حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ-مَعْنَاهَا وَفَضْلُهَا-

سلطان الحصين
1442/12/06 - 2021/07/16 11:17AM
حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ-مَعْنَاهَا وَفَضْلُهَا-

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمدُ ربِّي وأشكرُه على الكثير والقليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وفَّق من شاءَ لطاعته، فنالَ الأجرَ الجَزيل، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه الذين سلَكُوا طريقَ الحقِّ خيرَ سبيل، أما بعد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[سورة آل عمران:102].

.عباد الله: "حسبُنا الله ونِعم الوَكيلُ" كَلمةٌ عظيمةٌ تَحْوِي عظيم المعاني، وروعةَ المضْمُونِ، وقوةَ التأثيرِ

.الحَسيبُ من يعُدُّ عليك أنفاسَك، ويصرِفُ بفضلِه عنك بأسَك، الحسيب هو: الذي يُرجَى خيرُه، ويكفِي بفضلِه ويصرِفُ الآفات بطَولِه، الحسيب هو: الذي إذا رُفِعَت إليه الحوائِجُ قضاها، وإذا حكَمَ بقضيَّةٍ أبرَمَها وأمضاها

الوكيلُ هو: الذي توكَّل بالعالَمين خلقًا وتدبيرًا وهدايةً وتقديرًا، الوكيلُ هو الذي يتولَّى بإحسانِه شُؤونَ عبادِه، فلا يُضيِّعُهم ولا يترُكُهم ولا يكِلُهم إلى غيرِه، ومنه: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم رحمتَك أرجُو، فلا تكِلْني إلى نفسِي طَرْفَةَ عينٍ» أخرجه أبو .دود وأحمد، أي: فلا تكِلني إلى نفسِي وتصرِفُني إليها، ومن وُكِلَ إلى نفسِه؛ هلَك.

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" أي: هو حسبُ من توكَّل عليه، وكان مُلتجِئًا إليه، هو الذي يُؤمِّنُ خوفَ الخائِف، ويُجيرُ المُستَجير، نِعمَ المولَى ونِعمَ النصير، فمن تولاَّه واستنصَرَ به وتوكَّلَ عليه، وانقطَعَ بكلِّيَّته إليه؛ تولاَّه وحفِظَه وحرَسَه وصانَه، ومن خافَه واتَّقاه؛ أمَّنَه مما يخافُ ويحذَر، وجلَبَ إليه كل ما يحتاجُ إليه من المنافِع، ﴿  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[سورة الطلاق:2-3]، فلا تستبطِئ نصرَه، ولا تستبطِئ رِزقَه  وعافيتَه؛ فإن الله بالِغُ أمره، وقد جعلَ الله لكل شيءٍ قدْرًا لا يتقدَّمُ عنه ولا يتأخَّر.

والله جل وعلا يَكْفي عبادَه الصالحين من الشرور والآفات، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[سورة الأنفال:64]، أي: كافِيكَ وكافِي أتْبَاعِك، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[سورة الزمر:36]، وسِرُّ الكفاية: تحقيقُ العبودية؛ فكلما ازدادَت عبوديَّةُ العبد لله، ازدادَت كفايةُ الله جل جلاله له، فازدَدْ عبوديَّةً يزِدكَ الله - عز وجل - كِفايةً وحِفظًا، وتوفيقاً وتسديداً

."حسبي الله ونِعمَ الوكيل" ملاذُ العبد وملجَؤُه حالَ الأزمة الشديدة، والضائِقةِ العظيمة .. هي أمْضَى من القوَى المادية، والأسباب الأرضيَّة .. هي مفزَعُ المُسلم إن سُلِبَ مالُه، وضعُفَ عن بلوغ حقِّه، وقلَّ أعوانُه

"حسبي الله ونِعمَ الوكيل" هي: سَلواهُ في المصائِب، وحِصنُه في الشدائِد، حين يقولُها بيقينٍ راسِخٍ؛ فإنه يعتقِدُ أنْ لا حولَ إلا حولُ الله، ولا قوةَ إلا قوةُ الله، إذا نزلَت بالعبدِ نَكْبَةٌ، وألَمَّت به مُصيبةٌ، وقال: "حسبيَ الله ونِعمَ الوكيل" تفرَّغَ قلبُه من كل شيءٍ إلا الله وحده، وهذا يجعلُ المكروبَ والمُبتلَى يُحسُّ في قَرارَةِ يقينِه وقلبِه؛ أن الأمورَ بيدِ الله، فتَهُونُ عليه الهُموم مهما بلَغَت، والكُرُباتُ مَهْما وصَلَت؛ ولذا قال داعيةُ آل فرعون:  ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾[سورة غافر:44]

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" دُعاءُ مسألة، وعِلاجٌ لكل ما يُهِمُّ المُسلِمَ من أمرِ الدنيا والآخرة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من قال إذا أصبحَ وإذا أمسَى: حسبِيَ الله لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم سبعَ مراتٍ؛ كفَاه الله ما أهمَّه» أخرجه أبو داود

حسبِيَ الله ونِعمَ الوكيل قالَها إبراهيمُ عليه السلام حين أُلقِيَ في النار، فغَدَت بردًا وسلامًا، وقالَها رسولُنا الكريمُ صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[سورة آل عمران:173-174] ، إنها تعنِي: تفويضَ الأمر إليه - سبحانه - بعد الأخذ بالأسباب، فلا يطلُبُون الشفاءَ إلا منه، ولا يطلُبُون الغِنَى إلا منه، ولا يطلُبُون العِزَّ إلا منه، فكلُّ أمورهم مُتعلِّقةٌ بالله رجاءً وطمَعًا ورغبةً

حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل دُعاءُ الأقوياء، من قَوِيَتْ قلوبُهم فلا تُؤثِّرُ فيها الأوهام، ولا تُزعِجُهم الحوادِث، ولا يتسرَّبُ إليهم خوفٌ ولا خَوَر؛ لعلمِهم أن الله تكفَّل لمن توكَّل عليه بالكفايةِ التامَّة، فيثِقُ بالله، ويطمئنُّ لوعدِه، فيزُولُ همُّه وقلَقُه، ويتبدَّلُ عُسرُه يُسرًا، وتَرَحُه فرَحًا، وخوفُه أمنًا

حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل وصيَّةُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لأمَّته عند الشدائِد؛ حيث قال: «كيف أنعَمُ وصاحبُ القرن قد التَقَمَ القرنَ واستمَعَ الإذنَ متى يُؤمَرُ بالنفخِ فينفُخ»، فكأنَّ ذلك ثقُلَ على أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «قُولوا: حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، على الله توكَّلنا» أخرجه أحمد، ومن كان الله حسيبَه لا يشتغِلُ بالُه بما يَكيدُه الكائِدُون، ولا تُقلِقُه مُؤامراتُ المُتربِّصين، وما بيَّت له أهلُ الكفر أو الضلال، ولهذا طَمْأنَ الله سبحانه وتعالى نبيَّه وأنزلَ عليه:﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ [سورة الأنفال:62]

.عباد الله: حسبنا الله ونعم الوكيل كَلمةٌ عظيمةُ المعاني كبيرةُ الأثر، فالزَموها تَسْعدوا في الدارين

.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائِر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا لا ينتَهي أمَدُه، ولا ينقَضِي عددُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رِزقُنا وصحَّتُنا وعافيتُنا خيرُه ونِعَمُه وفضلُه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا صفيُّه وحبيبُه وعبدُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه صلاةً دائمةً يلهَجُ بها العبدُ حتى .ينقضِيَ أجَلُه.أما بعد

أيها المؤمنون: لا يُفهَمُ من هذا أن يُوارِيَ الرجلُ عجزَه بالحَسْبَلَة والحوقَلَة؛ فهذا مظهرٌ من مظاهر الضعفِ والذلِّ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابَه: «اللهم إني أعوذُ بك من الهمّ والحَزَن، والعجزِ والكَسَل، والبُخل والجُبن، وضلَعِ الدَّين وغلَبَة الرِّجال» أخرجه البخاري، فيُواجِهُ المُسلمُ الأحداثَ والمواقِف بـ "حسبِيَ الله ونِعمَ الوكيل" مُستشعِرًا جلالةَ معانِيها، وعظيمَ مدلُولِها، مع العملِ الجادِّ، واتخاذِ الأسبابِ بحكمةٍ وبصيرةٍ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «المُؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من .المُؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُك، واستعِن بالله ولا تعجَز» أخرجه مسلم

.فخُذ بالأسباب يا عبد الله وتوكل على ربكَ، واجعل يقينكَ بالله أكبر وأعظم من السَّبب نفسَه؛ يُكتب لك التوفيق والسَّداد

:ابن آدم: اعمل ما شئت فإنك مُلاقيه، وأحبب من شئت فإنك مُفارقُه، وكن كما شئت فكما تَدينُ تُدان، ثم صلُّوا وسلموا على رسول الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابه، فقال

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  [سورة الأحزاب:56]

 اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك يا أرحم الراحمين

 

___

 

المرفقات

1626434219_حسبنا الله ونعم الوكيل.docx

1626434219_حسبنا الله ونعم الوكيل.pdf

المشاهدات 797 | التعليقات 0