حفظ النفس وردم الابار
د. ماجد بلال
خطبة حفظ النفس وردم الآبار أصلها لـ: عبد الله بن علي الطريف
ماجد بلال -جامع الرحمن /تبوك 17/7/1443ه
أيها الإخوة: لقد جاء ديننا الإسلامي بجلب المنافع ودفع المضار، وأمر الله بحفظ النفس وأنواع الحياة التي خلقها وزينها وجملها فليس لكائن من كان أن يقتل أو يخرب أو يشوه ما خلق الله إلا بإذنه سبحانه بالمسوغات الشرعية،
ولذلك أمر الله بكل أشكال الحياة الجميلة، فالله جميل يحب الجمال، ونهى الله عن القتل الذي لا فائدة منه والذي يفسد في الأرض، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }، وحرم رسول الله الاعتداء على شجر مكة والحرم، فقال: (لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ... وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا،) أي ولا يقطع عشبها، وعذب الله امرأة في النار لتسببها في قتل هرة حبستها، وغفر الله لبغي بسبب كلب سقته، وحرم الله أنفس الكفار إذا كانوا معاهدين في بلاد المسلمين، فقال e : (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)،
بل وحرم الله قتل بعض الحيوانات (نهَى النبيُّ e عن قتلِ أربعٍ من الدوابِّ النملةِ والنحلةِ والهدهدِ والصُّرَدِ) والصرد طير يقتل الحيات
الراوي : عبدالله بن عباس : تخريج أحاديث المصابيح | الصفحة أو : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (5267)، وابن ماجه (3224)، وأحمد (3066)
وإذا كان الله قد حرم أرواح الكفار المعاهدين وبعضاً من الحيوانات والطيور وبعض الأشجار بل وبعض الحشرات، فكيف بأرواح المسلمين المؤمنين! فكيف بأرواح الأبرياء والأطفال!
أمر الله بعصمة النفس من الهلاك وصون حق الحياة من الضرر، وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس، فأوجب على الإنسان أن يمد نفسه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول الطعام والشراب، وتوفير اللباس والمسكن الواقي من الضرر، وحرم عليه الامتناع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته، ونهاهه عن كل ما يضره.
بل أوجب على الإنسان -إذا وجد نفسه مهددة- أن يدفع عن نفسه الهلاك بأكل مال غيره بقدر الضرورة، أو أكل المحرم كالميتة قال الله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:115].
وحرم على غيره التسبب بإهلاكه أو التسبب في ضرره، فحرم الله قتل النفس الإنسانية عموماً وعده من كبائر الذنوب، ورتب عليه الوعيد الشديد فقال عز من قائل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا). [النساء:93] وشنع الإسلام على هذه الجريمة فاعتبر قتل نفس واحدة: بمثابة قتل الناس جميعا، فقال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )[المائدة: 32].
وَسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْكَبَائِرُ.؟ فَذَكَرَ مِنْهَا "قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ" رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ" رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه.. وَقَالَ ﷺ: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" رواه البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. الْفُسْحَة فِي الدِّين: سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَة، حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ..
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ" رواه أبو داود والنسائي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما وصححه الألباني.
أيها الإخوة: وذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك فنهى عن إِشْهَارِ السِّلَاحِ فِي وَجْهِ الْمُسْلِمِ وَعَدَّهُ مِنَ الْكَبَائِر، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
وإذا وقع القتل مع كل هذه التحذيرات وغيرها كثير أوجب الله القصاص على الجاني حفظًا لدماء المسلمين، كما قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يا أولي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179]
أيها الإخوة: وحرَّمَ الإسلامُ قتلَ الإنسانِ لنفسه وفي ذلك قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29] قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك.. وشدد رَسُولُ اللهِ ﷺ في الوعيد فقَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
كما أباح الإسلامُ للإنسانِ أن يدافع عن نفسه إذا هاجمه أحد وثبت أنه يريد الاعتداء عليه دون تحميل المعتدى عليه أية مسؤولية، بل جعله شهيداً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رواه أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ» رواه مسلم. حمانا الله وإياكم من كل سوء
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومن عظمة هذا الدين أنه أوجب على المسلم إنقاذ من يتعرض للقتل ظلما أو يتعرض لخطر إن استطاع أن ينقذه.
أيها الإخوة: سمعنا التحذير من قتل النفس وعظمة الذنب في ذلك، وهناك باب من أبواب التسبب قد يغفل عنه وهو ترك الآبار غير المستخدمة مكشوفة أو غير محصنة، وتحقيقاً لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]، أأكد على الجميع ضرورة الأخذ بالتوجيهات الصادرة بشأن إبلاغ وزارة الزرعة والمياه والبيئة عن الآبار المهجورة كونها الجهة المعنية بذلك بتكليف من ولي الأمر، ويجب على أصحاب هذه الآبار ردمها أو تحصينها، والتواصل مع الوزارة في ذلك..
وأكدت الوزارة حرصها على ذلك ضماناً لسلامة عابري الطرق والمتنزهين، وللحد من تلوث طبقات المياه الجوفية؛ ودعت عموم المواطنين والمقيمين للإبلاغ عن الآبار المهجورة، وأنها ستقوم بعد تلقيها البلاغ بتكليف لجنة الحصر في المنطقة بزيارة موقع البئر، وتحديد الإجراءات والضوابط التي تضمن توفير السلامة لعابري الطريق والمتنزهين، ثم يتم تنفيذ الإجراء المناسب بإشراف اللجنة، ودعت الجميع للإبلاغ عن أي بئر مهجور عبر الهاتف الموحد رقم 939، أو عبر روابط معلنة في موقع الوزارة..
وبذلك تكون قد ساهمت في انقاذ الأنفس البريئة (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
دوموا عباد الله على أذكار الصباح والمساء ومنها
قولكم في كل صباح ومساء
{اللَّهمَّ إنِّا نسألُك العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ اللَّهمَّ نسألُك العفوَ والعافيةَ في دينيا ودنيانا وأَهلينا ومالينا اللَّهمَّ استر عورتنا وآمِن رَوعاتنا اللَّهمَّ احفظنا من بينِ أيدينا ومن خَلفنا وعن أيَماننا وعَن شِمائلنا ومن فَوقنا ونعوذُ بعظَمتِك أن نغتالَ من تحتنا} وانوها لنفسك وأهلك ومالك وولدك، كما قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : الكلم الطيب 27 صحيح أخرجه أبو داود (5074)، والنسائي (5530)، وابن ماجه (3871)، وأحمد (4785) واللفظ له.
اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك
صلوا وسلموا...
المرفقات
1645169764_خطبة حفظ النفس وردم الابار المكشوفة ماجد بلال.docx
1645169769_خطبة حفظ النفس وردم الابار المكشوفة ماجد بلال.pdf