حَديث: « ثَلاثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»
سلطان الحصين
1442/11/27 - 2021/07/07 16:31PM
"حَديث: "ثَلاثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ
الحمد لله الذي هَدَانا للإسْلَام، وماكنا لنهتدي لولا أنْ هَدَانا الله، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لاَ إله إلا الله وحْدهُ لا شريكَ لَه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
عباد الله: رَوَى الإمَامُ أحمدُ فِي مُسْنَدِه بِسَنَدٍ صَحيحٍ من حديثِ جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قامَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالخَيفِ مِنْ مِنَى فَقَال: «ثَلاثٌ لا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ المُؤمِنِ: إخْلاصُ العَمَلِ لله، والنَّصِيحَةُ "لِوَليِّ الأمْرِ ـ وفِي رِوَايةٍ: طَاعَةُ ولِيِّ الأمْر ـ ولُزُومُ الجَماعَةِ، فإنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ بهِمْ مِنْ وَرائِهِم
يَقُولُ شَيخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رحمه الله معلِّقاً على الحديث: "وهَذِهِ الثَّلاثُ المَذْكُورَةُ فِي الحَدِيثِ تَجمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وقَوَاعدَهُ، وتَجمَعُ الحُقُوقَ الَّتي لله والتِي لِعِبَادِه، وتَنْتَظِمُ مَصَالِح الدُّنْيَا والآخِرَةِ"
. ولِذَلِكَ فَإنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهَ الأمُورَ الثلاثة: الإخْلاصُ، والنَّصيحةُ لكل مسْلم، ولُزُوم الجَماعة؛ خَلا قَلْبُهُ مِنَ الغِلِّ، فَإنَّهَا تَنْفِي الغِلَّ والغِشَّ وفَسَادَ القَلْبِ وسَخَائِمَهُ، يَقُولُ ابنُ عَبدِ البَرِّ رحمه الله شَارِحًا قَولَه ُصلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثٌ لا يُغَلُّ عَلَيهِنَّ» مَعْنَاهُ: لا يَكُونُ القَلْبُ عَلَيهِنَّ ومَعَهُنَّ غَليلاً أبَدًا، فَلا يَقْوَى فِيهِ مَرَضٌ ولا نِفَاقٌ إذَا حَقَّقَ هَذِهِ الثَّلاثَةَ"، وقَالَ ابنُ الأثِيرِ: "والمَعْنَى أنَّ هَذِهِ الخِلالَ الثَّلاثَ تُسْتَصْلَحُ بِهَا القُلُوبُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا طَهَّر قَلْبهُ مِنَ الخِيَانَةِ والدَّغَلِ والشَّرِّ .
عِبادَ الله: أُولى هذه القواعد: الإخْلاصُ لله تَعَالَى فِي جَميعِ العِبَادَةِ وهُوَ سَبِيلُ الخَلاَصِ، فَمَنْ أخْلَصَ لله فِي عِبَادَتِهِ فَإنَّ إخْلاصَهُ يَمْنَعُ غِلَّ قَلْبِهِ ويخْرِجُهُ ويُزِيلُهُ جُمْلَةً؛ لأنَّ القَلْبَ مُنْشَغِلٌ بالله سُبْحَانَهُ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ لأحَدٍ غَيرِه شَيئًا، يَقُولُ الله عَنْ يُوسُفَ عليه السلام: {كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [سورة يوسف:24]؛ فَلمَّا أخْلَصَ لِرَبِّهِ صَرَفَ عَنْهُ دَوَاعِي السُّوءِ والفَحْشَاءِ .
أمَّا القاعدة الثَّانِيَةُ الَّتِي إذَا فَعَلَهَا المُؤمِنُ زَالَ غِلّ قَلْبِهِ وَغِشُّهُ، فَهِيَ النَّصِيحَةُ، فَمَنْ نَصَحَ الأمَّةَ والأئِمَّةَ فَقَدْ بَرِئ مِنَ الغِلِّ، وتَزْدَادُ أهميةُ النَّصِيحَةِ بأهميَّةِ المُنْتَفِعِ مِنْهَا، ولِذَا نَصَّ في بَعْضِ رِوَاياتِ الحَديثِ عَلَى إمَامِ المُسْلِمينَ؛ لأنَّ صَلاحَهُ صَلاحٌ لِكُلِّ مَنْ تحتَ يَدِهِ، ومن النُّصح لولي الأمر؛ الدُّعاء له في ظَهْر الغَيْب بالصَّلاح له ولِبِطَانَتِه، يقول بعض السلف: "لو كُنتُ أعلم لي دعوة مسْتجابة لَصَرْفْتُها إلى إمام المسلمين.
يَقُولُ أنَسٌ بنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: "كَانَ الأكَابِرُ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَونَنَا عَنْ سَبِّ الأمَرَاءِ"، وقَالَ أبُو الدَّرْدَاءُ رضي الله عنه: "إنَّ أوَّلَ نِفَاقِ المَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إمَامِهِ ".
والنصيحة لا تَقْتصـرُ على الإمَامِ الأعْظَمِ أو خَلِيفةِ المسلِمينَ، بل تشْمل صاحب كل ولاية ومنْصِب كما تشمل عامة المسلمين، سُئِلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّصِيحَةِ: لِمَنْ تَكُونُ؟ قَالَ: «للهِ ولِكِتَابهِ ولِرَسُولِهِ ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعَامَّتِهِمْ»، متفق عليه، وقَالَ أيضاً: «مَن اسْتُرعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهمْ بِنَصِيحَةٍ؛ لم يَجِدْ رِيحَ الجَنَّةِ، ورِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ خَمسِمائَةِ عَامٍ» أخرجه أحمد .أمة الإسلام:
ثالثُ القواعد التي تجْلِبُ لِنَفْسِ المؤمِنِ النَّضْرَة والبَهْجَةَ وتُزيلُ عَنهُ الغِلَّ والغِشَّ، هُو: لُزُومُ الجَمَاعَةِ قَالَ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله: "فإنَّ المُلازِمَ لِجَمَاعَةِ المُسْلِمينَ يُحِبُّ لَهمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، ويَكْرَهُ لهُمْ مَا يَكْرَهُ لَهَا، ويَسُوؤهُ مَا يَسُوؤهُمْ، ويَسُرُّهُ ما يَسُرُّهُمْ فاتقوا الله عباد الله، والزَمُوا هذه الأصول؛ تكن لكم ذُخْرا وتثبيتاً في الدنيا والآخرة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة آل عمران:103] أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية
.الحَمْدُ للهِ رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أَمَّا بَعْدُ
عباد الله: جَاءَتِ الأدِلَّةُ المُحَذِّرَةُ مِنَ الخُرُوجِ عَنْ جَمَاعَةِ المُسْلِمينَ وَاضِحَةً وجَلِيَّةً، فقد رَوَى مُسلِمٌ وأحمدُ والنَّسَائيُّ مِنْ حَديثِ أبي ذَرٍّ وأبي هُرَيرَةَ وابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَرَج مِنَ الطَّاعَةِ وفَارَقَ الجَمَاعَةَ فَماتَ؛ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ»، يَقُولُ ابنُ عبدِ البَرِّ رحمه الله: "الآثَارُ المرْفُوعَةُ في هَذَا البَابِ، كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أنَّ مُفَارَقَةَ الجَمَاعَةِ وشَقِّ عَصَا المُسْلمينَ والخِلافَ عَلَى السُّلْطَانِ المجْتَمَعَ عَليهِ؛ يُريقُ الدَّمَ ويُبِيحُهُ، ويُوجِبُ قِتَالَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ"
.فاتَّقُوا الله عِبادَ الله، وعَلَيْكُمْ بالجَمَاعَةِ، فَإنَّ يَدَ الله مَعَ الجَمَاعَةِ، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النَّارِ
عِبَادَ الله: صَلُّوا وسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الرَّحْمَةِ والهُدَى، امْتِثَالاً لِأَمْرِ اللهِ، جَلَّ وعَلاَ لَكم حَيْثُ قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]
.اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين، وَعَنَّا مَعَهُم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين
المرفقات
1625675465_حديث ثلاث لا يغل عليهن.docx
1625675466_حديث ثلاث لا يغل عليهن.pdf