حرب المصطلحات
عاصم بن محمد الغامدي
1438/08/09 - 2017/05/05 06:56AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدَّله، وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمَّله، وعلمه البيان فقدمه به وفضَّله، وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله، وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأن محمدًا عبده ورسوله الذي أكرمه وبجَّله، وبالهدى ونور الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما كبر اللهَ عبدٌ وهلله، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوا الله رحمكم الله، كم من نعمٍ أنعم بها علينا، وكم من فضلٍ ساقه إلينا، هدانا في ديننا، وسلمنا في أبداننا، أحيانا مسلمين، وأنشأنا في قوم صالحين، فاصرفوا نعمه في مرضاته، لتكون عونًا لكم على طاعته، وبلاغًا إلى جنته، واملؤوا أوقاتكم طاعة وقربى، ولا تتخذوا دينكم لهوًا وهزوًا ولعبًا، {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
أيها المسلمون:
تُلقي الأسماء بظلالها على مسمياتها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تغيير الأسماء القبيحة، حتى لو اصطلح عليها أصحابها، فمن ذلك أنه «غَيَّرَ اسْمَ الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَغيَّر اسمَ شِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ، وَشَعْبَ الضَّلَالَةِ، سَمَّاهُ شَعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ، وَبَنُو مُغْوِيَةَ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ». [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فالمصطلحات ليست قوالبَ لفظيةً، أو أسماءَ بلا معانٍ وآثار، بل هي مستودعات كبرى للمعاني والدلالات، وما من أهل فن إلا ولهم مصطلحات يعبرون بها عن مرادهم، والمصطلح كلمة أو كلمتين تضبط عددًا من المعاني وتوضحها، وترسم الخطوط العريضة لدلالاتها، والاهتمام بها موجود من قديم الزمان.
وتعطي دقة المصطلحات إشارة على حضارة الأمة، واهتماماتها الثقافية، وقوتها العلمية، والمصطلح النابع من داخل منظومتها، ليس كالدخيل عليها من ثقافة غيرها، لا في قبوله عند المجتمع، ولا في شموله ودقته.
أيها المسلمون:
يعرف الأعداء أهميةَ المصطلحات في تمرير الأفكار، لذا جندوا آلاتهم الإعلاميةَ لإطلاق مصطلحات غير دقيقة، يستخدمونها في حربهم على الإسلام والمسلمين، ويُفصِّلونها على المقاس الذي يريدون، بحسب الوقائع والمتغيرات، فالفلسطينيُّ الذي لا يأتمر بأمرهم، ولا يلتزم بتعليماتهم، ولا يسير وفق خططهم، "إرهابيٌ" لأنه مدافع عن عقيدته وبلده، واليهودي المحتل الغاصب ليس كذلك عندهم.
والمسلم الذي لا يقبل الخروج عن تعاليم دينه إلى تعاليمهم "أصولي"، "رجعي"، "متزمت".
و"تحرير المرأة" مصطلح يقصدون به خروجها عن تعاليم دينها، وطاعة ولي أمرها.
وقد يعبرون عن الزنا بـ "العلاقات الحميمية" أو "العاطفية"، والربا بـ "الفوائد المصرفية" أو "التقليدية".
ولأن هذه البلاد المباركة أيدها الله بنصره، لا زالت تعلن في جميع المحافل تمسكها بالعقيدة الصحيحة، ومنافحتها عنها وعن أهلها، فقد أطلق عليها أعداؤها مصطلح "الوهابية"، وأصبحوا يطلقونه على كل متشددٍ متطرفٍ، محاولةً منهم لربط دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بالتطرف، وإلحاق تصرفات أهل الغلو بها.
وهكذا كل مصطلح، ينحاز لجانب واضعه، وللسياق الثقافي العام في المجتمع الذي أطلق فيه.
عباد الله:
الاصطلاح لا يلتزم الصحة، فقد سمى كفارُ قريشٍ الأصنامَ آلهةً، وجعلوا لكل صنم اسمًا، ومع ذلك فهم على ضلال، قال الله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، ومن المناهج التي تُستخدَم لترويج الباطل تحريفُ بعض المصطلحات عن حقيقتها، والحكمُ على الشيء فرعٌ عن تصوره، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا». [رواه أبو داود وصححه الألباني]، فلاحِظْ كيف ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين شربها وبين تسميتها بغير اسمها، وكأنهم لما غيروا اسمها استحلوها، وقد تحقق هذا الحديث في زماننا حين رأينا من يسمي الخمور بالمشروبات الروحية، أو الكحولية.
ولذا فإن معرفة المقصود بالمصطلح مهمٌ قبل إطلاق الحكم عليه، فالحكم مرتبط بحقيقة الشيء لا بما يُلبسه المتحدثُ من ثياب.
فالتفجيرُ في بلاد المسلمين، وقتلُ الآمنين والمعاهدين، إرهابٌ وخروجٌ عن الطاعة الواجبةِ، وإن سماه الضالون جهادًا في سبيل الله.
والتعاملُ بالربا في الأموال كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وإن سماها البعضُ فائدة أو تقليدًا.
والغناءُ والرقصُ والمجونُ محرماتٌ وإن سميت ترفيهًا.
ومن المصطلحات ما تظهر آثارها مباشرةً، ومنها ما يؤجل إلى حِقْبةٍ أخرى، حين ينشأ جيلٌ لم يعش وقت نشوء المصطلح، فتغيب عنه أبعاده الثقافية والفكرية، ويتعامل معه بشكل خاطئ؛ لأن ما بني على خطأ فهو خطأ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فإن من المصطلحات ما يُقصد به الهمز واللمز، ومنها ما يُقصد به تمييع الحقائق، وإذابة هوية المجتمع، ومنها ما يُقصد به الإرهاب والتخويف، ومعرفةُ الحقيقة في كل ذلك رهنٌ بدقَّة التصور.
وقد شاعت في زماننا مصطلحات، حتى أدخل الناس فيها ما ليس منها، غفلة أو تساهلاً، فالقصص الطريفة التي تدخل السرور في قلب المؤمن مندوب إليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ». [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
ومما اصطلح عليه الناس تسمية هذه القصص بالنكت والطرائف، وهذا الاصطلاح لا يلغي حكم الكذب للإضحاك والتسلية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ». [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
ومما يثلج الصدر، تطور الوعي لدى كثير من أفراد المجتمع، ومعرفتهم بأهمية المصطلحات وضبطها، ونخل ما يدخله الغافلون فيها.
فكونوا يا عباد الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واتقوا الله -رحمكم الله-، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة؛ فإن الشقيَّ من حُرِمَ رَحْمَةَ الله -عياذًا بالله-، ثم صلوا وسلموا على خير البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المتبعة، أبي بكر، وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.
[/align]
الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدَّله، وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمَّله، وعلمه البيان فقدمه به وفضَّله، وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله، وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأن محمدًا عبده ورسوله الذي أكرمه وبجَّله، وبالهدى ونور الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما كبر اللهَ عبدٌ وهلله، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوا الله رحمكم الله، كم من نعمٍ أنعم بها علينا، وكم من فضلٍ ساقه إلينا، هدانا في ديننا، وسلمنا في أبداننا، أحيانا مسلمين، وأنشأنا في قوم صالحين، فاصرفوا نعمه في مرضاته، لتكون عونًا لكم على طاعته، وبلاغًا إلى جنته، واملؤوا أوقاتكم طاعة وقربى، ولا تتخذوا دينكم لهوًا وهزوًا ولعبًا، {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
أيها المسلمون:
تُلقي الأسماء بظلالها على مسمياتها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تغيير الأسماء القبيحة، حتى لو اصطلح عليها أصحابها، فمن ذلك أنه «غَيَّرَ اسْمَ الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَغيَّر اسمَ شِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ، وَشَعْبَ الضَّلَالَةِ، سَمَّاهُ شَعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ، وَبَنُو مُغْوِيَةَ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ». [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فالمصطلحات ليست قوالبَ لفظيةً، أو أسماءَ بلا معانٍ وآثار، بل هي مستودعات كبرى للمعاني والدلالات، وما من أهل فن إلا ولهم مصطلحات يعبرون بها عن مرادهم، والمصطلح كلمة أو كلمتين تضبط عددًا من المعاني وتوضحها، وترسم الخطوط العريضة لدلالاتها، والاهتمام بها موجود من قديم الزمان.
وتعطي دقة المصطلحات إشارة على حضارة الأمة، واهتماماتها الثقافية، وقوتها العلمية، والمصطلح النابع من داخل منظومتها، ليس كالدخيل عليها من ثقافة غيرها، لا في قبوله عند المجتمع، ولا في شموله ودقته.
أيها المسلمون:
يعرف الأعداء أهميةَ المصطلحات في تمرير الأفكار، لذا جندوا آلاتهم الإعلاميةَ لإطلاق مصطلحات غير دقيقة، يستخدمونها في حربهم على الإسلام والمسلمين، ويُفصِّلونها على المقاس الذي يريدون، بحسب الوقائع والمتغيرات، فالفلسطينيُّ الذي لا يأتمر بأمرهم، ولا يلتزم بتعليماتهم، ولا يسير وفق خططهم، "إرهابيٌ" لأنه مدافع عن عقيدته وبلده، واليهودي المحتل الغاصب ليس كذلك عندهم.
والمسلم الذي لا يقبل الخروج عن تعاليم دينه إلى تعاليمهم "أصولي"، "رجعي"، "متزمت".
و"تحرير المرأة" مصطلح يقصدون به خروجها عن تعاليم دينها، وطاعة ولي أمرها.
وقد يعبرون عن الزنا بـ "العلاقات الحميمية" أو "العاطفية"، والربا بـ "الفوائد المصرفية" أو "التقليدية".
ولأن هذه البلاد المباركة أيدها الله بنصره، لا زالت تعلن في جميع المحافل تمسكها بالعقيدة الصحيحة، ومنافحتها عنها وعن أهلها، فقد أطلق عليها أعداؤها مصطلح "الوهابية"، وأصبحوا يطلقونه على كل متشددٍ متطرفٍ، محاولةً منهم لربط دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بالتطرف، وإلحاق تصرفات أهل الغلو بها.
وهكذا كل مصطلح، ينحاز لجانب واضعه، وللسياق الثقافي العام في المجتمع الذي أطلق فيه.
عباد الله:
الاصطلاح لا يلتزم الصحة، فقد سمى كفارُ قريشٍ الأصنامَ آلهةً، وجعلوا لكل صنم اسمًا، ومع ذلك فهم على ضلال، قال الله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، ومن المناهج التي تُستخدَم لترويج الباطل تحريفُ بعض المصطلحات عن حقيقتها، والحكمُ على الشيء فرعٌ عن تصوره، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا». [رواه أبو داود وصححه الألباني]، فلاحِظْ كيف ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين شربها وبين تسميتها بغير اسمها، وكأنهم لما غيروا اسمها استحلوها، وقد تحقق هذا الحديث في زماننا حين رأينا من يسمي الخمور بالمشروبات الروحية، أو الكحولية.
ولذا فإن معرفة المقصود بالمصطلح مهمٌ قبل إطلاق الحكم عليه، فالحكم مرتبط بحقيقة الشيء لا بما يُلبسه المتحدثُ من ثياب.
فالتفجيرُ في بلاد المسلمين، وقتلُ الآمنين والمعاهدين، إرهابٌ وخروجٌ عن الطاعة الواجبةِ، وإن سماه الضالون جهادًا في سبيل الله.
والتعاملُ بالربا في الأموال كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وإن سماها البعضُ فائدة أو تقليدًا.
والغناءُ والرقصُ والمجونُ محرماتٌ وإن سميت ترفيهًا.
ومن المصطلحات ما تظهر آثارها مباشرةً، ومنها ما يؤجل إلى حِقْبةٍ أخرى، حين ينشأ جيلٌ لم يعش وقت نشوء المصطلح، فتغيب عنه أبعاده الثقافية والفكرية، ويتعامل معه بشكل خاطئ؛ لأن ما بني على خطأ فهو خطأ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فإن من المصطلحات ما يُقصد به الهمز واللمز، ومنها ما يُقصد به تمييع الحقائق، وإذابة هوية المجتمع، ومنها ما يُقصد به الإرهاب والتخويف، ومعرفةُ الحقيقة في كل ذلك رهنٌ بدقَّة التصور.
وقد شاعت في زماننا مصطلحات، حتى أدخل الناس فيها ما ليس منها، غفلة أو تساهلاً، فالقصص الطريفة التي تدخل السرور في قلب المؤمن مندوب إليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ». [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
ومما اصطلح عليه الناس تسمية هذه القصص بالنكت والطرائف، وهذا الاصطلاح لا يلغي حكم الكذب للإضحاك والتسلية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ». [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
ومما يثلج الصدر، تطور الوعي لدى كثير من أفراد المجتمع، ومعرفتهم بأهمية المصطلحات وضبطها، ونخل ما يدخله الغافلون فيها.
فكونوا يا عباد الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واتقوا الله -رحمكم الله-، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة؛ فإن الشقيَّ من حُرِمَ رَحْمَةَ الله -عياذًا بالله-، ثم صلوا وسلموا على خير البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المتبعة، أبي بكر، وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.
[/align]