حرب الشهوات
عبدالله يعقوب
1436/08/04 - 2015/05/22 06:08AM
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له..
وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد... فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله... وخيرَ الهدي هديُ محمد r، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فمن شذَّ عنهم فمات.. فميتته جاهلية والعياذ بالله.
أيها الكرام: معلمٌ في التعليم العام يقول: صُودرَ من أحدِ طلابِنا هاتفٌ جوالٌ، فلما فحصه المعلمُ.. شابَ رأسُهُ من هولِ ما رأى فيه من صورٍ إباحيةٍ، وأفلامٍ جنسية!! فلم يملك أن مسح كلَّ ما فيه، وانهال على الطالبِ لوماً وتوبيخاً وتقريعاً!!
فقال له الطالب: يا أستاذ.. إنه ليس جوالي... هذا جوالُ أبي !!
زجره أستاذه ونهاه عن الكذب والمخادعة، وطلب منه أن يحضر والده من الغدِ.. وفي اليوم التالي جاءَ الأبُ ثائراً مغاضباً شاتماً لاعناً .. وصبَّ جام غضبه لا على ابنِهِ الذي حمل إلى المدرسةِ ما حمل.. وإنما على المعلم الذي تجرأ ومسح (المقاطع) التي تعب في تجميعِها وحفظها !!
حكاية أخرى ..
قبل سنوات.. أستاذ جامعيٌّ ينتقل من قاعةٍ إلى أخرى، وفجأة يلتقطُ جهازُهُ وهو في قلب الكلية رسالةً عبر ما يسمى (البلوتوث)، وبكل براءةٍ واستغراب قَبِل الرسالة، وحين فتحها أسقط في يدِهِ، وجمد في مكانِهِ، لقد تلقى جوالُه مقطعاً فاضحاً يصوّر كلَّ شيء!! كلَّ شيءٍ بلا استثناء !!
وأين ؟!! في قلبِ الجامعةِ.. معقل التربية والتعليم، ومصنع شباب المستقبل!!
وممن ؟!! من طالبٍ سيكون – ربما – يوما ما.. قائدا تربوياً.. أو معلماً لأبنائنا.. أو في منصب قيادي في إدارة حكومية أو مؤسسة خاصة وهكذا!
أيها الكرام.. سؤال صريح ومباشر.. وكبير جد كبير.. نوجهه لأنفسنا أولاً:
ما الذي يجري لأبنائنا وبناتنا.. وطلابنا وطالباتنا.. وشبابنا وشاباتنا ؟
ما الذي يحدثُ في مدارسنا ومجتمعاتنا... بل وداخل بيوتنا ؟!
ما الذي يراه الشباب والشابات.. في شاشات القنوات.. وفي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي: الفيسبوك والتويتر وسناب شات، وأمثالها...
أقولها لكم بمرارة: إنهم يشاهدون أموراً يندى لها الجبين، يشاهدون أموراً تذبحُ الفضيلةَ... وتزيّن الرذيلة، يشاهدون أموراً يستحي منها الحياء.. وتبكي عليها العفة والطُهر والصفاء.
ولذا.. فإنّ على الآباء والمعلمين.. والدعاةِ والمربين.. أن يبصروا واقعَ مَنْ حولَهم، وأن يدركوا حجمَ الهجمةِ الإباحية التي يتعرضُ لها المجتمعُ.
إنها هجمةٌ شرسةٌ لا هَوادةَ فيها.. يبين ذلك ويجليه بكل وضوح.. كتابُ ربنا في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ... وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
إنهم يريدون لنا نحن في هذا المجتمع الطيب الطاهر.. أن نميل عن الصراط المستقيم.. أن ننحرف إلى الباطل والشهوة والفجور.. ليس ميلا يسيرا فحسب.. بل يريدون الميلَ الكبير والعظيم: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
ولذا لا غرابة أن أكثر من ألف قناة فضائية عربية.. جُل اهتمامِها نشرُ الفساد الفكري والأخلاقي.. ولا تعجب من ذلك.. فقد بينه ربنا سبحانه في كتابه فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). نعم هناك من يرغب ويحب ويتمنى أن تنتشر وتشيع الفاحشة بينكم أنتم أيها المؤمنون الطاهرون... هناك من لا يعجبه طُهركم.. هناك من لا يعجبه حياؤكم واستقامتكم، فيعمل ليل نهار على بث الرذيلة ونشرها.. والله حسبنا ونعم الوكيل.
أيها الآباء.. أيها الأولياء.. هل تعلمون رعاكم الله أنَّ أكثر الصور المتداولة عبر الانترنت في العالم العربي هي صور إباحيّة !!
وأنّ آلاف المواقع عبر الانترنت تقدّم للراغبين أنواعَ القذارات بدولار أو دولارين ! وربما تصدقتْ بها مجاناً !!
وأنَّ كمَّاً هائلاً من صفحات تطبيقات التواصل الاجتماعي تقدم الحرام.. وتغري بالحرام.. وتزين الحرام.
وأنَّ عشراتِ القنوات الفضائية التي لا تكلفُ أكثر من طبقٍ فضائي وبطاقةٍ تُشترى خلسةً بأبخس الأثمانِ.. تقدّم الإباحية في أبشع صورها !!
وأنَّ عدداً من العلاقات والصداقات الرديئة تعلّم.. وتفهّمُ.. وتُرِي.. وربما.. تطبّق !!
أمّا الموادُ الإعلاميةُ والروائيّةُ التي تقتصر على المقبّلاتِ الشهوانية، والمقدّمات الشيطانية.. فأنى لمقامٍ أن يحصرها ؟!!
صدقوني أيها الأخوة... إنّ من كان بعيداً عن الأوساط الشبابية والطلابية لا يمكنُهُ بحالٍ أن يتصوّر مقدارَ البلاء الذي يتعرّضُ له الشابّ، ومقدار الاستفزاز الجنسي الذي يقابله في المطبوعات والقنوات والمواقع والروايات.. وحتى مع أقرانِهِ وأصدقائِهِ.
ولذلك أصبح من الواجبِ على كل من كان في مقام توجيه أو نصحٍ أو إرشادٍ أن يتعامل مع هذه القضية بجديةٍ أكبر، إنَّ مجرد الزجر واللومِ أو التغافل والتغاضي لن يكون حلاً أبداً.
بل لا بد من الحلول المتكاملة التي تتطلبُ جهداً جماعياً، وتعاضداً بين الأفكار والخبراتِ.
أيها الكرام: من أبرز أنواع العلاج... ذِكرُ القصص القرآني الذي يتشابه في واقعه مع واقعنا المعاصر.. ومن أهمها قصةُ نبي الله يوسف.. والتي تعرضنا لها إجمالا في خطبة ماضية.. ونتوقف عند بعض تفاصيلها في هذه الخطبة.
يوسف عليه السلام... شابٌ تعرض لمثل ما يتعرضُ له شبابنا اليوم من أسباب الفتنة، ولكن الله عصمه ووقاه.. وبيّن القرآنُ الكريمُ بالتفصيل.. كيف استطاع أن يتجاوزَ هذه المحنة، وأن يستعصم وينجوَ مما يسخط الله..
وهذا التفصيلُ لأسباب العصمةِ من الشهوةِ.. هو أهمّ ما في هذه القصّةِ.
عباد الله.. بدأت القصةُ منذ بِيع يوسفُ عليه السلام: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
والذي اشتراه من مصر.. رجلٌ لقبُه العزيز.. وكان فيما يظهر عقيما لا ولد له، فتفرس في يوسف الخير.. ونلاحظ منذ قراءة هذه الآية: أن يوسف قد وصل إلى مكان آمن، وأن محنته الأولى في الجب قد انتهت بسلام.. ولكنه ما إن استقرّ في مثواه الجديد حتى بدأت فصولِ محنةٍ جديدةٍ: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
إنها بداية محنةٍ جديدةٍ تختلف كليةً عن المحنة السابقة، محنةٌ ناعمةُ الذبح، لينةُ الملمس، ولكنها في نفس الوقت أشق وأقسى من كل محنة.
كان يوسف في عز شبابه، وكان قد أوتي من الحسن شيئا عظيما، فافتتنت به امرأةُ العزيز، وأرادته على الفاحشة، وصبت كيدها أصنافاً وألواناً، واستخدمتْ كلَّ ما في وسعها لإغواء يوسفَ وتحقيقِ رغبتها.
* فهي أولاً: قد راودته، والمراودة تقتضي تكرار المحاولة.. وهذا يوحي بأنّ هناك محاولات كثيرة خفيفة خفية قبل هذه المواجهة الصارخة بطلب الفاحشة.
* وهي ثانياً: غلّقت الأبواب، لم تكتف بغلقها بل غلّقتها، أي أغلقتها إغلاقا محكما، ثم هو ليس بابا واحدا بل أبوابا متعددة.
* وهي ثالثاً: أذلتْ له نفسها مع أنها سيدته، فقالت: (هَيْتَ لَكَ)، وهي دعوة صريحة إلى نفسها.
* وهي رابعاً: حاولت تهديده بشتى الوسائل: مرةً أمام سيدها حين ادعت أنه الجاني، ومرة أمام النسوة حين قالت: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ).
تأملوا هذه الخطواتِ الأربع.. وقيسوها على واقعنا اليوم.. لتروا أن ما نتعرض له من غزوٍ إباحيّ لا يقل بحالٍ عما تعرض له يوسفُ عليه السلام.
كم تراود وسائلُ الإعلامِ شبابَنا على الفتنة ؟
وكم يراودهم بعضُ شياطين الإنس فيزينون لهم السوء ؟
وكم يسعى الشياطين لتهيئة الأجواء (المغلّقة) تزيينا للسوء.. عبر استراحاتٍ منزويةٍ.. أو حفلاتٍ خاصةٍ للسعارِ الجنسي.. أو (قروبات) مغلقة في وسائل التواصل الاجتماعي ؟!
وكم يتعرض الشبابُ لإغراء (هيتَ لك) ؟! عبر مواد مسموعة ومرئية تصك أسماعَهم وأبصارهم وتراودهم كلَّ يوم ؟!
وفي المقابل.. حين ننظر إلى الجانب الآخر .. إلى يوسف عليه السلام.. نرى دواعي الفتنة عند يوسف عليه السلام كثيرة..
فإنه كان شاباً.. وداعيةُ الشباب إلى الفتنة قوية..
وكان عزباً.. ليس له ما يعوضه ويبرد شهوته..
وكان غريباً.. والغريبُ لا يستحيي مما يستحيي منه من كان بين أصحابه ومعارفه وأهله..
وكان مملوكاً.. والمملوكُ ليس وازعه كوازع الحر..
أضف إلى ذلك أنَّ المرأةَ جميلةٌ، وذاتُ منصبٍ، وهي سيدته، وهي الداعيةُ له إلى نفسها، والحريصةُ على ذلك أشد الحرص، وقد غاب عنهما الرقيب...
وإذا كان يوسف عليه السلام كذلك.. فلننظر في حال الشاب الذي لديه غرفته المستقلة.. يغلق بابها.. وبداخلها (الطبق) الذي يستقبل كل شيء ! وبيده الجوال ينظر فيه إلى كل شيء..
ولننظر إلى حال الشاب الطليق الذي لا يراقبه أحد ولا يحاسبه أحدٌ !
لننظر إلى حالِ الشاب الذي اتصل برفقاء السوءِ فهم يزينون له السوءَ بكرة وعشياً.. ولننظر إلى حال الشاب الذي تربى على الخوف من أبيه.. ولم يترب على الخوف من الله .. فإذا غاب والده.. اجترأ الشابُ على كل شيء !
ولننظر إلى حال الشاب العزب.. الذي لا يجد ما يسكّنُ شهوته.. وقد عقّد الناسُ أسبابَ الزواج وطرقَه.
إنّ في حياة شبابنا وواقعهم وفي ممارساتنا أحياناً ما يسهّل السبيل للانحراف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأحبة.. رغمَ كل ما تعرض له يوسف عليه السلام من إغراء .
ورغم كل الظروف والأسباب المواتية .. إلا أنه استطاع أن ينجو ..
أن يعصم نفسه ودينه وإيمانه ؟
ترى ماذا فعل ؟ وكيف نجا ؟
ما الخطوات التي اتخذها والتي تصلح أن تكون منهجاً للعفة ؟
هذا ما سنراه في الخطبة الثانية بإذن الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعنا بهدي سيد المرسلين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله
الخطبة الثانية :
لقد كان منهج العفة اليوسفيّ منهجاً رائعاً يقوم على خمس خطواتٍ مهمةٍ ذكرها القرآن الكريم.
وأنا أدعو الشباب خاصة.. وسائرَ من يسمعني إلى تأمل هذه الخطواتِ.. فإنّ فيها خيراً كثيراً .
الخطوة الأولى: ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله على لسان يوسف عليه السلام: (مَعَاذَ اللَّهِ) إنها استحضار مراقبة الله، أن يتذكر الإنسان دائماً أن الله يسمع ويرى، وأنّه لا تخفى عليه خافية: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، ومتى ما تذكّر الإنسانُ هذه الرقابةَ الصارمةَ التي لا يفلتُ منها شيءٌ.. كفَّ وانزجَرَ.
الخطوةُ الثانية: نراها في قول يوسف: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، وقد اختلف المفسرون في معنى الرب: هل المراد به الله عز وجل؟ أم المراد عزيز مصر؟
وكيفما كان، فهذا يعلمنا تذكر صاحب الفضل، فمن راودته نفسه على فعل الفاحشة فليتذكر نعمة الله عليه، وأنى له بعد ذلك أن يجرؤ؟
إذا تذكر الشابُّ أن العين التي ينظر بها إلى حرامٍ.. هي من نعمة الله، وأن اليد التي يمسك بها الحرام.. هي من نعمة الله، وأن الرجل التي يمشي بها إلى حرام.. هي من نعمة الله، وأن الجسد الذي يسخّره في الحرام.. هو من نعمة الله، إذا تذكر ذلك كلّه.. وأمعن النظر فيه.. غلبه الحياءُ من الله، فكفَّ عما همَّ به من العصيانِ.
تذكّر يا أخي نعم المولى عليك وما أكثرها: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، ثم سل نفسك: أيليقُ برجلٍ حُرٍ كريمٍ.. أن يقابل كلَّ هذا الإنعام بالغرقِ في أوحال الفاحشة ؟!!!
الخطوة الثالثة: تذكرُ عواقبِ المعصية، وذلك ما تراه في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وعاقبةُ الفاحشةِ ومقدّماتُها مريرةٌ في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهناك الفضيحةُ وسوءُ الذكرِ وسقوطُ القدرِ، وهنالك الحدودُ الشرعيةُ والعقوباتُ التعزيرية، وهناك كذلك (الدَّيْن) الذي قد يجد المرءُ قضاءَه في أهله وذويه جزاءً وفاقاً لما عمله في حُرماتِ الآخرين، وقد قال القائل: من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره *** إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ
وأما في الآخرة فأيّ عبارةٍ تبلغ الغاية في وصفِ عذابِ الله، وأليم عقابِهِ لمن عصاه وخالف أمره ؟
وحسبنا ما رواه البخاريُّ في صحيحِهِ في خبر رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه: (فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ: مَا هَؤُلاَءِ؟) فجاء الجوابُ: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي)، فهل سيقدمُ على فاحشةٍ وسوءٍ.. من تذكّر كلَّ هذه العواقب ؟
الخطوة الرابعة: الفرار من موقع الفتنة، قال سبحانه: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)، قال الإمامُ الطبريّ: "واستبق يوسفُ وامرأةُ العزيزِ بابَ البيت، أما يوسفُ ففرارًا من ركوبِ الفاحشةِ لما رأى برهانَ ربه فزجره عنها".
إن يوسف عليه السلام - وهو من هو - لم يرض بالبقاء في مواطنِ الشبهة والشهوةِ.. بل فرّ منها خوفاً على دينِهِ وإيمانِهِ.
وكذلك أنت أيها الشاب.. لا تتسمّر أمام قنوات العهر والفجور.. ثم ترجو العصمة ! ولا تجالس أصحاب أحاديث المجون وحكايات الغزل والفحشِ.. ثم تريد النجاة ! ولا تتبع المواقع الإباحية والموادّ الشهوانيّة ثم تريد النجاة..!
استبقِ الباب أيها الأخُ المبارك.. وفرَّ من الفتنة فرارك من الأسد.
الخطوة الخامسة: الدعاءُ الملِّحُ الصادقُ المتضرع، وتأمل كيف دعا يوسف عليه السلام بهذا الدعاء الحارّ: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، إنها الضراعة واللجوء إلى الله.. ولاحظ أن يوسف استقبل الإلقاء في البئر بالصبر، واستقبل العبودية بصبر، واستقبل السجن بصبر، ولكنه شكا هذه الشكوى الحارة عندما تعرض لفتنة الجمال: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، ففتنة الجمال هي التي تعصف برأس الحكيم، ومن ثَم قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
فلترفع يديك أيها المبارك كلما هاجتْ بك شهوةٌ، أو عرضت لك فتنة، أو خطر لك خاطرُ سوء.. ارفع يديك وقل: يا ربّ.. واستعن بربٍّ كريم.. وسله أن يصرف عنك كيد الشيطانِ.. وثِقْ في فضله وعطائِهِ.
وبعـــد أيها الكرام.. فهذه (خماسيّةٌ يوسفيّةٌ) نجّى الله بها عبده ونبيّه يوسف عليه السلام من فتنةٍ محدقةٍ، فصار مثلاً للعفةِ والحياءِ والورعِ.. فكن لمنهجِهِ متبعاً، ولخطواتِهِ مقتفياً.. والله يتولاك ويرعاك.
ألا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىخير خلق الله.. نبينا محمد بن عبدالله.. فقد أمركم بذلك ربكم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد...
وارض عن آل بيته الطيبين الطاهرين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين....
وعن الخلفاء الأربعة الراشدين، وعن باقي الصحب الأكرمين، وعن الأتباع لهم بإحسان إلى يوم الدين... وارض عنا معهم.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
اللهم أذل الشرك والمشركين... وأذلَّ أعداءك أعداء الدين..
واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا.. سخاء رخاء.. وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ارزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة... فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
اللهم آت نفوسنا تقواها.. وزكها أنت خير من زكاها.. أنت وليها ومولاها.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان... اللهم اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، اللهم احفظ عليهم دينهم وأموالهم وأعراضهم.. يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين.. من الصهاينة والصليبيين والمنافقين والرافضة الصفويين والحوثيين والخوارج المارقين. اللهم اخذلهم واهزمهم، واكفنا شرهم.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
عباد الله: (إن الله يأمربالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى،، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي،، يعظكم لعلكمتذكرون) فاذكروا الله العظيم الجليل.. يذكركم، واشكروه على نعمه.. يزدكم، ولذكر الله أكبروالله يعلم ما تصنعون.
أصل الخطبة: "الخُماسية اليوسفية" د. عادل باناعمة
http://www.google.com.sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=3&cad=rja&uact=8&ved=0CC4QFjAC&url=http%3A%2F%2Fwww.banaemah.com%2Fadminn%255Carticles%255C1420.doc&ei=vMVeVYqpOYr4UIffgZgL&usg=AFQjCNGrn2T3ioFOsX7Kzv87GWFSVpVdjw
وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد... فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله... وخيرَ الهدي هديُ محمد r، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فمن شذَّ عنهم فمات.. فميتته جاهلية والعياذ بالله.
أيها الكرام: معلمٌ في التعليم العام يقول: صُودرَ من أحدِ طلابِنا هاتفٌ جوالٌ، فلما فحصه المعلمُ.. شابَ رأسُهُ من هولِ ما رأى فيه من صورٍ إباحيةٍ، وأفلامٍ جنسية!! فلم يملك أن مسح كلَّ ما فيه، وانهال على الطالبِ لوماً وتوبيخاً وتقريعاً!!
فقال له الطالب: يا أستاذ.. إنه ليس جوالي... هذا جوالُ أبي !!
زجره أستاذه ونهاه عن الكذب والمخادعة، وطلب منه أن يحضر والده من الغدِ.. وفي اليوم التالي جاءَ الأبُ ثائراً مغاضباً شاتماً لاعناً .. وصبَّ جام غضبه لا على ابنِهِ الذي حمل إلى المدرسةِ ما حمل.. وإنما على المعلم الذي تجرأ ومسح (المقاطع) التي تعب في تجميعِها وحفظها !!
حكاية أخرى ..
قبل سنوات.. أستاذ جامعيٌّ ينتقل من قاعةٍ إلى أخرى، وفجأة يلتقطُ جهازُهُ وهو في قلب الكلية رسالةً عبر ما يسمى (البلوتوث)، وبكل براءةٍ واستغراب قَبِل الرسالة، وحين فتحها أسقط في يدِهِ، وجمد في مكانِهِ، لقد تلقى جوالُه مقطعاً فاضحاً يصوّر كلَّ شيء!! كلَّ شيءٍ بلا استثناء !!
وأين ؟!! في قلبِ الجامعةِ.. معقل التربية والتعليم، ومصنع شباب المستقبل!!
وممن ؟!! من طالبٍ سيكون – ربما – يوما ما.. قائدا تربوياً.. أو معلماً لأبنائنا.. أو في منصب قيادي في إدارة حكومية أو مؤسسة خاصة وهكذا!
أيها الكرام.. سؤال صريح ومباشر.. وكبير جد كبير.. نوجهه لأنفسنا أولاً:
ما الذي يجري لأبنائنا وبناتنا.. وطلابنا وطالباتنا.. وشبابنا وشاباتنا ؟
ما الذي يحدثُ في مدارسنا ومجتمعاتنا... بل وداخل بيوتنا ؟!
ما الذي يراه الشباب والشابات.. في شاشات القنوات.. وفي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي: الفيسبوك والتويتر وسناب شات، وأمثالها...
أقولها لكم بمرارة: إنهم يشاهدون أموراً يندى لها الجبين، يشاهدون أموراً تذبحُ الفضيلةَ... وتزيّن الرذيلة، يشاهدون أموراً يستحي منها الحياء.. وتبكي عليها العفة والطُهر والصفاء.
ولذا.. فإنّ على الآباء والمعلمين.. والدعاةِ والمربين.. أن يبصروا واقعَ مَنْ حولَهم، وأن يدركوا حجمَ الهجمةِ الإباحية التي يتعرضُ لها المجتمعُ.
إنها هجمةٌ شرسةٌ لا هَوادةَ فيها.. يبين ذلك ويجليه بكل وضوح.. كتابُ ربنا في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ... وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
إنهم يريدون لنا نحن في هذا المجتمع الطيب الطاهر.. أن نميل عن الصراط المستقيم.. أن ننحرف إلى الباطل والشهوة والفجور.. ليس ميلا يسيرا فحسب.. بل يريدون الميلَ الكبير والعظيم: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
ولذا لا غرابة أن أكثر من ألف قناة فضائية عربية.. جُل اهتمامِها نشرُ الفساد الفكري والأخلاقي.. ولا تعجب من ذلك.. فقد بينه ربنا سبحانه في كتابه فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). نعم هناك من يرغب ويحب ويتمنى أن تنتشر وتشيع الفاحشة بينكم أنتم أيها المؤمنون الطاهرون... هناك من لا يعجبه طُهركم.. هناك من لا يعجبه حياؤكم واستقامتكم، فيعمل ليل نهار على بث الرذيلة ونشرها.. والله حسبنا ونعم الوكيل.
أيها الآباء.. أيها الأولياء.. هل تعلمون رعاكم الله أنَّ أكثر الصور المتداولة عبر الانترنت في العالم العربي هي صور إباحيّة !!
وأنّ آلاف المواقع عبر الانترنت تقدّم للراغبين أنواعَ القذارات بدولار أو دولارين ! وربما تصدقتْ بها مجاناً !!
وأنَّ كمَّاً هائلاً من صفحات تطبيقات التواصل الاجتماعي تقدم الحرام.. وتغري بالحرام.. وتزين الحرام.
وأنَّ عشراتِ القنوات الفضائية التي لا تكلفُ أكثر من طبقٍ فضائي وبطاقةٍ تُشترى خلسةً بأبخس الأثمانِ.. تقدّم الإباحية في أبشع صورها !!
وأنَّ عدداً من العلاقات والصداقات الرديئة تعلّم.. وتفهّمُ.. وتُرِي.. وربما.. تطبّق !!
أمّا الموادُ الإعلاميةُ والروائيّةُ التي تقتصر على المقبّلاتِ الشهوانية، والمقدّمات الشيطانية.. فأنى لمقامٍ أن يحصرها ؟!!
صدقوني أيها الأخوة... إنّ من كان بعيداً عن الأوساط الشبابية والطلابية لا يمكنُهُ بحالٍ أن يتصوّر مقدارَ البلاء الذي يتعرّضُ له الشابّ، ومقدار الاستفزاز الجنسي الذي يقابله في المطبوعات والقنوات والمواقع والروايات.. وحتى مع أقرانِهِ وأصدقائِهِ.
ولذلك أصبح من الواجبِ على كل من كان في مقام توجيه أو نصحٍ أو إرشادٍ أن يتعامل مع هذه القضية بجديةٍ أكبر، إنَّ مجرد الزجر واللومِ أو التغافل والتغاضي لن يكون حلاً أبداً.
بل لا بد من الحلول المتكاملة التي تتطلبُ جهداً جماعياً، وتعاضداً بين الأفكار والخبراتِ.
أيها الكرام: من أبرز أنواع العلاج... ذِكرُ القصص القرآني الذي يتشابه في واقعه مع واقعنا المعاصر.. ومن أهمها قصةُ نبي الله يوسف.. والتي تعرضنا لها إجمالا في خطبة ماضية.. ونتوقف عند بعض تفاصيلها في هذه الخطبة.
يوسف عليه السلام... شابٌ تعرض لمثل ما يتعرضُ له شبابنا اليوم من أسباب الفتنة، ولكن الله عصمه ووقاه.. وبيّن القرآنُ الكريمُ بالتفصيل.. كيف استطاع أن يتجاوزَ هذه المحنة، وأن يستعصم وينجوَ مما يسخط الله..
وهذا التفصيلُ لأسباب العصمةِ من الشهوةِ.. هو أهمّ ما في هذه القصّةِ.
عباد الله.. بدأت القصةُ منذ بِيع يوسفُ عليه السلام: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
والذي اشتراه من مصر.. رجلٌ لقبُه العزيز.. وكان فيما يظهر عقيما لا ولد له، فتفرس في يوسف الخير.. ونلاحظ منذ قراءة هذه الآية: أن يوسف قد وصل إلى مكان آمن، وأن محنته الأولى في الجب قد انتهت بسلام.. ولكنه ما إن استقرّ في مثواه الجديد حتى بدأت فصولِ محنةٍ جديدةٍ: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
إنها بداية محنةٍ جديدةٍ تختلف كليةً عن المحنة السابقة، محنةٌ ناعمةُ الذبح، لينةُ الملمس، ولكنها في نفس الوقت أشق وأقسى من كل محنة.
كان يوسف في عز شبابه، وكان قد أوتي من الحسن شيئا عظيما، فافتتنت به امرأةُ العزيز، وأرادته على الفاحشة، وصبت كيدها أصنافاً وألواناً، واستخدمتْ كلَّ ما في وسعها لإغواء يوسفَ وتحقيقِ رغبتها.
* فهي أولاً: قد راودته، والمراودة تقتضي تكرار المحاولة.. وهذا يوحي بأنّ هناك محاولات كثيرة خفيفة خفية قبل هذه المواجهة الصارخة بطلب الفاحشة.
* وهي ثانياً: غلّقت الأبواب، لم تكتف بغلقها بل غلّقتها، أي أغلقتها إغلاقا محكما، ثم هو ليس بابا واحدا بل أبوابا متعددة.
* وهي ثالثاً: أذلتْ له نفسها مع أنها سيدته، فقالت: (هَيْتَ لَكَ)، وهي دعوة صريحة إلى نفسها.
* وهي رابعاً: حاولت تهديده بشتى الوسائل: مرةً أمام سيدها حين ادعت أنه الجاني، ومرة أمام النسوة حين قالت: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ).
تأملوا هذه الخطواتِ الأربع.. وقيسوها على واقعنا اليوم.. لتروا أن ما نتعرض له من غزوٍ إباحيّ لا يقل بحالٍ عما تعرض له يوسفُ عليه السلام.
كم تراود وسائلُ الإعلامِ شبابَنا على الفتنة ؟
وكم يراودهم بعضُ شياطين الإنس فيزينون لهم السوء ؟
وكم يسعى الشياطين لتهيئة الأجواء (المغلّقة) تزيينا للسوء.. عبر استراحاتٍ منزويةٍ.. أو حفلاتٍ خاصةٍ للسعارِ الجنسي.. أو (قروبات) مغلقة في وسائل التواصل الاجتماعي ؟!
وكم يتعرض الشبابُ لإغراء (هيتَ لك) ؟! عبر مواد مسموعة ومرئية تصك أسماعَهم وأبصارهم وتراودهم كلَّ يوم ؟!
وفي المقابل.. حين ننظر إلى الجانب الآخر .. إلى يوسف عليه السلام.. نرى دواعي الفتنة عند يوسف عليه السلام كثيرة..
فإنه كان شاباً.. وداعيةُ الشباب إلى الفتنة قوية..
وكان عزباً.. ليس له ما يعوضه ويبرد شهوته..
وكان غريباً.. والغريبُ لا يستحيي مما يستحيي منه من كان بين أصحابه ومعارفه وأهله..
وكان مملوكاً.. والمملوكُ ليس وازعه كوازع الحر..
أضف إلى ذلك أنَّ المرأةَ جميلةٌ، وذاتُ منصبٍ، وهي سيدته، وهي الداعيةُ له إلى نفسها، والحريصةُ على ذلك أشد الحرص، وقد غاب عنهما الرقيب...
وإذا كان يوسف عليه السلام كذلك.. فلننظر في حال الشاب الذي لديه غرفته المستقلة.. يغلق بابها.. وبداخلها (الطبق) الذي يستقبل كل شيء ! وبيده الجوال ينظر فيه إلى كل شيء..
ولننظر إلى حال الشاب الطليق الذي لا يراقبه أحد ولا يحاسبه أحدٌ !
لننظر إلى حالِ الشاب الذي اتصل برفقاء السوءِ فهم يزينون له السوءَ بكرة وعشياً.. ولننظر إلى حال الشاب الذي تربى على الخوف من أبيه.. ولم يترب على الخوف من الله .. فإذا غاب والده.. اجترأ الشابُ على كل شيء !
ولننظر إلى حال الشاب العزب.. الذي لا يجد ما يسكّنُ شهوته.. وقد عقّد الناسُ أسبابَ الزواج وطرقَه.
إنّ في حياة شبابنا وواقعهم وفي ممارساتنا أحياناً ما يسهّل السبيل للانحراف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأحبة.. رغمَ كل ما تعرض له يوسف عليه السلام من إغراء .
ورغم كل الظروف والأسباب المواتية .. إلا أنه استطاع أن ينجو ..
أن يعصم نفسه ودينه وإيمانه ؟
ترى ماذا فعل ؟ وكيف نجا ؟
ما الخطوات التي اتخذها والتي تصلح أن تكون منهجاً للعفة ؟
هذا ما سنراه في الخطبة الثانية بإذن الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعنا بهدي سيد المرسلين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله
الخطبة الثانية :
لقد كان منهج العفة اليوسفيّ منهجاً رائعاً يقوم على خمس خطواتٍ مهمةٍ ذكرها القرآن الكريم.
وأنا أدعو الشباب خاصة.. وسائرَ من يسمعني إلى تأمل هذه الخطواتِ.. فإنّ فيها خيراً كثيراً .
الخطوة الأولى: ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله على لسان يوسف عليه السلام: (مَعَاذَ اللَّهِ) إنها استحضار مراقبة الله، أن يتذكر الإنسان دائماً أن الله يسمع ويرى، وأنّه لا تخفى عليه خافية: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، ومتى ما تذكّر الإنسانُ هذه الرقابةَ الصارمةَ التي لا يفلتُ منها شيءٌ.. كفَّ وانزجَرَ.
الخطوةُ الثانية: نراها في قول يوسف: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، وقد اختلف المفسرون في معنى الرب: هل المراد به الله عز وجل؟ أم المراد عزيز مصر؟
وكيفما كان، فهذا يعلمنا تذكر صاحب الفضل، فمن راودته نفسه على فعل الفاحشة فليتذكر نعمة الله عليه، وأنى له بعد ذلك أن يجرؤ؟
إذا تذكر الشابُّ أن العين التي ينظر بها إلى حرامٍ.. هي من نعمة الله، وأن اليد التي يمسك بها الحرام.. هي من نعمة الله، وأن الرجل التي يمشي بها إلى حرام.. هي من نعمة الله، وأن الجسد الذي يسخّره في الحرام.. هو من نعمة الله، إذا تذكر ذلك كلّه.. وأمعن النظر فيه.. غلبه الحياءُ من الله، فكفَّ عما همَّ به من العصيانِ.
تذكّر يا أخي نعم المولى عليك وما أكثرها: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، ثم سل نفسك: أيليقُ برجلٍ حُرٍ كريمٍ.. أن يقابل كلَّ هذا الإنعام بالغرقِ في أوحال الفاحشة ؟!!!
الخطوة الثالثة: تذكرُ عواقبِ المعصية، وذلك ما تراه في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وعاقبةُ الفاحشةِ ومقدّماتُها مريرةٌ في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهناك الفضيحةُ وسوءُ الذكرِ وسقوطُ القدرِ، وهنالك الحدودُ الشرعيةُ والعقوباتُ التعزيرية، وهناك كذلك (الدَّيْن) الذي قد يجد المرءُ قضاءَه في أهله وذويه جزاءً وفاقاً لما عمله في حُرماتِ الآخرين، وقد قال القائل: من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره *** إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ
وأما في الآخرة فأيّ عبارةٍ تبلغ الغاية في وصفِ عذابِ الله، وأليم عقابِهِ لمن عصاه وخالف أمره ؟
وحسبنا ما رواه البخاريُّ في صحيحِهِ في خبر رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه: (فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ: مَا هَؤُلاَءِ؟) فجاء الجوابُ: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي)، فهل سيقدمُ على فاحشةٍ وسوءٍ.. من تذكّر كلَّ هذه العواقب ؟
الخطوة الرابعة: الفرار من موقع الفتنة، قال سبحانه: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)، قال الإمامُ الطبريّ: "واستبق يوسفُ وامرأةُ العزيزِ بابَ البيت، أما يوسفُ ففرارًا من ركوبِ الفاحشةِ لما رأى برهانَ ربه فزجره عنها".
إن يوسف عليه السلام - وهو من هو - لم يرض بالبقاء في مواطنِ الشبهة والشهوةِ.. بل فرّ منها خوفاً على دينِهِ وإيمانِهِ.
وكذلك أنت أيها الشاب.. لا تتسمّر أمام قنوات العهر والفجور.. ثم ترجو العصمة ! ولا تجالس أصحاب أحاديث المجون وحكايات الغزل والفحشِ.. ثم تريد النجاة ! ولا تتبع المواقع الإباحية والموادّ الشهوانيّة ثم تريد النجاة..!
استبقِ الباب أيها الأخُ المبارك.. وفرَّ من الفتنة فرارك من الأسد.
الخطوة الخامسة: الدعاءُ الملِّحُ الصادقُ المتضرع، وتأمل كيف دعا يوسف عليه السلام بهذا الدعاء الحارّ: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، إنها الضراعة واللجوء إلى الله.. ولاحظ أن يوسف استقبل الإلقاء في البئر بالصبر، واستقبل العبودية بصبر، واستقبل السجن بصبر، ولكنه شكا هذه الشكوى الحارة عندما تعرض لفتنة الجمال: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، ففتنة الجمال هي التي تعصف برأس الحكيم، ومن ثَم قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
فلترفع يديك أيها المبارك كلما هاجتْ بك شهوةٌ، أو عرضت لك فتنة، أو خطر لك خاطرُ سوء.. ارفع يديك وقل: يا ربّ.. واستعن بربٍّ كريم.. وسله أن يصرف عنك كيد الشيطانِ.. وثِقْ في فضله وعطائِهِ.
وبعـــد أيها الكرام.. فهذه (خماسيّةٌ يوسفيّةٌ) نجّى الله بها عبده ونبيّه يوسف عليه السلام من فتنةٍ محدقةٍ، فصار مثلاً للعفةِ والحياءِ والورعِ.. فكن لمنهجِهِ متبعاً، ولخطواتِهِ مقتفياً.. والله يتولاك ويرعاك.
ألا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىخير خلق الله.. نبينا محمد بن عبدالله.. فقد أمركم بذلك ربكم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد...
وارض عن آل بيته الطيبين الطاهرين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين....
وعن الخلفاء الأربعة الراشدين، وعن باقي الصحب الأكرمين، وعن الأتباع لهم بإحسان إلى يوم الدين... وارض عنا معهم.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
اللهم أذل الشرك والمشركين... وأذلَّ أعداءك أعداء الدين..
واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا.. سخاء رخاء.. وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ارزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة... فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
اللهم آت نفوسنا تقواها.. وزكها أنت خير من زكاها.. أنت وليها ومولاها.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان... اللهم اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، اللهم احفظ عليهم دينهم وأموالهم وأعراضهم.. يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين.. من الصهاينة والصليبيين والمنافقين والرافضة الصفويين والحوثيين والخوارج المارقين. اللهم اخذلهم واهزمهم، واكفنا شرهم.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
عباد الله: (إن الله يأمربالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى،، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي،، يعظكم لعلكمتذكرون) فاذكروا الله العظيم الجليل.. يذكركم، واشكروه على نعمه.. يزدكم، ولذكر الله أكبروالله يعلم ما تصنعون.
أصل الخطبة: "الخُماسية اليوسفية" د. عادل باناعمة
http://www.google.com.sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=3&cad=rja&uact=8&ved=0CC4QFjAC&url=http%3A%2F%2Fwww.banaemah.com%2Fadminn%255Carticles%255C1420.doc&ei=vMVeVYqpOYr4UIffgZgL&usg=AFQjCNGrn2T3ioFOsX7Kzv87GWFSVpVdjw