حُفَّت الجنةُ بالمكاره

HAMZAH HAMZAH
1442/06/30 - 2021/02/12 07:37AM
( حُفَّت الجنةُ بالمكاره...) وقفاتٌ وتأملات...!   ‏إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينه ، ونستغفرُه ونتوبُ إليه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئاتِ أعمالنا من يهدهِ الله فلا مُضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسوله ، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين .. أما بعد : أيها الناس :  المؤمنُ في هذهِ الحياة في معركةٍ مع الشهواتِ والمعاصي ، ويعاني في تدينِه فتنًا تَقصدُه ، وفي ثباته محنًا تحاول هزَّه وزلزلتَه . ولذلك .. نحنُ في بحرٍ متلاطمٍ بالأمواج والفتن ... كما قال الله تعالى :{ ليبلوَكم أيكم أحسنُ عملًا} سورة الملك . وفي الصحيحينِ قال صلى اللهُ عليه وسلم ما يؤكدُ ذلك : { حُفّت الجنةُ بالمكاره ، وحُفّت النارُ بالشهوات }. وفي لفظ :{ حُجبت } ...   ولهذا سُئلَ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه: أيُّما أفضل؟ رجلٌ لم تخطُر له الشهوات، ولم تمرَّ بباله، أو رجلٌ نازعته إليها نفسه ، فتركها لله؟ فكتب عمرُ رضي الله عنه: "إن الذي تشتهي نفسُه المعاصي، ويتركُها لله عز وجل،  من الذين امتحنَ اللهُ قلوبَهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم" .   ‏والمعنى : أنّ طريقَ الجنة محفوفٌ بمكاره لابدَّ من اقتحامِها ، نحوَ الصبرِ على أداءِ الصلوات ، والصبرِ في كظمِ الغيظ ، وردّ الإساءةِ بالحسنة ، وصلاة الفجرِ وقيام الليل ، وتركِ الشهوة المحببة إلى النفوس ، وهي محرمة ..! لكنك تتذكرُ اللهَ ، وما أعده لعباده الصابرين  فتحتملُ مرارةَ الترك والفقدان ....قال تعالى :{ فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنةَ هي المأوى } سورة النازعات . والنارُ كذلك محفوفةٌ بالشهوات المحرمة ، من زنا وخمرٍ وكذب ، وحب الراحة وقت الصلوات والواجبات . والمتجاسر هنا، متجاسرٌ على النارِ وعذابِها وأنكالِها ... !  قال العلماءُ :" وهذا من بديع ِ كلامِه صلى الله عليه وسلم وفصيحهِ ِوجوامعه " وفقنا اللهُ وإياكم لاتباع سنته والعمل بها . ‏وقال تعالى:{  يا أيها المزملُ قم الليل إلا قليلا نصفه ،أو انقص منه قليلا } سورة المزمل . والليلُ موضعُ راحةٍ ونومٍ واسترخاء ، ولكنَّ أهلَ الإيمان يتذكرون ما عند الله من الثواب ، وحسن الثمار ، فيصبرون ويحتملون مرارة ذلك . وكان الحسنُ بن صالح الكوفي رحمه الله هو وأمه وأخوه ، يختمون القرآن كل ليلة ، ويحيونه بالعبادة والقراءة ، يتعاقبون ،؟فلا يخلو البيتُ من قائم ..! وكانا بإمكانهم إيثارُ الراحةِ  والخلود إلى النوم ، ولكنهم احتملوا  ذلك حباً للأجرِ،  وطلباً لِما عند الله ، واشتياقا لمباهج القيام...! ‏ويجوعُ الفقيرُ المؤمن ، ويحتملُ الآلام ، ولا يُدخل إلى بطنه طعاما محرمًا ، لأن ذلك طريق الجنة .    ويستعجلُ بعضُ بني آدمَ شهوتَه في جمع الحرام ، ولا يبالي ... انظر لفعائل الصالحين ... هذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه،  يُحضر له غلامهُ طعاما ، وعادتهُ -تورعاً -أن يسأله من أينَ لك هذا الطعام ...؟! فيُخبره .. وفي يوم نسيَ أن يسأله،  فأكل،  فلما فرغ ، قال له الغلام : لم تسألني يا سيدي ..؟! فقال أبو بكر : نعم من أين لك هذا .؟ فقال : كنت تكهنتُ لإنسانٍ في الجاهلية -ادعيت الغيب - وما أُحسنُ الكهانة ، الا أنني خدمته،  فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يدَه في فيه، وقاء ما في بطنه...!! ‏الطعامُ لذيذٌ ، وتشتهيه النفوس ، وقد يأتي على فاقة ، ولكنْ حُرمتُه ومجيئه من طريق محرمة،  تحول دون الإستمتاع به عند القلوب الحية والنفوس المتورعة ..{ حُفت الجنة بالمكاره وحلفت النار الشهوات } .  ثم إن الشيطانَ يحيطُ بذلك ، فيزهّدُ في الطاعات ، ويُحسِّن للعبد الشهوات ، ويخدعُ  العبدَ بكثرة الوالغين فيها ،  وتزيينهم ودعايتهم... قال تعالى :{  ودوا لو تدهن فيدهنون } سورة القلم . وقال :{ ويريدُ الذينَ يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما } سورة النساء .  وعلى ذلك لا يعني جوازَها، أو تسامح الشرع ، فيها فقد قال الله:{  قل لا يستوي الخبيثُ والطيب ولو أعجبك كثرةُ الخبيث } سورة المائدة . ‏فكثرةُ الشهوات ، وسهولتُها بالمال وغيره ، لا يُبيحها، بل يصبرُ المؤمن ويجاهد نفسه ، ويؤثر الغالي البعيد ، على المغري القريب، كما صنع يوسفُ عليه السلام استدعته سيدةُ القصر إلى حجرتها ،وتجملت، وتهيأت وهو عاملها ، وغريبٌ وحيد ،فأبى وقال :( معاذَ اللهِ إنه ربي أحسن مثواي ، إنه لا يفلح الظالمون ). نفوسٌ علياتٌ وكلُّ طموحِها... مخافةُ رحمنٍ وفوزٌ بأنعمِ..!    ثبَّتنا اللهُ وإياكم على دينه ، وجنبنا مضلات الفتن ... أقول قولي هذا ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين ، فاستغفروه فيا فوزَ المستغفرين التائبين... —- ‏الحمدُ لله وكفَى ، وسلاما على عباده الذين اصطفى ، وعلى خيرِهم نبينا محمد ، خير رسولٍ مقتفى، وعلى آلهِ وصحبه أربابِ المجدِ والوفاء ... أما بعد : أيها الإخوةُ الفضلاء : إنَّ مثلَ هذا الحديث الشريف ، يُعدُّ كشفًا لحقيقة الحياة الدنيا ، وكشفًا للطريق الموصل إلى الدار الآخرة ، حيث غنائمُ الجنات أو مقامعُ النيران ...! وأن الجنةَ شعارُها المشاق ، وخطاها الصبرُ،  وظِلالُها المجاهدة ...{ والذين جاهدوا فينا لنا لنَهدينّهم سُبلَنا، وإن اللهَ لمع المحسنين } ..  والمعصية تستهويك بشهواتها، لتجرك للمخاطر ... فاملأ قلبَك بقوةٍ وشجاعة ، تحملك على تجاوز الصعاب، واحتمالِ الشدائد... !   تُريدينَ تريدين لقيانَ المعالي رخيصةً... ولا بدَّ دون الشَّهدِ من إبَر النحلِ..!  قال أهلُ العلم :" أجمعَ عقلاءُ كلِّ أمة، أن النعيمَ لا يُدركُ بالنعيم ، وأن من آثرَ الراحة فاتته الراحة ". وكأنَّ الحديث "حُفت الجنة بالمكاره" ، يدفعك إلى أن تشحذَ همتك، وتعلي عزيمتَك ، وتسارعَ إلى الله ، شوقا في الخيرات ، واستطعاما للمكاره ، في سبيل الجنان، والظفر بالنعيم المقيم ... الحسناتُ وإن ثقُلت فنهايتُها ربيعية، والسيئاتُ وإن غرّت، عاقبتها جهنمية ، فاحذر ولا تتساهل ، فسوقُ الشهوات رائجٌ مَهول، والمرأةُ سلعته ورمزيته ، وغدوّه ورواحُه ، ولعلها سلاحُ الأعادي في الفتنة والسلب والتمادي..{ إن كيدكنّ عظيم }.   وصلوا وسلموا يا مسلمون على النبي الأكرم ، والرسول الأعظم....
المشاهدات 1701 | التعليقات 0