير مصلحة تعود للمسلمين. ومن الاعتداء، مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها، فإن ذلك لا يجوز" انتهى من (تفسير السعدي). وهذه الآية الكريمة تبين فضل الشريعة الإسلامية في إقامة الصلاح والنهي عن الفساد حتى في شأن الحروب والقتال. تجنب اتهام الناس بالباطل قال الله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [النساء:112].
إن الآية الكريمة تبرز الآثار العظيمة التي تترتب على اتهام الأبرياء بالباطل، وفيها ترهيب شديد من هذه الجريمة الشنيعة لكل من تسول له نفسه رمي الأبرياء بما لم يفعلوا من آثام أو خطايا. ولذا، فعلى المسلم أن يحفظ لسانه وسريرته، وأن يبكي على ذنوبه بدلا من التعرض للناس بالسوء. تجنب النميمة والإفساد بين الناس النميمة من الصفات الذميمة والتي يجب على المسلم أن يتوقف عنها خوفا من العذاب الشديد، ويجب على المسلم النصح الشديد لمن يتاجر بالنميمة ليفسد الأجواء بين الناس ويكدر صفوهم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقبرَينِ ، فقال : «إنهما لَيُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ ، أما أحدُهما فكان لا يَستَتِرُ منَ البولِ ، وأما الآخَرُ فكان يَمشي بالنَّميمَةِ. ثم أخَذ جَريدَةً رَطْبَةً، فشَقَّها نِصفَينِ، فغَرَز في كلِّ قبرٍ واحدَةً . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، لِمَ فعَلتَ هذا ؟ قال : لَعلَّه يُخَفِّفُ عنهما ما لم يَيبَسا» (البخاري:218).
والنميمة: هي نقل الكلام من طرف لآخر للإيقاع بينهما، فالنميمة من المظالم التي يترتب عليها خراب للبيوت وإشاعة الهم والحزن بين الناس، وفيها هتك للستر الذي يجب على المسلم أن يحرص عليه طلبا لستر الله تعالى. الوفاء بالدين: ومن حقوق الناس الوفاء بالدين، وهو من أعظم الحقوق في الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين» (مسلم:1886).
ولذا فعلى المسلم أن يسارع للوفاء بالدين، وأن يبين لأهله حقوق الناس وما لهم بكتابة ذلك في وصية مكتوبة، وإعلام من يتوكل بالأمر بفضل الله تعالى وتيسيره. الوفاء بحق الجار إن للجار حقوقا عظيمة وورد التأكيد على هذه الحقوق في القرآن الكريم والسنة النبوية، قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب} [النساء:36]. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» (متفق عليه).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» (متفق عليه). وفي الموسوعة الحديثية لموقع الدرر السنية ورد شرح الحديث الشريف كما يلي: " في هذ الحديثِ أخْبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلام كرَّر عليه الوصيَّةَ بالجارِ (وهو القَرِيب من الدَّارِ، قريبًا كان أو أجنبيًّا، مُسلمًا كان أو كافرًا)، وذلك بالإحسانِ إليه، ورِعايةِ ذِمَّته، والقِيام بحقوقِه، ومُوَاساتِه في حاجتِه، والصَّبرِ على أذاه؛ ولكثرةِ ما أَوْصَى جِبْرِيلُ عليه السَّلام بالجارِ، ظنَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ اللهَ تعالى سيُشرِكُ الجارَ في مِيراثِ جارِه. " انتهى. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خيْرُ الْأَصْحابِ عِنْد اللهِ خيْرُهُم لِصَاحِبِه ، وخيْرُ الجيرانِ عنْدَ اللهِ خيْرُهُم لِجارِه» (الترمذي:1944) .
وللكافر حق الجوار بالإحسان في معاملته، وعدم التعرض له بالأذى، والتصدق عليه عند احتياجه ومساعدته، ولا ريب أن هذا النهج من الأخلاق العظيمة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، وهذه الأخلاق من أسباب دخول كثير من أهل الدينات الأخرى دين الإسلام. وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِإِذْنٍ ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ» رواه أبو داود (3050) وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة:882). قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:"أما عيادة الكافر إذا مرض فلا بأس ، لأنه يرجى أن يلين قلبه – أي قلب هذا الكافر – فيسلم ، كما جرى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وسلم مع الشاب اليهودي ، حين عاده النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ، ودعاه إلى الإسلام ، فالتفت الشاب إلى أبيه كأنه يستشيره ، فقال له أبوه : أطع محمداً ، فتشهد شهادة الحق ، ثم مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار» صححه الألباني في (صحيح أبي داود:3095) .
وأما تشيع جنازته فلا يجوز ، لما في ذلك من تعظيمه ، واغترار الناس بهذا العمل" انتهى من (الإجابات على أسئلة الجاليات:1/13، 14) . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110]. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة ومن أجل السمات التي يتصف بها من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم حق الاتباع. قال الله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]، قال الإمام ابن عاشور رحمه الله تعالى: " {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} . وذلك أن شأن المناكر أن يبتدئها الواحد أنّ النّفَر القليل ، فإذا لم يجدوا من يغيِّر عليهم تزايدوا فيها ففشت واتّبَع فيها الدّهماءُ بعضهم بعضاً حتّى تعمّ ويُنسى كونها مناكرَ فلا يَهتدي النّاس إلى الإقلاع عنها والتّوبةِ منها فتصيبهم لعنة الله تعالى" انتهى من (تفسير ابن عاشور).
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} : " اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّوْبِيخَ فِي الْآيَةِ بِسَبَبِ تَرْكِ فِعْلِ الْبِرِّ ، لَا بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْبِرِّ " انتهى من (تفسير القرطبي:1/366) . وقال النووي رحمه الله تعالى: " قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ وَالنَّاهِي أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْحَالِ ، مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُرُ بِهِ ، مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ ، وَالنَّهْيُ وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ .
فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْئَانِ : أَنْ يَأْمُرَ نَفْسَهُ وَيَنْهَاهَا ، وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ وَيَنْهَاهُ ، فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا ، كَيْفَ يُبَاحُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ؟! " انتهى من (شرح صحيح مسلم :2/23). وقال الشيخ خالد السبت حفظه الله تعالى: " وقع الذم في تلك النصوص والوعيد على ارتكاب ما نَهى عنه الناهي عن المنكر ، ولم يقع الذم على نفس النهي عن المنكر ، بل هذا يُحمد ولا يذم ، فهو طاعة لله عز وجل وقربة ، ولا شك أن وقوع المنكر ممن ينهى عنه أقبح من وقوعه ممن لا يعلم أنه منكر أو علم ولم يدع إلى تركه ، وهذا لا يعني إعفاءه من الأمر والنهي ". انتهى من (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصوله وضوابطه :ص 165).
والمؤمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قد يتعرض للأذى والمكاره، وعليه أن يتحلى بالصبر ومقابلة الإساءة بالإحسان، فالصبر على الأذى وسيلة لكسب الأجور، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» (ابن ماجه:3273). حقوق المسلم إن للمسلم حقوقا بينها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاقبة الإخلال بها، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خُلِّصَ المؤمنون مِن النارِ حُبِسُوا بقِنْطَرَةٍ بينَ الجنةِ والنارِ، فيَتَقاصون مظالمَ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبُوا ، أُذِنَ لهم بدخولِ الجنةِ ، فوالذي نفسُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بيدِه، لأَحدُهم بمَسْكَنِه في الجنةِ أدلُّ بمنزلِه كان في الدنيا» (البخاري:2440).
فعلى كل مسلم رد المظالم للمسلمين قبل الحبس على القنطرة. ومن المظالم التي تكثر في هذه الأيام الغيبة والنميمة وأكل أموال الناس والخوض في الأعراض واتهام الناس بالباطل. وفي هذا الصدد يجب الإشارة إلى حقوق المسلم على المسلم التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث النبوية الشريفة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادةُ المريضِ، واتباعُ الجنائزِ، وإجابةُ الدعوةِ، وتَشميتُ العاطسِ» (البخاري:1240) وهي حقوق يكتسب المسلم نتيجة للوفاء بها خيرا كثيرا فعلينا ملازمة الإقرار بهذه الحقوق والسعي لتحقيقها. ستر المسلمين والتيسير عليهم ومساعدتهم عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة» (البخاري:2442).
وهذه الحقوق تلزم المسلم بالسعي إلى تيسير حاجات المسلمين بالمال والجهد والمواساة، والستر على المسلمين وتجنب فضحهم أو التنقص منهم، وعاقبة ذلك التيسير العظيم من الله رب العالمين في الدنيا والآخرة. وفي الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله ملك الملوك خير حافز وأجل واعظ لحفظ حقوق الإخوة بين المسلمين. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى: "يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني؟ قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقتيك فلم تسقني؟ قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه؟ أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟» (مسلم:2569). تجنب رمي المسلم بالكفر عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرئٍ قالَ لأخيهِ : يا كافِرُ . فقد باءَ بِها أحدُهما . إن كانَ كما قالَ . وإلَّا رجعَت عليهِ» (مسلم:60).
واتهام المسلمين بالكفر أو الفسوق أمر ليس سهل كما يتوهم البعض فيطلقون لسانهم بما لا يدركون عواقبه. تجنب الغيبة الغيبة من الجرائم التي يجب أن يتوقف المسلم عنها حتى يتجنب الوعيد والعواقب التي تترتب عليها قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خيراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خيراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:11- 12].
وفي الآية الكريمة نهي عن الكثير من المظالم وهي السخرية والتنابز بالألقاب وظن السوء والتجسس والغيبة. وبخصوص النهي عن السخرية في الآية الكريمة قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: " ينهى الله تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الكبر بطر الحق وغمص الناس» (صحيح ابن حبان:5466) ويروى : "وغمط الناس" والمراد من ذلك : احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ; ولهذا قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء " انتهى من (تفسير ابن كثير).
وفيما يتعلق باللمز والتنابز بالألقاب قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: " {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار. كما قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الآية، وسمي الأخ المؤمن نفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك. {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا. " (تفسير السعدي) والغيبة يتساهل فيها الكثيرون ومن أدرك وتدبر تعريف الغيبة في الشرع لحرص أشد الحرص على الكلام بالخير أو الصمت عن الشر فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما الغيبةُ؟، قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: ذِكرُكَ أخاكَ بما يكرهُ، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إنَّ كان فيه ما تقولُ فقد اغتبتَه، وإن لم يكنْ فيه فقد بهتَّه» ؛ (مسلم:2589). وعلى المسلم أن يتجنب أن يكون من المفلسين يوم القيامة، والإفلاس يوم القيامة هو إفلاس في الحسنات ونقص الأجور لما يترتب على الوفاء بحقوق الناس في هذا اليوم العظيم. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما المفلِسُ ؟ قالوا : المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ .
فقال : إنَّ المفلسَ من أمَّتي ، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مالَ هذا ، وسفك دمَ هذا ، وضرب هذا . فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه . فإن فَنِيَتْ حسناتُه ، قبل أن يقضيَ ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه . ثمَّ طُرِح في النَّارِ» (مسلم:2581). إزالة الأذى عن طريق المسلمين عن معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أماطَ أذىً عن طريقِ المسلِمينَ ، كُتِبَ لهُ حَسنةٌ ، و مَن تُقبِّلَتْ لهُ حَسنةٌ دخلَ الجنَّةَ، أدخلَه اللهُ بها الجنَّةَ» أخرجه البخاري في (الأدب المفرد:593).
إن إماطة الأذى من حق الطريق الذي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم للوفاء به وهو من الأسباب التي تدخل الجنة بفضل الله الكريم. حب الخير للمسلمين إن حب الخير للمسلمين من أعظم أبواب القرب من الله تعالى ومن أجل الأعمال التي يرجو بها المسلم الجنة ويكفي في هذه الصفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها شرطا لتمام وكمال الإيمان فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه» (متفق عليه). والحديث يرشدنا إلى السعي إلى تحقيق ما يحبه المسلمون من معروف وخير فالمؤمن يلتمس كل الطرق والسبل لسعادة أخيه المسلم وفق ما يتيسر له من قدرة. أهمية العفو عن المظالم وفي الجانب الآخر من رد المظالم يسعى المسلم إلى العفو والصفح عن من قام بالتعدي عليه باللفظ أو الفعل ويحتسب هذا لوجه الله الكريم. ومن لازم العفو بفضل الله الكريم ينال العفو من الله رب العالمين. قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]. وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133]. كما قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ و الَّذي نفسي بيدِه إن كنتُ لَحالفًا عليهِنَّ : لا ينقصُ مالٌ من صدقةٍ ، فتصدَّقوا ، و لا يَعفو عبدٌ عن مظلِمةٍ إلَّا زادَه اللهُ بِها عزًّا يومَ القيامةِ ، و لا يفتَحُ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلَّا فتح اللهُ عليهِ بابَ فقرٍ» صححه الألباني في (صحيح الترغيب:814).
وعلى المسلم أن يتدبر أن عفوه عن المسلمين قد يكون سببا في دخولهم الجنة وهو أيضا سبب عظيم في التمتع بعفو الله الكريم وهذه العاقبة حافز عظيم لمجاهدة النفس للتسامح والإحسان إلى الناس وهو من علامات القلب السليم. الوفاء بحقوق الناس قبل يوم القيامة يجب على المسلم الوفاء بحقوق الناس قبل يوم القيامة، والسعي إلى تجنب الخسران والحسرة من عاقبة ظلم الناس والتعدي عليهم، قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "متى صدق العبد في التوبة بالندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود ، وأقلع منها تعظيما لله تعالى وخوفا من الله سبحانه فإنه يتاب عليه ، ويمحو الله الكريم عنه ما مضى من الذنوب فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى .
لكن إن كانت المعصية ظلما للعباد ، فذلك يحتاج إلى أداء الحق الذي عليه بالتوبة مما وقع والندم والإقلاع والعزم أن لا يعود ، وعليه مع ذلك أداء الحق لمستحقه أو تحلله من ذلك ، كما يقول : ( سامحني يا أخي ) ، أو ( اعف عني ) أو ما أشبه ذلك ، أو يعطيه حقه للحديث الذي ذكره السائل ، وغيره من الأحاديث والآيات . والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) خرجه البخاري في صحيحه ، فينبغي للمؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه ، فإما أن يؤديه إليه أو يتحلله منه ، وإذا كان عرضا فلا بد من تحلله إن استطاع ، فإن لم يستطع أو خاف من مغبة ذلك وأن يترتب على إخباره شر أكثر فإنه يستغفر له ويدعو له ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه بدلا من ما ذكره بالسوء ، يعني عليه أن يغسل السيئة الأولى بالحسنات الأخيرة فيذكره بالخير الذي يعلمه عنه ، وينشر محاسنه ضد السيئات التي نشرها سابقا ويستغفر له ويدعو له ، وبهذا ينتهي من المشكلة" انتهى من (كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، م/4 ، ص/374).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية. والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته . وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حدّ قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من (رياض الصالحين: ص 33 ).
وعلى المسلم أن يكثر من الدعاء الذي علمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ كان يقولُ: «اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الفقرِ ، وأعوذُ بك من القِلَّةِ والذِّلَّةِ ، وأعوذُ بك أن أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ» رواه النسائي وصححه الألباني في (صحيح النسائي:5477).
نسأل الله الكريم أن يرزقنا العفو وأن يجنبنا الظلم والمظالم وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.