حقوق العمال

عنان عنان
1436/07/11 - 2015/04/30 06:43AM
" الخطبة الأولى "

المقدمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ

معاشر المؤمنين: إنَّ نظام هذه الحياة، يتطلب السعيَ والعمل، فالمخلوقات كلها تعمل، وتسعى بجدٍ وإجتهاد،
فالطيور تخرج من أعشاشها جائعةً، وترجع في آخر النهار باطنةً، والعاقل لا يرضى أن يكون كَلاً على غيره، وهو يعلم أن الرزق متعلقٌ بالسعي، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ما أكل أحد طعاماً قطُّ خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبيَّ اللهِ داود كان يأكل من عمل يده " [رواه البخاري]. كل الأنبياء كانوا يعملون،
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: " كان أدم حراثاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطاً، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجراً، وداود حداداً، وموسى وشعيب ومحمد-صلوات الله عليهم- رعاةً للغنم، وعمل النبي-صلى الله عليه وسلم- في التجارة أيضاً ".

العمال هم عماد الإقتصاد والبناء والإنتاج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معاشر المؤمنين: لقد عظم الإسلام شأن العمل، مهما كان هذا العمل، سواءً كان في في التجارة، أو في المستشفى، أو في الوزارة، أو في الزراعة، أو في حراثة الأرض، أو غير ذلك، حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها تؤجر عليه، وعظم الإسلام العمل مهما كان هذا العمل ولو كان دنيئاً، قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: " مكسبة في دناءة خيرٌ من مسألة الناس ". ولأهمية العمل جعل الإسلام أجره كالجهاد في سبيل الله، عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: مرَّ بالنبيِّ-صلى الله عليه وسلم-رجل فرأى أصحاب النبي من جلَده ونشاطه فقالوا يا رسول الله: لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إن كان يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبويه شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان " [رواه الطبراني وصححه الألباني-رحمه الله-]. قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: " واللهِ ما أحب أن يأتينيَ الموت إلا على أحد شكلين، إما مجاهداً في سبيل الله، أو ساعياً لطلب الرزق ".
أمر الإسلام بالعمل، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتيَ رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه " [رواه البخاري]. وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " اليد العليا خير من اليد السُفلى، وأبدا بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفِّه الله، ومن يستغنِ يغنيه الله " [رواه البخاري ومسلم]. ونهى الإسلام أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يمد يده للناس مع قدرته على العمل ظالمٌ لنفسه، قال عمر-رضي الله عنه-: " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهمَّ ارزقني، وقد علم أن السماءَ لا تمطر ذهباً ولا فِضةً ".
وقال-رضي الله عنه-: " أرى الشاب فيعجبني فاسأل عن عمله فيقولون: لا يعمل فيسقط من عيني ". فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمتُه في الحياة.
قال الشاعر: بقدر الكدِّ تكتسب المعالي***ومن طلب العُلا سهرَ الليالي
ومن طلب العُلا من غير كدٍ***أضاع العُمرَ في طلبِ المُحالِ.

وصية لقمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال لقمان لإبنه يوماً: يا بنيَّ استعن بالكسب الطيب فإنه ما افتقر أحد قطُّ إلا أصابه ثلاث خِصال، رقة في دينه، وضِعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذا إستخفاف الناس به ".
فأمره أوَّلَ شيء بالكسب الطيب الحلال، وقد أمر الله بالكسب الطيب الحلال، قال سبحانه: " يايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إيَّاه تعبدون ". ومن أعظم ثمار الإيمان، طيب القلب، ونزاهة اليد، وسلامة اللسان، والطيبون للطيبات، والطيبات للطيبين.
وأهل الجنة طيبون، الذين تحروا الطيب والحلال في الدنيا، قال سبحانه: " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ". عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " من أكل طيباً، وعمل سنةً، وأمن الناسُ بوائقَه يعني شرَه، دخل الجنة " [رواه الترمذي]. وعن عبد الله بن عمرٍو-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، حِفظ أمانة، وصِدق حديث، وحسن خليقة، وعِفة في طُعمة " [رواه أحمد بإسناد حسن]. أنظروا عباد الله إلى خليفة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أبي بكر الصديق-رضي الله عنه- يأتيه خادمه بشيء من الأكل، ثم يقول له: أتدري من أين هذا الأكل؟ إشتريته من مال حصلت عليه في الجاهلية، كذبت على رجل وخدعته بأن فسرت له حادثةً أو قضيةً كذباً وخديعةً فأعطاني هذا المال، فأشتريت منه هذا الذي أكلتَ، فأدخل أبو بكر يده في فمه وقاءَ واسترجعَ كُلَّ شيء في بطنه، وقال: لو لم تخرج هذه اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها، وقال مُخاطباً ربَّه: اللهمَّ إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء " [رواه البخاري]. وتقول زوجة صالحة توصي زوجها: " يا هذا اتقِ الله فينا فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار ". أولئك هم الصالحون يُخرجون الحرام والمشتبه من أفواههم، وقد دخل عليهم من غير علمهم، وخلفت من بعدهم خلوف يعمدون الحرام، ليملأوا به بطونَهم وبطونَ أهليهم.

ثم قال له: فإنه ما افتقر أحد قطُّ إلا أصابه ثلاث خِصال، رقةٌ في دينه أي ضِعف في دينه، لأنَّ الجوع كافر، وقد تعوذ النبي-صلى الله عليه وسلم-من الفقر وقرنه بالكفر، فقال: " اللهمَّ إني أعوذ بك من الكفر والفقر ".
وقال عمر-رضي الله عنه-: " لو كان الفقر رجلاً لقتلته ". فالفقر يفضح إن لم يصبر عليه صاحبُه، ويجعلَ صاحبه يفعل أيَّ شيء من أجل لُقمة العيش، خاصةً في هذا الزمن التي كثرت فيه متطلبات الحياة، وقلتِ الزكاة والصدقة عند الناس.

ثم قال: وضِعف في عقله، فإنَّ الفقرَ يقتضي إلى ضِعف العقل، والغباء، وعدم النجاح في الدنيا، لأن صاحبه يحمل هماً واحداً فقط في دنياه ألا وهو كيف يتخلص منه.
ثم قال: وذهاب مروءته، لأنَّ الفقر يذهب كرامةَ الإنسان، ويسوقه إلى التسول، لقد إرتبط بداء الفقر ظاهرة خطيرة إنتشرت في المجتمعات الأسلامية بشكلٍ سرطانيٍ مدمرٍ، وهي ظاهرة التسول، والشيء الغريب أن التسول لم يعد يقتصر الأن على الفقراء والمساكين غير القادرين على العمل والكسب، ولكننا وجدنا بعض القادرين على العمل من الكُسالى قدِ استسهلوا التسول والإحتيال على الناس بكافة الطرق والوسائل البغيضة لنهب أموالهم. والمتسول إنسان حقر نفسَه، وأراق ماءَ وجهه، واستغنى عن كرامته، وبدأ يمد يده للناس أعطوه أو منعوه، إننا لو نظرنا إلى الإسلام لوجدنا أنه حارب التسول حرباً لا هوادةَ فيها، وبالغ في النهي عن مسألة الناس، قال تعالى: " للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ". أي أن الصدقة ليست لهؤلاء المتسولين القادرين على العمل، ولكنها للفقراء الذين لا يستطعون السعيَ في طلب الرزق، ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، لأنهم لا يسألون الناس شيئاً ولا يتسولون، ولكن تعرفهم بأنهم فقراءُ بسمات الفقر التي تظهر عليهم.

والقادر على العمل لا تحل له الصدقة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرَّةٍ سَويِّ " [رواه الترمذي]. ذي مرة سَوي أي صاحبِ القوة الجسدية الذي يتميز بسلامة أعضائه.
ونهى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن مسألة الناس نهياً شديداً
قال عليه-الصلاة والسلام-: " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتيَ يومَ القيامة وليسَ في وجهه مُزعةُ لحمٍ " [رواه البخاري ومسلم]. وقال-صلى الله عليه وسلم-: " لا يفتح عبد بابَ مسألة إلا وفتح الله عليه باب فقر " [رواه أحمد]. وعن عمروٍ ين عائذ: أن رجلاً أتى النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- فسأله فأعطاه، فلما انصرف قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً " [رواه النسائي].
نسأل الله العفو والعافية......

" الخطبة الثانية "

جعل الله الناس متفاوتين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معاشر المؤمنين: لقد اقتضت حكمة الله أن يتفاوت الناس في مستوى حياتهم وأرزاقهم، وجعلهم الله على طبقاتٍ، غنيٍ وفقيرٍ، رئيسٍ ومرؤوسٍ، عالمٍ وجاهلٍ، ليحتاجَ الناس بعضهم إلى بعض، قال تعالى: " أهم يقسمون رحمتَ ربك نحن قسمنا بينهم معيشتَهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضَهم فوقَ بعضاتٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضهم بعضاً سُخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون ". يقول المفسرون: أي ليسخر بعضَهم لبعض في الأعمال والحِرفِ والصنائع، ولو تساوى الناس في الغنى لم يحتجْ بعضهم لبعض، ولتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم.

حقوق العمال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معاشر المؤمنين: جعل الإسلام حقوقاً للعمال قاصداً بذلك إقامةَ العدالةِ الإجتماعية، وتوفيرَ الحياة الكريمة لهم ولأسرهم في حياتهم وبعد مماتهم، وتوفيرَ الراحة والإطمئنان لهم، والأجرَ المناسبَ لهم،
وأمر الإسلام أصحاب العمل أن يعاملوا العمال معاملةً حسنةً كريمةً، وأمر الإسلام أصحاب العمل بأن لا يظلموا العمال، قال الله-عز وجل-في الحديث القدسي: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا " [رواه البخاري]. وإنما أهلك القرونَ السابقةَ ظلمُها وغيُها، قال سبحانه: " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ". وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحملُ على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حينٍ " [رواه البخاري]. وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ الله ليمليَ للظالم، فإذا أخذه لم يفلتْه " [رواه البخاري].
ومن حقوق العمال، أن لا يكلفوهم أصحاب العمل أعمالاً فوق طاقتهم، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إخوانُكم خَوَلُكم-أي خدمكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يُغلبهم، فإنَّ كلفتموهم ما يُغلبُهم فأعينوهم " [رواه البخاري ومسلم].
ومن حقوق العمال، أن يعطيهم أصحاب العمل أجوراً تَكفي معونتَهم، ولا يعطوهم أجوراً ضائلةً، عن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " أعطوا الأجيرَ أجرَه قبل أن يجفَّ عرقُه " [رواه الترمذي].
ومن حقوق العمال، أن يعاملهم أصحاب العمل بالرحمة والعطف والشفقة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمْكم من في السماء " [رواه الترمذي].

واجبات العمال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معاشر المؤمنين: كما هناك حقوق للعمال، فأيضا هناك واجبات للعمال يجب أن يعملوها.
من واجبات العمال، أن يؤديَ العامل أو الموظف عمله بإخلاص وأمانة بعيداً عن الغش، قال تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلها ". وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " من غشَّ فليس منَّا " [متفق عليه]. فإن العامل والموظف مؤتمن عما كُلِّف به وسوف يُسال عنه، جاء في الأثر: " من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل ".
ومن واجبات العمال، أن يتجنب العامل أو الموظف أكل الحرام وأخذ الرشوة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ولا يحمِلنَّكم إستبطاءُ الرزقِ أن تأخذوه بمعصيةِ الله، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته " [رواه البزار].
ومن واجبات العمال، أن يجتهد العامل أو الموظف أقصى جهده في إتقان العمال وإجادته، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ اللهَ يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " [رواه الترمذي].
ومن واجبات العمال، أن يتصف العامل أو الموظف بالتعفف وعدم إستغلال الوظيفة للنفع الشخصي، أو لنفع الغير، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً فما أخذه بعد ذلك فهو غلول " [رواه أبو داود].
ومن واجبات العمال، أنه إذا أذن ينبغي عليهم إذا سمعوا الأذان أن يدعوا كُلِّ شيء بين أيديهم، ويذهبون إلى المسجد ليصلوا، قال سبحانه: " في بيوت أذن الله أن ترفعَ ويذكرَ فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ". وعلى أصحاب العمل أن لا يمنعوهم من ذلك.

الخاتمة
ـــــــــــــــــــــــــــ

معاشر المؤمنين: بمناسبة يومِ العمالِ العالمي، فهذا تذكير لأصحاب العمل والعمال، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لتُوَدُّونَّ الحقوقَ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقادَ للشاةِ الجلحاءِ، من الشاة القرناء " [رواه مسلم].
وقال سبحانه: " وقلِ اعملوا فسيرى الله عملَكم ورسولُه والمؤمنون وستردون إل عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ". فعلي المسلم أن يصبر على طلب المعيشة، قال أهل العلم: " إن هناك ذنوب لا تكفرُ إلا بالهمَّ في طلب المعيشة ".

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


المشاهدات 2125 | التعليقات 0