حسن الخاتمة. وقصة سارة الشهري

إخوة الإيمان والعقيدة ... يعيش الناس في هذه الحياة ما كَتب الله لهم من الأعوام والشهور والأيام، ثم يرتحلون ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) فكل امرئ مرهون بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وقيمة عمل المرء في حسن خاتمته، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّما الأعمالُ بخواتيمِها، كالوعاءِ إذا طاب أعلاه طاب أسفَلُه، وإذا خبُث أعلاه خبُث أسفلُه ).

فمن أعظم ما ينبغي أن يحرِص عليه الإنسان، ختامُ حياتِه وحسنُ لقاء ربه، فمن وفقه الله للعملِ الصالحِ في آخر عمرِه وفي آخرِ ساعةٍ من الأجَل، فقد كَتب الله له حُسن الخاتمة، ومن خذله الله فختم ساعةَ أجلِه بعَمَل سيءٍ أو ذَنبٍ يُغضِب الله، فقد خُتِمَ له بخاتمةِ سُوءٍ والعياذُ بالله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) فقد رغّب الله تعالى وحثّ في كتابه الكريم على حُسن الاستعداد للقائه بالعمل الصالح فقال ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ).

ولأهمية هذه اللحظة الحاسمة في حياة الإنسان، كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يُوصون من يَلونهم بالحرص على نيل حسن الخاتمة ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) وكان من دعاء يوسف عليه السلام ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) وكان من دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( يا مقلب القلوب! ثبِّت قلبي على دينك ).

فحسن الخاتمة أملُ ودعاء الصالحين والأتقياء ( رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ).

وكان صلوات ربي وسلامه عليه يتعوذ بالله تعالى من شر فتنة المحيا والممات.. وفتنةُ الممات هي الساعة التي يكون فيها العبد في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة، ويحاول الشيطان أن يفتنه في دينه ويَحُولَ بينه وبين الإيمان بالله، فعندها (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )

عباد الله .. من أراد أن ينال حسن الخاتمة فعليه بتقوى الله في السرِّ والعلن، والصدقُ معه سبحانه في كل الأحوال، وذلك بامتثالِ أوامره واجتناب نواهيِه ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).

ومن أراد حسن الخاتمة فعليه بالاستقامة على العمل الصالح، والالتزام بطاعة الله في كل أحواله، فمن عاش على شيء مات عليه، وقد بشر الله تعالى أهل الاستقامة بتأييد الملائكة وتثبيتهم لهم عند الممات( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ).

عباد الله ... إن حسن الظن بالله تعالى يُوَفَّقُ بها العبد لحسن الخاتمة، ويرجو الإنسان سعةَ رحمةِ الله تعالى، وكرمِه في مغفرة ذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم ( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ).

ومن أعظم ما يورث حسن الخاتمة: تعجيلُ التوبة والصدقُ فيها، فقد كانت سببا في نجاة رجلٍ قتل مائة نفس، لكنه صدق في التوبة مع الله تعالى، فأكرمه الله بحسن الخاتمة.

فلا تنسوا - يا عباد الله - أن تُجددوا التوبة إلى الله دائما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كل يوم، قال صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس! توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة ).

فيا فوز من أحسن الاستعداد وأكثر من الزاد قبل يوم المعاد.

اللهم تب علينا واغفر لنا واجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... إن من علامات حسن الخاتمة أن يُوفِقِ اللهُ العبدَ ويُلهمَه لعمل والتزامِ الأعمال الصالحة والاستمرارِ عليها حتى يلقى الله عز وجل وهو على ذلك، فيزيدُ الله له الحسنات، ويمحو عنه الزلات، ويرفع له الدرجات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ ( يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ ) وفي رواية ( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا طهَّرَهُ قبلَ موتِه ) قالُوا: وما طَهُورُ العبدِ ؟ قال ( عملٌ صالِحٌ يُلهِمُهُ إيّاهُ حتى يَقبِضَهُ عليهِ ) وفي رواية ( إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرًا عسَّله قبْلَ موتِه ) قيل: وما عسَّله قبْلَ موتِه؟ قال ( يُفتَحُ له عملٌ صالحٌ بينَ يدَيْ موتِه حتَّى يرضى عنه ).

هل سمعتم – يا عباد الله – عن الفتاة سارة بنت عبدالرحمن الشهري، طالبة في المرحلة الثانوية، حافظة لكتاب ربها، محافظة على صلاة الضحى يوميًا في فترة الفسحة المدرسية، وإذا صلَّت أطالت في صلاتها، حتى عُرِفت بين الطالبات والمعلمات بسارة صلاتها طويلة.

تخبرنا أمُّها بحرصها على الوقت بين العصر والمغرب يوم الجمعة .. لم تترك ذلك منذ كانت في الصف الثاني المتوسط – خمس سنوات – في غرفتها بين العصر والمغرب يوم الجمعة على سجادتها تدعو ربها في ساعة يوم الجمعة.

وفي يوم من أيام الدراسة .. وسارة في مصلى المدرسة كعادتها.. تأخرت عن الحضور، فوجدوها في المصلى تقرأ القرآن وقد فارقت الحياة، ورأسها على المصحف. كان موقف مؤثر لكل من يعرف سارة.

تقول أمها .. رجعت بعد تغسيلها، فرأيت في المنام قصراً جميلاً أدهشني، فرأيت الباب انفتح وفيه ساره، فسألتها، فقالت: ابشري يا أمي، أنا بخير بخير بخير، فاستيقظت الأم من هذه الكلمات ( بخير بخير بخير ).

سارة التي كانت تتمنى أن تحفظ القرآن، لتُلبِس والديها تاج الوقار، وليُقال لها يوم القيامة، اقرئي ورتلي كما كنت ترتلين في الدنيا.

فوالله .. ما خرجت ساره من الدنيا ‘لا وهي حافظة للقرآن، ونسأل الله أن تُلبس والديها تاج الوقار، وأن يعلي منزلتها في الجنة.

فعلى ماذا يتمنون فتياتنا وبناتنا، أين يذهبون ! ومن أين يأتون ! وماذا يحفظون! نسأل الله أن يهدي شباب وفتيات المسلمين.

فهنيئا لمن عمر حياته بطاعة مولاه، فأدى صلاته وصام شهره وأخرج زكاة ماله وحج بيت الله تعالى وبَر والديه، ووصل رحمه وأحسن إلى جيرانه، وحسّن خُلقه مع الناس، وسعى في نشر الخير، وأكثر من ذلك حتى يُختمَ له بخاتمة خير.

وصلى الله على نبينا محمد ...

المشاهدات 1224 | التعليقات 0