حديث : ( سبعة يظلهم الله في ظله ... ) َرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ...
مبارك العشوان
1437/04/05 - 2016/01/15 02:19AM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: روى البخاري في صحيحه من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ... وذكر منهم: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إني أَخَافُ اللَّهَ... ) منعه خوفُ الله أن يتجرأ على حُدُودِ الله، ويقترفَ معصيتَه؛ منعه خوفُ الله لا خوفَ غيرِه من معصيةٍ تهيأت له سُبُـلُها؛ فكان الجزاء: ( يُظِلُّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ).
عباد الله: لقد قصَّ الله تعالى علينا ما حصل لنبيه يوسفَ عليه السلام؛ وفيه لنا عظيمَ الدروس والعبر؛ قال تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ }.
أنواع من الابتلاء: كان شاباً، ودعتهُ المرأة إلى نفسها، وراودتـه واستعانت عليه بكيدِ النسوة، وهددته بالسجن إن لم يفعل، وكانت ذاتَ منصبٍ وجمال، وفي بلد غربة، وفي بيتها، وغلقت الأبواب، وتهيأت له.
كُلُّ هذه الدواعي حالَ دونها حفظُ اللهِ لعبدِه: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }.
مراقبةُ الله جلَّ جلاله، وخشيتُه في الغيب والشهادة، خوفُهُ تعالى ورجاؤهُ، من أعظم ما يبعث على طاعته، ويزجرُ عن معصيته.
ومتى عظُم هذا في قلبِك أخي المسلم؛ امتثلت أمر ربك، واجتنبت نهيَه، وسعيت في رضاه، وحاذرت غضبَه، وعبدته تبارك وتعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
متى فعلت هذا فزت بثوابه ونجوت من عذابِه: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }الرحمن 46 { إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً، مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيرا، وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }.
عباد الله: ما أمسَّ حاجتنا إلى مراقبة ربنا في كل أحوالنا، وإذا ما تيسرت سبل الغواية، ودعت إليها الدواعي والمغريات، وخلا العبد بالمحرمات؛ عظمت حاجته واشتدت لمراقبة ربه، وأن يتذكر قوله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } وقولَه: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ }. وقوله تعالى: { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } وقوله: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }.
من خلا بمعصية الله، ودعته نفسه لارتكابها؛ فليذكر قولَ الله تعالى: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } وقول نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ليذكر كلُّ واحد منا أنه ملاقٍ ربه جل وعلا بأعماله خيرِها وشرها؛ فقد جاء في الحديث: ( مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ) رواه البخاري.
من خلا بمعصية وهمَّ بفعلها؛ فليذكر يوماً قال الله عنه: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } وقال تعالى: { حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ، فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ }.
نعوذ بك اللهم من النار
نعوذ بك اللهم من النار
نعوذ بك اللهم من النار.
بارك الله لي ولكم ... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فيقول الله تعالى عن عباده: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ..}الفرقان 68 يقول السعديُّ رحمه الله: ونَصَّ تعالى على هذه الثلاثةِ؛ لأنها أكبرُ الكبائر، فالشركُ فيه فسادُ الأديـــــان، والقتلُ فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض.
ويقول ابن القيم رحمه الله: [ الزنا يجمعُ خلالَ الشر كلِّها، من قلةِ الدين، وذهابِ الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة؛ فلا تجدُ زانيا معه ورع، ولا وفاءَ بعهد، ولا صدقَ في حديث، ولا محافظةَ على صديق، ولا غيرةَ تامةَ على أهله......] الخ.
عباد الله: لقد حذر الله تعالى عن قرب الفواحش، فضلا عن فعلـها؛ فقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَـنَ } الأنعام151 وقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } الأنعام32
وَلِقُبْحِ هذه الجريمة؛ جاءُ الشرعُ بأشد العقوبات لمرتكبها؛ فعقوبة الزاني: الرجمُ بالحجارة حتى الموت؛ إن كان محصنا، أو جلدُ مائةٍ وتغريبُ سنةٍ إن كان غير محصن، يعاقبهُ الله بهذا وينهى عبادَه أن تأخذَهم بالزُنَاةِ رأفةٌ أو رحمة، ويأمرُ تعالى أن يقام عليهم الحدُّ بمشهدٍ من المؤمنين؛ هذا عقاب الدنيا، أما عقاب الآخرة فأشدُّ وأنكى.
عباد الله: لما كسفت الشمس على عهده صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه... ثم قال: ( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُــهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ) وفي الحديث الآخر: ( لَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... ) رواه البخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ ) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.
عباد الله: لقد جاء الإسلام ففتح كل باب إلى الطهر والفضيلة والعفاف، وسدَّ كلَّ بابٍ إلى الفاحشة والرذيلة.
ومن ذلك على وجهِ الاختصار: المحافظةُ على الصلاة, وإقامتُها كما أمر الله تعالى أن تُقام: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }العنكبوت45
ومن ذلك: المبادرةُ بالزواج، وفي الصحيحين: ( فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ).
ومن ذلك: غضُّ البصر: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... }
ومن ذلك: قرارُ المرأة في بيتها، ففي الحديث: ( الْمَرْأَةُ عَــــــوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ رَبِّهَا إِذَا هِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا ) رواه ابن حبان وصححه الألباني. واستشرفها الشيطان: زينها في نظر الرجال، وقيل: نظر إليها ليغويها ويغوي بها.
ومن ذلك: ألا يخلو رجلٌ بامرأة، وألا تسافرَ امرأةٌ إلا مع ذي محرم.
ومن ذلك: أن يحب المسلم لغيرهِ ما يحب لنفسه وأهله، ويكرهَ لهم ما يكرهُ لنفسه.
ومن ذلك: البعدُ عن الغناء فإنه بريد الزنا وطريقه.
ومن ذلك: تربية الأولادِ منذُ الصغرِ على النُّفْرَةِ من الفواحش، وكراهيتِها، وبيانُ شناعتها، وعظيمِ عقوبتها، تربيتُهم على حفظ ألسنتهم من الألفاظ البذيئة، وحفظُ عوراتهم أن تنكشف، والتفريقُ بينهم في المضاجع، وإبعادُهم عن أصحاب السوء، وعن التجمعات المشبوهة، وحفظُ المنازل وتطهيرُها من وسائل اللهو والإفساد، وما يثير الغرائز.
ومن ذلك: البعدُ عن مواطن الفواحش والحذرُ من السفر إلى بلاد الكفر والإباحية.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
عباد الله: صلوا وسلموا ... عباد الله: إن الله يأمر بالعدل ...
عباد الله: روى البخاري في صحيحه من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ... وذكر منهم: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إني أَخَافُ اللَّهَ... ) منعه خوفُ الله أن يتجرأ على حُدُودِ الله، ويقترفَ معصيتَه؛ منعه خوفُ الله لا خوفَ غيرِه من معصيةٍ تهيأت له سُبُـلُها؛ فكان الجزاء: ( يُظِلُّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ).
عباد الله: لقد قصَّ الله تعالى علينا ما حصل لنبيه يوسفَ عليه السلام؛ وفيه لنا عظيمَ الدروس والعبر؛ قال تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ }.
أنواع من الابتلاء: كان شاباً، ودعتهُ المرأة إلى نفسها، وراودتـه واستعانت عليه بكيدِ النسوة، وهددته بالسجن إن لم يفعل، وكانت ذاتَ منصبٍ وجمال، وفي بلد غربة، وفي بيتها، وغلقت الأبواب، وتهيأت له.
كُلُّ هذه الدواعي حالَ دونها حفظُ اللهِ لعبدِه: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }.
مراقبةُ الله جلَّ جلاله، وخشيتُه في الغيب والشهادة، خوفُهُ تعالى ورجاؤهُ، من أعظم ما يبعث على طاعته، ويزجرُ عن معصيته.
ومتى عظُم هذا في قلبِك أخي المسلم؛ امتثلت أمر ربك، واجتنبت نهيَه، وسعيت في رضاه، وحاذرت غضبَه، وعبدته تبارك وتعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
متى فعلت هذا فزت بثوابه ونجوت من عذابِه: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }الرحمن 46 { إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً، مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيرا، وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }.
عباد الله: ما أمسَّ حاجتنا إلى مراقبة ربنا في كل أحوالنا، وإذا ما تيسرت سبل الغواية، ودعت إليها الدواعي والمغريات، وخلا العبد بالمحرمات؛ عظمت حاجته واشتدت لمراقبة ربه، وأن يتذكر قوله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } وقولَه: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ }. وقوله تعالى: { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } وقوله: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }.
من خلا بمعصية الله، ودعته نفسه لارتكابها؛ فليذكر قولَ الله تعالى: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } وقول نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ليذكر كلُّ واحد منا أنه ملاقٍ ربه جل وعلا بأعماله خيرِها وشرها؛ فقد جاء في الحديث: ( مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ) رواه البخاري.
من خلا بمعصية وهمَّ بفعلها؛ فليذكر يوماً قال الله عنه: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } وقال تعالى: { حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ، فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ }.
نعوذ بك اللهم من النار
نعوذ بك اللهم من النار
نعوذ بك اللهم من النار.
بارك الله لي ولكم ... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فيقول الله تعالى عن عباده: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ..}الفرقان 68 يقول السعديُّ رحمه الله: ونَصَّ تعالى على هذه الثلاثةِ؛ لأنها أكبرُ الكبائر، فالشركُ فيه فسادُ الأديـــــان، والقتلُ فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض.
ويقول ابن القيم رحمه الله: [ الزنا يجمعُ خلالَ الشر كلِّها، من قلةِ الدين، وذهابِ الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة؛ فلا تجدُ زانيا معه ورع، ولا وفاءَ بعهد، ولا صدقَ في حديث، ولا محافظةَ على صديق، ولا غيرةَ تامةَ على أهله......] الخ.
عباد الله: لقد حذر الله تعالى عن قرب الفواحش، فضلا عن فعلـها؛ فقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَـنَ } الأنعام151 وقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } الأنعام32
وَلِقُبْحِ هذه الجريمة؛ جاءُ الشرعُ بأشد العقوبات لمرتكبها؛ فعقوبة الزاني: الرجمُ بالحجارة حتى الموت؛ إن كان محصنا، أو جلدُ مائةٍ وتغريبُ سنةٍ إن كان غير محصن، يعاقبهُ الله بهذا وينهى عبادَه أن تأخذَهم بالزُنَاةِ رأفةٌ أو رحمة، ويأمرُ تعالى أن يقام عليهم الحدُّ بمشهدٍ من المؤمنين؛ هذا عقاب الدنيا، أما عقاب الآخرة فأشدُّ وأنكى.
عباد الله: لما كسفت الشمس على عهده صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه... ثم قال: ( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُــهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ) وفي الحديث الآخر: ( لَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... ) رواه البخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ ) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.
عباد الله: لقد جاء الإسلام ففتح كل باب إلى الطهر والفضيلة والعفاف، وسدَّ كلَّ بابٍ إلى الفاحشة والرذيلة.
ومن ذلك على وجهِ الاختصار: المحافظةُ على الصلاة, وإقامتُها كما أمر الله تعالى أن تُقام: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }العنكبوت45
ومن ذلك: المبادرةُ بالزواج، وفي الصحيحين: ( فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ).
ومن ذلك: غضُّ البصر: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... }
ومن ذلك: قرارُ المرأة في بيتها، ففي الحديث: ( الْمَرْأَةُ عَــــــوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ رَبِّهَا إِذَا هِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا ) رواه ابن حبان وصححه الألباني. واستشرفها الشيطان: زينها في نظر الرجال، وقيل: نظر إليها ليغويها ويغوي بها.
ومن ذلك: ألا يخلو رجلٌ بامرأة، وألا تسافرَ امرأةٌ إلا مع ذي محرم.
ومن ذلك: أن يحب المسلم لغيرهِ ما يحب لنفسه وأهله، ويكرهَ لهم ما يكرهُ لنفسه.
ومن ذلك: البعدُ عن الغناء فإنه بريد الزنا وطريقه.
ومن ذلك: تربية الأولادِ منذُ الصغرِ على النُّفْرَةِ من الفواحش، وكراهيتِها، وبيانُ شناعتها، وعظيمِ عقوبتها، تربيتُهم على حفظ ألسنتهم من الألفاظ البذيئة، وحفظُ عوراتهم أن تنكشف، والتفريقُ بينهم في المضاجع، وإبعادُهم عن أصحاب السوء، وعن التجمعات المشبوهة، وحفظُ المنازل وتطهيرُها من وسائل اللهو والإفساد، وما يثير الغرائز.
ومن ذلك: البعدُ عن مواطن الفواحش والحذرُ من السفر إلى بلاد الكفر والإباحية.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
عباد الله: صلوا وسلموا ... عباد الله: إن الله يأمر بالعدل ...