حَدِيثُ السَاعَةِ وكلِ ساعةٍ حديثُ التوبة. 1441/10/20هـ
عبد الله بن علي الطريف
(وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) فبادرا إلى التوبة والإنابة، وقالا (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فاجتباه ربه، واختاره، ويسر له التوبة (فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) فكان بعد التوبة أحسنُ منه قبلَها، ورجع كيدُ العدوِ عليه، وبطلَ مكرُه، فتمت النعمةُ عليه وعلى ذريته، ووجب عليهم القيامَ بها والاعترافَ بها، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم، ليلا ونهارا (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]
أيها الأحبة: نعم حديث التوبة حديثٌ قديم جديد متجدد، فلقد كانَ حديثُ رَسُولِنا ﷺ المتجددِ وديدنُهُ الذي لا ينفك عنه، ومع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقد كان يَقُولُ عَنْ نَفسِهِ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» رواه البخاري عَنْ أَبُي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ. وكَانَ الصحَابَةُ يُعَدُّونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ». رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُما.
أحبتي: أَولَى العباد بالاجتهاد في العبادة الأنبياء، عليهم السلام، لما حبَاهم اللهُ به من معرفته، فهم دائبون في شُكرِ ربهم مُعترفُون لَهُ بالتَقصيرِ لا يُدِلْونَ عليه بالأعمالِ، مُسْتَكِينُونَ خَاشِعُونَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ". رواه ابن حبان وقال الألباني صحيح لغيره.
الله أكبر هذا لَهَجُهُ ﷺ بالتوبةِ والاستغفارِ مع أنَّ الله تعالى قد قال له: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) [الفتح:1-2]
أما كثيرٌ من المؤمنين فيناديهم ربهم بالنداء المحبب إليهم ويقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..) [التحريم:8] ومع ذلك لا يستجيب لهذا النداء إلا من رحم ربي، وكثير منا مقصر فيه.. نسأل الله تعالى أن يتوبَ علينا ويغفرَ لنا.. أقول قولي هذا واستغفر الله...
الثانيـــــــــــــــة:
أيها الإخوة: اعلموا أن القيامَ بواجبِ التوبةِ، محبوبٌ إلى الله تعالى محبةً عظيمة، ويفرحُ بها سبحانه فرحاً عظيماً، ليس لحاجتِه إلى أعمالِنا وتوبتِنا؛ فالله غنيٌ عنا، ولكن لمحبتِه سبحانه للكرمِ فإنه يحب أن يعفوَ ويغفرَ أحب إليه من أنْ ينتقمَ ويؤاخذ. في الصحيحِ قَالَ ﷺ: لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ وَالعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ أَيْ الرَجُلُ: أرْجِعُ إلَى مَكَانِيِ الَذِي كُنْتُ فيهِ فَأَنَامُ حَتَى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ فَنَامَ نَوْمَةً لِيَمُوُتَ فاسْتَيقَظَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَيهَا زَادُهُ وَشَرابُهُ، فاللّهُ أَشَدُّ فَرَحَاً بِتَوبَةِ العَبدِ المؤمنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وزَادِهِ. رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه. وفي رواية لمسلم: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ"..
أحبتي: ألا نتأمل هذه الصورةَ العجيبة.! ثم نسعى إلى محبوبِ ربِنا وسببِ فرحِه.؟
وها هو باب التوبة مفتوح على مدار الساعة لا يغلق لقاصد مهما كان تقصيره فهَلاَّ ولجنا.. قَالَ عَنْه النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ». رواه الترمذي وصححه الألباني، وعند الطبراني. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ» رواه الحاكم وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وصححه الألباني عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
واعلموا: إنَّ التوبةَ والندمَ والاستغفارَ مع قصدِ التضرعِ إلى الله والاعترافِ بالتقصيرِ في حقِهِ، والاستكانةِ بين يديه، والاعتذارِ منه بصدقٍ، وتكرارِ ذلك فيه خيرٌ عظيم، قد غفل عنه كثير منا..
كما قال أصدق القائلين: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود:3] أي: يعطيكم من رزقه، ما تتمتعون به وتنتفعون، ويعطي أهلَ الإحسان والبر من فضله وبره، ما هو جزاءٌ لإحسانِهم، من حصولِ ما يحبون، ودفعِ ما يكرهون.
والتوبةُ سببٌ لكثرةِ الأمطارِ التي تَخْصُبُ بها الأرضُ، ويكثُرُ خيرُها، وفيها زيادةٌ للقوة.. قال الله تعالى: (وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود:52]
ما أحوجنا للاستغفارِ والتوبةِ في كلِ وقتٍ، وفي هذا الزمان بخاصة، حتى يرفع ربُنا عنا هذا البلاءَ والوباءَ ويُنزلَ النعمَ والبركات.. وصلوا وسلموا.....
عبد الله بن علي الطريف
اعتذر عن تكرار التعديل للضرور
تعديل التعليق