حَرْبُ التَعَرِّي

يوسف العوض
1439/05/27 - 2018/02/13 13:34PM
الخطبة الأولى : 
الْحَمْدُ للهِ الْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ مَرَجَ الأَهْواءِ وَهَرَجِهَا وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَعْمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهَا آمِنَةً مِنْ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَغَلَبَةِ الأَهْوَاءِ وَاعْوِجَاجِهَا ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ لِقَاءِ الأَرْوَاحِ عِنْدَ عُرُوجِهَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا وَالسِّرَاجُ الْمُنِيْرُ الْفَارِقُ بَيْنَ ضِيَاءِ الدِّينِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا وَالآخِذُ بِحُجُزِ مُصَدِّقِيهِ عَنِ التَّهَافُتِ فِي النَّارِ  وَوُلُوجِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَزْكَى صَلاتِهِ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا فِي أَبْرَاجِهَا ..
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) وبعد ..
عِبادَ اللّهِ:  قَالَ الْحَقُّ سُبْحَانهُ:( يا بَنِي آدَم لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أبَوَيّكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنهُمَا لِبَاسهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) هُنَا كَانَتْ بِدَايَةُ حَرْبِ الْعُرِيِّ ومَعْرَكَةِ التَعَرِيَّ كَمَا يُوَضِّحُهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ،   فإبْلِيسُ حَرِصَ  عَلَى إغْوَاءِ آدَمَ وَحَوَّاءَ حَتَّى تَظْهَرَ سَوْآتُهمَا وَتَنْكَشِفَ عَورَاتُهُمَا !!
وَهَكَذَا يُوَاصِلُ أَتبَاعُهُ بِنَفْسِ الْكَيْدِ الشَّيْطَانِيَّ، فيَعْمَلُونَ بِكُلِّ مَا فِي وُسْعِهِمْ وَيَبْذُلُونَ الْأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ وَيَسْتَغِلُّونَ الْإعْلَاَمَ وَالْعُلُومَ، مِنْ أَجَلِ فَضْحِ النَّاسِ وَكَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ وسَوْآتِهم ، وَيُغَرِّرُونَ بِهُمْ وَيَظْهَرُونَ لَهُمْ فِي صُورَةِ النَّاصِحِينَ الْحَرِيصِينَ عَلَى حَرِيَّاتِهِمْ وَتَطَوُّرِهِمْ !
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ التَّجَرُّدَ عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ رِدَّةٌ إِلَى الْحَيَوَانِيَّةِ وَعَوْدَةٌ إِلَى الْحَيَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبِدَائِيَّةِ، وَإِنَّ مِنْ أَعِزِّ مَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ الْحَيَاءَ وَالْعَفَافَ وَالشَّرَفَ ؛ وَلِهَذَا جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
فَعَنْ بَهْزِ بِنِّ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَّ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ:( اِحْفَظْ عَوْرَتَكَ إلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَالرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ ؟ قَالَ:(إِنْ اِسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاها أَحَدٌ فَافْعَلْ) قُلْتُ: الرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيَاً ؟ قَالَ:( فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُستحيىَ مِنهُ) رَوَّاهُ أَحَمْدُ بِسَنَدٍ حُسْنٍ.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:( لَا يَنْظُرْ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِيَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)- وَفِيهِ النَّهْي عَنْ اِضْطِجَاع الرَّجُل مَعَ الرَّجُل فى ثَوْب وَاحِد ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة سَوَاء كَانَ بَيْنهمَا حَائِل أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا حَائِل بِأَنْ يَكُونَا مُتَجَرِّدَيْنِ - الحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي ؛ فَإِنَّ مَعكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلا عِنْدَ الغائطِ وَحِينَ يُفْضِيَ الرَّجُلُ إِلَى أهْلِهِ فَاِسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرَمُوهُمْ ) يُعَنِّيَ الْمَلَاَئِكَةُ-الحَديثُ رواه التِرمذيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الْعَصْرِ تَأَمَّلُوا كَمْ خَالَفَتْ الْبَشَرِيَّةُ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فكَشَفُوا الْعَوْرَاتِ عَلَى السَّوَاحِلِ وَالشَّوَاطِئِ وَفِي الْمُنْتَجَعَاتِ وَفِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَسْمُوَنَّهَا سِيَاحِيَّةً ، وكَشَفُوا الْعَوِرَاتِ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَشَاغِلِ الْخِيَاطَةِ وَالْمَطَاعِمِ ، وَأَصَبَحَ كَشْفُ الْعَوْرَاتِ مِنْ سِيمَا الْبَهَائِمِ الْبَشَرِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ حَتَّى صَارَ هُنَاكَ فِي بَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْغَرْبِيَّةِ أَنْدِيَةٌ لِلْعُرَاةِ وَالْعُرْيِّ، فَرَجَعُوا إِلَى حَيَاةِ الْبَهَائِمِ رُغْمَ مَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ التَّقَدُّمِ الصِّنَاعِيِّ وَالزِّرَاعِيِّ وَالتِّجَارِيِّ وَالتَقَنِي ، وَلَكِنهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَاءِ وَالْإيمَانِ فَهُمْ أَدْنَى مُسْتَوَىً مِنَ الْبَهَائِمِ.
عِبَادَ اللهِ :وَإِنَّ مِمَّا يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ أَنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مَنْ يُقَلِدُونَ الْكُفَّارَ وَيَسَيرُونَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كَشْفِ الْعَوْرَاتِ إلا مِنْ رَحِمَ اللَّهُ، فَتَرى بَعْضَ الرِّجَالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يَلْبِسُونَ هَذِهِ السَّرَاوِيلَ الْقَصِيرَةَ التي تَكْشِفُ الأفْخَاذَ ، وَيُمَارِسُونَ الرِيِاضَةَ فِي الشّوَارعِ والأندِيةِ بل بَعْضُهُم يُصَلُّونَ بِها !! وآخرون يَجْلِسُونَ فِي الْمَجَالِسِ وَلَيْسَ تَحْتَ ثِيَابِهِمْ سَرَاوِيلُ طَوِيلَةٌ، فَيَرْفَعُ أحَدُهُمْ رِجْلاً عَلَى رِجْلٍ فَتَنْكَشِفُ أَفْخَاذُهُمْ وَيُجَاهِرُونَ بِذَلِكَ بِحُجّةِ أنّه رِجَالٌ  .
أَمَّا كَشْفُ الْعَوْرَاتِ وَمَنَاظِرُ الْخِزْيَّ وَالْعَارِ لَدَى النِّسَاءِ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ، فَمِنْ ذَلِكَ الْمَلَاَبِسُ الْفَاضِحَةُ فِي الأفرَاحِ والمُنَاسَبَاتِ فَالبُطُونُ والظُهُورُ والأَكْتَافُ والأفْخَاذُ بَادٍيَةٌ!! وللأسَفِ اليَوْمَ في الشَوَارِعِ صَارَ كَشْفُ الْوَجْهِ الْمُنَمَّقِ بِمَسَاحِيقِ التَّجْمِيلِ انْفِتَاحَا وتَحَضُراً ، وغِطَاءُ الوَجْهِ والعَبَاءةُ السْودَاءُ تَخَلُفَاً وَرَجعِيَةً  !! وَغَداً كَشْفُ النَّحْرِ وَالشَّعْرِ ثُمَّ كَشْفُ الْمَسْتُورِ مِنَ الأجْسَادِ والعَورَاتِ كَمَا هُوَ مُشَاهِدٌ وَمَعْلُومٌ فِي كَثِيرِ مِنَ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَال ( صِنْفَانِ مَنْ أهْل النَّارِ لَمْ أَرَّهُمَا - وذَكَرَ مِنْهُمَا - وَنِسَاءٌ كَاسَيَاتٌ عَارَيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلاتٌ  رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسَنِمَةِ الْبُخْتِ- الإبل - الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخَلَنَّ الْجَنَّةَ وَلَا يَجَدُّونَ رِيحَهَا)  نِسَاءٌ كَاسَيَاتٌ بِالْاِسْمِ عَارَيَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ: إِمَّا لِأَنّهَا ثِيَابٌ رَقيقَةٌ أَوْ قَصِيرَةٌ، مَائِلَاتٌ عَنِ الرَّشَدِ وَعَنْ الْعَفَافِ وَعَنْ الطَّاعَةِ، إِلَى الْفَوَاحِشِ والزِّنا، مميلاتٌ لِغَيْرهِنَّ فَلا سِتْرَ ولا حَيَاءَ مِنَ النَّاسِ ولاَ خَوفَ ولا خَشيةَ مِنَ اللَّهِ .
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ لله الْغَفُورِ الَّذِي سَتَرَ بِسِتْرِهِ وَأجملَ، الشَّكُورِ الَّذِي عَمَّ بِبِرِهِ وَأَجْزَلَ، الرَّحِيمِ الَّذِي أَتَمَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَكْمَلَ الْوَاحِدِ الْأحَدِ الْقُدُّوسِ الصَّمَدِ الْأَوَّلِ، فلَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلَُ أحَمْدُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ وَأكْرَمَ وَتَفَضَّلَ ، والصَلاةُ  والسَلامُ عَلى مُحَمَدٍ الَّذِي أُرْسَلَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهَرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرْهَ الْكَافِرُونَ..
عِبادَ اللهِ : قالَ اللَّهُ تَعَالى :(فَقُلّنَا يا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّة فَتَشْقَى* إِنَّ لَكَ أَلَا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى* فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَان قَالَ يا آدَمُ  هَلْ أَدلُّك عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى* فَأَكَلَّا مِنهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) الجَنَةُ دَارُ النَعيمِ والسَعَادةِ فلو كَانَ الْعُرْيُّ يا عِبَادَ اللَّه جَمَالَا ً وزِينَةً لَجَعَلَهُ اللَّه فِي الْجَنَّةِ لكِنَّهُ ألَمٌ وتَعَاسَةٌ فَحَفِظَ اللّهُ سَاكِنِيهَا مِنْهُ !! وفي نِهايةِحَديثي أذَكِّرُ أولياءَ الأمورِ ، بما رَوَاه البُخاريُّ في صَحِيحِه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : (كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) . 
اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا لَكَ مُوَحِّدِينَ ، وبِكَ مُؤْمِنِينَ، وبِسَبِيلِكَ مُسْتَمْسِكِينَ، وَبَدِينكَ عَامِلِينَ، اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا فَعْلَ الْخَيَرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكِرَاتِ ، وَحَبَّ الْمسَاكِينِ، وَاِجْعَلْ بِلَادَنَا عَامِرَةً بِتَوْحِيدِكَ ، مُطْمَئنَّةً بالْأَمْنِ وَالإيمَانِ.. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)..
المشاهدات 2314 | التعليقات 0