حقائق عن أرض التين والزيتون
عاصم بن محمد الغامدي
الخطبة الأولى:
الحمدلله الذي في السماء تعالى وتقدس، واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيتَ المقدس، الحمدلله ولا يبلغ حمده حامد، وأشكره على نعمه التي لا يحصيها عاد ولا يحيط بها راصد، الله الذي جعل الأيام دولاً، والأمم لبعضها آيات ومثلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصيته للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}.
عباد الله:
أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، آذوا موسى عليه السلام من قبل، ورموا مريم البتول بالإفك والبهتان، وقتلوا الأنبياء، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وحاولوا قتل نبينا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتآمروا عليه، وما انفكوا طوال تاريخهم يكيدون للشعوب، فقد أحلوا الربا، وروجوا الفسوق، وأكلوا أموال الناس بالباطل، ولا زالوا يبذلون كل ما لديهم للنكاية بالمسلمين، وإلحاق الأذى النفسي والمادي بهم، وصدق الله ومن أصدق من الله حديثًا {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.
اليهود أهل الخيانة والتزوير والكذب، لا زال نتن أفعالهم دالاً على معادنهم، خونة العهود، أهل الزور والبهتان، حتى على الواحد المنان، {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، اليهود نَقضةُ العهود والمواثيق، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا* وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا* وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، ثم يقول الله جل جلاله: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
عباد الله:
التغلب على الحقائق غير ممكن، وإن ضعفت همة أصحابها، أو كثر عليهم أعداؤهم.
فما الحقائق المتعلقة بأرضِ التين والزيتون، أرض فلسطين؟
الحقيقة الأولى:
فلسطين حق للمسلمين، وأول المسلمين إبراهيم عليه السلام، الذي بنى مع ابنه إسماعيل عليه السلام أول بيت وضع للناس في مكة، وبعد ذلك بأربعين عامًا بني المسجد الأقصى، عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ». [رواه البخاري ومسلم].
والأنبياء كلُّهم مسلمون، شرائعهم العملية مختلفة باختلاف أحوال الناس، أما عقيدتهم فواحدة، وهي توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة.
الحقيقة الثانية:
الأرضُ للهِ يورثها لعباده الصالحين، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، وقد انتقل بنو إسرائيلَ من فلسطين إلى مصر، بعد محنة يوسف عليه السلام وإيتائه الملك فيها، ثم أمرهم الله تعالى بعد ذلك بقرون بالجهاد مع موسى عليه السلام ودخول فلسطين، فـ{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}، ولما حاول بعضُ صالحيهم إقناعهم قالوا لموسى مرةً أخرى: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، فعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة، حتى نشأ جيل جديدٌ قريب من الله تعالى، فانطلق بهم يوشَع فافتتح بيت المقدس، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى بَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ". [رواه أحمد وهو حديث صحيح].
وما لبثت يهود إلا قليلاً، ثم غلب عليها طبعها، وعادت إلى ديدنها، وتحللوا من شرائع أنبيائهم عليهم السلام شيئًا فشيئًا، بل قتلوا يحيى وزكريا، وحاولوا قتل عيسى فرفعه الله إليه، ثم طردهم الحاكم الروماني النصراني من تلك البقعة المباركة، فأصبحت مكانًا للنصارى لا ارتباط لليهود به، ولم يكن النصارى ذلك الوقت يقولون بالتثليث، بل كان معظمهم من الموحدين، فلما أشركوا مع الله تعالى غيره، وأنكروا بعد ذلك نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، سقط حقهم في فلسطين، ودخلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاتحًا، واستلم مفاتح بيت المقدس من النصارى لا من اليهود.
الحقيقة الثالثة:
الحرب على فلسطين حربٌ دينية، "فبنو إسرائيل يديرون المعركة باسم الدين، وباسم التوراة، وباسم التلمود، ويتنادون إلى أرض الميعاد، والمسلمون ينبغي لهم معرفة ذلك، والإعراض عن ثلة يتنادون بعلمانية وكنعانية، ولا يذكرون محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولا عمر الفاروق، ولا صلاح الدين، ولا علماء المسلمين وولاتَهم الفاتحين، قومٌ مسحورون بالاستعمار العالمي الذي ألغى الدين وجعل الشعوب تتنادى بالقومية والوطنية، فما زالوا يُخرجون الإسلام من الميدان، ليبقى الذين يتنادون بالتوراة وحدود التوراة وآمالها ووعودها". [بتصرف من خطبة للشيخ صالح بن حميد وفقه الله].
هذه بعض الحقائق المهمة، التي لا ينبغي أنْ تغيب عن أذهان المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر العظيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، أما بعد عباد الله:
فإن من سُننِ الله تعالى مداولةَ الأيام بين الناس، لكن الغلبة في النهاية لدين الله، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
فالأرض المقدسة تحتاج إلى جند الله المخلصين، الذين يستمدون منه النصر والتمكين، وليس منهم من طلب النصر من أعداء الملة، ولا من يسبون فاتح القدس عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهار مساء، ولا من جعلوا النزاعَ نزاعًا عروبيًا أو قوميًا، وإن تبجح أولئك بنصرة القضية، أو ظهر للناس عداؤهم مع العدو الصهيوني المحتل.
قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني].
أيها المسلمون:
القوة الحقيقية في العلم، ولا يمكن أن تنتصر الأمة وهي لا تعرف على ماذا تحارِب، فاعرفوا مكانة قدسكم، وثقوا بموعود ربكم، ولقنوا أطفالكم في المهد هذه المبادئ، ونشئوهم على معاني العزة والكرامة التي لا تكون لنا إلا إن تمسكنا بهذا الدين.
أخرج ابن المبارك في كتاب الزهد بسنده، قال: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ أَرْضَ الشَّامِ، أُتِيَ بِبِرْذَونٍ فَكرهه، وَرَكِبَ بَعِيرَهُ، فَعَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ، وَنَزَعَ مُوقَيْهِ -أي: خفيه-، فَأَخَذَهُمَا بِيَدِهِ، وَخَاضَ الْمَاءَ، وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ بِخِطَامِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الأَرْضِ، قَالَ: فَصَكَّ عُمرُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ، وَأَقَلَّ النَّاسِ، وَأَحْقَرَ النَّاسِ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللَّهُ.
فكونوا يا عباد الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلوا وسلموا على خير الورى طرًا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.
عاصم بن محمد الغامدي
يبدو أن ملف البي دي إف لم يتم تحميله في المشاركة السابقة
المرفقات
https://khutabaa.com/forums/رد/274402/attachment/%d8%b9%d9%86-%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%aa%d9%88%d9%86
https://khutabaa.com/forums/رد/274402/attachment/%d8%b9%d9%86-%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%aa%d9%88%d9%86
تعديل التعليق