حفّظوا أبناءكم القرآن!

حفّظوا أبناءكم القرآن!
خطبة الجمعة.
 
اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى:
الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا إلى العمل الصالح، فالأعمار تمضي سريعة، والعاقبة الحسنة لمن عمَر وقتَه بعمل الصالحات: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾ [الروم: 43، 44].
أيها الناس، اشكروا الله على نعمته علينا بإنزال هذا القرآن الكريم، الذي أنزله الله نورًا نبصر به، وعلمًا نهتدي به، ودليلًا نحتج به؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 174، 175].
القرآن كتاب مبارك، في تلاوته مبارك، في منهاجه مبارك، في آثاره مبارك؛ كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ [ص: 29].
في تلاوة القرآن حسنات مضاعفة وأجور عظيمة؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ﴿ الم ﴾ حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ [أخرجه الترمذي، وصححه الألباني].
إخوة الإيمان: هذا القرآن المجيد هو كلام الله، تكلَّم به سبحانه وبحمده، ويسر لنا تلاوته وحفظه وفَهمه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]،
وقال ابن عباس رضي الله عنه: "لولا أن الله يسَّره على لسان الآدميين، ما استطاع أحدٌ من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل".
أحبتي في الله: الموفَّق من اعتنى وتعلَّق بالقرآن الكريم، ونشَّأ أولاده على تعلُّم القرآن وحفظه، فخير ما رُبِّيَ عليه الأبناء والبنات هو تعلُّم القرآن.
فيا رَبَّ الأسرة، يا من استرعاه الله رعية هو مسؤول عنها؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته))؛ [رواه البخاري]، ألَا وإن من أحسن الرعاية وأفضلها وأعمقها أثرًا، أن تعتني الأسرة بتعليم أولادها كتابَ الله تعالى، وذلك يكون بحثهم وتشجيعهم ووضع الهدايا والحوافز لهم..
ومن ذلك ما أنعم الله علينا في بلادنا المباركة من وجود جمعيات وجهات مختصة لتحفيظ القرآن الكريم؛ فقد ابحث وستجد الحلقات الحضورية وكذلك الحلقات التي عن بعد وسجل نفسك وأبنائك فيها فوالله إننا نحتاج إلى القرآن حاجة الغريق للإنقاذ وحاجة الضال للهداية وحاجة الفقير للغنى والراحة؛ وإن لتسجيل الأبناء والبنات في حلقات تحفيظ القرآن الكريم فوائدَ جَمَّةً، وثمارًا يانعةً في الدنيا والآخرة؛
فمن ذلك:
أن القرآن سبب لصلاح الذرية؛ فإن الولد إذا حفظ القرآن، فإن ذلك أقرب لصلاحه وفلاحه، وإذا كان صالحًا، كان قرة عين لوالديه في الدنيا والآخرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، وعِلْمٍ يُنتفع به، وولد صالح يدعو له)).
يا وليَّ الأمر، أبناؤك بَضْعَةٌ منك، والمؤكد أنك تريد لهم أن يسلكوا طريق الخير وطريق السلامة من الفتن والْمُضلَّات، فخير ما يعصمهم ويحفظهم هو تعلم القرآن الكريم والعمل به؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]؛
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفَّل الله لمن قرأ القرآن، وعمِل بما فيه، ألَّا يَضِلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وقرأ هذه الآية: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].
عباد الله: إن إلحاق الأبناء والبنات في حلقات التحفيظ يعود عليهم بالخير والنفع والأثر العظيم فكم غير القرآن من نفوس وكم أحيا من همم وكم رفع من عقول وكم كان سببا في توفيق ورزق وبركة في الوقت والعلم والعمل..
بل والله إن تعلم آية واحدة لخير من متاع الدنيا كله ؛ روى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفَّة، فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان - أو إلى العقيق - فيأتي منه بناقَتَينِ كَوْمَاوَيْنِ في غير إثم، ولا قطع رحم؟ فقلنا: يا رسول الله، نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)).
عباد الله: لماذا أسجِّل أبنائي وبناتي في حلقات التحفيظ؟ حتى يصحبوا القرآن ويعيشوا معه، فيشفع لهم يوم القيامة؛ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ [رواه مسلم].
حفظ أولادك للقرآن سببٌ في أن يرتقوا إلى أعلى درجات الجِنان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْتَقِ، ورتِّل، كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).
تعلُّم ابنك للقرآن به تَطِيب به حياته، وتزكو روحه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشورى: 52]؛ قال السعدي رحمه الله: "هذا القرآن الكريم سمَّاه روحًا؛ لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين".
يا ربَّ الأسرة وراعيَها، التحاق أبنائك وبناتك في حلقات تعليم القرآن سبب في مرافقة الصحبة الصالحة، ومجالسة أهل القرآن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالِلُ)).
تعليم القرآن لأولادنا يجعلهم من أهل الله وخاصته؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس، قال: قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)).
يا وليَّ الأمر، إن علَّمت أولادك القرآن، فقد نِلْتَ جائزة كبرى، ومنزلة عليا؛ فقد روى الطبراني عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن صاحب القرآن يُكسى والداه حُلَّتَينِ لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب أنَّى لنا هذا؟ فيُقال: بتعليم ولدكما القرآن)).
اللهم اجعلنا وذريتنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.
عباد الله، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمد الله العزيز الغفور وعد من تلا كتابه بتجارة لن تبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك الملك الواحد الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه كان خلقه القران صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل القرآن والإيمان؛ أما بعد:
فيا أيها المسلمون: سُئل عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: ((أوصى بكتاب الله عز وجل))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وأنعِمْ وأكْرِم بها من وصية، وحرِيٌّ بكل مسلم أن يأخذ بوصية رسوله وسيده محمد صلى الله عليه وسلم، وحرِيٌّ بكل ربِّ أسرةٍ أن يأخذ بهذه الوصية مع أولاده وبناته، وعلى ذلك سار سلف الأمة في تنشئة أولادهم على التعلق بالقرآن تعلُّمًا وحفظًا؛ قال الحافظ السيوطي رحمه الله: "تعليم الصبيان القرآنَ أصلٌ من أصول الإسلام، به ينشأ على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل تمكُّن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال".
أيها المؤمنون، الفرص اليوم متاحة، والسُّبُلُ مُيَسَّرة، لتعليم أولادك وبناتك القرآن، فها هي حلقات القرآن بالمساجد وبالدور النسائية، مفتوحة أبوابها لاستقبال كل راغب وراغبة في تعلم القرآن وحفظه، فكُنْ يا وليَّ الأمر خيرَ مُعينٍ لأولادك للالتحاق بركْبِ أهل القرآن، شجِّعهم، وحفِّزهم، وقِفْ معهم، ولك مثل أجورهم في كل حرف يتلونه من كتاب الله تعالى.
أيها المؤمنون، هنيئًا لكل أبٍ وأمٍّ كان سببًا في تعلم أبنائه وبناته القرآن، وحصولهم على الخيرية والأفضلية المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضلكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه)).
وقد قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "عليكم بالقرآن، فتعلَّموه وعلِّموه أبناءكم؛ فإنكم عنه تُسألون، وبه تُجْزَون، وكفى به واعظًا لمن عقل".
 
اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، ناصيتنا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجِلاء حزننا، وذَهاب غمِّنا.
اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا.
اللهم وفق حِلق القرآن في بلادنا وفي جميع البلاد اللهم سدد من يعملون على تعليم كتابك اللهم وفقهم وأعنهم وأغنهم واحفظهم وسخر لهم واصرف عنهم كل شر وسوء اللهم اشرح صدور ابناءنا لتعلم القرآن وتعليمه اللهم اجعلنا ممن يبذل للقرآن وينفق على تعليمه ويكرم أهله يا رب العالمين واجعل ذلك سببا في سعادتنا في الدنيا والآخرة.
اللهم وأعز الإسلام والمسلمين، ووفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير.
اللهم احقن دماء المسلمين؛ وانجو عبادك المستضعفين واشدد وطأتك على المعتدين المحاربين.
اللهم لطفك بأهلنا في غزة والسودان وجميع المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.
اللهم وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
المشاهدات 717 | التعليقات 0