حفظ الجميل ! من مشكاة النبوة (8)

 الحمدُ لله برحمته اهتدى المُهتدونَ، وبعدلِهِ وحكمَتِهِ ضلَّ الضَالونَ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، ترَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ  ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ إلاَّ مَنْ أتى اللهَ بِقلبٍ سَلِيمٍ.. أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقاه رزق معرفة الحق من الباطل وكفّر الله سيئاته ورفع درجاته  {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29

عباد الرحمن : بُدِئت معركة بدر بدرس أخلاقي كما أنها خُتمت بدرس أخلاقي أيضا ، ولا عجب فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بُعث متمِّمًا لمكارم الأخلاق يتعاهد تتميمها في ظرف المعركة الاستثنائي !

أما الدرس الأول فكان قبل بداية المعركة ؛ مع أن نفوس المسلمين مشحونة بمرارة الظلم وبُغْض من حادّ الله ورسوله،  رُوي في السيرة النبوية قوله : " من لقي أبا البَخْتَري  بن هشام فلا يقتله " ! وقيل في سبب ذلك : أنه كان من أكفِّ المشركين للأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان له موقفٌ مشكور في القيام بنقض الصحيفة الظالمة التي كُتبت لمقاطعة بني هاشم وحصارهم في الشِّعْب ؛ فلذلك حفظ له النبي عليه الصلاة والسلام هذه المواقف .

 أما الدرس الثاني فبعد نهاية المعركة عندما قطف المسلمون ثمار النصر وكان من ذلك سبعون أسيرا فيهم أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم ضراوة في أذيته : النضر بن الحارث وعقبة بن أبي مُعَيْطٍ ، وكانت نفوس المسلمين لا تزال تستذكر الألم المُمِضّ  لجرائمِ هولاء وأذيَّتِهم في مكة وتجبّرِهم على ضعفاء المسلمين وجراءتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي النفوس كمد ، وفي القلوب غيظ وكانت صدور المؤمنين أحوج ما تكون للتشفي بما يذهب غيظ قلوبهم ، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في هؤلاء الأسرى : "  لو كانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ له " (البخاري)

لقد أعلن عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء جميعا سينالون حريتهم لو أن المطعم بن عدي حي وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " يا محمد دعهم لي ! علما أنه قد مات مشركا ! ، ولكن بقي أن نعرف أنه كان صاحب نجدةٍ ومروءة ومن ذلك : جواره للنبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من الطائف فرضخت قريش لذلك وقالوا للمطعم : " أنت الرجل الذي لا تُخْفَر ذمّتك "  ، وجمع قريشا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال ثم قال لهم " إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم فكونوا أكفّ الناس عنه ".

إخوة الإيمان : تعالوا إلى بعض الوقفات مع هذه الأخبار النبوية :

1.    الوفاء وحسن العهد من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحاب المبادرات الأخلاقية الكريمة ، وذكْرُها والوفاءُ لها في أحرج المواقف ؛ موقف المواجهة العسكرية ولحظات التوتر والانفعال واستشاطة الغيظ !

2.    ذِكْرُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الكلام في موقف المواجهة العسكرية وشدة الغيظ ، يبين أن موقفه ذلك مبدأ أخلاقي وليس تكتيكا سياسيا ، لكنها القيادة المرتكزة على المبادئ .

3.    لم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتحدث عن هؤلاء المشركين يُسْمِعُ  قرابتهم ، ولكنه يخاطبُ أصحابَه المؤمنين ليُربّي في نفوسهم – وبأسلوب تربوي فريد - شرف هذه الخصال الأخلاقية ؛ ليكونوا أحق بها وأهلها ويكافئوا عليها بأحسن منها ، كما أنه توجيه نبوي بالتزام معايير الإنصاف و إنزال الناس منازلهم .

نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة ، ونفعنا بما فيهما من الآي والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله القائل لرسوله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4  وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أما بعد : فرابع الوقفات :

أن الصحابة رضي الله عنهم قد فقهوا الإنصاف وحفظ الحق حتى مع مَن يخالفهم الدين والوطن فهذا عمرو بن العاص - رضي الله عنه –يذكر الرومَ فيقول : " أما إن فيهم لخصالًا خمسا " ، ثم يذكر خمس خصال من معاقد الأخلاق و مقومات السيادة ، وهذا حسان بن ثابت - رضي الله عنه - قد رثى المطعم بن عدي لما مات بقصيدة يذكر مآثره التي أحسن فيها

ختاما إخوة الإيمان: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل أعلى معايير الإنصاف مع من يفصل بينه وبينهم الشرك الأكبر فنحن أحوج إلى استعمالها مع إخواننا الذين يجمعنا معهم أكثر مما يفرقنا ويدنينا أليهم أكثر مما يبعدنا

... اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق ...

 

المرفقات

1643179277_حفظ الجميل.docx

المشاهدات 905 | التعليقات 0