حذار من ضياع الأعمار

د. منال محمد أبو العزائم
1445/12/28 - 2024/07/04 06:13AM

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

إن وقت الانسان محسوب عليه، ولا ينبغي للمسلم التفريط فيه؛ بل عليه استغلاله فيما يقربه لله ويباعده عن النار. قال تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[1]. وقد حذرنا الله تعالى من الإسراف في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[2]. والإسراف في الوقت يدخل في عموم الإسراف المنهي عنه. وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان سيُحاسب ويُسأل عن فيما أفنى عمره. فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)[3]. وهذا يؤكد لنا أهمية الوقت وأن إستغلاله فيما يرضى الله وينفع الإنسان في آخرته مفهوم لا يتجزأ من ديننا الحنيف.

ومن مساوئ التكنلوجيا الحديثة - لمن لم يحسن إستخدامها - أنها تسببت في ضياع الأوقات. ونرى هذا منتشرا في كل الفئات العمرية تقريباً، وإن كانت في الشباب أكثر إنتشاراً من غيرها. ولابد أن في هذا ضرر على الفرد والمجتمع. والعمر يمضي بسرعة، وكلما اقتربت الساعة زادت سرعة مضي الوقت. وهذا لمسناه في واقعانا المعاصر بصورة واضحة. فما أن بدأت سنة حتى إنتهت وبدأت التي تليها وانتهت، وهكذا حتى أننا وجدنا أنفسنا وقد نقصت أعمارنا عشرات السنين وخط البياض سواد شعرنا ونحن لا نشعر. وكل منا متلهي في حاسوب أو جوال، وقد فقدنا الوعي بإدراك عامل الزمن. فيا حسرتا على ضياع السنين عندما نرى من كرس جهده واستغل عمره في حفظ القرآن وعمل الصالحات، ونحن لم نجني سوى جمع الذنوب بين براثن السوشيال ميديا وغياهب الإنترنت والتكنولوجيا. ولا شك أن في أجهزة الهواتف المحمولة وشبكات التواصل وأفلام اليوتيوب وغيرها ملهاة ومضيعة كبيرة للوقت، خاصة إذا كان إستعمالها فيما لا فائدة له حتى فيما يخص المصالح الدنيوية. وعن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتما فلبسه قال: (شغلني هذا عنكم، منذ اليوم إليه نظرة وإليكم نظرة، ثم ألقاه)[4]. فقد القى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخاتمه عندما شغله عن صحابته، أليس حري بنا أن نضع هذه الأجهزة ونستعملها فقط لما صنعت له من اتصالات هاتفية! ونترك ما يجر لمضيعة الوقت منها. وهذا الاستخدام السيء للأجهزة قد يؤدي إلى إضاعة الصلاة والتعليم ونسيان الأهل والواجبات الدنيوية. ونذكر فيما يلي بعض الصور المنتشرة كمثال لضياع الساعات الطويلة فيها:

-       مشاهدة الأفلام الرومانسية أو البوليسية او الهندية وغيرها يضيع أوقات طويلة، خاصة وأن كل فيلم يستمر عادة ساعتين أو ثلاث. بالإضافة إلى ما تحتويه هذه الأفلام من معاصي كالقتل والزنا وشرب الخمر والسفور والاختلاط والموسيقى وغيرها من المحرمات.

-       مشاهدة الأطفال الرسوم المتحركة لأوقات طويلة يلهيهم عن واجباتهم المدرسية وتعلم القرآن والصلاة.

-       ضياع الأوقات الطويلة في محادثات الغرف الصوتية والمنتديات وأركان الحوار، والتي يكون كثير منها مما لا طائل تحته وليس له محتوى هادف أو نافع.

-       ممارسة العاب الحاسوب والجوال لأوقات طويلة يومياً تجعل الشخص مدمناً عليها، ولا يكترث بأي شيء حوله سوى الفوز في هذه الألعاب والاستزادة منها.

-       ضياع الأوقات في العاب الواقع الافتراضي (VR =Visual Reality)، والتي تعيّش اللاعب في جو كالحلم وتلهيه عن كل ما يدور حوله في الواقع.

-       ضياع الأوقات في حب وادمان لغات البرمجة ومتاهاتها واتخاذها هواية. وهذا قد رأيناه يحدث بالفعل مع كثير من الشباب. ورغم ان تعلم البرمجة في حد ذاته أمر جيد، ولكن ادمانها لحد ضياع الشهور والسنين فيها أمر غير محمود.

-       ضياع ساعات طويلة في مشاهدة قنوات اليوتيوب المختلفة حتى ولو كانت مفيدة. ومن أمثلتها قنوات الأخبار والطبخ وعمل المنتجات وتتبع الأخبار وتعلم خبرات جديدة، وغيرها. فبالرغم أن أصلها حلال ومفيد، إلا إنها إذا أصبحت متابعتها تأخذ معظم الوقت وتشغل عن ذكر الله والصلاة والعبادة فإنها تصبح مذمومة. والقاعدة ان كل ما يشغل عن العبادة أولى تركه وإن كان أصله حلال.

ضياع الأوقات والتلهي عن طلب العلم والعبادة من منظور مقاصد القرآن:
      ضياع الأوقات يتناقض مع طلب العلم الذي يحتاج وقت كبير، ولذا فهو يتناقض مع مقصد التعليم.

      فيه إصرار على اللهو وعدم التحضير ليوم الوعيد، وهذا يتناقض مع مقصد المواعظ، والإنذار، والتحذير، والتبشير.

      قد يكون التلهي بما حرم الله كمشاهدة الأفلام الخليعة المحرمة ونحوها وهذا يتناقض مع مقصد التشريع.

      قد تجرف هذه المواقع الانسان لفساد العقيدة دون أن يشعر خاصة إذا اجتمع معها الجهل الناتج عن ضياع الأوقات، مما يتناقض مع مقصد إصلاح الإعتقاد وتعليم العقد الصحيح. ويمكن الوقوع في ذلك بمتابعة القنوات والمواقع المخالفة لأهل السنة والتي تتخفي تحت ثوب الصلاح وما أكثرها اليوم.

النصائح والضوابط المقترحة:
      يجب ألا يجعل المسلم تصفح الإنترنت وشبكات التواصل شغله الشاغل، ويقضي فيه الساعات والأعمار. ويمكن تنظيم ذلك بتخصيص وقت محدد مثلا بساعة المنبه لمساعدته على الالتزام به.

      يجب أن يستغل المسلم دخوله للإنترنت للإستفادة فيما ينفع، كالاستماع للخطب والدروس وتعلم العلوم الدنيوية والعمل وغيره مما لا معصية فيه ولا منكر أو ضياع للوقت.

      يجب أن يتفادى الانسان المواقع التي لا تنفع والمواقع التي تحوي محتوي يخالف الشرع.

      يجب أن يتسلح المسلم بالعلوم الشرعية لاسيما العقيدة الصحيحة التي تحميه من متاهات عقائد الفرق الضالة المنتشرة في شبكة الإنترنت.

 

 

 

 



[1] سورة فاطر، آية ١١.
[2] سورة الأعراف، آية ٣١.
[3] الترمذي (٢٤١٧)، والدارمي (٥٣٧) باختلاف يسير، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (٤٩٤) واللفظ له، وأخرجه الألباني في سنن الترمذي (٢٤١٧) عن أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد وقال حسن صحيح.
[4] أخرجه الوادعي في الصحيح المسند (٦٢١) وصححه.

المشاهدات 177 | التعليقات 0