حضرموت تاريخها-إسلامها- وفودها- عمالها
د مراد باخريصة
1435/11/23 - 2014/09/18 17:38PM
نريد اليوم في هذه الخطبة أن نتكلم عن حضرموت وكيف دخل الإسلام إلى حضرموت؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟ وماهي الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم من أهل حضرموت ومن هم عمال النبي صلى الله عليه وسلم على حضرموت؟
إن حضرموت اسم مركب من اسمين هما ( حضر ) و ( موت ) ويرجع تاريخها إلى العهد القديم ويقال أن أول من سكنها رجل يسمى حضرموت بمعنى الحاضر الميت.
وقيل سميت على اسم رجل يسمى عامر بن قحطان كان إذا حضر حرباً أكثر فيها من القتل فلقب بحضرموت وهناك أقوال عديدة في سبب تسميتها لسنا بصدد الحديث عنها.
لقد عبد أهل حضرموت في الزمان الأول الأوثان والأصنام كغيرهم من أهل المناطق والبلدان وكان أكبر الآلهة التي عبدوها من دون الله إله القمر الذي يلقبونه بسين.
ويذكر بعض المؤرخين أن العبارة الدارجة التي يتداولها الناس في حضرموت عند حدوث مكروه لشخص فيقولون له ياسين عليك هي من آثار العبودية لهذا الإله.
ويذكر الهمداني أن عبادة الشمس وتعظيمها والسجود لها كان منتشراً في المناطق الساحلية بحضرموت وأن عبادتها بقيت بينهم حتى فجر الإسلام.
ولازال بعض الناس إلى اليوم إذا انكسر له ضرس أو سن لصبي من الصبيان أخذه واتجه به نحو الشمس وقال هذا ضرس حمار فآتيني بضرس غزال.
ومن الآلهة التي عبدت في حضرموت الإله حول وكانوا يعتبرونه إله المراحل والشهور ويعتبرونه رمز المطر والخير ولازال بعض الناس إلى اليوم وخاصة في وادي حضرموت إذا خرج المطر يقولون ياحول ياحول.
ومثل ما عرف أهل حضرموت الأديان الوضعية عرفوا أيضاً الأديان السماوية ولاننسى أن موطن قوم عاد الذين أرسل الله إليهم نبيه هود عليه السلام هي الأحقاق.
والأحقاف كما قال المفسرون والمؤرخون هي الرمال التي بين اليمن وعمان بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر.
يقول قتادة رحمه الله " ذُكرَ لَنَا أَنَّ عَادًا كَانُوا حَيًّا بِالْيَمَنِ مُشْرِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ بِأَرْضٍ يقال لها الشِّحْرُ " والشحر تضم عدة مناطق وهي الديس والحامي والريدة وقصيعر.
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
كما أن دين اليهودية أيضاً قد دخل حضرموت في عهد تبع ذي نواس الذي كان يكره الناس على اعتناق اليهودية ولاننسى حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ له : " إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ – يعني يهود ونصارى- ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .. ".
ويذكر بعضهم أن بلدة حريضة مصحفة من قريظة وكانت مسكناً لليهود قبل البعثة المحمدية وهناك دلائل تشير إلى وجود اليهود بحضرموت فالأشعث ابن قيس الكندي كان عمه يهودياً وله أخت يهودية وقد سألوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في من يرثها.
كما أن قصة الأشعث بن قيس الكندي مع اليهودي حين اختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم على البئر مشهورة ومعروفة وهي في صحيح البخاري وغيره وفيها فقال الحضرمي يَا رَسُولَ اللهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي – يقصد على اليهودي - فَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ).
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله بن عَمٍّ لِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنَ الْيَهُودِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَمَنِ كَانُوا تَهَوَّدُوا ).
كما أن النصرانية دخلت أيضاً إلى حضرموت على يد أحد الملوك يسمى ( ذو ثعلبان ) وعلى يده دخلت النصرانية إلى اليمن ومنها إلى حضرموت وبقيت بعض الشخصيات الحضرمية متأثرة بالنصرانية وماتوا على ذلك.
أما الإسلام فقد دخل إلى حضرموت بموجب الرسالة التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل حضرموت من جملة الرسائل التي كان يرسلها إلى الأمراء والملوك ويذكر اليعقوبي أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل حضرموت كان نصها بمثل ما كتب إلى كسرى عظيم فارس.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة خاصة إلى وائل بن حجر وكان من أقيال حضرموت ومقادمتهم ورموزهم وكان أبوه من ملوكهم فأرسل صلى الله عليه وسلم له رسالة خاصة مع الصحابي الجليل سليم بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه يذكر لهم فيها ما يجب عليهم دفعه من الزكاة.
أحب أهل حضرموت الإسلام ودخلوا فيه طواعية وحباً من غير إلزام وكان من حبهم لله ورسوله والمؤمنين أن وفدوا بجموعهم ووفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسافروا للقائه وكان من جملة هذه الوفود:
وفد حضرموت بقيادة وائل بن حجر رضي الله عنه:
انطلق وائل بن حجر ومعه وفد من أهل حضرموت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة يقول وائل: (بَلَغَنَا ظُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم وَنَحْنُ فِي مُلْكٍ عَظِيمٍ وَطَاعَةٍ فَرَفَضْتُهُ وَخَرَجْتُ رَاغِبًا فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم كَانَ قَدْ بَشَّرَهُمْ بِقُدُومِي فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيَّ وَبَسَطَ لِي رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرَهُ وَأَقْعَدَنِي مَعَهُ فَرَفَعَ يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّينَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا وَائِلُ بْنُ حُجْر قَدْ أَتَاكُمْ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ مِنْ حَضْرَمَوْتَ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ رَاغِبًا فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِي دِينِهِ بَقِيَّةُ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ مَا هُوَ إلاَّ أَنْ بَلَغَنَا ظُهُورُكَ وَنَحْنُ فِي مُلْكٍ عَظِيمٍ وَطَاعَةٍ عَظِيمَةٍ فَأَتَيْتُكَ رَاغِبًا فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَفِي دِينِهِ قَالَ: صَدَقْتَ).
كما قدم وفد خاص من قبيلة كندة بقيادة زعميهم الأشعث بن قيس الكندي في السنة التاسعة من الهجرة فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ، وَقَدْ رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ - أي سرحوا ومشطوا شعر الناصية الذي يصل إلى المنكبين- وَتَكَحَّلُوا، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ، وَقَدْ كَفَّفُوهَا – بِالْحَرِيرِ – أي جعلُوا لَهَا سجفا من الْحَرِير-، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَمْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ،: فَشَقُّوهُ مِنْهَا، فَأَلْقَوْهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " لَا، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُوا أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا.
ومن الوفود الحضرمية التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد تُجِيبَ وهي قبيلة من السكون وقَدْ سَاقُوا مَعَهُمْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فَرَضَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُقْنَا إِلَيْكَ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدُّوهَا فَاقْسِمُوهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَدِمْنَا عَلَيْكَ إِلَّا بِمَا فَضُلَ عَنْ فُقَرَائِنَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَفَدَ عَلَيْنَا وَفْدٌ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلَ مَا وَفَدَ بِهِ هَذَا الْحَيُّ مِنْ تُجِيبَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الْهُدَى بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا شَرَحَ صَدْرَهُ لِلإِيمَانِ».
وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ، فَكتب لَهُمْ بِهَا، وَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، فَازْدَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ رَغْبَةً، وَأَمَرَ بِلالا أَنْ يُحْسِنَ ضِيَافَتَهُمْ، فَأَقَامُوا أَيَّامًا وَلَمْ يَطْلُبُوا اللُّبْثَ، فَقِيلَ لَهُمْ: مَا يُعْجِلُكُمْ، فَقَالُوا: نَرْجِعُ إِلَى مَنْ وَرَاءَنَا فَنُخْبِرُهُمْ بِرُؤْيَتِنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلامِنَا إِيَّاهُ وَمَا رَدَّ عَلَيْنَا ثُمَّ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُونَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِلالا، فَأَجَازَهُمْ بِأَرْفَعَ مَا كَانَ يُجِيزُ بِهِ الْوُفُودَ، قَالَ، «هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ» ؟ قَالُوا: غُلامٌ خَلَّفْنَاهُ عَلَى رِحَالِنَا هُوَ أَحْدَثُنَا سِنًّا، قَالَ: فَأَرْسِلُوهُ إِلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رِحَالِهِمْ قَالُوا لِلْغُلامِ: انْطَلِقْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَاقْضِ حَاجَتَكَ مِنْهُ، فَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا حَوَائِجَنَا مِنْهُ وَوَدَّعْنَاهُ، فَأَقْبَلَ الْغُلامُ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرِؤٌ مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَتَوْكَ آنِفًا فَقَضَيْتَ حَوَائِجَهُمْ، فَاقْضِ حَاجَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَمَا حَاجَتُكَ» ؟ قَالَ: إِنَّ حَاجَتِي لَيْسَتْ كَحَاجَةِ أَصْحَابِي، وَإِنْ كَانُوا قَدِمُوا رَاغِبِينَ فِي الإِسْلامِ وَسَاقُوا مَا سَاقُوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعلمني مِنْ بِلادِي إِلَّا أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَأَنْ يَرْحَمَنِي، وَأَنْ يَجْعَلَ غِنَايَ فِي قَلْبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ إِلَى الْغُلامِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ . ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أمر لأَصْحَابِهِ.
ومن الوفود الحضرمية التي وفدت وفد الصَّدِفِ وهم قبيلة من القبائل الحضرمية كانت تسكن غرب حضرموت ومن بطونهم الصيعر وبنوذهبان وغيرهم.
قَدِمُوا فِي بِضْعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا فَصَادَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَلَسُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا فَقَالَ: " أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ " فَهَلَّا سلَّمتم " فَقَامُوا قِيَامًا فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَقَالَ: " وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، اجْلِسُوا " فَجَلَسُوا وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ).
الخطبة الثانية:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يعلم أهل حضرموت أمور الدين وأحكام الإسلام ومن هؤلاء زياد بن لبيد رضي الله عنه ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على حضرموت بناء على طلب وائل بن حجر عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث معه رجالاً إلى قومه يدعونهم إلى الإسلام، فأمر معاوية أن يكتب: «من محمّد رسول اللَّه إلى الأقيال من حضرموت أي الوجهاء والمقادمة -، وبعث النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم زياد بن لبيد.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل حضرموت المهاجر بن أبي أمية واستعمله على صدقات كندة والصدف وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسر المهاجر إليها فبعثه أبوبكر رضي الله عنه لقتال المرتدين من أهل كندة وعلى يده انتصر المسلمون على المرتدين في معركة النيجير الشهيرة التي وقعت بالقرب من حصن النيجير المشهور في وادي حضرموت وأسروا خلالها زعيم كندة الأشعث بن قيس وأرسلوه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عكاشة بن ثور عاملاً له على السكاسك والسكون وبني معاوية من كندة ويذكر الإمام الذهبي رحمه الله أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم الشحر رافعاً صوته بالتهليل والتكبير وكان يتردد بين مخلافي الجند وحضرموت وهو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له إنك ستأتي قوماً أهل كتاب.
هذه هي حضرموت الخير والإسلام حضرموت البشر والوئام فما بالها اليوم يتلاعب بها المتلاعبون ويعبث بها العابثون حتى أصبحنا بين الفترة والأخرى نسمع بالفواجع الكبيرة والأخبار العصيبة في قتل أهلها ممن لاذنب لهم فبأي ذنب يقتل هؤلاء.
بأي ذنب يوجه الغادرون رصاصهم الثقيل المسموم المشئوم على صدور رجال من أهل حضرموت ليس لهم في العير ولافي النفير وإنما هكذا بطراً ورئاء الناس ولمجرد اشتباه أخرق أحمق.
كم من هذه الحوادث التي حدثت تشبه هذه الحادثة وكم من قتيل قتل بهذه الطريقة الاجرامية الوحشة على يد وللأسف رجال الجيش والأمن الذين ينتظر الناس منهم الحماية فإذا بهم مصدر الخوف ومبعث القتل والقلق للمواطن البريء المسكين.
هؤلاء هم الخوارج الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وذكر أن سيماهم التحليق.
ليس اللوم عليهم ولكن اللوم علينا وعلى قياداتنا المتفرقة المتناحرة التي تدس أنفها في التراب في مثل هذه المواقف وتكتفي دائما بالشجب والتنديد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عرف القوم كيف نحصي الضحايا *** كيف يرمى على القتيل قتيل
ونسينا شكل السلاح فعذر *** ان حفر القبور شغل ثقيل ..
نحن والله ان عددنا كثير *** بيد انا اذا دعينا قليل ..
ليس ما قد نقول يأس *** ولكن يأسنا ان نخاف مما نقول
إن حضرموت اسم مركب من اسمين هما ( حضر ) و ( موت ) ويرجع تاريخها إلى العهد القديم ويقال أن أول من سكنها رجل يسمى حضرموت بمعنى الحاضر الميت.
وقيل سميت على اسم رجل يسمى عامر بن قحطان كان إذا حضر حرباً أكثر فيها من القتل فلقب بحضرموت وهناك أقوال عديدة في سبب تسميتها لسنا بصدد الحديث عنها.
لقد عبد أهل حضرموت في الزمان الأول الأوثان والأصنام كغيرهم من أهل المناطق والبلدان وكان أكبر الآلهة التي عبدوها من دون الله إله القمر الذي يلقبونه بسين.
ويذكر بعض المؤرخين أن العبارة الدارجة التي يتداولها الناس في حضرموت عند حدوث مكروه لشخص فيقولون له ياسين عليك هي من آثار العبودية لهذا الإله.
ويذكر الهمداني أن عبادة الشمس وتعظيمها والسجود لها كان منتشراً في المناطق الساحلية بحضرموت وأن عبادتها بقيت بينهم حتى فجر الإسلام.
ولازال بعض الناس إلى اليوم إذا انكسر له ضرس أو سن لصبي من الصبيان أخذه واتجه به نحو الشمس وقال هذا ضرس حمار فآتيني بضرس غزال.
ومن الآلهة التي عبدت في حضرموت الإله حول وكانوا يعتبرونه إله المراحل والشهور ويعتبرونه رمز المطر والخير ولازال بعض الناس إلى اليوم وخاصة في وادي حضرموت إذا خرج المطر يقولون ياحول ياحول.
ومثل ما عرف أهل حضرموت الأديان الوضعية عرفوا أيضاً الأديان السماوية ولاننسى أن موطن قوم عاد الذين أرسل الله إليهم نبيه هود عليه السلام هي الأحقاق.
والأحقاف كما قال المفسرون والمؤرخون هي الرمال التي بين اليمن وعمان بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر.
يقول قتادة رحمه الله " ذُكرَ لَنَا أَنَّ عَادًا كَانُوا حَيًّا بِالْيَمَنِ مُشْرِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ بِأَرْضٍ يقال لها الشِّحْرُ " والشحر تضم عدة مناطق وهي الديس والحامي والريدة وقصيعر.
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
كما أن دين اليهودية أيضاً قد دخل حضرموت في عهد تبع ذي نواس الذي كان يكره الناس على اعتناق اليهودية ولاننسى حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ له : " إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ – يعني يهود ونصارى- ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .. ".
ويذكر بعضهم أن بلدة حريضة مصحفة من قريظة وكانت مسكناً لليهود قبل البعثة المحمدية وهناك دلائل تشير إلى وجود اليهود بحضرموت فالأشعث ابن قيس الكندي كان عمه يهودياً وله أخت يهودية وقد سألوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في من يرثها.
كما أن قصة الأشعث بن قيس الكندي مع اليهودي حين اختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم على البئر مشهورة ومعروفة وهي في صحيح البخاري وغيره وفيها فقال الحضرمي يَا رَسُولَ اللهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي – يقصد على اليهودي - فَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ).
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله بن عَمٍّ لِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنَ الْيَهُودِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَمَنِ كَانُوا تَهَوَّدُوا ).
كما أن النصرانية دخلت أيضاً إلى حضرموت على يد أحد الملوك يسمى ( ذو ثعلبان ) وعلى يده دخلت النصرانية إلى اليمن ومنها إلى حضرموت وبقيت بعض الشخصيات الحضرمية متأثرة بالنصرانية وماتوا على ذلك.
أما الإسلام فقد دخل إلى حضرموت بموجب الرسالة التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل حضرموت من جملة الرسائل التي كان يرسلها إلى الأمراء والملوك ويذكر اليعقوبي أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل حضرموت كان نصها بمثل ما كتب إلى كسرى عظيم فارس.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة خاصة إلى وائل بن حجر وكان من أقيال حضرموت ومقادمتهم ورموزهم وكان أبوه من ملوكهم فأرسل صلى الله عليه وسلم له رسالة خاصة مع الصحابي الجليل سليم بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه يذكر لهم فيها ما يجب عليهم دفعه من الزكاة.
أحب أهل حضرموت الإسلام ودخلوا فيه طواعية وحباً من غير إلزام وكان من حبهم لله ورسوله والمؤمنين أن وفدوا بجموعهم ووفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسافروا للقائه وكان من جملة هذه الوفود:
وفد حضرموت بقيادة وائل بن حجر رضي الله عنه:
انطلق وائل بن حجر ومعه وفد من أهل حضرموت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة يقول وائل: (بَلَغَنَا ظُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم وَنَحْنُ فِي مُلْكٍ عَظِيمٍ وَطَاعَةٍ فَرَفَضْتُهُ وَخَرَجْتُ رَاغِبًا فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم كَانَ قَدْ بَشَّرَهُمْ بِقُدُومِي فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيَّ وَبَسَطَ لِي رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرَهُ وَأَقْعَدَنِي مَعَهُ فَرَفَعَ يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّينَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا وَائِلُ بْنُ حُجْر قَدْ أَتَاكُمْ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ مِنْ حَضْرَمَوْتَ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ رَاغِبًا فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِي دِينِهِ بَقِيَّةُ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ مَا هُوَ إلاَّ أَنْ بَلَغَنَا ظُهُورُكَ وَنَحْنُ فِي مُلْكٍ عَظِيمٍ وَطَاعَةٍ عَظِيمَةٍ فَأَتَيْتُكَ رَاغِبًا فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَفِي دِينِهِ قَالَ: صَدَقْتَ).
كما قدم وفد خاص من قبيلة كندة بقيادة زعميهم الأشعث بن قيس الكندي في السنة التاسعة من الهجرة فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ، وَقَدْ رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ - أي سرحوا ومشطوا شعر الناصية الذي يصل إلى المنكبين- وَتَكَحَّلُوا، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ، وَقَدْ كَفَّفُوهَا – بِالْحَرِيرِ – أي جعلُوا لَهَا سجفا من الْحَرِير-، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَمْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ،: فَشَقُّوهُ مِنْهَا، فَأَلْقَوْهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " لَا، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُوا أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا.
ومن الوفود الحضرمية التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد تُجِيبَ وهي قبيلة من السكون وقَدْ سَاقُوا مَعَهُمْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فَرَضَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُقْنَا إِلَيْكَ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدُّوهَا فَاقْسِمُوهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَدِمْنَا عَلَيْكَ إِلَّا بِمَا فَضُلَ عَنْ فُقَرَائِنَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَفَدَ عَلَيْنَا وَفْدٌ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلَ مَا وَفَدَ بِهِ هَذَا الْحَيُّ مِنْ تُجِيبَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الْهُدَى بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا شَرَحَ صَدْرَهُ لِلإِيمَانِ».
وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ، فَكتب لَهُمْ بِهَا، وَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، فَازْدَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ رَغْبَةً، وَأَمَرَ بِلالا أَنْ يُحْسِنَ ضِيَافَتَهُمْ، فَأَقَامُوا أَيَّامًا وَلَمْ يَطْلُبُوا اللُّبْثَ، فَقِيلَ لَهُمْ: مَا يُعْجِلُكُمْ، فَقَالُوا: نَرْجِعُ إِلَى مَنْ وَرَاءَنَا فَنُخْبِرُهُمْ بِرُؤْيَتِنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلامِنَا إِيَّاهُ وَمَا رَدَّ عَلَيْنَا ثُمَّ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُونَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِلالا، فَأَجَازَهُمْ بِأَرْفَعَ مَا كَانَ يُجِيزُ بِهِ الْوُفُودَ، قَالَ، «هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ» ؟ قَالُوا: غُلامٌ خَلَّفْنَاهُ عَلَى رِحَالِنَا هُوَ أَحْدَثُنَا سِنًّا، قَالَ: فَأَرْسِلُوهُ إِلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رِحَالِهِمْ قَالُوا لِلْغُلامِ: انْطَلِقْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَاقْضِ حَاجَتَكَ مِنْهُ، فَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا حَوَائِجَنَا مِنْهُ وَوَدَّعْنَاهُ، فَأَقْبَلَ الْغُلامُ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرِؤٌ مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَتَوْكَ آنِفًا فَقَضَيْتَ حَوَائِجَهُمْ، فَاقْضِ حَاجَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَمَا حَاجَتُكَ» ؟ قَالَ: إِنَّ حَاجَتِي لَيْسَتْ كَحَاجَةِ أَصْحَابِي، وَإِنْ كَانُوا قَدِمُوا رَاغِبِينَ فِي الإِسْلامِ وَسَاقُوا مَا سَاقُوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعلمني مِنْ بِلادِي إِلَّا أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَأَنْ يَرْحَمَنِي، وَأَنْ يَجْعَلَ غِنَايَ فِي قَلْبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ إِلَى الْغُلامِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ . ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أمر لأَصْحَابِهِ.
ومن الوفود الحضرمية التي وفدت وفد الصَّدِفِ وهم قبيلة من القبائل الحضرمية كانت تسكن غرب حضرموت ومن بطونهم الصيعر وبنوذهبان وغيرهم.
قَدِمُوا فِي بِضْعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا فَصَادَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَلَسُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا فَقَالَ: " أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ " فَهَلَّا سلَّمتم " فَقَامُوا قِيَامًا فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَقَالَ: " وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، اجْلِسُوا " فَجَلَسُوا وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ).
الخطبة الثانية:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يعلم أهل حضرموت أمور الدين وأحكام الإسلام ومن هؤلاء زياد بن لبيد رضي الله عنه ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على حضرموت بناء على طلب وائل بن حجر عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث معه رجالاً إلى قومه يدعونهم إلى الإسلام، فأمر معاوية أن يكتب: «من محمّد رسول اللَّه إلى الأقيال من حضرموت أي الوجهاء والمقادمة -، وبعث النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم زياد بن لبيد.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل حضرموت المهاجر بن أبي أمية واستعمله على صدقات كندة والصدف وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسر المهاجر إليها فبعثه أبوبكر رضي الله عنه لقتال المرتدين من أهل كندة وعلى يده انتصر المسلمون على المرتدين في معركة النيجير الشهيرة التي وقعت بالقرب من حصن النيجير المشهور في وادي حضرموت وأسروا خلالها زعيم كندة الأشعث بن قيس وأرسلوه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عكاشة بن ثور عاملاً له على السكاسك والسكون وبني معاوية من كندة ويذكر الإمام الذهبي رحمه الله أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم الشحر رافعاً صوته بالتهليل والتكبير وكان يتردد بين مخلافي الجند وحضرموت وهو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له إنك ستأتي قوماً أهل كتاب.
هذه هي حضرموت الخير والإسلام حضرموت البشر والوئام فما بالها اليوم يتلاعب بها المتلاعبون ويعبث بها العابثون حتى أصبحنا بين الفترة والأخرى نسمع بالفواجع الكبيرة والأخبار العصيبة في قتل أهلها ممن لاذنب لهم فبأي ذنب يقتل هؤلاء.
بأي ذنب يوجه الغادرون رصاصهم الثقيل المسموم المشئوم على صدور رجال من أهل حضرموت ليس لهم في العير ولافي النفير وإنما هكذا بطراً ورئاء الناس ولمجرد اشتباه أخرق أحمق.
كم من هذه الحوادث التي حدثت تشبه هذه الحادثة وكم من قتيل قتل بهذه الطريقة الاجرامية الوحشة على يد وللأسف رجال الجيش والأمن الذين ينتظر الناس منهم الحماية فإذا بهم مصدر الخوف ومبعث القتل والقلق للمواطن البريء المسكين.
هؤلاء هم الخوارج الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وذكر أن سيماهم التحليق.
ليس اللوم عليهم ولكن اللوم علينا وعلى قياداتنا المتفرقة المتناحرة التي تدس أنفها في التراب في مثل هذه المواقف وتكتفي دائما بالشجب والتنديد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عرف القوم كيف نحصي الضحايا *** كيف يرمى على القتيل قتيل
ونسينا شكل السلاح فعذر *** ان حفر القبور شغل ثقيل ..
نحن والله ان عددنا كثير *** بيد انا اذا دعينا قليل ..
ليس ما قد نقول يأس *** ولكن يأسنا ان نخاف مما نقول
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق