حقوق الإنسان بين تكريم الإسلام واستغلال الغرب .. أ. شريف عبد العزيز

الفريق العلمي
1441/04/06 - 2019/12/03 10:19AM

مثل مواسم الأعاصير الاستوائية وهبوب الرياح الموسمية التي تأتي في مواعيد مقصودة محددة كل عام؛ تأتي الهجمة الأممية التي تمارسها بعض المؤسسات والهيئات الدولية  -التي يفترض فيها الحيادية- على أقاليم العالم الإسلامي تحت اللافتة الشهيرة "انتهاك حقوق الإنسان"، والتي أصبحت تكأة معتادة وحجة سافرة لدى خصوم العالم الإسلامي من أجل التدخل في شئونه وفرض الآراء والرؤى والإملاءات عليه، في أمر يدعو للارتياب والشك في كل ما يأتي تحت شعار " أممي " و " دولي " فكلها منظمات وهيئات تشكلت تحت عين المنتصر في الحرب العالمية الثانية لتكريس هذا الانتصار وفرض الهيمنة والسيطرة على دول العالم المنهزم.

 

ورغم أن من المعضلات شرح الواضحات فإننا سوف نعرض سريعاً ودون التعمق لقضية حقوق الإنسان، ومقارنة المنهج الإسلامي الرفيع ونظرته السامية لحقوق الإنسان، وبين ما يفخر به الغرب كأعظم منتج ثقافي حضاري لهم وهو ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والصادر سنة 1948 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مقارنة بين النظرية والتطبيق، والمصادر والدوافع، والحقيقة والمثال، ليرتدع المتطاولون ويفيق المفتونون ويسكن بال الحيارى والمترددين.

 

 وسيكون الكلام من خلال محورين رئيسيين، الأول: نظرة الإسلام للإنسان مقارنة بنظرة الغرب إليه، والثاني: مقارنة حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب

أولاً: النظرة للإنسان بين الإسلام والغرب

تعد نظرة أي مجتمع لقيمة الإنسان من أهم محددات ثقافة المجتمع وأبرز ملامح هويته الثقافية والتي تنطلق منها أفكار المجتمع وسلوكياته وتصرفاته تجاه الإنسان كمكون رئيسي للمجتمع. فإذا ما كانت تلك الآراء والأفكار تنصب على تعظيم شأن ومكانة وقيمة الإنسان في الحياة فإن كل ما يتبع تلك الأفكار والآراء من قوانين وقواعد وحدود وسلوكيات وتصرفات ستعلي من تلك النظرة التي تعظم من شأن البشرية والإنسانية، وإن كانت النظرة للإنسان نظرة دونية فسوف تكون تلك التبعات ثقيلة مخزية لقيمة الإنسان، وستكون القوانين مجحفة والقواعد مختلة والحدود منتهكة والسلوكيات متعدية على قيمة الإنسان والإنسانية أجمعين.

 

والإسلام بمصادره السماوية المعصومة قد أعلى من قيمة الإنسان بل اعتبر أن المحافظة على حياته من أولويات الضرورة والمقاصد، والإسلام قد اهتم بمكانة الإنسان كمكون أساس للحياة، وهذه النظرة هي أساس الهوية الإسلامية والثقافة والفكر الإسلامي، فالإنسان في الإسلام نفخة من روح الله الذي أسجد له الكائنات، قال تعالى(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)[الحجر:29]. والإنسان خليفة الله في الأرض، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة:30]؛ فالله قد كلف آدم وذريته بخلافته في أرضه وتعميرها وعبادته وفق ما أمر، وهذا التكليف تحميل للأمانة وتشريف للبشرية في نفس الوقت، وتعظيم لقدر الإنسان، وهذا التعظيم من عظم الأمانة التي يحملها في عنقه.

 

والإنسان في الإسلام محور الكون، وكل ما في الكون مسخر لخدمته تكريماً له وتيسراً لأداء خلافته، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70]، وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الجاثية:13].

 

أما نظرة الغرب للإنسان فهي خليط من أفكار ثلاثة من أكبر منظري الثقافة الغربية المادية، والثلاثة بالمناسبة يهود ألحدوا، الأول: "فرويد" ونظرته الدونية للإنسان بوصفه كائن مليء بالعقد النفسية والشهوانية الكامنة في فطرته حيث يفسر كل تصرفات الإنسان على أنها نابعة من الجنس والشهوة، والثاني:  "داروين" ونظريته الشهيرة للنشوء والارتقاء والتي تنزل بالإنسان لرتبة الحيوان وتقول أن الإنسان في أصله قرد تطور، والثالث: " دوركايم " وأفكاره الهادمة للشكل الطبيعي للأسرة بدعوته الاستقلال والفردانية.

 

الإنسان عند الغرب بنظرة أرضية كاملة لا أثر فيها لوحي السماء، كائن نفعي منتج مبلغ همه في الدنيا تحقيق أقصى درجات اللذة والاستمتاع، لذلك فالإنسان في الغرب يركض دائماً وراء لذاته ومنافعه، ولا يهتم بما هو عليه، فهو يدور حول حاجته وذاته الشخصية فحسب، ولا يدور حول قيمه وأخلاقه، لأنه يعلم أن قدره وكرامته بقدر ما ينتج وينفع، لا في ذاته نفسه أو لكونه أكرم وأعظم مخلوقات الله، وهذا يفسر لنا كثيراً من الظواهر المجتمعية السيئة في الغرب منها استغلال المرأة والتعامل معها كسلعة عطاؤها محصور في فترة شبابها وجمالها، فإذا ذبل الجمال وفني الشباب ألقي بها في دور المسنين حيث الإهمال ومرارة النسيان، ومنها كثرة اللقطاء وأبناء العلاقات غير الشرعية الذين ولدوا خارج إطار الزواج، وانتشار الجريمة واستحلال حرمات الغير مادام ذلك يحقق مصالح شخصية، وكل ذلك بسبب غياب الوازع الديني ونظرة التكريم للإنسان.

 

ثانياً:  حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب

تستند حقوق الإنسان في الإسلام على مصدر رئيسي كلي متجرد من الهوى والتحيز والعصبية، منزه عن الخطأ والنسيان والغفلة، فمصدر هذه الحقوق مبني وحي السماء الذي يقرر أن السيادة والحاكمية لله -سبحانه-، قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )[الأنعام: 57]، وقال تعالى: (أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ )[الأنعام: 62].

 

فاستناد الحق إلى الله -سبحانه- وشريعته يؤدي إلى اقتران الحق بالواجب، واقتران حق الفرد بحق الجماعة، واقتران الحقوق الفكرية والسياسية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ومن خلال أداء الواجبات ترعى الحقوق، إذ ما من حق لفرد أو جماعة إلا كان واجباً على غيره، وحقوق المحكومين إنما هي واجبات على الحكام، وحقوق المستأجرين إنما هي واجبات على المالكين، وحقوق الأولاد إنما هي واجبات على الوالدين وهكذا.

 

وكون أن الشريعة ووحي السماء مصدر حقوق الإنسان في الإسلام فإن هذه الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان لم تتحقق عبر صراعات فكرية أو ثورات ومطالبات كما هو الشأن في تاريخ حقوق الإنسان في النظم الغربية، وأسباب نشأتها، كالحال في فرنسا وبريطانيا، وإنما تلقت مبادئها وأحكامها وحياً من عند الله -سبحانه- دون سابق حديث عنها أو تطلع إليها أو كفاح في سبيلها.

 

 فحقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرار صادرا عن سلطة أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها.

 

حقوق الإنسان في الإسلام مطلقة وليست نسبية فلا تتغير بتغير الزمان وتبدل الظروف والأحوال. كما أنها شاملة وعامة مظلتها فوق الجميع، فحقوق الإنسان في الإسلام شملت الرجال والنساء والأطفال، كما شملت المسلمين وغير المسلمين في داخل دولة الإسلام وخارجها؛ لأن البر في الإسلام إنساني عالمي، قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8].

 

حقوق الإنسان في الإسلام مقدسة تنبع من مقام الإحسان أي من المقام الذي يكون فيه العبد تحت مخافة الله سبحانه، فيضمن حمايتها ورعايتها، ويرعى وجودها وحرمتها، ويسأل المرء عنها أمام الله في السر والعلن.

 

لذلك اعترف خصوم الأمة بسمو ورقي منظومة حقوق الإنسان في الإسلام، والفضل ما شهد به الأعداء، ففي صفر 1392هـ (مارس 1972م) عُقدت في الرياض، ثم في باريس والفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي في جنيف، والمجلس الأوروبي في ستراسبوغ ندوات علمية بين فريق رسمي من كبار رجال الفقه في المملكة العربية السعودية، وفريق من كبار رجال الفكر والقانون في أوروبا، وقد انتهت الندوات باعتراف صريح من الفريق الأوروبي بسمو حقوق الإنسان في الإسلام، وسبقها على كل القوانين المعاصرة وشمولها.

 

أما حقوق الإنسان في الغرب فجاءت وثيقتها بعد معارك وصراعات عسكرية وفكرية واجتماعية امتدت لقرون، جاءت تحت ضغط ظروف استثنائية وتشكلت عبر تكريس ثقافة المنتصر في آخر هذه الصراعات الأممية؛ الحرب العالمية الثانية والتي أودت بحياة 50 مليون إنسان ودمرت العديد من الدول تدميراً شاملاً. لذلك فالغرب ينظر إلى هذا الميثاق تحديداً على أنه درة عطائه الحضاري وذروة فكره وإنتاجه الثقافي، ولكنه في الحقيقة كانت خرقة بالية يداري بها الغرب سواءته وجرائمه التاريخية والسياسية والاجتماعية البشعة وإرثه الدموي في انتهاك حقوق الإنسان عبر التاريخ، من ثم راحت الدول الغربية ومنذ البداية تسلط عدساتها نحو ميثاق حقوق الإنسان في الإسلام بوصفه النموذج الآخر لحقوق الإنسان وتناصبه العداء، فسلطت كاميراتها على الإسلام، ووصمته بأنه يمثل "خرقًا حقيقيًّا لحقوق الإنسان!" بزعم عدم المساواة بين المرأة والرجل في الشريعة الإسلامية، وبدعوى عدم احترام بعض الدول الإسلامية للحريات العامة، أو قيامها بممارسات تتنافى وروح الديمقراطية!

 

ومع الوقت أصبحت الوثيقة الغربية مجرد أداة ضغط وابتزاز على الدول التي يصفها الغرب تارة بالمارقة، وتارة بالإرهابية، وتارة بالمستبدة، في حين يتم غض الطرف تماماً عن الانتهاك السافر لحقوق الإنسان في فلسطين والإرهاب الذي يمارسه المحتل الصهيوني بحق أهلها، ويغض الطرف عن ممارسات الشيوعيين في الصين وبورما بحق مسلمي تلك البلاد، وممارسات الهندوس ضد مسلمي كشمير، وممارسات الجماعات النازية الجديدة وأصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض بحق الأقليات في الغرب عامة وأمريكا خاصة، ويقتصر الأمر على مجرد إدانات روتينية باهتة لا ترقي لمستوى التهديد العلانية التي توجه للبلد المسلم الذي لا يروق للغرب نظامه وسيادته. وبالجملة فإن حقوق الإنسان في الغرب مثل صتم العجوة الذي كان يصنعه العربي قبل الإسلام، يعبده تارة، ويأكله تارة وهكذا حسب المصلحة والمنفعة.

المشاهدات 545 | التعليقات 0