حرمة إيذاء المسلم
باسم أحمد عامر
الخطبة الأولى:
وبعد،
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)،
حرم الله تعالى إيذاء المسلم، وتوعد عليه بالوعيد الشديد، لأن المسلم حرام الدم والمال والعرض، فلا يجوز انتهاك حرمته والاعتداء على حقوقه واستصغار شأنه، قال عليه الصلاة والسلام: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُه)،
وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن من أفضل الأعمال ترك أذية المسلمين، فقد سئل عليه الصلاة والسلام: أيُّ الإسلام أفضل؟ فقال: (من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)،
عباد الله، لقد جاء الإسلام بالآداب والأحكامِ والحدود التي تعظِّم حرمات المسلم، وتحمِيه من الأذى، ولو كان هذا الأذى معنوياً أو نفسياً، وقد حرص النبي عليه الصلاة والسلام على التأكيد على هذا الأمر، في أحاديث كثيرة متعددة، من ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ)، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ)، فأمَرَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببعض الحقوق المتعلقة بالطريق، لكي لا يقع المسلمون في أذية بعضهم البعض،
وصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما على المنبر فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يتَّبِعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)،
فحرم النبي صلى الله عليه وسلم الإيذاء بجميع صوره وأشكاله، سواء كان بالقول أو الفعل، كالاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم، أو سبهم وشتمهم، أو اتهامهم بالكذب والزور، أو نشر الشائعات المغرضة، أو غير ذلك من صور الإيذاء،
بل حتى الإيذاء النفسي، جاء النهي عنه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ)، وفي رواية عند الترمذي: “فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ)؛
عباد الله: ويزداد إثم الأذى عندما يكون موجَّهاً إلى أحدٍ من أولياء الله تعالى، من العلماء أو الدعاة أو الصالحين؛ فقد قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)،
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أذية المسلمين، فإن الإسلام جاء لكي يحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، أقول قولي هذا،،،
الخطبة الثانية:
وبعد،
إن من اعتاد على إيذاء الناس وظلمهم وأكل حقوقهم، يأتي يوم القيامة مفلساً من حسناته، ولو كان صاحب صلاة وصيام وسمت متدين،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)،
فلا بد من الحذر -عباد الله- من هذا الأمر الخطير، الذي تساهل فيه كثير من الناس اليوم،
هذا وصلوا على الحبيب،،