حرب الملة بمالي
د مراد باخريصة
1434/03/17 - 2013/01/29 09:07AM
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله. والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: عباد الله: تعددت جراح المسلمين، وكثرت مآسيهم، وازدادت محنهم وابتلاءاتهم، فما يكاد يندمل جرح حتى ينفجر جرح أكبر منه وأعظم، و
أنَّى اتجهتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ *** وجدتَّ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
فمن البوسنة إلى كوسوفا، ومن كوسوفا إلى كشمير، ومن كشمير إلى الشيشان، ومن الشيشان إلى أفغانستان، والعراق، والصومال، واليمن، وسوريا، وبورما؛ وأخيراً -وليس بآخر- مالي، وما أدراك ما مالي؟!.
مالي دولة أفريقية، تقع في غرب أفريقيا، وتعتبر أكبر دولة في الغرب الأفريقي، يشكل المسلمون من إجمالي سكانها نحو تسعين في المائة.
شهدت مالي تمرداً عسكرياً قاده مجموعة من الضباط العسكريين الماليين في مارس من العام الفائت، وكان سبب انقلاب هؤلاء العسكريين على رئيسهم هو أنهم يرون أن حكومة الرئيس المطاح به لم تدعم بشكل كامل المعركة التي يخوضها الجيش المالي ضد الطوارق العرب الذين يعيشون في شمال مالي، فسبب انقلابهم إذاً هو حقد دفين من هؤلاء الضباط العلمانيين على كل ما هو عربي أو إسلامي.
وقدر الله لهذه القبائل العربية ومن تحالف معها من الإسلاميين أن يسيطروا سيطرة كبيرة على شمال مالي، وقادوا زمام الأمور هناك، فجن جنون الغرب، وقامت قيامتهم عندما رأوا الإسلاميين يحكمون الناس بالشريعة، ويقيمون العدل بينهم، رغم أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب المالي.
فتآمر الكفار، واجتمعوا، وخططوا ومكروا، فقرروا أنه لابد من تدخل عسكري لإعانة العلمانيين في مالي في حربهم ضد الإسلاميين، فأعلنت فرنسا قيادة الحملة الصليبية، وأعانتها دول غربية وعربية، كل منهم يقدم لها خدمة في مجال معين، فهذا يدعم دعماً عسكرياً، والآخر مالياً، والثالث لوجستياً وهكذا...
وكان من حقد الغرب الصليبي على الإسلام والمسلمين أنهم بدؤوا حملتهم المشؤومة على شمال مالي في يوم الجمعة، هذا اليوم العظيم الذي يعظمه المسلمون ويتخذونه عيداً،كل ذلك -كما يقول الرئيس الفرنسي- من أجل كبح قوى الإسلام العالمية، ووقف المد الإسلامي، والقضاء على الحركات الإسلامية، فيا له من دين عظيم يقلق مضاجع الكفار، ويهز كيانهم، ويطير عقولهم، ويخلع قلوبهم، ويذهب النوم من أعينهم، ويفقدهم السيطرة على أنفسهم!.
كلهم يريد القضاء عليه، ولكنهم، كما قال الله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: 8]، وقال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].
وبناء على هذا، وعندما عرف المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن هذه الحملة الصليبية على مالي ما هي إلا سلسلة من سلاسل الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين، قامت رابطة علماء المسلمين بإصدار بيان حول الحرب الفرنسية الظالمة ضد مسلمي مالي، أكدوا فيه على أن هذه الحرب التي تشنها فرنسا ومَن حالفها في مالي ما هي إلا ضرب من العدوان السافر، والتدخل الذي لا مسوغ له في شؤون البلد الداخلية التي لا علاقة لها بالتدخل فيها، وأنها حرب ضد طوائف من المسلمين بدعوى الإرهاب والتشدد، فما كان ذنبهم إلا أنهم سعوا لإقامة حكم إسلامي في بلدهم الذي طالما رزح وأخضع للنظام الاستعماري وشريعة الغرب، فهل ارتكب المسلمون في مالي جرائم حرب حتى يحاربوا؟ وهل هددوا الأمن والسلم الإقليمي -فضلاً عن الدولي- حتى تتكالب عليهم هذه الدول؟.
بينما يرتكب نظام مجرم الشام أبشع الجرائم ضد الإنسانية، ويقضي على الأخضر واليابس، فيكتفي الغرب -ومنهم فرنسا- بالشجب البارد، ولا يتحركون إلا إذا استتبت الأمور للإسلاميين، فهنا يتحرك الغرب ليحول بينهم وبين قطف ثمرة جهادهم وبلائهم.
وتابع البيان قائلاً: وحيال هذا الظلم والعدوان نبين للأمة ما يأتي:
أولاً: ما فعلته فرنسا حرب وعدوان على المسلمين، يجب إنكاره، ولا يجوز إقراره؛ فضلاً عن دعمه مادياً أو إعلامياً أو بأي نوع من أنواع الدعم المعنوي، فمظاهرة الكافرين على المسلمين من نواقض الإسلام كما هو ظاهر القرآن، وبينه أئمة وعلماء الإسلام، ولاسيما إن كان الكافر يعلن بأن حربه على قوم يريدون إقامة حكم إسلامي في بلدهم.
فإعانة الكفار في هذه الحال من الموبقات العظيمة التي لا يجوز لمسلم أن يساهم فيها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:51-52].
كما دعا البيان إلى تكاتف المسلمين في رد هذا العدوان ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فإن الله ذكر أن الكفار بعضهم أولياء بعض، أي يناصر بعضهم بعضاً ويعين بعضهم بعضاً في الباطل، وهكذا المسلمون يجب أن يناصر بعضهم بعضاً ويعين بعضهم بعضاً في الحق، كما قال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...) [التوبة:71]، وقال عن الكفار: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
عباد الله: إن الحرب في العالم اليوم تدور بين معسكرين: معسكر الإيمان ومعسكر الصلبان، بين هوية الإسلام والهوية الجاهلية، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان الذين قال الله عنهم: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89]، وقال: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، وقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].
لقد أيقن الغرب الصليبي أن الإسلام يشكل خطراً على مصالحه، وأن المسلمين لو رأوا نعمة الإسلام وعاشوا تحت عدله ورحمته لتغيرت قلوبهم، وتاقت إلى الشريعة نفوسهم، وأصبحوا كياناً واحداً في الأرض يجمعهم الدين تحت راية واحدة، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
فمن هنا قرر الغرب أن يقضوا على كل من يريد إعادة الحكم بالشريعة، أو يحلم بتطبيقها على أرض الواقع، لأنهم يعلمون جيداً كيف سيكون حال المسلمين لو حكموا بالشريعة الإسلامية الحقة، والأحكام الإسلامية الثابتة.
يقول المستشرق غاردنر: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا"، ويقول آخر في مؤتمر صحفي: "إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم"، ويقول فيليب فونداس: "إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسة عدائية للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره".
وصدق الله -جل جلاله- إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ناصر المستضعفين، وولي المسلمين، وجابر المنكسرين، وناصر عباده الموحدين، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، الذي بعثه ربه بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله: من الوصايا التي أوصى بها لويس التاسع "ملك فرنسا"، في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس، يوصي فيها بعدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية من أن يقوم فيها حكم صالح.
وهذا هو ما يحدث في العالم الإسلامي اليوم، فبمجرد أن تهيمن جماعة إسلامية، أو تقوم حكومة إسلامية تعلن عن نيتها وعزمها على تطبيق الشريعة الإسلامية، تقوم الدول الصليبية مباشرة بمحاصرتها، وشن الحرب عليها، وانتزاع الحكم منها بالقوة، وتسليمه إلى عميل آخر يطبق القوانين الوضعية، ويخضع للأحكام الدولية، ويحكم الناس بغير ما أنزل الله، وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة في كثير من بلاد المسلمين، كالصومال، وأفغانستان، والعراق، واليمن، وها هو يتكرر اليوم في مالي.
أما إذا سعت أقلية نصرانية في الحكم الذاتي، أو رغبت في الانفصال عن البلد الذي تعيش فيه، فإن لها ذلك، ولها الحق في الاستقلال والانفصال، كما حدث في تيمور الشرقية، وفي جنوب السودان، وفي غيرها من البلدان، فهذا هو القانون الدولي، وهذه هي حقوق الإنسان الكافر، أما المسلم فليس بإنسان عندهم أصلاً، كما يحصل اليوم للمسلمين في مالي، فالمعركة ما هي إلا سلسلة من سلسلة المعارك بين الإسلام والكفر، ولم تقم هذه الحملة على مالي إلا خوفاً من بزوغ فجر جديد لدولة إسلامية وليدة.
إنه امتحان من الله -جل جلاله- وابتلاء واختبار لهذه الأمة، ليعلم الله قدر حبهم للشريعة، ومدى استعدادهم للتضحية من أجلها، وهل تستحق الشريعة أن يقاتلوا في سبيلها ويموتوا من أجلها؟ وهل هم مستعدون لدفع ضريبة العيش في ظلالها؟ أم أنهم يريدون حكماً إسلامياً مجانياً، أو يريدون شريعة ونصراً بلا أذية ولا حصار، ولا قتال ولا تضحية، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) [العنكبوت:10-11].
فيجب علينا أن ننصر إخواننا في معركتهم لنصرة الشريعة ولو بالدعاء، والكلمة الصادقة، والوقوف معهم في محنتهم التي هي محنة الأمة بأسرها، وأن لا نخذلهم، أو نشمت بهم -والعياذ بالله- بسبب تطبيقهم لشرع الله، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخُونُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ فِي مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ" المعجم الكبير، ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ" رواه أبو داود.
وأخيراً -عباد الله- فلنبشر خيراً، فإن الغرب الصليبي قد دخل الحرب وذاق حرها، وتفاجأ بما لم يكن يتوقع، وإن شاء الله لن يصبروا طويلاً، وسيخرجون من مالي راغمين بإذن الله، وأقصى ما يستطيعون تحقيقه هو السيطرة على المدن، ولكنهم لن يستطيعوا أن ينتزعوا من قلوب الناس محبة الشريعة، ومطالبتهم بتحكيمها، خاصة بعد هذه الثورات والتحركات للأمة لاستشراف فجر الخلافة القادمة التي بشر بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال:"ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ" رواه أبو داود.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]
"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في مالي وفي كل مكان, اللهم اجمع كلمتهم على الحق, اللهم أيدهم بجنود السموات والأرض, اللهم أفرغ عليهم صبرًا وثبِّت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم ارحم شهداءهم، وعاف جرحاهم، واشف مرضاهم، وفك قيد أسراهم، يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك، ممن تحبهم ويحبونك، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيلك ولا يخافون لومة لائم.
اللهم أنت عضدنا وأنت نصيرنا، بك نحول وبك نصول وبك نقاتل، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين، ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم أبرم لهذه الأمّة أمر رُشد يُعز فيه أهل الطاعة، ويُذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة :201].
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله. والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: عباد الله: تعددت جراح المسلمين، وكثرت مآسيهم، وازدادت محنهم وابتلاءاتهم، فما يكاد يندمل جرح حتى ينفجر جرح أكبر منه وأعظم، و
أنَّى اتجهتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ *** وجدتَّ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
فمن البوسنة إلى كوسوفا، ومن كوسوفا إلى كشمير، ومن كشمير إلى الشيشان، ومن الشيشان إلى أفغانستان، والعراق، والصومال، واليمن، وسوريا، وبورما؛ وأخيراً -وليس بآخر- مالي، وما أدراك ما مالي؟!.
مالي دولة أفريقية، تقع في غرب أفريقيا، وتعتبر أكبر دولة في الغرب الأفريقي، يشكل المسلمون من إجمالي سكانها نحو تسعين في المائة.
شهدت مالي تمرداً عسكرياً قاده مجموعة من الضباط العسكريين الماليين في مارس من العام الفائت، وكان سبب انقلاب هؤلاء العسكريين على رئيسهم هو أنهم يرون أن حكومة الرئيس المطاح به لم تدعم بشكل كامل المعركة التي يخوضها الجيش المالي ضد الطوارق العرب الذين يعيشون في شمال مالي، فسبب انقلابهم إذاً هو حقد دفين من هؤلاء الضباط العلمانيين على كل ما هو عربي أو إسلامي.
وقدر الله لهذه القبائل العربية ومن تحالف معها من الإسلاميين أن يسيطروا سيطرة كبيرة على شمال مالي، وقادوا زمام الأمور هناك، فجن جنون الغرب، وقامت قيامتهم عندما رأوا الإسلاميين يحكمون الناس بالشريعة، ويقيمون العدل بينهم، رغم أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب المالي.
فتآمر الكفار، واجتمعوا، وخططوا ومكروا، فقرروا أنه لابد من تدخل عسكري لإعانة العلمانيين في مالي في حربهم ضد الإسلاميين، فأعلنت فرنسا قيادة الحملة الصليبية، وأعانتها دول غربية وعربية، كل منهم يقدم لها خدمة في مجال معين، فهذا يدعم دعماً عسكرياً، والآخر مالياً، والثالث لوجستياً وهكذا...
وكان من حقد الغرب الصليبي على الإسلام والمسلمين أنهم بدؤوا حملتهم المشؤومة على شمال مالي في يوم الجمعة، هذا اليوم العظيم الذي يعظمه المسلمون ويتخذونه عيداً،كل ذلك -كما يقول الرئيس الفرنسي- من أجل كبح قوى الإسلام العالمية، ووقف المد الإسلامي، والقضاء على الحركات الإسلامية، فيا له من دين عظيم يقلق مضاجع الكفار، ويهز كيانهم، ويطير عقولهم، ويخلع قلوبهم، ويذهب النوم من أعينهم، ويفقدهم السيطرة على أنفسهم!.
كلهم يريد القضاء عليه، ولكنهم، كما قال الله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: 8]، وقال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].
وبناء على هذا، وعندما عرف المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن هذه الحملة الصليبية على مالي ما هي إلا سلسلة من سلاسل الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين، قامت رابطة علماء المسلمين بإصدار بيان حول الحرب الفرنسية الظالمة ضد مسلمي مالي، أكدوا فيه على أن هذه الحرب التي تشنها فرنسا ومَن حالفها في مالي ما هي إلا ضرب من العدوان السافر، والتدخل الذي لا مسوغ له في شؤون البلد الداخلية التي لا علاقة لها بالتدخل فيها، وأنها حرب ضد طوائف من المسلمين بدعوى الإرهاب والتشدد، فما كان ذنبهم إلا أنهم سعوا لإقامة حكم إسلامي في بلدهم الذي طالما رزح وأخضع للنظام الاستعماري وشريعة الغرب، فهل ارتكب المسلمون في مالي جرائم حرب حتى يحاربوا؟ وهل هددوا الأمن والسلم الإقليمي -فضلاً عن الدولي- حتى تتكالب عليهم هذه الدول؟.
بينما يرتكب نظام مجرم الشام أبشع الجرائم ضد الإنسانية، ويقضي على الأخضر واليابس، فيكتفي الغرب -ومنهم فرنسا- بالشجب البارد، ولا يتحركون إلا إذا استتبت الأمور للإسلاميين، فهنا يتحرك الغرب ليحول بينهم وبين قطف ثمرة جهادهم وبلائهم.
وتابع البيان قائلاً: وحيال هذا الظلم والعدوان نبين للأمة ما يأتي:
أولاً: ما فعلته فرنسا حرب وعدوان على المسلمين، يجب إنكاره، ولا يجوز إقراره؛ فضلاً عن دعمه مادياً أو إعلامياً أو بأي نوع من أنواع الدعم المعنوي، فمظاهرة الكافرين على المسلمين من نواقض الإسلام كما هو ظاهر القرآن، وبينه أئمة وعلماء الإسلام، ولاسيما إن كان الكافر يعلن بأن حربه على قوم يريدون إقامة حكم إسلامي في بلدهم.
فإعانة الكفار في هذه الحال من الموبقات العظيمة التي لا يجوز لمسلم أن يساهم فيها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:51-52].
كما دعا البيان إلى تكاتف المسلمين في رد هذا العدوان ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فإن الله ذكر أن الكفار بعضهم أولياء بعض، أي يناصر بعضهم بعضاً ويعين بعضهم بعضاً في الباطل، وهكذا المسلمون يجب أن يناصر بعضهم بعضاً ويعين بعضهم بعضاً في الحق، كما قال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...) [التوبة:71]، وقال عن الكفار: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
عباد الله: إن الحرب في العالم اليوم تدور بين معسكرين: معسكر الإيمان ومعسكر الصلبان، بين هوية الإسلام والهوية الجاهلية، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان الذين قال الله عنهم: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89]، وقال: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، وقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].
لقد أيقن الغرب الصليبي أن الإسلام يشكل خطراً على مصالحه، وأن المسلمين لو رأوا نعمة الإسلام وعاشوا تحت عدله ورحمته لتغيرت قلوبهم، وتاقت إلى الشريعة نفوسهم، وأصبحوا كياناً واحداً في الأرض يجمعهم الدين تحت راية واحدة، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
فمن هنا قرر الغرب أن يقضوا على كل من يريد إعادة الحكم بالشريعة، أو يحلم بتطبيقها على أرض الواقع، لأنهم يعلمون جيداً كيف سيكون حال المسلمين لو حكموا بالشريعة الإسلامية الحقة، والأحكام الإسلامية الثابتة.
يقول المستشرق غاردنر: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا"، ويقول آخر في مؤتمر صحفي: "إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم"، ويقول فيليب فونداس: "إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسة عدائية للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره".
وصدق الله -جل جلاله- إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ناصر المستضعفين، وولي المسلمين، وجابر المنكسرين، وناصر عباده الموحدين، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، الذي بعثه ربه بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله: من الوصايا التي أوصى بها لويس التاسع "ملك فرنسا"، في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس، يوصي فيها بعدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية من أن يقوم فيها حكم صالح.
وهذا هو ما يحدث في العالم الإسلامي اليوم، فبمجرد أن تهيمن جماعة إسلامية، أو تقوم حكومة إسلامية تعلن عن نيتها وعزمها على تطبيق الشريعة الإسلامية، تقوم الدول الصليبية مباشرة بمحاصرتها، وشن الحرب عليها، وانتزاع الحكم منها بالقوة، وتسليمه إلى عميل آخر يطبق القوانين الوضعية، ويخضع للأحكام الدولية، ويحكم الناس بغير ما أنزل الله، وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة في كثير من بلاد المسلمين، كالصومال، وأفغانستان، والعراق، واليمن، وها هو يتكرر اليوم في مالي.
أما إذا سعت أقلية نصرانية في الحكم الذاتي، أو رغبت في الانفصال عن البلد الذي تعيش فيه، فإن لها ذلك، ولها الحق في الاستقلال والانفصال، كما حدث في تيمور الشرقية، وفي جنوب السودان، وفي غيرها من البلدان، فهذا هو القانون الدولي، وهذه هي حقوق الإنسان الكافر، أما المسلم فليس بإنسان عندهم أصلاً، كما يحصل اليوم للمسلمين في مالي، فالمعركة ما هي إلا سلسلة من سلسلة المعارك بين الإسلام والكفر، ولم تقم هذه الحملة على مالي إلا خوفاً من بزوغ فجر جديد لدولة إسلامية وليدة.
إنه امتحان من الله -جل جلاله- وابتلاء واختبار لهذه الأمة، ليعلم الله قدر حبهم للشريعة، ومدى استعدادهم للتضحية من أجلها، وهل تستحق الشريعة أن يقاتلوا في سبيلها ويموتوا من أجلها؟ وهل هم مستعدون لدفع ضريبة العيش في ظلالها؟ أم أنهم يريدون حكماً إسلامياً مجانياً، أو يريدون شريعة ونصراً بلا أذية ولا حصار، ولا قتال ولا تضحية، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) [العنكبوت:10-11].
فيجب علينا أن ننصر إخواننا في معركتهم لنصرة الشريعة ولو بالدعاء، والكلمة الصادقة، والوقوف معهم في محنتهم التي هي محنة الأمة بأسرها، وأن لا نخذلهم، أو نشمت بهم -والعياذ بالله- بسبب تطبيقهم لشرع الله، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخُونُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ فِي مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ" المعجم الكبير، ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ" رواه أبو داود.
وأخيراً -عباد الله- فلنبشر خيراً، فإن الغرب الصليبي قد دخل الحرب وذاق حرها، وتفاجأ بما لم يكن يتوقع، وإن شاء الله لن يصبروا طويلاً، وسيخرجون من مالي راغمين بإذن الله، وأقصى ما يستطيعون تحقيقه هو السيطرة على المدن، ولكنهم لن يستطيعوا أن ينتزعوا من قلوب الناس محبة الشريعة، ومطالبتهم بتحكيمها، خاصة بعد هذه الثورات والتحركات للأمة لاستشراف فجر الخلافة القادمة التي بشر بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال:"ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ" رواه أبو داود.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]
"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في مالي وفي كل مكان, اللهم اجمع كلمتهم على الحق, اللهم أيدهم بجنود السموات والأرض, اللهم أفرغ عليهم صبرًا وثبِّت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم ارحم شهداءهم، وعاف جرحاهم، واشف مرضاهم، وفك قيد أسراهم، يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك، ممن تحبهم ويحبونك، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيلك ولا يخافون لومة لائم.
اللهم أنت عضدنا وأنت نصيرنا، بك نحول وبك نصول وبك نقاتل، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين، ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم أبرم لهذه الأمّة أمر رُشد يُعز فيه أهل الطاعة، ويُذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة :201].
والحمد لله رب العالمين.