حرية المرأة والخديعة الكبرى-1--11-8-1439هـ-عصام عبدالباسط زيدان أبوزيد-موقع لها

محمد بن سامر
1439/08/11 - 2018/04/27 19:49PM
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
     الحريةُ تلك الكلمةُ البراقةُ اللامعةُ، التي خُدِعَ بها الملايينُ من البشرِ حولَ العالمِ، والتي صدَّرها لنا الغربُ عبرَ عُقودٍ طويلةٍ، وباتَ كلُّ حاقدٍ أو ناقمٍ على شرعِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-، يتخذُها ذريعةً ووسيلةً للتهكمِ والسخريةِ، أو للتشكيكِ في الإسلامِ.
     فيَسْخرونَ من أحكامِ الشرعِ وتكاليفِه؛ بزعمِ حريةِ التفكيرِ والعقلِ.
     ويستهزئونَ بالمقدساتِ والرموزِ الدينيةِ؛ بزعمِ حريةِ الرأيِ والتعبيرِ.
     ويمدحون القوانينَ الوضعيةَ المخالفةَ للشرعِ؛ بزعمِ حريةِ الاعتقادِ.
     ويَنشرونَ العُريَ والإباحيةَ والخلاعةَ في المجتمعِ؛ بزعمِ حريةِ المرأةِ.
     إنَّ قضيةَ حريةِ المرأةِ هي الخُدعةُ الكبرى التي نصبَها لنا الغربُ، وانطلتْ على الكثيرِ من أبناءِ المسلمينَ، ممن نسُوا هُويتَهم الإسلاميةَ، أو تبرؤُوا منها، وصدَّقوا ما يعلنُه الغربيونَ من شعاراتٍ زائفةٍ خادعةٍ، تُنادي بالحريةِ والمساواةِ، وتحريرِ المرأةِ من الأغلالِ والقيودِ، التي زعموا أنَّ الإسلامَ وضعها فيها.
     وقدْ بنى الغربُ نظريتَه في تحريرِ المرأةِ على ثلاثةِ أركانٍ رئيسةٍ:
     الركنِ الأولِ: المساواةِ بين الرجالِ والنساءِ:
     ولا يَقصدونَ بالمساواةِ-هنا-المساواةَ في الحقوقِ الإنسانيةِ، والواجبات البشرية، كما أقرَها الإسلامُ، وإنما يَعنونَ بها المساواةَ المطلقةَ بين الرجلِ والمرأةِ، بحيثُ تقومُ المرأةُ بكلِّ ما يقومُ بهِ الرجلُّ منْ وظائفَ في المجتمعِ، في جميعِ الجوانبِ: السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والإداريةِ وحتى العسكريةِ.
     وهذهِ الفكرةُ الخاطئةُ عن المساواةِ، ساهمتْ بقدرٍ كبيرٍ في تنحيةِ المرأةِ عن دورِها الرئيسِ، الذي خلقَها اللهُ من أجلِه، وهو رِعايةُ الأسرةِ، وتربيةُ الأولادِ، فَبَعْدَ خروجِ المرأةِ إلى جميعِ ميادينِ العملِ، ومناطحتِها للرجلِ في كلِّ مكانٍ، خلا البيتُ مِنْ ربتِه التي تديرُه، وتَرعى شؤونَه، فتفككتْ الروابطُ الأُسْريةُ، وعزفَ الكثيرُ منَ الشبابِ عن الزواجِ، وانتشرَ الزنا، وفعلُ قومِ لوطٍ، والعلاقاتُ المحرمةِ بين الشبابِ والفتياتِ.
     الركنِ الثانيِ: استقلالِ النساءِ في أُمورِ المعيشةِ:
     فأصبحتِ المرأةِ مستقلةً تمامًا في المعيشةِ عن الرجلِ، فلا يُنفِقُ عليها حتى ولو كانت زوجتَه، وبانتشار هذه الثقافةِ في المجتمعِ، اِضْطُرتِ المرأةُ إلى كسبِ عيشِها بنفسِها، ونزلتْ إلى سوقِ العملِ، ومع ضعفِ المرأةِ الفطريِ، استغلَّها الكثيرونَ، وقدمتِ العديدَ مِنَ التنازلاتِ، التي وصلتْ في أحيانٍ كثيرةٍ، إلى التنازلِ عنِ الشرفِ والعِرْضِ.
     وفقدتِ المرأةُ بسببِ هذا الأمرِ، الهدوءَ والسكينةَ، والاطمئنانَ والحبَ الحقيقيَ، الذي تجدُه في بيتِ الزوجِ، فهي كلَّ ليلةٍ تبيتُ عندَ عشيقٍ مختلفٍ، ثم تعودُ إلى غرفتِها وحيدةً خائفةً، لا تجدُ زوجًا حنونًا يَرأفُ بحالِها، ويَعطِفُ عليها، ويُعينُها على مشاقِ الحياةِ التي لا تنتهي.
     الركنِ الثالثِ: الاختلاطِ المطلقِ بينَ الرجالِ والنساءِ:
     لقدْ لعبَ الغربيونَ على أوتارِ الفطرةِ، التي وضعَها اللهُ في البشرِ، مِنْ ميلِ الرجالِ للنساءِ، وميلِ النساءِ للرجالِ، وهذا الميلُ أو الانجذابُ الفطريُ، يزدادُ قوةً باختلاطِ الجنسينِ، فأشعلَ-بِدورِه- الشهوةَ، فاندفعُ كلٌ مِنَ الرجلِ والمرأةِ إلى المبالغةِ في التَزَيُنِ للآخرِ، وإبداءِ المفاتنِ، إلى أنْ وصلَ الأمرُ بالغربِ، إلى أنْ يُصدروا مجلاتٍ متخصصةٍ في نشرِ الصُورِ الإباحيةِ العاريةِ، لتوزعَ وتباعَ على الأرصفةِ، وفي المحلاتِ التجاريةِ ليقرأَها الناسُ بمختلفِ مراحلِهم العمريةِ شبابًا وأطفالًا وشيوخًا ونساءً، ثمَّ تطورَ الأمرُ مع انتشارِ الإنترنتِ، فنشرَ الغربيونَ ملايينَ المواقعِ الإباحيةِ، للفسادِ والإفسادِ، وسَهَّلُوا الوصولَ إليها لكلِّ منِ استزَّلَهُمُ الشيطانُ.
     وهكذا بُنيتُ أركانُ تلك الخُدعةِ الكُبرى، التي أطلقوا عليها حريةَ المرأةِ، أو تحريرَ المرأةِ، والتي تَلَّبَسَ دعاتُها بثيابِ البراءةِ والطهرِ والعفافِ، وهم يُخفونَ في قلوبِهم وعقولِهم خُبثًا ودناءةً أشدَ من الشياطينَ، وباتَ الأمرُ واضحًا، أنَّهمْ لا يُريدون تحريرَ المرأةِ، وإنما يُريدونَ حريةَ الوصولِ إلى المرأةِ، بإبعادها عن الإسلامِ وأخلاقِه وتعاليمِه التي تصونهُا وتحفظُها.
     وكعادةِ كلِّ الأمورِ التي تخالفُ الفطرةَ، وتنحرفُ بها عن مسارِها الذي رسمَه اللهُ لها، أنها ما تلبثُ أنْ تنهارَ، أمامَ نداءِ الفطرةِ القويِ الجارفِ، فيأبى اللهُ-عزَّ وجلَّ-إلا أنْ يُظهِرَ عورَ هذه الدعواتِ وزيفهَا وباطلَها على لسانِ بعضِ الغربياتِ أنفسهنِ، اللاتي عشنَ في ظلالِ تلك الحريةِ المزعومةِ، فهذه كاتبةٌ أمريكيةٌ تسمى "فيليبس ماكينلي"، تقولُ بلسانِ الناقمِ الساخطِ على حالِه: "هلْ نُعَدُّ نحنُ النساءُ بعدَ أنْ نِلْنا حرياتِنا أخيرًا، هلْ نُعَدُّ خائناتٍ لجنسِنا إذا ارتددْنا لدورِنا القديمِ في البيوتِ؟، إنَّ لي آراءً حاسمةً في هذهِ النقطةِ، فإنِّي أُصِرُّ على أنَّ للنساءِ أكثرَ من حقٍ في البقاءِ رباتِ بيوتٍ، وإنِّني أُقدِرُ مهنتَنا، وأهميتَها في الحقلِ البشريِ، إلى حدِ أني أراها كافيةً لأن تملأَ الحياةَ والقلبَ"، ومعنى كلامِها: إنَّ البقاءَ في البيتِ لرعايةِ الزوجِ والأولادِ كافٍ لإسعادِ المرأةِ وملْء قلبها وحياتِها بالحبِ.
     وقالتْ "ماري دي كليرك" زوجةُ رئيسِ جنوبِ إفريقيا السابقِ: "إنَّ المرأةَ لم يعدْ لها أهميةٌ في ظلِ الحريةِ الزائفةِ التي قضتْ على كِيانِها وشخصيتِها، وجعلتها عُرضةً للاستغلالِ البشعِ من أصحابِ العواطفِ المنحرفةِ من الرجالِ، إنَّ المكانَ الطبيعيَ للمرأةِ هو البيتُ الذي فيه تُكَوِّنُ الأسرةَ، وترعى الأبناءَ، أجيالَ المستقبلِ، وأملَ الأُمةِ في غدِها المنشودِ".
الخطبة الثانية
حريةُ المرأةِ في ظلِّ الإسلامِ
     أما بعد: فلقدْ ظفرتِ المرأةُ في ظلِ مدنيةِ الإسلامِ بالتكريمِ والتكافؤِ مع الرجلِ، وظلتِ المرأةُ شريكةَ الرجلِ في بناءِ المجتمعِ، ونهضةِ الأُمةِ، وفي عصرِنا الحاضرِ، وصلَ التخلفُ بمجتمعاتِ المسلمينَ بأنْ أصبحتْ قضيةُ المرأةِ محلَ نقاشٍ وجدالٍ حولَ الدورِ المُلقى على عاتِقها، وتعالتْ الصيحاتُ هنا وهناك تنادي بحريةِ المرأةِ على الطريقةِ الغربيةِ، وتَحرُرِها من كلِّ قيدٍ.
     والحقيقةُ الواضحةُ: أنَّ قضيةَ حُريةِ المرأةِ لا وجودَ لها في الإسلامِ؛ لأنَّه هو الذي حررَها وأكرمَها وأعلى شأنَها، والغربيونَ لهم أسبابُهم حين يُطالبون بحريةِ المرأةِ الغربيةِ، فهم مِنَ الأساسِ قد احتقروا المرأةَ، وعاملوها كسقطِ المتاعِ-أَتْفَهِ الأشياءِ-، واعتبروها مصدرَ كلِّ الشرورِ، فالمرأةُ لم تكنْ حُرةً عندَهم فطالبوا بحريتِها.
      أما في الإسلامِ فالأمر على الضدِ تمامًا؛ فالمرأةُ في الجاهليةِ كانت محتقرةً أيمَّا احتقارٍ، وكان وأدُ البناتِ-دفنُهنَّ وهنَّ أحياءٌ-منتشرًا في بعضِ القبائلِ العربيةِ، وكانتِ المرأةُ في الجاهليةِ تُعد من سقطِ المتاعِ-أَتْفَهِ الأشياءِ-لا وزنَ لها ولا قيمةَ، قالَ عمرُ بنُ الخطابَ-رضي اللهُ عنه-: "واللِه إنْ كنا في الجاهليةِ ما نَعُدُ للنساءِ أمرًا حتى أنزلَ اللهُ فيهن ما أنزلَ، وقسَمَ لهنُ ما قسمَ".
     ولم يكنْ لها حقُ الإرثِ، كان العربُ الجاهليونَ يقولون: "لا يرثُنا إلا منْ يحملُ السيفَ، ويحمي البيضةَ-المجتمعَ والوطنَ-، وهو الرجل"، فإذا ماتَ الرجلُ ورثَه ابنُه، فإنْ لم يكنْ فأقربُ من وُجِدَ من أوليائِه: أبًا كان أو أخًا أو عمًّا، وكانوا يَعدونَ النساءَ من جملةِ المتاعِ الذي يُورث عن الميتِ، فإذا ماتَ الرجلُ كان أولياؤُه أحقَ بامرأتِه، إنْ شاءَ بعضُهم تزوجَها، وإنْ شاءَ زوجَها، وإنْ شاءَ لم يزوجْها فهو أحقُ بها من أهلِها، فنزلَ قولُه-تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا﴾.
     ويكفيكِ أنْ تعلمَ حالَ أحدِهم حينَ يُبَشَّرُ بأنثى من صُلْبِه: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ*يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
     وكانِ الرجلُ في الجاهليةِ يجمعُ بالزواجِ بينَ عددٍ كثيرٍ من النساء،ِ ويُسيءُ عشرتَهُنَّ، فجاءَ الإسلامُ فكرمَّها، وأعلى من شأنِها، ووازن بينها وبين الرجلِ مع مراعاةِ الفروقِ الفِطريةِ بينهُما، ولذلك لمْ نسمعْ في عهدِ النبيِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-ولا في عهدِ أصحابِه-رضي اللهُ عنهم-ولا في عهدِ من تبعهم من السلفِ الصالحِ لم نسمع ْعن نساءٍ طالبنْ بحريتِهن من قيودِ الإسلامِ.
 
المشاهدات 869 | التعليقات 0