حقوقُ الكبارِ-11-6-1443هـ-مستفادة من خطبِ الشيوخ هلال والطريف والطيار
محمد بن سامر
حقوقُ الكبارِ-11-6-1443هـ-مستفادة من خطبِ الشيوخ هلال ٍالهاجري وعبدِ اللهِ الطريف وأحمدَ الطيار
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ-تعالى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وآلِه وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:
لقدْ توسَّلَ زكريا-على نبينا وعليهِ الصلاةُ والسَّلامُ-بِكِبَرِ سِنِّهِ عندما أرادَ الولدَ، وكَانَ قد بلغَ من الكِبَرِ عِتيًّا، وامرأتُهُ عاقرٌ لا تَصلحُ للإنجابِ، فـ(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)؛ لأنَّ طلبَه يُشبُهُ الخَيالَ والمُستحيلَ، فيَحتاجُ أن يتَوسَّلَ إلى اللهِ بشيءٍ جَليلٍ، فذكرَ قبلَ دُعائهِ أنَّه قد وَهنَ-ضعُفَ-عظمُهُ في عبادتِه، وشَابَ رأسُه في طاعتِه، ومن كانَ كذلكَ فهو عندَ اللهِ حبيبٌ، وإجابةُ دُعائهِ من اللهِ قَريبٌ، وهكذا كِبارُ السِّنِّ في الإسلامِ، هم خيرُ الأنامِ، بشهادةِ رسولِ الإسلامِ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-فعِندما سُئلَ: «أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قالَ: مَن طالَ عُمرُهُ، وحَسنَ عَملُهُ».
كبارُ السنِ همُ الفئةُ العزيزةُ الغاليةُ، التي لها المكانةُ العاليةُ، هم في البُيوتِ مصدرُ السَّعادةِ والسُّرورِ، وهم في العائلاتِ أعمدةُ الحِكمةِ والنُّورِ، قد ذَهبَتْ قُوَّتُهم، وجاءَ ضَعفُهم وشَيبَتُهم، قالَ-تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)، فكَم من نَصرٍ ورِزقٍ جاءَ من دُعائهم وصلاتِهم، قالَ الرسولُ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:«هلْ تُنْصَرونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بضعفائِكمْ؟ بدعوتِهم وإخلاصِهم».
قد شابتْ رؤوسُهم من تَجاربِ الزَّمنِ وشَريطِ الذِّكرياتِ، وتوقَّدِتْ عقولُهم من مواقفِ العمرِ ومواعظِ الحياةِ، إذا تكلَّمَ سَمِعتَ في حديثِه التَّاريخَ والحَوادثَ والخَبَرَ، وإذا سكتَ رأيتَ على وجهِه الأسرارَ والعِبرَ، فإذا كُنتَ عِندَهم فاسكتْ، وإذا تَكلموا فأنصِتْ، وأطفئ جوالَكَ، وأجِّلْ أشغالَك، فذلكَ من احترامِهم وتوقيرِهم الذي هو من تَعظيمِ اللهِ-تعالى-، قالَ الرسولُ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «إنَّ من إجلالِ اللَّهِ-تَبجيلِهِ وتَعظيمِهِ-إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ».
اسمعوا إلى وصيةِ اللهِ-تعالى-بعدَما أوصانا بأعظمِ وصيةٍ، وهي عبادتُه وحدَه لا شَريكَ له، ماذا قالَ بَعدَها؟ قال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، فأوصى بِهما إذا بَلَغا الكِبرَ؛ لأنَّ كبيرَ السِّنِّ يَلتفتُ فلا يَرى الأحبابَ، ويُنادي فلا يُجيبُ الأصحابُ، قد ذهبَ الأهلُ والأصدقاءُ، وقد ماتَ العَشيرُ والجُلساءُ، فعِندَها يَحزنُ القَلبُ ويضيقُ الصَّدرُ، ويحتاجُ إلى مُعاملةِ الإحسانِ والصَّبرِ، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
والكبيرُ له الحقُّ في أن يُوصلَ ويُزارَ، ويجتمعَ عندَه في المنزلِ الكِبارُ والصِّغارُ، فعِندَما دَخلَ الرسولُ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-مَكَّةَ فَاتحًا مُنتصِرًا، فإذا بأَبي بَكْرٍ-رضيَ اللهُ عَنهُ-قد جاءَ آخِذًا بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ الشيخِ الكَبِيرِ، يَسُوقُهُ إِلَى النَّبِيِّ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: فلمَّا رَآهُ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-قالَ لأبي بكرٍ مُعاتِبًا: «أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ»، هكذا كانتْ أخلاقُ إمامِ المتَّقينَ، وخاتمِ النَّبيينَ، مع الكِبارِ والمُسنينَ.
وقالَ الرسولُ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حقَ كبيرِنا، فليس منا».
ورأى عمرُ بنُ الخطابِ-رضي الله عنه وأرضاه- شيخًا يهوديًا ضريرًا-أعمى-يمدُّ يدَه إلى الناسِ يطلبُ المساعدةَ، فقال له عمر: ما ألجأك إلى ما أرى، قالَ اليهوديُ: فرضتم عليَّ الجزيةَ وأنا فقيرٌ كبيرُ السنِّ، لا أستطيع العملَ لأُؤَدِّيَ ما عليَّ، فلجأتُ إلى مدِّ يديْ إلى الناسِ، فرقَّ له عمرُ، وذهبَ به إلى منزلِهِ فأعطاه مالًا، وأمر بإسقاطِ الجزيةِ عنه وقال: والله ما أنْصفناه، أنْ أكَلْنَا شَبِيْبَتَهُ-شبابَه-ثم نَخْذُلُه عند الهرمِ-الكبرِ-وأسقطَ الجِزْيَةَ عن كل يهوديٍّ كبيرٍ في السِّنِّ.
هذهِ هي أخلاقُ الإسلامِ، فأَجْمِلْ بنا أن نتحلى بها.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فهل يُعْقَلُ بعدَ تعبِ الدَّهرِ والسِّنينَ، أن يُلقى كِبارُ السِّنِّ في دارِ المُسنينَ؟ فمن أينَ جاءتْ هذهِ العاداتُ الذَّميمةُ؟ التي يأباها الإسلامُ والأخلاقُ الكريمةُ، فَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَكيفَ يُتركُ في آخرِ عُمرِه حبيسَ الجُدرانِ؟ مهملًا وَحيدًا أسيرَ الأحزانِ، فهل هذا هو البِّرُّ والإحسانُ؟ وهل هذهِ وصيةُ العزيزِ الرَّحمنِ؟ التي خلَّدَها على مَرِّ الدُّهورِ قُرآنًا، (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا).
بل يَتأكدُ الاحترامُ والتَّوقيرُ، عِندَما يَضعُفُ الكبيرُ، فيَخونُه البصرُ، ويغدُرُ بهِ السَّمعُ، وتَتنكرُ له الذَّاكرةُ، قالَ-تعالى-: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)، فعِندَها لا يَحسنُ أن يُختَبروا في ذاكرتِهم، حتى لا يُحرَجوا، فلا يُقالُ لهم: هل تعرفونَ هذا الإنسانَ؟ أو هل تَذكرونَ ذاكَ الزَّمانَ؟ فتَضيقُ صُدورُهم بالنِّسيانِ، بل ينبغي حِينَها أن نُبادرَ بِالتَّعريفِ بأسمائنا، وأن نُسعِدَهم بأخبارِنا وأخبارِ أبنائنا، فإن أصبحوا لا يستطيعونَ التَّعرَّفَ علينا، فنحنُ ما نزالُ نذكرُهم ونَعرفُ حقَّهم علينا.
إخواني: ألمْ يَأتِ وقتُ ردِّ الجميلِ، قَبلَ أن يُبادرَ موعدُ الرَّحيلِ، هل نَسينا سَهرَ اللَّيالي، هل غَفلنا عن الأيامِ الخوالي، فقد كانتْ سعادةُ الأمَّهاتِ في رؤيةِ تِلكَ البَسَماتِ، وكانتْ فرحةُ الآباءِ في البَذلِ والعطاءِ، فمتى عسى أن نوفيَهم بَعضَ حقِّهم وشُكرِهم، وكلُ ما نَنعمُ بهِ اليومَ بفضلِ اللهِ ثم بتَضحيةِ عُمرِهم، فكما أَكرَمونا صِغارًا، فيَجبُ الإحسانُ إليهم كِبارًا، فَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.
إخواني: ومن تربيةِ الصغيرِ على احترامِ الكبيرِ تدريبُه على إيثارِ والديهِ على نفسِه في كلِ معروفٍ وخيرٍ، فلا يسابقُهما في الأكلِ أو الدخولِ أو الخروجِ، ولا ينشغلُ عنهم بجوالٍ أو غيرِه، ويشاورُهما في كلِّ شيءٍ، ويجلسُ بأدبٍ أمامَهما فلا يمدُ رجلَه، ولا يعطيهما ظهرَه، ولا يقاطعُهما إذا تكلما، بل يصغي ويستمعُ، ولا يتحدثُ عندهما بصوتٍ مرتفعٍ أو بغضبٍ أو استهزاءٍ أو تعالٍ أو تكبّرٍ، ولا يُظْهِرُ لهما أنّه أعلمُ منهما، وإنْ أخطآ تحملهُما، وبيَّنَ لهما خطأَهُما بأسلوبٍ لبقٍ مؤدبٍ، غيرِ مُستفزٍ ولا مُغضبٍ ولا جارحٍ، فهذا نبيُ اللهِ إبراهيمُ الذي آتاه اللهُ العلمَ والنبوةَ، والأدبَ والحكمةَ-على نبيِنا وعليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-يحاورُ أباه الكافرَ ويقولُ له: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) فتأمَّل هذا الأدب، ما قال له: أنا أعلمُ منك وأنتَ جاهلٌ، أنا تعلمتْ، أنا دكتورُ...
أَحْسِنْ بنا أنْ نربيَ أبناءَنا وبناتِنا على تلكَ الأخلاقِ وغيرِها من الآدابِ الجميلةِ، والأخلاقِ الحسنةِ، فإن تخلَّقُوا بها مع الوالدينِ تخلَّقُوا بها معَ الناسِ عامةً، وكبارِ السنِ خاصةً.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1642093905_حقوقُ الكبارِ-11-6-1443هـ-مستفادة من خطبِ الشيوخ هلال ٍالهاجري وعبدِ اللهِ الطريف وأحمدَ الطيار.docx
1642093913_حقوقُ الكبارِ-11-6-1443هـ-مستفادة من خطبِ الشيوخ هلال ٍالهاجري وعبدِ اللهِ الطريف وأحمدَ الطيار.pdf