حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد.
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن الصراع بين الحق والباطل سنةٌ جارية، منذ أن خلق الله الخلق، فلم يَسلَم الأنبياء عليهم السلام من عداء أقوامهم وكيدهم ومكرهم، وكذا كل من دعا بدعوتهم واقتفى أثرهم من أهل الإيمان والتقوى، ولذا قال ورقة بن نوفل رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي أولَ ما نزل ( لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ).
أن التعاطي مع الأحداث وأخذ العبر يكون بصدق التعلق بالله، ثم بالعقل الحصيف، والهدوء الحذر, والحكمة ضالة المؤمن، وليس التذمر مصلحًا للأمم، والنقد وحده لا يقدم مشروعا، وردود الأفعال المجردة لا تبني رؤية راشدة.
أنه في بعض اللحظات والمحطات قد يحتاج المرء إلى التأكيد على الثوابت، والتركيز على الأسس أمام سيل الإعلام الجارف بأدواته ومواقعه، وما يحفل به من تلبيس في الطرح، وانحراف في التحليل، وتعسف في التفسير، وعبث بالكلمات والمصطلحات، ناهيكم بالتضليل، والتزييف، وخلط الأوراق، كل ذلك لإيجاد مزيد من التوتر والبلبلة عن طريق معرفات مجاهيل في مصالح ضيقة، أو نائحة مستأجرة.
حين يتداعى المرجفون، ويتطاول المتربصون، فإن الذب عن الدين، ولزوم الجماعة، والاجتماع على القيادة، يكون لزاما متحتما من أجل صد الشائعات، وإبقاء اللحمة، والحفاظ على الوحدة .
أن العاقل المتأمل يرى من حوله سفنا تُخرق، وأخرى تغرق، فالحذر الحذر من مفسد، أو حاقد، أو طامع، أو حاسد، أو جاهل ليتعدى على السفينة فيخرقها ثم يغرقها، وقد يكون ذلك من خلال حديث مكذوب، أو استدلال محرف، أو تعليق مريب، أو تفسير متعسف.
معاشر المسلمين ... إن شئتم نموذجا لهذه السفينة المستهدفة فتأملوا ما يحاول فيه بعض المتربصين، وذوي الأغراض، والأهواء، والمتطرفين من النيل من حصن الدين، وقبلة المسلمين - بلاد الحرمين الشريفين - مأرز الإيمان، ورافعة لواء الشرع، وتحكيم الكتاب والسنة، غايتها في رايتها : " لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم "، توحيد الله شعارها، والحكم بما أنزل الله دستورها، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نهجها، والدين والحكم فيها أخوان، مما ينتظم سياسة الدين والدنيا.
إن العقيدة، والوحدة الوطنية، ولزوم الجماعة، والحفاظ على البيعة، وحماية المقدسات هي الأعلى والأغلى في أهداف الدولة وخططها وبرامجها.
وبلادنا دولة عربية إسلامية حافظة - بعون الله وتوفيقه - أمن الحرمين الشريفين، وراعيتُهما، وخادمتهما، محافظةٌ على المقدسات، والشعائر، والمشاعر معقل التوحيد والسنة، ودار المسلمين، وطن يسكن التاريخ، ويسكنه التاريخ إنها دولة كبيرة - ولله الحمد والمنة - بدينها، وأهلها، وقيادتها، وتاريخها، مؤثرة في ميزانها، وموقعها، واقتصادها، وسياستها، وقوتها، وقرارها وستبقى - بإذن الله - لها أدوارها، وعلاقاتها الواسعة الرزينة الرصينة، ونفوذها النفاذ.
إن العقلاء يدركون أن هذه البلاد لو تأثر موقعها، فسوف تتوسع دائرة القلق، والفشل، والتمزق في المنطقة، وخارج المنطقة. وإن المتربصين، وذوي الأهواء، والقوى المتطرفة، يستهدفون هذه البلاد بسمعتها، وتأثيرها، وقوتها، ووحدتها، وثقلها الديني، والسياسي، والاقتصادي، والعسكري، وانظر فيمن يحاول التطاول على بلاد الحرمين الشريفين لا تكاد تراه إلا متهما في مقصده، أو إمعة يسير خلف كل ناعق، ناهيكم بأن كثيرا مما يطرح ما هو إلا تنفيس عن غايات مدخولة، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: تتبع سهام المخالفين حتى ترشدك إلى الحق.
وإن مما هو معروف - ولله الحمد - أن هذا الاستهداف لم يكن وليد الساعة، بل هو قديم يتجدد، أو يتلون، حسب الظروف والمستجدات والأغراض، وفي كل ذلك تخرج هذه الدولة المباركة مرفوعة الرأس منتصرة لصدقها مع ربها، ومع شعبها، ومع المسلمين، وصدق علاقتها، ووضوح منهجها، وجلاء تعاملها بل كثير ما انقلبت القضايا المثارة ضد أصحابها، بل أنها تفسد عليهم أهدافهم، وتخرج هذه البلاد منتصرة، قد زادتها قوة إلى قوتها، وعزا إلى عزها .
ومن المعلوم أن هذه البلاد المباركة من أكثر الدول استقرارا - ولله الحمد والمنة - .
لذا يجب الحذر الحذر من الإفراط في التعميم، ثم التوظيف، والتسييس، والاستهداف، والهجوم، والخلط في القضايا، بل التلبيس في الطرح، والتحليل، والتفسير، فاستقرار الحكم يغيظ المتربصين، والالتفاف حول القيادة يكيد الشانئين، في تصيد مقيت، وتلفيقات آثمة.
والحذر الحذر من إضاعة المكاسب، وإزالة النعمة، نعمة علو الدين، واجتماع الكلمة، ورغد العيش، وبسط الأمن، والالتفاف حول ولاة الأمر، والنصح الصادق، والسعي في الإصلاح، والوقوف في وجه كل متربص.
واعلموا – عباد الله - أن منع الفتن أسهل من دفعها، ومن لم يعتبر جعل نفسه عبرة لمن يعتبر، ومن لم يقرأ التاريخ نسيه التاريخ.
عباد الله ... اعلموا أن المبالغة في ملاحقة التغريدات، والإكثار في تتبع أخبار القائمين على بؤر التوتر، يوقع في ضلال، وحيرة، وإرباك، عاقبته التشتت، والانشقاق، والتصدعات، وهدم المكتسبات، وحاصله فوضى فكرية، وتعليقات يائسة، ومداخلات بائسة، يختلط فيها الحابل بالنابل، ونتيجتها الفرقة، وعاقبتها نفوس سوداء، وأحقاد متبادلة من غير مسوغ ولا معقولية، والسلامة في ذلك الأخذ بالقاعدة السليمانية قاعدة سليمان بن داود عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)
فنسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يديم علينا الأمن والأمان.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين ....
معاشر المؤمنين ... لما قامت الدولة السعودية في هذه الأزمان المتأخرة بنصرة التوحيد والسنة وتطبيق الشريعة ومحاربة الشرك والكفر والبدع والمحدثات عُوديتْ من قبل كثير من الدول والجماعات، ورَموْها عن قوسٍ واحدة، وسعَوا بكل ما أُتوا من قوة إلى تشويه سمعتها، وزعزعة أمنها، وتشتيت شملها، وهدم كيانها، فتارة تكون الحرب على بلادنا بالإرهاب والفكر الضال، وتارة تكون بتأليب الرأي العام بدعاوى وأكاذيبَ -وبلادُنا منها براء- وتارة بنشر الشائعات المغرضة لإثارة الرعية على ولاة أمورهم، وغير ذلك من أساليبهم الماكرة، وطرقهم الخبيثة.
ومع هذا المكر الكُبَّار، والكيد الكبير لبلادنا إلا أن الله تعالى بفضله وقوته قد حماها من أعدائها، ودفع عنها الفتن التي حاول المفسدون إشعالها، فـ ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ ) ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ).
ولذا – يا عباد الله - فالواجب علينا تجاه هذه الهجمات المغرضة على بلادنا...
التضرع إلى الله تعالى بالدعاء أن يدفع عن بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار، فالدعاء من أعظم الأسباب لدفع الشرور، وكبت الأعداء.
والواجب علينا ... الاجتماع مع علمائنا وولاة أمرنا، والحذر من الفرقة والاختلاف، فإنها أعظم أسباب الفشل، كما قال تعالى ( وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) وقال تعالى ( وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
الحذر الحذر – يا عباد الله - من الشائعات التي لا مستند لها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( التَّأَنِّي مِنَ اللهِ, وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( بئس مطية الرجل زعموا ) زعموا في كلام لا سند له ولا تَثبُّت فيه، ولذا فمن الخطأ البَيِّن ما يفعله بعض الناس من نشر كل ما يأتيه في رسائل الجوال من الإشاعات التي لا يُعرف مصدرها، فهذا يُخشى عليه من الإثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ).
فالواجب علينا ... حفظ اللسان من القيل والقال الذي يضر ولا ينفع؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ) فإما أن يتكلم المرء بعِلْم، أو يصمت بحِلْم.
وإن من أعظم الواجبات علينا ... الدفاع عن بلادنا قدر المستطاع، كل بحَسَبه وبقدر علمه ومسؤوليته، فإن الدفاع عن بلاد التوحيد ودفع الشرور عنها من الواجبات، ونوع من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى.
والله المسؤول أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللَّهُمَّ اجعل هذا البلد آمناً رخاءً سخاء وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللَّهُمَّ أصلح ولي أمرنا وخذ بيده إلى ما فيه صلاحه وصلاح المسلمين، اللَّهُمَّ وفقه لكل خير، وأعنه على ما فيه خير، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وصلى الله على نبينا محمد ....