حسن الخلق
محسن الشامي
1433/10/10 - 2012/08/28 20:59PM
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له قيوم السموات والاراضين أحمده سبحانه وأشكره إذا أطيع شكر وإذا عُصىَ تاب وغفر وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه المنعوت بالخلق العظيم ارسله الله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين فصلوات ربى وسلامه عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى فقَدْ تكفَّلَ اللهُ لأهْلِها بالنجاةِ مِمَّا يَحْذَرونَ والرزقِ مِنْ حيثُ لا يحتَسِبُونَ {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
إخوة الايمان: إن الناظر في واقع الناس اليوم يرى كيف أن الدنيا قد ألقتْ بظلالها على حياتهم فعصفتْ بكثير من أخلاقهم وقيمهم التي دعا اليها الاسلام نعم لقَدْ دعا الإسلامُ إلى كُلِّ خُلُقٍ كريمٍ ونفَّرَ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ فرَبَّى أتباعَهُ علَى الأخلاقِ الحميدةِ والآدابِ المجيدةِ وسَما بِهمْ إلى الأفعال الرشيدةِ والأقوالِ السديدةِ ألا وإن من مقاصدِ البِعثةِ المحمدية إتمام صالحِ الأخلاق كما أخبرَ بذلك صلى الله عليه وسلم فقالَ "إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ" وفي رواية أخرى ((إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارم الأخلاقِ))فالأخلاق دعوةُ الأنبياءِ والمرسلينَ وزِينةُ عبادِ اللهِ المؤمنينَ وريحانَةُ المتقينَ وحِلْيَةُ الصالحينَ فاللهَ عز وجل لا يُعطِي الأخلاقَ إلاَّ لِمَنْ يحبُّ مِنْ عبادِهِ فعن عبد الله بنُ مَسعودٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال"إنَّ اللهَ قَسَمَ بينَكُمْ أَخلاقَكُمْ كما قَسَمَ بيِنَكُمْ أرزاقَكُمْ وإنَّ الله عزَّوجلَّ يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يحبُّ ومَنْ لا يحبُّ ولا يُعْطِي الدِّينَ إلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فمَنْ أعطاهُ الدِّينَ فَقدْ أحبَّهُ" فإذا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمودةً فَقَدِ اصطفاكَ مُقَسِّـمُ الأرزاقِ
فالنَّاسُ هَذا حظُّهُ مالٌ وذَا عِلْـمٌ وذاكَ مكارِمُ الأخْـــــــلاقِ
ولَوْ أَنَّنِي خُيِّرْتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ مَا اخْتَرْتُ غَيْرَ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ
أيها المباركون وَقَد يَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ وَيَقُولُ وَمَا حسنُ الخُلُق الَّذِي عَنهُ تَتَحَدَّثُونَ وَبه تُوصون ؟وهل له من فضائل ؟ فأما حسن الخلق فحسبنا ما قاله عَبدُ اللّٰهِ بنِ المُبَارَكِ أن حُسنَ الخُلُقِ هُوَ بَسطُ الوَجهِ وَبَذلُ المَعرُوفِ وَكَفُّ الأَذَى وأما فضائله فلحُسنِ الخلق فضائل عديدة في الكتاب والسنة ومن ذلك أن الله تعالى أمر به في قوله تعالى﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فهذه الآية أجمعُ آيةٍ لمكارم الأخلاق وأصولِ الفضائل ومن فضائل حسن الخلق أنَّه دليلٌ علَى كَمالِ الإيمانِ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قالَ(أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنُهُمْ خُلُقاً وخِيارُكُمْ خِيارُكُمْ لِنسائِهِمْ خُلُقاً" ومن فضائل حُسن الخلُق أنه من أكثر ما يدخل الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم (أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) ومن فضائل حسن الخلق أن المتجَمِّلَ بالخُلقِ الحسن جليسُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ فَعنْ جابرِ بنِ عبدِاللهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ "إنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إليِّ وأقربِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يومَ القيامةِ أحاسِـنَكُمْ أَخْلاقاً" أخرجَهُ الترمذيُّ ومن فضائل حسن الخلُق أن المؤمِنَ المتحلي بالأخلاقِ المباركَةِ يبلغُ درجَةَ الصائِمِ الذي لا يُفْطِرُ والقائِمِ الذي لا يَفْتُرُ عن عائِشة رضِيَ اللهُ عَنْها قالت سمعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ)إنَّ المؤمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ درجَةَ الصائِمِ القائِمِ" عباد الله ومن فضائل حسن الخلق أنه أثقلُ شيءٍ في ميزانِ صاحِبِه يومَ القيامةِ فعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قالَ(( ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في ميزانِ العبدِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِنْ حُسْنِ الخُـلُقِ وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحِشَ البَذِىَّ "ووالله ياعباد الله لولم يكن من فضائل حسن الخلق إلا ضمان النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً في أعلى الجنة لمن حسُن خُلُقه لكان كافياً فعن أبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ( أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحاً وَببيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ)فاجتهدوا أيها المؤمنون في تحسين أخلاقكم لتحرزوا بذلك تلك الفضائل العظيمة والدرجات الرفيعة وأعلموا إن المؤمنَ صاحبُ رِسالةٍ يُتَرجِمُها عَمَلاً وسُلُوكاً يراهُ الناسُ في أرضِ الواقِعِ قَوْلاً وعَمَلاً يتمثَّلُ في مَبْدَأ الأقوالِ قولَ اللهِ تعالىَ{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} ويتمثَّلُ في مبدَأ الأفعالِ قولَهُ تعالىَ {وَلَاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَــنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وجماع حُسن ُالخُلُق مع الناسِ أن تصلَ من قطعك بالسلام والإكرام والدعاءِ له والاستغفارِ والثناءِ عليه والزيارةِ له وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض" عباد الله احذروا الأخلاق السيئة فإنها تُذهب الحسنات بل وتحمّل صاحبها من غيره الأوزارَ والسيئات وتقذفُ به في الدركات ولو صلّى وصام وعمل الصالحات سَألَ النبيُ يومًا أصحابه فقال (أتدرون من المفلس) قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ قَالَ " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " تأمّلوا رحمني الله وإياكم في هذا الرجل الذي قد أجهد نفسه في الطاعة وأسهر ليله في الإنابة أظمأ نهاره بالصيام وتكبّد سفرًا في الحج إلى بيت الله الحرام فلما وقف بين يدي الجبار جل جلاله فوجئ برصيد من الديون من شتمٍ وسفك وضرب وهتك فوزّعت حسناتِ النهار وطاعاتِ الليل سدادًا لتلك الديون فهذا وأمثاله يوم القيامة هم المفلسون اللهمَّ اهدِنا لأحْسَنِ الأخلاقِ لا يَهْدِي لأحسِنها الا انت
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ والشكرُ له علَى توفيقِهِ وامتنانِهِ وأشهدُ أنْ لاإلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماً لشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرُ مَنْ دعا إلى سبيلِ ربه ورضوانِهِ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وصِدْقِ إيمانِهِ،صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ وإخوانِهِ وسلَّمَ تسليماً مَزيداً. أمَّابعدُ فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أن الحديث عن الأخلاق يكون ناقصًا حتى يكمّل ببعض المواقف الزكية من أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم إِذْ كانَ مَهْوَى أفئدَةِ الرجالِ بعظيمِ أخلاقِهِ وكريمِ سَجاياهُ كأنَّ الأخلاقَ كلَّها قَدْ جُمِعَتْ فيهِ وحدَهُ حتَّى نَعتَهُ ربُّهُ بقولِهِ الكريمِ{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فهذا خادِمُهُ أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه يقولُ "خَدَمْتُ النبيَّ صلى الله عليه و سلم عَشْرَ سِنينَ فما قالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وما قَالَ لِشيءٍ صنَعتُهُ لِمَ صنَعْتَهُ؟ ولا لِشيءٍ تركتُهُ لِمَ تركتَهُ؟ وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أحْسَنِ النَّاسِ خُلقُاً" ومن أخلاقه الشريفة الهدوءِ في التعامل مع المخطئ ومن ذلك عندما بالَ أعرابِيٌّ في المسجدِ فثارَ إليهِ الناسُ لِيَقَعُوا بهِ فقالَ لهمْ عليه الصلاة والسلام دَعوهُ وأَهْرِيقُوا عَلَيْهِ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ أوْ سَجْلاً مِنْ ماءٍ فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَـمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرِينَ"متفقٌ عليهِ وهاهولما دخل مكة فاتحًا منتصرًا على أولئك الذين طردوه وآذوه وحاصروه حتى أكل مع أصحابه ورق الشجر فما رحموه ووضعوا سلا الجزورِ فوق ظهره وهو ساجد لله فلما دخل مكة دخلها وهو مطأطئٌ رأسه متذللاً لله متواضعًا لعباد الله قائلاً لأولئك (ما تظنون أني فاعل بكم)) قالوا أخ كريم وابن أخ كريم،فقال ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم انتصر لنفسه من مظلمة ظُلمها قط ولا ضرب خادما ولا امرأة قط وكان يمازح أصحابه يخالطهم،يداعب صبيانهم يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وعلَى مِثْلِ هَذا سارَ أصحابُهُ الكِرَامُ ومَنْ تَبِعَهمْ حتىَّ فَتَحوا البلادَ وقلوبَ العِبادِ بأخلاقِهمُ الفاضِلَة ِوآدابِهمُ الكامِلَةِ.
فما نصيبنا من هذه الأخلاق؟أين موقعنا من هذه الخلال الحميدة والأفعال الرشيدة؟بل إن الناظر اليوم لأخلاقنا في تعاملاتنا مع بعضنا البعض وفي تعاملنا مع إخواننا الوافدين الينا ليجد أمراً يدعو إلى الأسى والحزن الى ما وصل إليه حالُ أخلاقنا والله المستعان ألا فأعلموا عباد الله أنه لا صلاح لحالنا وحال أمتنا إلاّ أن ننهلَ من مَعين أخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينضب قال الله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
إخوة الايمان: إن الناظر في واقع الناس اليوم يرى كيف أن الدنيا قد ألقتْ بظلالها على حياتهم فعصفتْ بكثير من أخلاقهم وقيمهم التي دعا اليها الاسلام نعم لقَدْ دعا الإسلامُ إلى كُلِّ خُلُقٍ كريمٍ ونفَّرَ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ فرَبَّى أتباعَهُ علَى الأخلاقِ الحميدةِ والآدابِ المجيدةِ وسَما بِهمْ إلى الأفعال الرشيدةِ والأقوالِ السديدةِ ألا وإن من مقاصدِ البِعثةِ المحمدية إتمام صالحِ الأخلاق كما أخبرَ بذلك صلى الله عليه وسلم فقالَ "إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ" وفي رواية أخرى ((إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارم الأخلاقِ))فالأخلاق دعوةُ الأنبياءِ والمرسلينَ وزِينةُ عبادِ اللهِ المؤمنينَ وريحانَةُ المتقينَ وحِلْيَةُ الصالحينَ فاللهَ عز وجل لا يُعطِي الأخلاقَ إلاَّ لِمَنْ يحبُّ مِنْ عبادِهِ فعن عبد الله بنُ مَسعودٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال"إنَّ اللهَ قَسَمَ بينَكُمْ أَخلاقَكُمْ كما قَسَمَ بيِنَكُمْ أرزاقَكُمْ وإنَّ الله عزَّوجلَّ يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يحبُّ ومَنْ لا يحبُّ ولا يُعْطِي الدِّينَ إلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فمَنْ أعطاهُ الدِّينَ فَقدْ أحبَّهُ" فإذا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمودةً فَقَدِ اصطفاكَ مُقَسِّـمُ الأرزاقِ
فالنَّاسُ هَذا حظُّهُ مالٌ وذَا عِلْـمٌ وذاكَ مكارِمُ الأخْـــــــلاقِ
ولَوْ أَنَّنِي خُيِّرْتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ مَا اخْتَرْتُ غَيْرَ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ
أيها المباركون وَقَد يَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ وَيَقُولُ وَمَا حسنُ الخُلُق الَّذِي عَنهُ تَتَحَدَّثُونَ وَبه تُوصون ؟وهل له من فضائل ؟ فأما حسن الخلق فحسبنا ما قاله عَبدُ اللّٰهِ بنِ المُبَارَكِ أن حُسنَ الخُلُقِ هُوَ بَسطُ الوَجهِ وَبَذلُ المَعرُوفِ وَكَفُّ الأَذَى وأما فضائله فلحُسنِ الخلق فضائل عديدة في الكتاب والسنة ومن ذلك أن الله تعالى أمر به في قوله تعالى﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فهذه الآية أجمعُ آيةٍ لمكارم الأخلاق وأصولِ الفضائل ومن فضائل حسن الخلق أنَّه دليلٌ علَى كَمالِ الإيمانِ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قالَ(أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنُهُمْ خُلُقاً وخِيارُكُمْ خِيارُكُمْ لِنسائِهِمْ خُلُقاً" ومن فضائل حُسن الخلُق أنه من أكثر ما يدخل الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم (أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) ومن فضائل حسن الخلق أن المتجَمِّلَ بالخُلقِ الحسن جليسُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ فَعنْ جابرِ بنِ عبدِاللهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ "إنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إليِّ وأقربِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يومَ القيامةِ أحاسِـنَكُمْ أَخْلاقاً" أخرجَهُ الترمذيُّ ومن فضائل حسن الخلُق أن المؤمِنَ المتحلي بالأخلاقِ المباركَةِ يبلغُ درجَةَ الصائِمِ الذي لا يُفْطِرُ والقائِمِ الذي لا يَفْتُرُ عن عائِشة رضِيَ اللهُ عَنْها قالت سمعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ)إنَّ المؤمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ درجَةَ الصائِمِ القائِمِ" عباد الله ومن فضائل حسن الخلق أنه أثقلُ شيءٍ في ميزانِ صاحِبِه يومَ القيامةِ فعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قالَ(( ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في ميزانِ العبدِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِنْ حُسْنِ الخُـلُقِ وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحِشَ البَذِىَّ "ووالله ياعباد الله لولم يكن من فضائل حسن الخلق إلا ضمان النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً في أعلى الجنة لمن حسُن خُلُقه لكان كافياً فعن أبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ( أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحاً وَببيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ)فاجتهدوا أيها المؤمنون في تحسين أخلاقكم لتحرزوا بذلك تلك الفضائل العظيمة والدرجات الرفيعة وأعلموا إن المؤمنَ صاحبُ رِسالةٍ يُتَرجِمُها عَمَلاً وسُلُوكاً يراهُ الناسُ في أرضِ الواقِعِ قَوْلاً وعَمَلاً يتمثَّلُ في مَبْدَأ الأقوالِ قولَ اللهِ تعالىَ{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} ويتمثَّلُ في مبدَأ الأفعالِ قولَهُ تعالىَ {وَلَاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَــنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وجماع حُسن ُالخُلُق مع الناسِ أن تصلَ من قطعك بالسلام والإكرام والدعاءِ له والاستغفارِ والثناءِ عليه والزيارةِ له وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض" عباد الله احذروا الأخلاق السيئة فإنها تُذهب الحسنات بل وتحمّل صاحبها من غيره الأوزارَ والسيئات وتقذفُ به في الدركات ولو صلّى وصام وعمل الصالحات سَألَ النبيُ يومًا أصحابه فقال (أتدرون من المفلس) قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ قَالَ " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " تأمّلوا رحمني الله وإياكم في هذا الرجل الذي قد أجهد نفسه في الطاعة وأسهر ليله في الإنابة أظمأ نهاره بالصيام وتكبّد سفرًا في الحج إلى بيت الله الحرام فلما وقف بين يدي الجبار جل جلاله فوجئ برصيد من الديون من شتمٍ وسفك وضرب وهتك فوزّعت حسناتِ النهار وطاعاتِ الليل سدادًا لتلك الديون فهذا وأمثاله يوم القيامة هم المفلسون اللهمَّ اهدِنا لأحْسَنِ الأخلاقِ لا يَهْدِي لأحسِنها الا انت
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ والشكرُ له علَى توفيقِهِ وامتنانِهِ وأشهدُ أنْ لاإلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماً لشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرُ مَنْ دعا إلى سبيلِ ربه ورضوانِهِ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وصِدْقِ إيمانِهِ،صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ وإخوانِهِ وسلَّمَ تسليماً مَزيداً. أمَّابعدُ فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أن الحديث عن الأخلاق يكون ناقصًا حتى يكمّل ببعض المواقف الزكية من أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم إِذْ كانَ مَهْوَى أفئدَةِ الرجالِ بعظيمِ أخلاقِهِ وكريمِ سَجاياهُ كأنَّ الأخلاقَ كلَّها قَدْ جُمِعَتْ فيهِ وحدَهُ حتَّى نَعتَهُ ربُّهُ بقولِهِ الكريمِ{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فهذا خادِمُهُ أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه يقولُ "خَدَمْتُ النبيَّ صلى الله عليه و سلم عَشْرَ سِنينَ فما قالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وما قَالَ لِشيءٍ صنَعتُهُ لِمَ صنَعْتَهُ؟ ولا لِشيءٍ تركتُهُ لِمَ تركتَهُ؟ وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أحْسَنِ النَّاسِ خُلقُاً" ومن أخلاقه الشريفة الهدوءِ في التعامل مع المخطئ ومن ذلك عندما بالَ أعرابِيٌّ في المسجدِ فثارَ إليهِ الناسُ لِيَقَعُوا بهِ فقالَ لهمْ عليه الصلاة والسلام دَعوهُ وأَهْرِيقُوا عَلَيْهِ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ أوْ سَجْلاً مِنْ ماءٍ فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَـمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرِينَ"متفقٌ عليهِ وهاهولما دخل مكة فاتحًا منتصرًا على أولئك الذين طردوه وآذوه وحاصروه حتى أكل مع أصحابه ورق الشجر فما رحموه ووضعوا سلا الجزورِ فوق ظهره وهو ساجد لله فلما دخل مكة دخلها وهو مطأطئٌ رأسه متذللاً لله متواضعًا لعباد الله قائلاً لأولئك (ما تظنون أني فاعل بكم)) قالوا أخ كريم وابن أخ كريم،فقال ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم انتصر لنفسه من مظلمة ظُلمها قط ولا ضرب خادما ولا امرأة قط وكان يمازح أصحابه يخالطهم،يداعب صبيانهم يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وعلَى مِثْلِ هَذا سارَ أصحابُهُ الكِرَامُ ومَنْ تَبِعَهمْ حتىَّ فَتَحوا البلادَ وقلوبَ العِبادِ بأخلاقِهمُ الفاضِلَة ِوآدابِهمُ الكامِلَةِ.
فما نصيبنا من هذه الأخلاق؟أين موقعنا من هذه الخلال الحميدة والأفعال الرشيدة؟بل إن الناظر اليوم لأخلاقنا في تعاملاتنا مع بعضنا البعض وفي تعاملنا مع إخواننا الوافدين الينا ليجد أمراً يدعو إلى الأسى والحزن الى ما وصل إليه حالُ أخلاقنا والله المستعان ألا فأعلموا عباد الله أنه لا صلاح لحالنا وحال أمتنا إلاّ أن ننهلَ من مَعين أخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينضب قال الله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
المشاهدات 3660 | التعليقات 2
خطبة رائعة
قلبي دليلي
جزيت الجنة
بارك الله فيك
تعديل التعليق