حفظ النفس من الضروريات الخمس
محمد بن مصطفى بن الحسن كركدان
1438/05/14 - 2017/02/11 07:06AM
[align=justify]حفظ النفس من الضروريات الخمس
الحمد الذي حكم فأحكم، وحلَّل وحرَّم، أحمده سبحانه وأشكره على ما عرَّف وعلَّم، وفقَّه في دينه وفهَّم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ندَّ له، مَهَّد قواعد الدين في كتابه المحكم، وأشهد أن نبينا وإمامنا وقرة عيوننا محمدًا عبد الله ورسوله خير من قام ببيان شرع الله وعلَّم، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته نجوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تبارك وتعالى، فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، وكونوا عباد الله من الصادقين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أما بعد معشر المسلمين، شريعة الملك الديان كلها عدل ورحمة وخير للناس كافة، وتمثل الإنسان بأوامر الشريعة نابع من حرصه على رضا الرحمن، وطاعة النبي المصطفى العدنان، وإن من أوامر الشريعة العظيمة بعد توحيد الله: حفظ النفس، وعدم الاعتداء عليها إلا بحق الإسلام قال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]. قال الإمام البيهقي: "يَعْنِي وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا" ، ثم بيَّن رحمه الله أن هذا المنع من رحمة الله بعباده، حيث ينعموا بالحياة الدنيا، ويكسبوا منها الخير المؤدي إلى النعيم المقيم .
ويدخل في هذا النهي: عدم قتل الإنسان لنفسه، وكذا تعريض نفسه إلى المهالك، قال العلامة السعدي رحمه الله: "{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه، ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك" .
وها هي نصوص وحي السنة تؤكد هذا المعنى العظيم والجليل؛ لتسعد الأمة بالأمن والأمان والسعادة والاطمئنان، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
وروى عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
فهذه النصوص تشهد بحرمة دم الإنسان، فيا ويل من تساهل فيها؛ ولعظم شأن الدماء: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في حجة الوداع بحفظ النفوس، وعدم التجني عليها إلا بحقها، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، (فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) .
هكذا رسخت شريعة الإسلام عظم حق النفس، ليس هذا فحسب، بل تفضلت بالجزاء الكريم لمن ابتعد عن الشرك وقتل النفس بدخول الجنة من أي باب من أبوابها شاء، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ قَاَلَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ إِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ) . وقوله: (يَتَنَدَّ)، أي: يصب ، كما في رواية الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) .
فلا يحولن يا عبد الله بينك وبين الجنة شيء، بل كن من السباقين لأمر الله، لتسعد في الدنيا والآخرة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بسنة سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق ليعبدوه، وبالألوهية يُفردوه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحق المبين، وأشهد أن نبينا وإمامنا وقرة عيوننا محمدًا عبد الله ورسوله إمام الموحدين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: كفى بالاعتداء على النفس شناعة في أصحاب الفطر السوية علمهم بأن عذابها شديد، فقد توعد الله العظيم قاتل النفس المؤمنة بالنار، والخلود فيها، والغضب، واللعنة، والعذاب العظيم، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، فأي شيء أعظم من هذا؟! نسأل الله العفو والعافية، إنها كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، -أَوْ قَالَ: وَشَهَادَةُ الزُّورِ-) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
أيها المسلمون، من الأمثلة التطبيقية المهمة الدالة على العناية بحفظ النفوس، ما تقوم به هذه البلاد المباركة مشكورة في ظل حكومتها وقيادتها من إقامة الحدود على من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد وزعزعة الاستقرار في قلوب العباد، وكذلك ما تقوم به من جهود عظيمة تجاه العدوان الحوثي على بلاد اليمن، حيث قادت التحالف الإسلامي لتحرير بلاد اليمن من الظلم والعدوان، فحرر من الأراضي اليمينة بنسبة ثمانين بالمئة، ودمروا غالبية الأسلحة التي استولى عليها الإنقلابيون، كل هذا من أجل حفظ العقيدة، والنفس البشرية، ونشر الأمن، وعودة الاستقرار، ولا شك أن ما تقوم به المملكة العربية السعودية تجاه إخواننا في دولة اليمن هو تطبيق عملي لما ورد في شريعة الإسلام حفظ حقوق الجار، وحفظ الضروريات الخمس التي منها حفظ النفوس من العدوان.
فبارك الله في الجهود، وثبت الجنود المرابطين على الحدود، وسدد رميهم، وقوى شوكتهم، ونصرهم على عدونا وعدوهم.
فيا أيها المعتدون على النفوس ويلكم من عذاب أليم ينتظركم، يا من تسفكون الدماء بغير حق وتتلذذون بعذابها، غدًا سيفعل بكم كما فعلتم بهذه الدماء الطاهرة الزكية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) .
فصبرا أيها المظلوم صبرًا، فالله سبحانه وتعالى عدل ولا يرضى بالظلم، وكفى بالصابرين على الظلم والاعتداء أن الله سبحانه وتعالى يسارع في معاقبة المعتدين، فأول ما يُقضي بين العباد في الدماء، فعن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ) ، وهذا في يوم القيامة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن المسلمين همومهم، وأن يرفع عن المسلمين الظلم في كل مكان، وأن يمكن لأمة الإسلام والمسلمين في الأرض.
عباد الله، صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عز من قائل: (نَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
[/align]
الحمد الذي حكم فأحكم، وحلَّل وحرَّم، أحمده سبحانه وأشكره على ما عرَّف وعلَّم، وفقَّه في دينه وفهَّم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ندَّ له، مَهَّد قواعد الدين في كتابه المحكم، وأشهد أن نبينا وإمامنا وقرة عيوننا محمدًا عبد الله ورسوله خير من قام ببيان شرع الله وعلَّم، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته نجوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تبارك وتعالى، فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، وكونوا عباد الله من الصادقين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أما بعد معشر المسلمين، شريعة الملك الديان كلها عدل ورحمة وخير للناس كافة، وتمثل الإنسان بأوامر الشريعة نابع من حرصه على رضا الرحمن، وطاعة النبي المصطفى العدنان، وإن من أوامر الشريعة العظيمة بعد توحيد الله: حفظ النفس، وعدم الاعتداء عليها إلا بحق الإسلام قال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]. قال الإمام البيهقي: "يَعْنِي وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا" ، ثم بيَّن رحمه الله أن هذا المنع من رحمة الله بعباده، حيث ينعموا بالحياة الدنيا، ويكسبوا منها الخير المؤدي إلى النعيم المقيم .
ويدخل في هذا النهي: عدم قتل الإنسان لنفسه، وكذا تعريض نفسه إلى المهالك، قال العلامة السعدي رحمه الله: "{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه، ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك" .
وها هي نصوص وحي السنة تؤكد هذا المعنى العظيم والجليل؛ لتسعد الأمة بالأمن والأمان والسعادة والاطمئنان، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
وروى عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
فهذه النصوص تشهد بحرمة دم الإنسان، فيا ويل من تساهل فيها؛ ولعظم شأن الدماء: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في حجة الوداع بحفظ النفوس، وعدم التجني عليها إلا بحقها، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، (فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) .
هكذا رسخت شريعة الإسلام عظم حق النفس، ليس هذا فحسب، بل تفضلت بالجزاء الكريم لمن ابتعد عن الشرك وقتل النفس بدخول الجنة من أي باب من أبوابها شاء، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ قَاَلَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ إِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ) . وقوله: (يَتَنَدَّ)، أي: يصب ، كما في رواية الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) .
فلا يحولن يا عبد الله بينك وبين الجنة شيء، بل كن من السباقين لأمر الله، لتسعد في الدنيا والآخرة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بسنة سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق ليعبدوه، وبالألوهية يُفردوه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحق المبين، وأشهد أن نبينا وإمامنا وقرة عيوننا محمدًا عبد الله ورسوله إمام الموحدين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: كفى بالاعتداء على النفس شناعة في أصحاب الفطر السوية علمهم بأن عذابها شديد، فقد توعد الله العظيم قاتل النفس المؤمنة بالنار، والخلود فيها، والغضب، واللعنة، والعذاب العظيم، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، فأي شيء أعظم من هذا؟! نسأل الله العفو والعافية، إنها كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، -أَوْ قَالَ: وَشَهَادَةُ الزُّورِ-) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
أيها المسلمون، من الأمثلة التطبيقية المهمة الدالة على العناية بحفظ النفوس، ما تقوم به هذه البلاد المباركة مشكورة في ظل حكومتها وقيادتها من إقامة الحدود على من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد وزعزعة الاستقرار في قلوب العباد، وكذلك ما تقوم به من جهود عظيمة تجاه العدوان الحوثي على بلاد اليمن، حيث قادت التحالف الإسلامي لتحرير بلاد اليمن من الظلم والعدوان، فحرر من الأراضي اليمينة بنسبة ثمانين بالمئة، ودمروا غالبية الأسلحة التي استولى عليها الإنقلابيون، كل هذا من أجل حفظ العقيدة، والنفس البشرية، ونشر الأمن، وعودة الاستقرار، ولا شك أن ما تقوم به المملكة العربية السعودية تجاه إخواننا في دولة اليمن هو تطبيق عملي لما ورد في شريعة الإسلام حفظ حقوق الجار، وحفظ الضروريات الخمس التي منها حفظ النفوس من العدوان.
فبارك الله في الجهود، وثبت الجنود المرابطين على الحدود، وسدد رميهم، وقوى شوكتهم، ونصرهم على عدونا وعدوهم.
فيا أيها المعتدون على النفوس ويلكم من عذاب أليم ينتظركم، يا من تسفكون الدماء بغير حق وتتلذذون بعذابها، غدًا سيفعل بكم كما فعلتم بهذه الدماء الطاهرة الزكية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) .
فصبرا أيها المظلوم صبرًا، فالله سبحانه وتعالى عدل ولا يرضى بالظلم، وكفى بالصابرين على الظلم والاعتداء أن الله سبحانه وتعالى يسارع في معاقبة المعتدين، فأول ما يُقضي بين العباد في الدماء، فعن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ) ، وهذا في يوم القيامة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن المسلمين همومهم، وأن يرفع عن المسلمين الظلم في كل مكان، وأن يمكن لأمة الإسلام والمسلمين في الأرض.
عباد الله، صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عز من قائل: (نَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
[/align]
المرفقات
حفظ النفس من الضروريات الخمس.docx
حفظ النفس من الضروريات الخمس.docx
حفظ النفس من الضروريات الخمس.pdf
حفظ النفس من الضروريات الخمس.pdf