حديث : ( سبعة يظلهم الله في ظله ... ) وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ
مبارك العشوان
1437/04/19 - 2016/01/29 00:09AM
إن الحمد لله...أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: روى البخاري في صحيحه من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ...ـ وذكر منهم ـ : وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ).
الصدقة ـ عباد الله ـ والإنفاق في مرضاة الله؛ من أفضل القربات وأجلِّ الطاعات؛ وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنةِ؛ بالحثِّ على البذلِ والعطاءِ، والوعدِ عليه بعظيمِ الجزاءِ كما جاءت النصوص بذمِّ البخل والإمساك والتحذير منه؛
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } البقرة 254
وقال سبحانه: { قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَـةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْــعٌ فِيهِ وَلا خِـــلالٌ } إبراهيم 31
إنفاقُ المال في وجوه الخير؛ بركةٌ وخَلَفٌ في الدنيا، وأجورٌ مضاعفة في الأخرى؛ قال تعالى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }البقرة272 وقال سبحانه: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وقال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة 261 وقال تعــــالى: { وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الـــرَّازِقِينَ }سـبأ 39 وقال صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًـــا تَلَفًا ) رواه البخاري ومسلم.
إنفاق المال في وجوه الخير؛ سلامةٌ من الخسران؛ قال أَبو ذَرٍّ رضي الله عنه: ( انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ هُمْ؟ قَالَ هُمْ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ؛ مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْـلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ) رواه مسلم.
إنفاق المال في وجهه ـ سواءً المستحب أو الواجب ـ تطهيرٌ للنفس وتزكية؛ قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُـــمْ وَاللَّهُ سَمِيــعٌ عَلِيمٌ } التوبة 103
إنفاق المال أيها الناس؛ سلامةٌ من البخل المقيت، ووقاية من الشح المذموم؛ قال تعالى: { وَمَنْ يُـــوقَ شُــحَّ نَفْسِـهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الحشر 9 مَنْ وقاهُ الله شح نفسه؛ أنفق ولو لم يكن من التُّجار، وأصحاب الأموال؛ قال تعالى: { وَيُطْعِـمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } الإنسان 8 قال الشيخ السعدي رحمه الله: فمن أخرجه مع حبه له تقربا إلى الله تعالى كان هذا برهانا لإيمانه، ومن إيتاء المال على حبه: أن يتصدق وهو صحيح شحيح، يأمل الغنى ويخشى الفقر وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة، كانت أفضل؛ لأنه في هذه الحال يحب إمساكه لما يتوهمه من العدم والفقر، وكذلك إخراج النفيس من المال، وما يحبه من ماله، كما قال تعالى: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فكل هؤلاء ممن آتى المال على حبه. أ هـ
وقد سئل صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
فأنفقوا رحمكم الله، ينفق الله عليكم، وتصدقوا ولو بالقليل يضاعفه لكم، ( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ) رواه البخاري.
بارك الله... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق ـ حديث السبعة ـ : ( تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا )
وفي هذا أدب من آداب الإنفاق؛ وهو: أن يخفي صدقته؛ يقول تعالى: { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ، وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }البقرة271 قال ابن كثير رحمه الله : فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضلُ من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية.
ومن آداب الإنفاق والصدقة، بل هو شرط لقبولها: أن تكون خالصة لله عز وجل؛ فالإخلاص شرط لقبول الأعمال، ومتى خلا العمل من الإخلاص كان وبالا على صاحبه، كما في حديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة وذكر منهم: رجلا أنفق ( ليقال هو جواد ) رواه مسلم. وقال تعالى: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } الإنسان9
ومن آداب النفقة: أن لا يَمُنَّ بعطيته؛ قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } البقرة 264
ومن آداب النفقة: أن يتحرى صاحبَ الحاجة ويبادره بالصدقة قبل أن يسألها.
وإذا كان في قرابته صاحبَ حاجة، فالصدقةُ عليه أفضل منها على غيره؛ لحديث: ( إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ) أخرجه سنن النسائي وصححه الألباني
ومن آدابها: أن يختار المنفِقُ من طيب ماله، لقوله تعالى:{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } آل عمران92
ومن آدابها: أن يخرجها بطيب نفس، وهذا فعل المؤمنين، أما المنافقين فقال تعالى عنهم:{ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ }التوبة54
وفقني الله وإياكم لهداه، وجعل عملنا في رضاه، ووقانا شح أنفسنا { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } الحشر 9
ومن آدابها: أن يعتدل فيها ممتثلا قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }الفرقان67
قال ابن كثير رحمه الله: أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا:
ثم صلوا وسلموا ..
عباد الله: روى البخاري في صحيحه من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ...ـ وذكر منهم ـ : وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ).
الصدقة ـ عباد الله ـ والإنفاق في مرضاة الله؛ من أفضل القربات وأجلِّ الطاعات؛ وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنةِ؛ بالحثِّ على البذلِ والعطاءِ، والوعدِ عليه بعظيمِ الجزاءِ كما جاءت النصوص بذمِّ البخل والإمساك والتحذير منه؛
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } البقرة 254
وقال سبحانه: { قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَـةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْــعٌ فِيهِ وَلا خِـــلالٌ } إبراهيم 31
إنفاقُ المال في وجوه الخير؛ بركةٌ وخَلَفٌ في الدنيا، وأجورٌ مضاعفة في الأخرى؛ قال تعالى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }البقرة272 وقال سبحانه: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وقال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة 261 وقال تعــــالى: { وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الـــرَّازِقِينَ }سـبأ 39 وقال صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًـــا تَلَفًا ) رواه البخاري ومسلم.
إنفاق المال في وجوه الخير؛ سلامةٌ من الخسران؛ قال أَبو ذَرٍّ رضي الله عنه: ( انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ هُمْ؟ قَالَ هُمْ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ؛ مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْـلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ) رواه مسلم.
إنفاق المال في وجهه ـ سواءً المستحب أو الواجب ـ تطهيرٌ للنفس وتزكية؛ قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُـــمْ وَاللَّهُ سَمِيــعٌ عَلِيمٌ } التوبة 103
إنفاق المال أيها الناس؛ سلامةٌ من البخل المقيت، ووقاية من الشح المذموم؛ قال تعالى: { وَمَنْ يُـــوقَ شُــحَّ نَفْسِـهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الحشر 9 مَنْ وقاهُ الله شح نفسه؛ أنفق ولو لم يكن من التُّجار، وأصحاب الأموال؛ قال تعالى: { وَيُطْعِـمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } الإنسان 8 قال الشيخ السعدي رحمه الله: فمن أخرجه مع حبه له تقربا إلى الله تعالى كان هذا برهانا لإيمانه، ومن إيتاء المال على حبه: أن يتصدق وهو صحيح شحيح، يأمل الغنى ويخشى الفقر وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة، كانت أفضل؛ لأنه في هذه الحال يحب إمساكه لما يتوهمه من العدم والفقر، وكذلك إخراج النفيس من المال، وما يحبه من ماله، كما قال تعالى: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فكل هؤلاء ممن آتى المال على حبه. أ هـ
وقد سئل صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
فأنفقوا رحمكم الله، ينفق الله عليكم، وتصدقوا ولو بالقليل يضاعفه لكم، ( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ) رواه البخاري.
بارك الله... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق ـ حديث السبعة ـ : ( تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا )
وفي هذا أدب من آداب الإنفاق؛ وهو: أن يخفي صدقته؛ يقول تعالى: { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ، وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }البقرة271 قال ابن كثير رحمه الله : فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضلُ من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية.
ومن آداب الإنفاق والصدقة، بل هو شرط لقبولها: أن تكون خالصة لله عز وجل؛ فالإخلاص شرط لقبول الأعمال، ومتى خلا العمل من الإخلاص كان وبالا على صاحبه، كما في حديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة وذكر منهم: رجلا أنفق ( ليقال هو جواد ) رواه مسلم. وقال تعالى: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } الإنسان9
ومن آداب النفقة: أن لا يَمُنَّ بعطيته؛ قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } البقرة 264
ومن آداب النفقة: أن يتحرى صاحبَ الحاجة ويبادره بالصدقة قبل أن يسألها.
وإذا كان في قرابته صاحبَ حاجة، فالصدقةُ عليه أفضل منها على غيره؛ لحديث: ( إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ) أخرجه سنن النسائي وصححه الألباني
ومن آدابها: أن يختار المنفِقُ من طيب ماله، لقوله تعالى:{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } آل عمران92
ومن آدابها: أن يخرجها بطيب نفس، وهذا فعل المؤمنين، أما المنافقين فقال تعالى عنهم:{ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ }التوبة54
وفقني الله وإياكم لهداه، وجعل عملنا في رضاه، ووقانا شح أنفسنا { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } الحشر 9
ومن آدابها: أن يعتدل فيها ممتثلا قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }الفرقان67
قال ابن كثير رحمه الله: أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا:
ثم صلوا وسلموا ..