حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة .. لنقف مع القدوة الحسنة والأسوة الطيبة صلى الله عليه وسلم، وهو يتعامل مع أصحابه بحبٍّ ورفق ولين، يمازحهم وينصحهم، ويرفُق بهم، يَعُود مرضاهم، ويتبع جنائزهم.

لقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا رائعًا للحياة الإنسانية المتكاملة، فهو مع الحياة والناس بشر سويٌّ، يحب الطيبات، ويَبَشُّ ويبتسم، ويداعب ويمزح، ولا يقول إلا حقًّا. فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته جافًّا ولا قاسيًا، ولا فظًّا ولا غليظًا، ولو استعرضت سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم تجدها قد تخلَّلها نوع من الدُّعابة والمزاح.

عن الحسن قال: أتَتْ عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادْعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال: (يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز) قال: فولَّت تبكي، فقال: (أخبِروها أنها لا تدخلها وهي عجوز؛ إن الله تعالى يقول (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا).

إخوة الإسلام .. ومن صور أخلاقه صلى الله عليه وسلم الرِّفق بالعصاة والمذنبين، وكان يَعِظُهم ويبيِّن لهم الحكمة التي شرعها الله في تحريم الحرام؛ عن أبي أمامة: أن فتًى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنا؟ قال: فصاح القوم به وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادْنُه) فدنا حتى كان قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحبه لأمك؟) فقال: لا يا رسول الله، جعلني الله فداك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لأخواتهم) - ثم ذكر الحديث في العمة والخالة كذلك - قال: فقال يا رسول الله، ادع الله لي، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم قال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فَرْجَه) قال: فكان لا يلتفت إلى شيء بعدُ.

وتأملوا - عباد الله - في قصة شارب الخمر؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: إن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جَلَدَهُ في الشراب، فأُتِيَ به يومًا فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم الْعَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله).

واعلموا - عباد الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم العدل حتى على نفسه ويقدم نفسه للقصاص؛ عن أبي فراس أن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه.

كان أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه رجُلًا ضاحكًا مَليحًا، فبَيْنا هو عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحدِّث القومَ ويُضحِكُهم، فطعَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإِصْبَعِهِ في خاصِرَتِهِ، فقال: أوجعتَني، قال: اقتَصَّ، قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ عليكَ قميصًا، ولم يكن عليَّ قميصٌ، قال: فرفَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قميصَه، فاحتضنتُه، ثم جعل يُقبِّلُ كَشْحَهُ، فقال: بأبي وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، أردتُ هذا.

لقدْ أَرْسَى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم مَبادِئَ العَدلِ، حتَّى سَادَ العدلُ في عَهدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، لدَرجةِ أنَّ مِن الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مَن طَلَبَ القِصاصَ منه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فلم يَمتِنعْ.

إن الحصيف من الناس يطلب السلامة في آخرته، فيتحلل من المظالم أو يردها؛ خشية أن يحاسب عليها يوم القيامة، وأسوته في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض، فليتحلله اليوم قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات).

إخوة الإسلام .. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في وقت الشدة والبلاء التسليةُ والعزاء، فكان يشعر بآلامهم، ويجعل لهم من مِحَنِهم مِنَحًا، ومن الحزن فرحًا، ومن الألم أملًا.

عن أبي سعيد: أن رجلًا ابتاع ثمارًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُصيب فيها، ولزمه دين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا على أخيكم) فتصدقوا عليه، فلم يبلغ قضاء دينه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك).

والمعنى: أنه ليس لكم زجره وحبسه؛ لأنه ظهر إفلاسه، بل يخلى ويمهل إلى أن يحصل له مال، فيأخذ الدائنون ديونهم بعدما يحصل له مال، وليس معناه إبطال ديونهم.

أسأل الله أن يرزقنا حُسن الأخلاق والآداب ... أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين ... كان من خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم أن يعود مرضاهم ويدعو لهم؛ يقول زيد بن أرقم: أصابني رَمَدٌ فعادني النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجة الوداع من وجعٍ اشتد بي.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبع جنائز أصحابه ويلومهم إذا لم يخبروه بوفاة أحد؛ قال ابن عباس رضي الله عليهما: مات إنسان كان رسول الله يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلًا، فلما أصبح، أخبروه، فقال: (ما منعكم أن تُعْلِموني؟) قالوا: كان الليل فكرهنا، وكانت ظلمة أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه.

عباد الله .. إنّ حُسْن الخُلقِ ممّا تميّز به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد كان أكمل النّاس خُلُقاً وخَلْقاً؛ إذ بُعِث متمِّماً للأخلاق الحسنة، والمكارم الفاضلة، وما أعظمَ حُسن الخلق! فبه ترتفع منزلة العبد عند ربّه تعالى، ويورثُه محبّته وجلاله، ولنا أن نتخيّل قدر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخلاقِه التي ضربَ بها أروع وأنقى العبر والأمثال مع البشريّة جمعاء من البعيد والقريب، والعدوّ والحبيب، ومع أصدقائه وحتّى مع ألدّ أعدائِه.

وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة التي ينبغي على المؤمنين جميعاً أن يتأسّوا ويقتدوا بها، فباتّباعه صلّى الله عليه وسلّم والتخلّق بأخلاقه الكريمة يرتقي المرء عند الله تعالى؛ فيجازِيه بحُسن خلقِه الرضوان، ويفوزَ بالجِنان.

فقد فاقَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جميع البشر بحسنِ خُلقِه، وإنّ الوصف التشبيهيّ المثيل الذي جاء يُحاكي واقعه الخُلقيّ؛ لهو عظيمٌ جداً؛ فقد كان خُلقُه القُرآن، وهذا من قولِ عائشة رضي الله عنها وأرضاها؛ حيث قالت: كان خُلُقُه القرآنَ.

المرفقات

1706814750_حسن خلق النبي مع أصحابه.pdf

1706814758_حسن خلق النبي مع أصحابه.docx

المشاهدات 693 | التعليقات 0