حسبُنا الله ونِعم الوكيل (خطبة )

                                                 حسبُنا الله ونِعم الوكيل  29/10/1439هـــــ

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمدُ ربِّي وأشكرُه على الكثير والقليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه الذين سلَكُوا طريقَ الحقِّ خيرَ سبيل.

 أما بعد: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" كلمةٌ عظيمة تحوِي جليلَ المعاني، وروعةَ المضمون،

الحَسيبُ من يعُدُّ عليك أنفاسَك، ويصرِفُ بفضلِه عنك بأسَك. الذي يُرجَى خيرُه، ويكفِي بفضلِه ويصرِفُ الآفات بطَولِه. هو الذي إذا رُفِعَت إليه الحوائِجُ قضاها، وإذا حكَمَ بقضيَّةٍ أبرَمَها وأمضاها.

قال الله (وكفَى بالله حسيبًا) وقال (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) أي: كافِيه أمورَ دينِه ودُنياه، الكافِي عبدَه هُمومَه وغُمومَه.

"ونِعمَ الوكيل": نِعمَ المُتوكَّل عليه في جلبِ النَّعماء، ودفعِ الضُّرِّ والبلاء. الوكيلُ الذي توكَّل بالعالَمين خلقًا وتدبيرًا وهدايةً وتقديرًا.

الوكيلُ هو الذي يتولَّى بإحسانِه شُؤونَ عبادِه، فلا يُضيِّعُهم ولا يترُكُهم ولا يكِلُهم إلى غيرِه، ومنه: قولُ النبي – صلى الله عليه وسلم اللهم رحمتَك أرجُو، فلا تكِلني إلى نفسِي طرفَةَ عينٍ( أي: فلا تكِلني إلى نفسِي وتصرِفُني إليه، ومن وُكِلَ إلى نفسِه هلَك.

 

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" أي: هو حسبُ من توكَّل عليه، وكان مُلتجِئًا إليه. هو الذي يُؤمِّنُ خوفَ الخائِف، ويُجيرُ المُستَجير، نِعمَ المولَى ونِعمَ النصير. فمن تولاَّه واستنصَرَ به وتوكَّلَ عليه، وانقطَعَ بكلِّيَّته إليه تولاَّه وحفِظَه وحرَسَه وصانَه.

ومن خافَه واتَّقاه أمَّنَه مما يخافُ ويحذَر، وجلَبَ إليه كل ما يحتاجُ إليه من المنافِع،  )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ(

فلا تستبطِئ نصرَه ورِزقَه وعافيتَه؛ فإن الله بالِغُ أمره، وقد جعلَ الله لكل شيءٍ قدْرًا. قدْرًا لا يتقدَّمُ عنه ولا يتأخَّر، قال الله تعالى)يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(أي: كافِيكَ وكافِي أتباعك، )أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ(

  

"حسبي الله ونِعمَ الوكيل" ملاذُ العبد وملجَؤُه حالَ الأزمة الشديدة، والضائِقةِ العظيمة .. هي أمضَى من القوَى المادية، والأسباب الأرضيَّة .. هي مفزَعُ المُسلم إن سُلِبَ مالُه، وضعُفَ عن بلوغ حقِّه، وقلَّ أعوانُه

 

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" دُعاءُ مسألة، وعِلاجٌ لكل ما يُهِمُّ المُسلِمَ من أمرِ الدنيا والآخرة، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم (من قال إذا أصبحَ وإذا أمسَى: حسبِيَ الله لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم سبعَ مراتٍ؛ كفَاه الله ما أهمَّه(

 

"حسبِيَ الله ونِعمَ الوكيل" قالَها إبراهيمُ – عليه السلام – حين أُلقِيَ في النار، فغَدَت بردًا وسلامًا. وقالَها رسولُنا الكريمُ – صلى الله عليه وسلم – حين قالوا له )إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(

 

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" دُعاءُ الأقوياء، من قوِيَت قلوبُهم فلا تُؤثِّرُ فيها الأوهام، ولا تُزعِجُهم الحوادِث، ولا يتسرَّبُ إليهم خوفٌ ولا خَوَر؛ لعلمِهم أن الله تكفَّل لمن توكَّل عليه بالكفايةِ التامَّة، فيثِقُ بالله، ويطمئنُّ وعدِه، فيزُولُ همُّه وقلَقُه، ويتبدَّلُ عُسرُه يُسرًا، وتَرَحُه فرَحًا، وخوفُه أمنًا.

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" سِلاحُ الداعية إلى الله؛ فالمُؤمنُ الحقُّ لا يفُتُّ الإرجافُ في عضُدِه، فهو واثِقُ الخُطَى، خالِصُ التوكُّل، عظيمُ الثَّبات، قال الله تعالى: )فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(

فالذين يُبلِّغُون دينَ الله عالِمون أن الله وليُّهم، فيخشَونَه ولا يُبالُون بالمُثبِّطين، هم على ثقةٍ بأنهم على حقٍّ، وأن دينَهم حقٌّ، وأن الله ناصِرُهم ولو بعدَ حين.

 

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" دُعاءُ الرِّضا بأقدار الله، )وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (

  

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" وصيَّةُ نبيِّنا – صلى الله عليه وسلم – لأمَّته عند الشدائِد؛ حيث قال)كيف أنعَمُ وصاحبُ القرن قد التَقَمَ القرنَ واستمَعَ الإذنَ متى يُؤمَرُ بالنفخِ فينفُخ (فكأنَّ ذلك ثقُلَ على أصحابِ النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال لهم ) قُولوا: حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، على الله توكَّلنا(

ومن كان الله حسيبَه لا ينشغِلُ بالُه بما يَكيدُه الكائِدُون، ولا تُقلِقُه مُؤامراتُ المُتربِّصين، وما بيَّت له أهلُ الكفر أو الضلال، ولهذا طمأنَ الله – سبحانه وتعالى – نبيَّه وأنزلَ عليهوَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ(

كان يزيدُ بن حكيم يقول: ما هِبتُ أحدًا قطُّ هيبَتي رجُلاً ظلمتُه وأنا أعلمُ أنه لا ناصِرَ له إلا الله يقول: "حسبِيَ الله، الله بيني وبينَك"

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا لا ينتَهي أمَدُه، ولا ينقَضِي عددُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رِزقُنا وصحَّتُنا وعافيتُنا خيرُه ونِعَمُه وفضلُه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا صفيُّه وحبيبُه وعبدُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه صلاةً دائمةً يلهَجُ بها العبدُ حتى ينقضِيَ أجَلُه.أما بعد: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله

أيها المسلمون : حسبنا الله ونعم الوكيل يقولها المؤمن حين يرى بعض شباب المسلمين وقد تخطفتهم الشبهات فغدوا ملحدين أو زاغت عقولهم فصاروا مكفرين مفجرين يفسدون على الناس أمنهم ويفرقون بين الأخ وأخيه والابن وأبيه ضلت عقولهم وقل فقههم فقتلوا أبناء المسلمين

حسبنا الله ونعم الوكيل يقولها المؤمن حين يرى موج بحر الفتن متلاطما والناس يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل ويبدلون ويغيرون فيزداد إيمانا ويقينا وثباتا

حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ: عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ، تَعْنِي: تَوَكُّلَ العَبْدِ عَلَى رَبِّهِ، وَالْتِجَاءَهُ إِلَيْهِ، وَافْتِقَارَهُ لِعَوْنِهِ وَتَسْدِيدِهِ، وَمَدَدِهُ وَتَوْفِيقِهِ.

إِنْ مَسَّنَا الضُّرُّ أَوْ ضَاقَتْ بِنَا الحِيَلُ **فَلَنْ يَخِيبَ لَنَا فِي رَبِّنَا أَمَلُ

اللهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ حَسْبُنَا وَكَفَى ** إِلَيْهِ نَرْفَعُ شَكْوَانَا وَنَبْتَهِل

وَمَنْ نَلُوذُ بِهِ فِي كَشْفِ كُرْبَتِنَا **وَمَنْ عَلَيْهِ سِوَى الرَّحْمَنِ نَتَّكِلُ

فَافْزَعْ إِلَيْهِ وَأقْرِعْ بِابَ رَحْمَتِهِ **فَهْوَ الرَّجَاءُ لِمَنْ أَعْيَتْ بِهِ السُّبُلُ

المرفقات

الله-ونِعم-الوكيل-2

الله-ونِعم-الوكيل-2

المشاهدات 3942 | التعليقات 1

للإيضاح 

الخطبة أصلها للشيخ الثبيتي واستفدت من غيره