حسبي الله ونعم الوكيل
هلال الهاجري
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ، نَصَرَ عَبدَهُ، وأَعزَّ جُندَهُ، وهَزَمَ الأحزَابَ وَحدَهُ، وأَشهدُ أَلا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، يَفعلُ مَا يَشاءُ، وَيَحكمُ مَا يُريدُ، يَحفظُ أَولياءَهُ المتقينَ بِحفظِهِ، ويَكلؤهم بِرعايتِهِ، ويُبطلُ عَملَ المُفسدينَ، ويَجعلُ كَيدَهم في نُحورِهم، وكَذلكَ يَفعلُ بالمجرمينَ، وأَشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُهُ ورَسولُهُ، وخَليلُهُ وحَبيبُهُ، جَاءَ بالهُدى والرَّحمةِ، أَفضلُ البَّريةِ وأَتقَاها، صَلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى إخوانِه الأنبياءِ، ورَضيَ اللهُ عَنْ آلِهِ وأَصحابِه، وأَتباعِهم إلى يَومِ الدِّينِ، أما بعد:
فَاتقوا اللهَ مَعاشرَ المسلمينَ، ويَا فَوزَ مَنْ كَانَ التَّقوى لِباسَهُ: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ).
كَلمةٌ ولَكنْ لَيستْ كَالكَلِماتِ، فَلَها أثرٌ عَجيبٌ في تَفريجِ الكُربَاتِ، ولَها قُوَّةٌ عَظيمةٌ في حَلِّ الأزَمَاتِ، قَالَها إبراهيمُ عَليهِ السَّلامُ عِندَمَا أُلقيَ في النَّارِ، فَكانتْ بَرداً وسَلامَاً، وقَالَها مُحمدٌ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأصحابُهُ عِندَما قِيلَ لَهُم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)، وما ظَنُّكم بِكَلمةٍ اتَّفَقَ عَلى قَولِها الخَليلانِ في أصعَبِ المواقفِ واللَّحظاتِ، وفي أحلَكِ الظُّروفِ والأوقاتِ، إنَّها (حَسبيَ اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ)، أيْ: كَافينيَ اللهُ تَعالى، ونِعمَ من أَوكَلتُهُ أَمريِ.
فَيَا رَبِّ أَنتَ اللهُ حَسْبي وعُدَّتِي *** عَلَيْكَ اعْتِمَادِي ضَارِعَاً مُتَوَكِّلاً
(حَسبيَ اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ) ما قَالَها مؤمنٌ بِيَقينٍ وَصِدقٍ، إلا فُتِحَتْ لَهُ أبوابُ البَرَكةِ والرِّزقِ، ووَقاهُ اللهُ شرَّ الحَاقدينَ والحَاسدينَ، (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)، فَإذا كَفاكَ اللهُ تَعالى فَمنْ يَستطيعُ لكَ ضَرَّاً؟، وإذا حَماكَ اللهُ تَعالى فَمنْ يَستطيعُ لَكَ شَرَّاً؟، (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ).
قُلْ حَسبيَ اللَهُ ذو العَرشِ الذي يَعلَمُ *** بالسِّرِ والجَهرِ واستَسلِمْ لَهُ تَسلَمُ
(حَسبيَ اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ) قَالَها إبراهيمُ عَليهِ السَّلامُ وهو يُقذَفُ في النَّارِ، فَلم يُرسلِ اللهُ تَعالى رِيحاً لِإطفاءِ النَّارِ، حَتى لا يَقولوا أَطفَأتَها الرِّيحُ، ولم يَأمرِ المَطرَ أن يَهطِلَ، حتى لا يَقولوا أَطفأها المَطرُ، ولم يَرفعْ إبراهيمَ إليهِ، حتى لا يَقولوا خَطفتهُ الجِنُّ، وإنما جَعلَ النَّارَ بَرداً وسَلاماً وهُم يَنظرونَ مُتَعَجِبينَ، (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ)، حتى ذَكرَ الطَّبريُّ في تَاريخِه: أنَّ آزرَ أبا إبراهيمَ قَالَ لهُ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ.
لِكُلِّ خَطْبٍ مُهِمٍ حَسبيَ اللهُ *** أَرجو بِهِ الأَمنَ مِمَا كُنتُ أَخشَاهُ
وَأَستَغيثُ بِهِ في كُلِّ نَائبةٍ *** ومَا مَلاذي في الدَّارينِ إلا هُو
(حَسبيَ اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ) هِيَ أنيسُ المؤمنينَ، وهِيَ أَمانُ الخَائفينَ، وهِيَ سِلاحُ المَظلومِينَ، فبَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا ويقُولُونَ: زَنَيتِ، سَرَقْتِ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيهَا، فَقَال: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فإنَّها لَم تَسرقْ، ولمَ تَزنِ، فأنطَقَ اللهُ تَعالى رَضيعاً في المَهدِ بِبراءةِ هَذهِ الجَاريةِ، بِسببِ قَولِها: (حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
اللهُ لي عِدَّةٌ فِي كُلِّ نَائبةٍ *** أَقُولُ فِي كُلِّ حَالٍ حَسبيَ اللهُ
كَانَ يَزيدُ بنُ حَكيمٍ يَقولُ: مَا هِبتُ أَحداً قَطْ هَيبتَي رَجلاً ظَلمتُهُ، وأَنا أَعلمُ أَنْ لا نَاصرَ لَهُ إلا اللهُ، يَقولُ لي: حَسبيَ اللهُ، اللهُ بَيني وبَينَكَ، فَيَا وَيلَ مَن ظَلمَ الفَقيرَ المَسكينَ، أو افتَرى على المَظلومِ الحَزينِ، ثُمَّ يَرفعُ يَديهِ إلى العَزيزِ الجَليلِ، ويَقولُ: (حَسبي اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ)، فَتُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: (وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ).
حَسبيَ اللهُ مِنْ جَمِيعِ البَرايا *** وَكَفَى عَن غَنيِّهم وَالْفَقِيرِ
هُوَ غَوثي إِذا طَلبتُ غِيَاثاً … ومُعيني عَلى المُرَادِ الخَطيرِ
أَقولُ قَولي هَذا، وأَستغفرُ اللهَ لي ولَكم مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فَاستغفروهُ يَغفرْ لَكم، إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ حَمدًا طَيبًا كَثيرًا مُباركًا فِيهِ كَما يُحبُّ رَبُّنَا وَيَرضَى، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أَنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه، صَلى اللهُ وَسلمَ عَليهِ وعَلى آلِهِ وأَصحابِهِ وأتبَاعِهِ إلى يَومِ الدِّينِ، أَمَّا بَعدُ:
فَهل لَديكَ من الهُمومِ ما ثَقُلَ بِها ظَهرُكَ، وانشَغَلَ بِها عَقلُكَ؟، هُمومُ الدُّنيا مِن ضِيقِ حَالٍ، وصَلاحِ عِيالٍ، ورِزقٍ حَلالٍ، ومَرضٍ عُضالٍ، وهُمومُ الآخرةِ مِن فَوزٍ بالنَّعيمِ، ونَجاةٍ مِن جَحيمٍ، ومَغفَرةِ العَزيزِ الرَّحيمِ، فَعليكَ بِهَذِه الوَصفَةِ، قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ: (مَنْ قالَ فِي كُلّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبحُ، وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالى ما أهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ)، اللهُ أكبرُ .. فإذا كَانَ اللهُ تَعالى هُو حَسبُكَ وكَافيكَ، فَبِاللهِ عَليكَ أَيُّ هَمٍّ يَضُرُّكَ أو يُؤذيكَ؟.
حَسبيَ اللهُ تَوكلتُ عَلَيْهِ *** مَنْ نَواصي الْخلقِ طَرَّاً بيدَيْهِ
لَيْسَ للهَاربِ فِي مَهربِهِ *** أَبداً مِنْ رَاحَةٍ إِلَّا إِلَيْهِ
(حَسبيَ اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ) عِندَما تُقفلُ الأبوابُ، وتَنقَطعُ الأسبابُ، وتَشتَدُّ الخُطوبُ، وتَتَقطَّعُ القُلوبُ، ويَتعَسرُ الأمرُ، ويَنعَدمُ الصَّبرُ، وتَصبحُ كَأنَّكَ في سَفينةٍ تَتلاطمُ في الماءِ، أو في طَائرةٍ تَتأرجحُ في الهواءِ، فَتنظرُ يَميناً فلا مُعينَ، وتَنظرُ شِمالاً فلا نَصيرَ، ثُمَّ تَرفعُ بَصرَكَ إلى السَّماءِ وتَقولُ بِقلبٍ يَملأُهُ الإيمانُ: (حَسبيَ اللهُ).
نَسألُ اللهَ بِما يَقضِي الرِّضَى *** حَسْبَيَ اللهُ بِمَا شَاءَ قَضَى
رُبَّ أمرٍ بِتُّ قدْ أبرَمْتُهُ *** ثُمَّ مَا أصْبَحْتُ إلَاّ فانقَضَى
اللهمَّ املأ قُلوبَنا مَحبةً لَكَ، وتَعلقاً بِكَ، وحُسنَ ظَنٍّ بِكَ يَا رَبَّ العَالمينَ، اللهمَّ إنا نَسألُكَ قُلوباً تُخلصُ لَكَ، وتَرضى بِقَضائكَ، وتَشكرُكَ على نَعمائكَ، وتَصبرُ على بَلائك يا ذَا الجلالِ والإكرامِ، اللهمَّ لا تَكلنا إلى أَنفسِنا طَرفةَ عَينٍ ولا أَقلَ من ذَلكَ، اللهمَّ كِلنا إلى رَحمتِكَ وإحسانِكَ وبَردِ عَفوكَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهمَّ إنا نَسألُكَ الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى، والفَوزَ بالجنةِ والنَجاةَ من النارِ، اللهم اغفر لنا في جُمعتِنا هَذهِ أَجمعينَ، اللهمَّ وَفقْ وَليَ أَمرِنا لهُداكَ، واجعلْ عَملَهُ في رِضاكَ، اللهمَّ وَفقه بتَوفيقِكَ، وأَيدهُ بتَأييدِكَ، اللهمَّ وانشر الخيرَ العَميمَ على بِلادِ المسلمينَ كُلِّها يَا رَبَّ العَالمينَ، اللهمَّ اجمعهم على الحقَّ، وأَيدهُم بالفَضلِ يَا ذا الجَلالِ والإكرامِ، اللهمَّ إنا نَسألُكَ الجَنةَ ومَا قَربَ إليها من قَولٍ وعَملٍ، ونَعوذُ بكَ من النَّارِ ومَا قَربَ إليها من قَولٍ وعَملٍ، واذكروا اللهَ العظيمَ الجَليلَ يَذكركُم، واشكروه على نِعمِهِ يَزدكُم، ولَذكرُ اللهِ أَكبرُ، واللهُ يَعلمُ مَا تَصنعونَ.
المرفقات
1667965068_حسبي الله ونعم الوكيل.docx
1667965075_حسبي الله ونعم الوكيل.pdf