حسن العبادة 1438/7/16 هـ
عبد الله بن علي الطريف
1438/07/17 - 2017/04/14 08:46AM
حسن العبادة 1438/7/16 هـ
أما بعد أيها الأخوة: اعلموا أن الدنيا ممرٌّ وأنَّ الآخرةَ هي المستقرّ؛ فاستبقوا الخيرات قبل فواتها.. وحاسبوا أنفسَكم على زلاتها وهفواتها.. وكفّوها عن الإغراق في شهواتها.. فالكيِّسُ من دان نفسَه وعمِلَ لما بعد الموت.. والعاجزُ من أتعب نفسَه هواها وتمنى على الله الأماني.. ومن أصلح سريرتَه أصلح اللهُ علانيتَه.. ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينَه وبين الناس.. فالله الله باسرائر.. فما ينفعُ مع فسادها جمالُ الظاهر.
أيها الإخوة: في زحمةِ الحياة ومع تراكُم مشاغلِ الدنيا وتواليها قد يغفلُ الإنسانُ عن وظيفتِه الأساسِ التي من أجلها وُجد.. والغاية التي لها خلق وولد.. ألا وهي عبادةُ الله سبحانه وطاعتُه قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] فأرسلَ اللهُ الرسلَ، وأنزل الكتبَ، وخَلقَ للإنسانَ وسخرَ له ما في السموات والأرض كلُّ ذلك لأجلِ القيامِ بحق العبودية ومقتضياتها لله سبحانه..
ووعد بالجنة من أطاعة، وتوعد بالنار من عصاه.. وأخبر جل في علاه أنه سيأتي يومٌ تعرضُ الخلائقُ فيه على الله.. وتنشرُ الصحف وتوزنُ الأعمالُ فينظر كلُ عاملٍ لميزانه بإشفاقٍ ووجل.. يتمنَّى كمالَ عملِه وحُسنَ ما قدَّم.. عَلَّ ميزانَه أن يثقلَ بالحسنات.. في ذلك اليوم يكون لوزنِ الذرةِ قيمةٌ وميزان: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7،8]... وللحسنة تأثيرٌ كبيرٌ فيشحُّ المرء بها على أقربِ الناس إليه قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37] وقال الله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر:23،24]
أيها الأحبة: مادام الأمر كذلك فنحن مدعوون لإحسان العمل وتجويده، وقد حث المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الدعاء بإحسانِ العمل فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ.. فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقبل ذلك يقول الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2] وهذان النصان الكريمان يدلان على أنَّ حُسْنَ العبادةِ مرتبةٌ زائدةٌ على مجرَّدِ أدائِها.. ولأجل ذلك فإنَّ العبادةَ الكاملةَ الحسنةَ تُؤتي ثمارها وتبلغُ بالعبدِ منازلَ عظيمة من القبولِ والمثوبةِ والمغفرةِ والجزاءِ الحسنِ.
عَنَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» [أي: أن التكفير بسبب الصلاة مستمر في جميع الأزمان لا يختص بزمان دون زمان] رواه مسلم وعليه فالصلاة التي تكفر الذنوب لا بد فيها من إحسان الوُضوء والخشوع.
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا.رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني. وفي هذا الحديث تنبيه على أهمية الإقبال على الصلاة وعلى الإتيان بها على الوجه الأكمل حتى يحصل الكمال ويحصل الخير الكثير من وراء ذلك.
أحبتي: للواجبات والمفروضات من العبادات جانبين: جانب الإِجزاء، وجانب الجَزاء. فإذا أدى المسلم عبادته الواجبة برئت ذمته منها، وأجزأته وأصبح غير مطالب بها.. أما الجزاءُ فهو المثوبة والأجرُ المترتبُ على أداء هذه العبادة فقد يتساوى عابدان في الإجزاء ويختلفان كما بين المشرق والمغرب في الجزاء.!! وهذا الاختلاف والتباين مرده إلى حرص احدهما على حسن عبادته وتمامها.. وتقصير الآخر فيها.
أيها الإخوة: حقٌ على كلِ مسلمٍ يرجو لقاء الله ويطمعَ في جنتِه ويستجيرَ من ناره أن يسعى إلى إحسان عمله حتى يَسُرَّهُ ويُنجيه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه..
وتحسُن العبادة بالإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد بالإخلاص نوعاه العام والخاص؛ فالعام: أن لا يكون العبد متلبساً بشيء من الشرك في حياته كدعاء غير الله أو الاستغاثة أو الاستعانة بغيره أو صرف شيءٍ من العباداتِ لغير الله سبحانه وتعالى وهذا بابٌ عظيم ينبغي العناية به، فقد قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر:65،66] فهو دليل على أن الشرك لا ينفع معه عمل فالواجب على المسلم أن يتفقد نفسه دوما وأن يوحد الله في كل شؤونه.
وأما النوع الثاني: وهو الخاص أن تكون العبادة المؤداة سالمة من الرياء، ومراداً بها وجه الله وحده وفي الحديث قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أما الشرط الثاني: من شروط صحة العبادة فهو المتابعة لرسول الله والمراد بها تأدية العبادة على الصفة التي جاءت عن النبي من غير زيادة ولا نقصان ومعنى هذا أنه لا يجوز أن يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله، مبلغاً عن ربه فالتعبد بما لم يشرعه الله ولم يرد صحيحاً عن رسول الله البدعة التي قَالَ عنها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا.
أيها الأحبة: ومما تحسُن به العبادات الواجبات تكميلُها بالنوافل التي من جنسها فأركان الإسلام لها من جنسها نوافل ومستحبات مثل الرواتب للصلاة وصلاة الليل والوتر وصلاة الضحى.. ونوافل الصيام مثل صيام الاثنين والخميس وست من شوال وعاشوراء وعرفه.. ونوافل الإنفاق في سبيل الله في عموم وجوه الخير فوق الزكاة الواجبة.. ونافلة الحج وغير ذلك فكل ما سبق من النوافل جابرٌ لما نقص من الفرائض والواجبات، كما في الحديث "انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني عن أبي هريرة.
ومن إحسان العمل أيضاً حفظ الحسنات من الضياع وتجنب ما يبطلُ الثواب وينقصُ الجزاء قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33] يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها بما يفسدها مِنْ مَنٍّ بها وإعجاب، وفخرٍ وسمعه، ومن عمل المعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264] ومن أسباب إبطال العمل الاجتراء على الله والافتئات على عفوه ورحمته وهو كبيرة توبق العمل وتحبطه، فَعَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" رواه مسلم. ومعنى يتألى يحلف، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ. وعَنْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» مثل كلمات القذف والإضرار بالمسلمين. رواه البخاري ومسلم.. فهل يعي هذا من أطلق لسانه وأرخى للكلام عنانه لا يبالي بما قال وكتب.؟! وهل يعي هذا من يستطيل في أعراض المسلمين سواء بالدعوة إلى الفاحشة أو بالغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور..؟!
ومما يضيع الحسنات ويجلب الحسرات الظلم والتعدي على عباد الله بغير حق وأكل أموال الناس بالباطل، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ألا فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا فيما تقدمون، وحافظوا على أعمالكم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:1،2]
الخطبة الثانية:
أما بعد: أيها الأخوة: إذا استشعر المسلم أن هذه العبادة أمر الله.. وفيها رضاه.. كان أدعى للإنسان أن يهتم بعبادته ويعظمها ويجودها ويحسنها، وليجذر المسلم من أن يقديم العبادة بشكل هزيل أو مظهر عليل؛ لأن الواجبَ تعظيمُ شعائر الله، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32] ولذا كان الإحسان أعلى مراتبِ الدين لاستشعارِ مراقبة الله للعبدِ كما في الصحيح قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال النووي رحمه الله تعالى: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبيُ؛ لأنا لو قدرنا أن أحدَنا قام في عبادة وهو يعاينُ ربَه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعِه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به. أهـ. فالتتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه عليه، فلا يُقدِمُ العبدُ على تقصيرٍ في هذا الحال، وإذا كانت مجالسة الصالحين مندوبة لتكون مانعًا من تلبس الإنسان بشيء من النقائص احترامًا لهم واستحياءً منهم، فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعًا عليه في سره وعلانتيه؟ ومن أحسن الظن بالله أحسن العمل، ومن أحسن القصد أحسن العمل.
نسأل الله تعالى يرزقنا حسن العمل وأن يكتبنا ووالدينا وذرياتنا في المحسنين الذين قال عنهم: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ) [يونس:26] وقال: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:85]
أما بعد أيها الأخوة: اعلموا أن الدنيا ممرٌّ وأنَّ الآخرةَ هي المستقرّ؛ فاستبقوا الخيرات قبل فواتها.. وحاسبوا أنفسَكم على زلاتها وهفواتها.. وكفّوها عن الإغراق في شهواتها.. فالكيِّسُ من دان نفسَه وعمِلَ لما بعد الموت.. والعاجزُ من أتعب نفسَه هواها وتمنى على الله الأماني.. ومن أصلح سريرتَه أصلح اللهُ علانيتَه.. ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينَه وبين الناس.. فالله الله باسرائر.. فما ينفعُ مع فسادها جمالُ الظاهر.
أيها الإخوة: في زحمةِ الحياة ومع تراكُم مشاغلِ الدنيا وتواليها قد يغفلُ الإنسانُ عن وظيفتِه الأساسِ التي من أجلها وُجد.. والغاية التي لها خلق وولد.. ألا وهي عبادةُ الله سبحانه وطاعتُه قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] فأرسلَ اللهُ الرسلَ، وأنزل الكتبَ، وخَلقَ للإنسانَ وسخرَ له ما في السموات والأرض كلُّ ذلك لأجلِ القيامِ بحق العبودية ومقتضياتها لله سبحانه..
ووعد بالجنة من أطاعة، وتوعد بالنار من عصاه.. وأخبر جل في علاه أنه سيأتي يومٌ تعرضُ الخلائقُ فيه على الله.. وتنشرُ الصحف وتوزنُ الأعمالُ فينظر كلُ عاملٍ لميزانه بإشفاقٍ ووجل.. يتمنَّى كمالَ عملِه وحُسنَ ما قدَّم.. عَلَّ ميزانَه أن يثقلَ بالحسنات.. في ذلك اليوم يكون لوزنِ الذرةِ قيمةٌ وميزان: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7،8]... وللحسنة تأثيرٌ كبيرٌ فيشحُّ المرء بها على أقربِ الناس إليه قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37] وقال الله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر:23،24]
أيها الأحبة: مادام الأمر كذلك فنحن مدعوون لإحسان العمل وتجويده، وقد حث المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الدعاء بإحسانِ العمل فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ.. فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقبل ذلك يقول الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2] وهذان النصان الكريمان يدلان على أنَّ حُسْنَ العبادةِ مرتبةٌ زائدةٌ على مجرَّدِ أدائِها.. ولأجل ذلك فإنَّ العبادةَ الكاملةَ الحسنةَ تُؤتي ثمارها وتبلغُ بالعبدِ منازلَ عظيمة من القبولِ والمثوبةِ والمغفرةِ والجزاءِ الحسنِ.
عَنَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» [أي: أن التكفير بسبب الصلاة مستمر في جميع الأزمان لا يختص بزمان دون زمان] رواه مسلم وعليه فالصلاة التي تكفر الذنوب لا بد فيها من إحسان الوُضوء والخشوع.
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا.رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني. وفي هذا الحديث تنبيه على أهمية الإقبال على الصلاة وعلى الإتيان بها على الوجه الأكمل حتى يحصل الكمال ويحصل الخير الكثير من وراء ذلك.
أحبتي: للواجبات والمفروضات من العبادات جانبين: جانب الإِجزاء، وجانب الجَزاء. فإذا أدى المسلم عبادته الواجبة برئت ذمته منها، وأجزأته وأصبح غير مطالب بها.. أما الجزاءُ فهو المثوبة والأجرُ المترتبُ على أداء هذه العبادة فقد يتساوى عابدان في الإجزاء ويختلفان كما بين المشرق والمغرب في الجزاء.!! وهذا الاختلاف والتباين مرده إلى حرص احدهما على حسن عبادته وتمامها.. وتقصير الآخر فيها.
أيها الإخوة: حقٌ على كلِ مسلمٍ يرجو لقاء الله ويطمعَ في جنتِه ويستجيرَ من ناره أن يسعى إلى إحسان عمله حتى يَسُرَّهُ ويُنجيه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه..
وتحسُن العبادة بالإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد بالإخلاص نوعاه العام والخاص؛ فالعام: أن لا يكون العبد متلبساً بشيء من الشرك في حياته كدعاء غير الله أو الاستغاثة أو الاستعانة بغيره أو صرف شيءٍ من العباداتِ لغير الله سبحانه وتعالى وهذا بابٌ عظيم ينبغي العناية به، فقد قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر:65،66] فهو دليل على أن الشرك لا ينفع معه عمل فالواجب على المسلم أن يتفقد نفسه دوما وأن يوحد الله في كل شؤونه.
وأما النوع الثاني: وهو الخاص أن تكون العبادة المؤداة سالمة من الرياء، ومراداً بها وجه الله وحده وفي الحديث قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أما الشرط الثاني: من شروط صحة العبادة فهو المتابعة لرسول الله والمراد بها تأدية العبادة على الصفة التي جاءت عن النبي من غير زيادة ولا نقصان ومعنى هذا أنه لا يجوز أن يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله، مبلغاً عن ربه فالتعبد بما لم يشرعه الله ولم يرد صحيحاً عن رسول الله البدعة التي قَالَ عنها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا.
أيها الأحبة: ومما تحسُن به العبادات الواجبات تكميلُها بالنوافل التي من جنسها فأركان الإسلام لها من جنسها نوافل ومستحبات مثل الرواتب للصلاة وصلاة الليل والوتر وصلاة الضحى.. ونوافل الصيام مثل صيام الاثنين والخميس وست من شوال وعاشوراء وعرفه.. ونوافل الإنفاق في سبيل الله في عموم وجوه الخير فوق الزكاة الواجبة.. ونافلة الحج وغير ذلك فكل ما سبق من النوافل جابرٌ لما نقص من الفرائض والواجبات، كما في الحديث "انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني عن أبي هريرة.
ومن إحسان العمل أيضاً حفظ الحسنات من الضياع وتجنب ما يبطلُ الثواب وينقصُ الجزاء قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33] يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها بما يفسدها مِنْ مَنٍّ بها وإعجاب، وفخرٍ وسمعه، ومن عمل المعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264] ومن أسباب إبطال العمل الاجتراء على الله والافتئات على عفوه ورحمته وهو كبيرة توبق العمل وتحبطه، فَعَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" رواه مسلم. ومعنى يتألى يحلف، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ. وعَنْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» مثل كلمات القذف والإضرار بالمسلمين. رواه البخاري ومسلم.. فهل يعي هذا من أطلق لسانه وأرخى للكلام عنانه لا يبالي بما قال وكتب.؟! وهل يعي هذا من يستطيل في أعراض المسلمين سواء بالدعوة إلى الفاحشة أو بالغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور..؟!
ومما يضيع الحسنات ويجلب الحسرات الظلم والتعدي على عباد الله بغير حق وأكل أموال الناس بالباطل، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ألا فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا فيما تقدمون، وحافظوا على أعمالكم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:1،2]
الخطبة الثانية:
أما بعد: أيها الأخوة: إذا استشعر المسلم أن هذه العبادة أمر الله.. وفيها رضاه.. كان أدعى للإنسان أن يهتم بعبادته ويعظمها ويجودها ويحسنها، وليجذر المسلم من أن يقديم العبادة بشكل هزيل أو مظهر عليل؛ لأن الواجبَ تعظيمُ شعائر الله، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32] ولذا كان الإحسان أعلى مراتبِ الدين لاستشعارِ مراقبة الله للعبدِ كما في الصحيح قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال النووي رحمه الله تعالى: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبيُ؛ لأنا لو قدرنا أن أحدَنا قام في عبادة وهو يعاينُ ربَه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعِه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به. أهـ. فالتتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه عليه، فلا يُقدِمُ العبدُ على تقصيرٍ في هذا الحال، وإذا كانت مجالسة الصالحين مندوبة لتكون مانعًا من تلبس الإنسان بشيء من النقائص احترامًا لهم واستحياءً منهم، فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعًا عليه في سره وعلانتيه؟ ومن أحسن الظن بالله أحسن العمل، ومن أحسن القصد أحسن العمل.
نسأل الله تعالى يرزقنا حسن العمل وأن يكتبنا ووالدينا وذرياتنا في المحسنين الذين قال عنهم: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ) [يونس:26] وقال: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:85]