حُــــســٰـن الخــــاتــِـمَــــة

راشد بن عبد الرحمن البداح
1444/04/16 - 2022/11/10 15:27PM

1444
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا {اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[البقرة223]

فقد دعانا مَولانا للتأملِ والنظرِ في شيءٍ مهمٍ جدًا، فقالَ سبحانَه: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} يا ربَّنا بأيِ شيءٍ ننظرُ؟! الجوابُ: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}[الأعراف185]

ساعةُ الختامِ هيَ الملخصُ لحياةِ الإنسانِ، والخواتيمُ ميراثُ السّوابقِ. وحسنُالخاتمةِ أن يوفّقَ العبدُ قُبيلَ موتهِ للتوبةِ من السيئاتِ، والإقبالِ على الطاعاتِ، ثم يكونَ موتُه على هذه الحالِ الحسنةِ، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ. فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ().

أيُها الأحبةُ: كيفَ مرتْ ساعةُ الختامِ على سلفِنا الصالحِ الذين عاشُوا على طاعةِ اللهِ وماتُوا على ذكرِ اللهِ؟! خذُوا على ذلك خمسةَ أمثلةٍ:

ها هوَ سيدُنا وإمامُنا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سكراتِ الموتِ، ترى ابنتُه فاطمةُ -رضيَ اللهُ عنها- ما يتغشاهُ من الكربِ الشديدِ عند الموتِ، فتقولُ: واكرْبَ أبتاه، فيقولُ لها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استبشاراً بلقاءِ ربهِوحسنِ خاتمتهِ: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ().

وعندما نزلَ الموتُ بمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ –رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: مَرْحَبًا بِالْمَوْتِ، زَائِرٌ بعد غِيابٍ، وحَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، اللهُمَّ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَخَافَكَ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْجُوكَ، اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ الدُّنْيَا وَطُولَ الْبَقَاءِ فِيهَا لِجَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَلَا لِغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَلَكِنْ لَظَمَأِ الْهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ السَّاعَاتِ، وَمُزَاحَمَةِ الْعُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عَنِ حِلَقِ الذِّكْرِ().

وهذا التابعيُ الكبيرُ بِلَالُ بنُ سعدٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قالَ: غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةَ، مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ، فتَقُولُ له امْرَأَتُهُ: وَاوَيْلَاهُ فيَقُولُ لها: وَافَرْحَاهُ().

ولَمَّا احْتُضِرَ الخليفةُ الراشدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لمن حولَه: اخْرُجُوا عَنِّي، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ: مَرْحَبًا بِهَذِهِ الْوُجُوهِ، لَيْسَتْ بِوُجُوهِ إِنْسٍ وَلا جَانٍّ، ثُمَّ قَالَ: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ثُمَّ هَدَأَ الصَّوْتُ، فَدَخَلُوا فَوَجَدُوهُ قَدْ قُبِضَ رحمهُ اللهُ().

وتأملْ هذا المشهدَ، يا مَن تتركُ الصلاةَ أو تتهاونُ فيها بأهونِ الأعذارِ: هاهوَعَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ المُؤَذِّنَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: خُذُوا بِيَدِي. فَقِيْلَ: إِنَّكَ عَلِيْلٌ! قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللهِ، فَلاَ أُجِيْبُهُ؟! فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي المَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ().

أيُها المؤمنونَ: تلكُمْ بعضُ أحوالِ أهلِ الخواتيمِ الحسنةِ، ولكن ماذا عنا نحنُ؟ إن الموتى لو تكلمُوا لقالوا لنا: تزودُوا من هذهِ الدنيا بالعملِ الصالحِ،فإنها فرصةٌ، وقد تكونُ الفرصةَ الأخيرةَ. وإن الموتى لو بكَوا، لم يبكُوا منمجردِ الموتِ! وإنما سيَبكونَ من حسرةِ الفَوتِ. فقد تركُوا دارًا لم يتزودُوا منها، ودخلُوا دارًا لم يتزودُوا لها: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون99، 100].

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ: فكم نحنُمُضطرون إلى التوبةِ لربِنا، ولرحمتِه ومغفرتِه. فيا عبدَ اللهِ: استعدَ للموتِ قبلَنزولِ الخطرِ، وتزودْ بالزادِ قبلَ السفرِ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة197]

تزودْ من التقوى فانَّكَ لا تدريْ * إذا جَنَ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ

فكم من صحيحٍ ماتَ من غيْرِ علةٍ * وكم من سقيمٍ عاشَ حينًا من الدهرِ

وكم من فتىً يُمسِي ويُصبِحُ لاهيًا * وقد نُسجتْ أكفانهُ وهو لا يدرِي

وانظروُا كم دَفنّا خلالَ شهرٍ من ميتٍ، وقد كانُوا يُؤملونَ كما نُؤملُ، ولكنّاللهَ قد قضَى بقطعِ آجالِهِم، وأبقانا بعدَهم.

• فاللهم ارحمنا وأمواتَنا، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صارُوا إليه.
• اللهم يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ: أحسنْ ختامَنا، وقدومَنا عليكَ، واجعل خيرَ أيامِنا يومَ نلقاكَ.
• اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
• اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ إِلَهَ الْحَقِّ.
• اللهم احفظ ووفقْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. اللهم وسدِّدْقراراتِهم ومؤتمراتهم.
• نستغفرُ الله الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
• اللهم اسقِنا سُقيا نافعةٍ وادعةٍ، تزيدُ بها في شكرِنا، إن عطاءَك لم يكن محظورًا.
• اللهم أنزلْ في أرضنا ربيعَها، وسكنَها، وارزقنا من بركاتِ السموات والأرض، وأنت خير الرازقين().
• اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

المرفقات

1668083258_حسن الخاتمة.pdf

1668083265_حسن الخاتمة.doc

المشاهدات 844 | التعليقات 0