حصار المخدرات ومتعاطيها

عبد الله بن علي الطريف
1444/10/14 - 2023/05/04 18:12PM

حصار المخدرات ومتعاطيها 1444/10/15هـ

الحمد لله الذي جعل العقل مناط التكليف، وشرع لحفظه سبلاً كثيرة، منها الأخذ على يد كل عابث فيه، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.. أَمَا بَعْدُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

أما بعد أيها الإخوة: رحماك ربي رحماك بهذه البلاد المباركةِ وأهلِها.. فقد قُصدت بإرسالياتٍ متتالية لم تتوقف حتى في شهر الخير البركة، وتُصَبِحُ وتُمَسى بقَوافلَ مظلمة للتَسَلَلِ من منافذِها الخارجية تحملُ السُمَّ الأبيضَ الزعاف، من أعداءِ الإنسانية ومفسدي الأرض الذين يسعون للاتجار بإفساد عقولِ الأمةِ قبلَ أجسادِها..

 كنا نقولُ: ما بين الفينة والأخرى تنشرُ وسائلُ الإعلامِ أخبارَ إحباط شُحنٍ من المخدرات بجميع أنواعها من حشيشٍ وقاتٍ وامفيتامين وهيروين وكوكايين وشبو، وغيرها تجلب بشتى الطرق والحيل والوسائل إلى بلادنا، ويسلك المهربون كل الطرق المعقولة وغير المعقولة للتهريب.. فمرة في الفواكه والخضار ومرة في مواضع من سيارات النقل أو حقائبهم الخاصة ومرة بأحشاء المهربين، حتى كتاب الله لم يكرموه عن رذيلتهم فحشوه بمخدراتهم، وسلكوا كل وسائل الاحتيال والتضليل ليظفروا بمجاوزة الرقيب وأنى لهم ذلك ولله الحمد..

وفي هذه الأيام صارت الإرساليات القاتلة تمسينا وتصبحنا، بأرقام كبيرة، وكبرت حتى صارت بكميات ضخمة، تعد بالملايين...     

فبفضل الله تعالى وتوفيقه، ثم بجهودٍ مباركة من رجال الأمن ومكافحة المخدرات وغيرهم من القطاعات الأمنية، ورجال الجمارك وحرس الحدود المخلصين، يتم إحباط محاولات التهريب..

ففي يوم الخميس 22/ رمضان، أطاحت المتابعة الأمنية بـ 3.636000 قرص من مادة الإمفيتامين المخدر مخبأة في شحنة بطاطا.. وفي يوم الثلاثاء 5/ شوال، ضبطت محاولة تهريب أكثر من 12.700000 مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر مخبأة في شحنة فاكهة الرمان عبر ميناء جدة الإسلامي.. وفي يوم الجمعة 8/ شوال، ضبطت شاحنة في منفذ البطحاء، تحمل أفران تُستخدم للتحميص، فيها 4.152000 حبة كبتاغون أخفيت في تجاويف الأفران.. وفي يوم الاثنين 11/ شوال، تم إحباط محاولة تهريب (5,280,000) قرص من مادة الإمفيتامين المخدر داخل شحنة أحجار ومستلزمات بناء عبر ميناء جدة الإسلامي.

وهذه الجهود المباركة لهؤلاء الرجال المخلصين تذكر وتشكر؛ فكم من شر عن حياض بلادنا منعوه، وباغٍ على الفضيلة كبحوه، ومتسترٍ على المخدرات كشفوه، وحاملٍ لسُمٍ زعاف أمسكوه. فلله الحمد والمنة وجزى كل ذائدٍ عن بلادنا وشعبنا خير الجزاء..  

أيها الأحبة: ما ذكرت من إحصاءات عن وسائل الإعلام هو جزء يسير مما يضبط، وهذا الذي دعا ولاة الأمر وفقهم الله لسن أنظمة قوية تردع المهربين والمروجين والمتعاطين، وتعد من أقوى ما سن في مكافحة هذا البلاء.. وإطلاقِ أقوى وأكبر حملة لمكافحة المخدرات.. حمانا الله وذريتنا وبلادنا وعموم المسلمين من شر المخدرات، ولي هنا عدة وقفات:  

الأولى: تُشَنُّ على هذه البلادِ المباركة حربٌ عُظمى لا هوادةَ فيها بأساليبَ متعددة، حَربُ المخدراتِ من أقذرِها، وما تتضمنه الإحصاءات من ضبط لكمياتٍ تفوق الخيال جزءٌ من هذه الحرب، وهي حربٌ سريةٌ تسري في جسدِ الأمة في ظلمة الليل البهيم سريان النار بالهشيم.

هي والله حربُ إبادةٍ صامتةٍ، وتدميرٍ خفي.. حربٌ لا يسمع فيها أزيز الطائرات، ولا دوي المدافع، ولا هدير الدبابات، ولا انفجار القنابل، ولا يرى فيه لهيب الصواريخ، إنها حرب الإبادة بالمخدرات.! ولن تتوقف هذه الهجمات على هذا الوطن الكريم حتى يُحَقِقَ صانِعُوها أهدافَهم، ولكنَّ الله تعالى لهم بالمرصاد، والله من ورائهم محيط.

ويجب علينا ألا نحزن ولا نخاف ولا نيأس؛ فإن الله الذي لا يخلفُ الميعاد قد قال في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج:38] يقول الشيخُ السعديُ رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من اللهِ للذين آمنوا، أنَّ اللهَ يدافِعُ عنهم كلَّ مكروه، ويدفعُ عنهم كلَّ شرٍّ؛ بسببِ إيمانِهم، من شرِّ الكفار، وشرِّ وسوسةِ الشيطان، وشرورِ أنفسهم، وسيئاتِ أعمالهم، ويحملُ عنهم عند نزولِ المكاره ما لا يتحمَّلون، فيخففُ عنهم غايةَ التخفيفِ.. ولكلِ مؤمنٍ من هذه المدافعةِ والفضيلةِ بحسبِ إيمانه، فمُستقِلٌّ ومُسْتَكْثِر. أ هـ.

الوقفة الثانية: إنَّ الإحصاءات التي تنشر وما تضمَّنَته من حقائقَ مخيفة ومفزعة، تنشر تفاصيلها من الجهات المختصة في وسائل الإعلام لنعلم مقدارَ الهجمةِ الشرسة على بلادنا، لذا يجب علينا رصَّ الصفوفِ، والوقوفَ صفاً واحداً أمامَ تُجار ومُروجي ومتعاطي المخدرات، وتقديمَ المعلومات عنهم إلى أجهزة الأمن الـمَعْنيةِ بمكافحةِ المخدرات من أجل إنقاذ المجتمع بأسره من مخططات الدمار التي تحاك ضده.

حق على كل واحد منا أن يُبلغ عن كل حالة يعلمها.. وأن يحمل المبتلى ممَن له فيه صلة إلى مستشفيات الأمل؛ دفاعاً عن هذا الوطن العزيز، قبل أن يقع في يد السلطات الأمنية ومن وقع فلا يلومنَّ إلا نفسه.

الوقفة الثالثة: حرب المخدرات قديمة، ويقف ورآها دولٌ، وعصابات كالدول من أعداءِ الإسلام والإنسانية وعُبادِ المادة ورفقاءِ الشيطان، يروجون تجارة الموت في الأمة، وينشرونه بين أجيال الشباب ذكوراً وإناثاً من أجل تدميرهم وتحويلهم إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل؛ حتى يصبح العنصر البشرى أداة هدم وإجرام وليس أداة بناء وتعمير.. وهذا يؤدي إلى إلحاقِ الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني، والبنيانِ العائلي والاجتماعي والثقافي، وسبباً في الإخلالِ بالأمن والنظامِ العام، ونشرِ الجريمة بين المواطنين، وحجبِ أنظارِ الأجهزة الأمنية عن المشاكل الأمنية الحقيقية وتوجيهِها للانشغالِ في محاربةِ عصابات المخدرات من اجلِ استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي، والقضاءِ على معتقدات الأمة، واستنزافِ خيراتها، ثم الاستيلاء على أراضيها، وتدنيسِ مقدساتها.

أيها الأحبة: وقائعُ التاريخِ تثبتُ أن سلاحَ المخدِّرات يُوجَّه للأمم بهدفِ نخرِها من الداخل، وتجريدِها من أهمِ عناصرِ القوةِ فيها وهو الشبابُ القويُ الواعي المنتمي لدينِه وولاة أمره ووطنِهِ، الغيورُ والحريصُ على مُقدراتِهِ.

فقبل أكثر من قرنين من الزمان قامت بريطانيا بشن حرب الأفيون الحشيش ضد الصين، وهي أقذرُ حروبِ التاريخ على الإطلاق، فقد استزرعت الأفيون في شمال الهند، وقامت بإدخاله إلى الصين، وأدمنه كثير من الشعب الصيني؛ وبات يهدد بتدمير المجتمع الصيني، حتى بلغ الأمر بالمتعاطي الصيني أن يقوم ببيع أرضه‏ ومنْزله وزوجته وأولاده للحصول على الأفيون.! وأخيراً نجحت بريطانيا في هذه الحرب، وحققت ما تريد..

إن هذه البلاد المباركة وهي حصن السنة الأخير مستهدفة.. لتحويل أهلها وشبابها عن معتقدهم، وتمسكِهم بقيادتِهم وانتماءِهم لوطنِهم، فسلطوا عليهم عصابات المافيا ومروجي المخدرات، ودعموهم بالمال والفكر والتخطيط؛ ولكن الله تعالى سيحبط كيدهم ويفشل خططهم.. وستظل هذه البلاد المباركة تواجه هذه الهجمات الشرسة.. ولن تتوقف هذه الهجمات؛ بل ستزداد!، وعلى كل مواطنٍ أن يقوم بما يستطيعُ من جهد في صد هذا الشر عن بلاده.. حما الله بلادنا والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد...

الخطبة الثانية:

أيها الأحبة: الوقفة الرابعة: حق على كل أب وأم ومربٍّ أن يتعرف على صنوف هذه المخدرات وأنواعها وأشكالها وآثارها وعلامات متعاطيها حتى يُوجِهَ أبناءَهُ وبناته إلى الحذر من تعاطيها، ويتعرف مبكراً على من وقع في براثنها منهم؛ فمن هذه المخدرات الشبو: وهو مخدر كيميائي من صنع الإنسان، ويصنع من موادٍ منشطة لعمل الجهاز العصبي بشكل غير طبيعي وهي شديدة المفعول، يدمنها متعاطيها من أول جرعة يتناولها.. وتصيب متعاطيها بحالة من الهلوسة الشديدة سمعية وبصرية وحسية؛ ويتخيل صوراً ويتوهم أشياء غير موجودة في الواقع.. وله أضرار جسدية منها تساقط الأسنان والشلل، ويؤثر على القلب والأوعية الدموية التي قد تؤدي لموته المفاجئ.. ويتحول متعاطيه إلى شخصية عدوانية مدمرة قد تصل عدوانيته للقتل، وإن لم يجد من يصب عليه عدوانه يؤذي نفسه بطرق غريبة، ولو رأيتم متعاطي الشبو وهو يرمي نفسه على الأرض ويتقلب ظهراً لبطن بشكل هستيري مخيف لهالكم ذلك، ويسبب كذلك السهر، والهزال، وضعف الذاكرة، والمناعة.. وينتج بأشكل جميلة مغرية للأطفال، وله أسماء متعددة منها: الشبو، الكريستال، كراك، أيس، سبيد.. وكذلك من أنواع المخدرات الإمفيتامين وهي أقراص صفراء تشبه حبوب الأدوية وهي إحدى المواد المنشطة للجهاز العصبي، صنعت لعلاج بعض الأمراض المتعلقة باضطرابات الأعصاب، لكن تحولت بعد ذلك إلى وسيلة لزيادة القوة والنشاط، والشعور بالسعادة، حيث يشعر متناولها بالبهجة والحيوية بمجرد تعاطيها، وسرعان ما تحولت إلى مخدر يسهل إدمانه، ويُتداول بأسماء مختلفة أبرزها الكبتاجون والميث والآيس.

الوقفة الأخيرة: الدعاءُ: بأن يحفظ الله هذه البلاد من كيد هؤلاء، وكيد كل مَن يريدها وأهلها بشَرٍّ مهما كان.. والدعاء: لحراسِ البلاد من رجال مكافحة المخدرات والجمارك وغيرهم الذين يقومون بكشف الشر وضبطه.. ثم الدعاء: بالحفظ لأولادنا من أن يقعوا في براثن هذه الرذيلة.. فقد قال ربكم: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60] وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل:62] قال رسول الله ﷺ: "مَن لم يسأل الله يغضبْ عليه" رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني. ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد

 

المشاهدات 2068 | التعليقات 0