حجَّةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم
إبراهيم بن صالح العجلان
معاشر المسلمين :
جاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ، ودخَل الناس في دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، وقَدِمتْ قبائلُ العرَب من أنحاء الجزيرة تؤمُّ المدينة النبويَّة، وذلك في السنة التاسعة.
ولم يستطعْ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يحجَّ عامَه ذلك،؛ لانشغالِه بتلك الوفودِ وتعليمها، فلمَّا دَخَلت سنةُ عشر للهِجرة، آذَن رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الناسَ بالحج، وأعْلَمهم أنَّه حاجٌّ سَنَتَه هذه.
فيا كُلَّ محبٍّ لمحمَّد بن عبدالله وكلُّنا ذاك المحب.
ويا كلَّ متشوِّف لسماعِ أخبار حجَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
أحْضِرْ قلبك، واستجمعْ مشاعرَك؛ لتصحبَ بوجدانك ركْبَ أهل الإيمان، وقافلةَ حِزْب الرحمن، الذي يَقودُهم إمامُ البشريَّة، ومعه خيرُ القرون وأفضلها وأزْكاها؛
إخوة الإيمان:
ها هو رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَخرُج مِن المدينة، وينزل بذي الحُلَيفة، فيجلس بها يومًا وليلة؛ حتى يتتابعَ إليه الناس، ويُدركَه مَن بَعُدَ عنه.
فقَدِم المدينة خَلْقٌ كثير لا يُحصَوْن ، كلهم يريد أن يأتَمَّ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وينال شَرَف صُحْبته في الحج .
فلمَّا أصبح من ليلته تلك، قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للناس: (أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ في هَذَا الْوَادِي الْمُبارَك، وقلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ)
ثم اغتسلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأشْعَر هَدْيَه وقلَّده، وطيَّبتْه عائشةُ بأحسنِ الطِّيب عندها، وتَضمَّخ به حتى رُئي ذلكم الطِّيب في مَفْرِق رأسه صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم لَبِس إحرامَه، وصلَّى بأصحابه الظُّهر، ثم ركِب راحلتَه بخشوع وخضوع، وتعظيم لربِّ العالمين، فحَمِد الله، وسبَّح، وكبَّر، ثم قال: ( لبَّيْك اللهمَّ حجَّة، لا رِياءَ فِيها ولا سُمْعَة ).
سارَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسطَ هذه الجموع الغفيرة، والموكِب العظيم، والكل يرمقه ليتأسى به .
وينزل جبريل عليه السلام فيقول: يا محمَّد، مُرْ أَصْحابَكَ فَلْيَرْفَعوا أَصْواتَهُم بالتلبية؛ فإنَّها شعارُ الحج.
فلمَّا أخْبَر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صحابتَه بهذه الرسالة الجبريليَّة، اهتزَّتِ الصحراء بعجيج الملبِّين، وضجيجِ الذَّاكرين، حتى ليخيَّل للسامع أنَّ الأرْض كلَّها تهتف بتوحيدِ ربِّ العالمين.
وفي طريقِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكة، يَتَراءى النبيُّ صلى الله عليه وسلم مآثرَ أنبياءِ الله الذين حجُّوا إلى بيْت الله العتيق؛ لِيُنبئ أصحابَه أنَّ شعيرتَهم تلك ضاربةٌ في أعماقِ الزَّمان.
فحدَّث الصحابة أنه مرَّ بهذا الطريق أنبياء الله :هود وصالح ، موسى بن عمران ، ويونس بن متَّى ، ولَمَّا حاذَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجَّ الرَّوحاء، قال : لقد مرَّ بالرَّوْحاء سبعون نبيًّا فيهم موسى عليه السلام يَؤمُّون البيتَ العتيق)
ودام مسيرُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكة ثمانية أيَّام بلياليهنَّ.
ولمَّا دَنا رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِن مكةَ نَزَل مكانًا يُسمَّى سَرِفًا، وعرَض على أصحابه: مَن لم يكن ساق الهَديَ أن يجعلها عُمرَة، ولم يعزم عليهم.
وباتَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليلتَه تلك عندَ بئر ذِي طُوى، فلمَّا أصْبح اغتسل ودخَل مكةَ ضحًى، مِن ثنية كداء، والجُموعُ الغفيرة تُحيط به من كلِّ جانب، وأناخ راحلتَه عندَ المسجد، ودخَل مِن باب بني شيبة، الذي كان يدخُل منه دائمًا يومَ أنْ كان في مكة.
ويَدخُل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيتَ الله العتيق، وكأنَّ مكةَ كلَّها بشِعابها وفِجاجها وجِبالها تُحيِّيه، وتبكي فرحًا بقدومه آمَّاً بيتَ الله الحرام.
لقد أتَى على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حينٌ مِن الدهر وهو يرَى أطهرَ بيت وُضِع للناس يُدنَّس بمعابدِ الشرك، ومعالِم الوثنيَّة.
لقدْ أتى على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حِقبةٌ مِن الزمن وهو يرَى حِمَى الحَرَم مَسْرحًا للتعذيب النفْسي والبَدني، الذي يُلاقيه هو وأصحابُه رضي الله عنهم مِن أجْل دِينهم.
أمَا دَخَلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحرَم ليصلِّي فيه قبلَ عشر سنين، فأُلْقِي سَلاَ الجَزور على ظهرِه ورأسه وهو ساجِد؟
أمَا دخَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المسجدَ مرَّة، فقام إليه ملأٌ مِن قريش فأَخَذوا بمجامعِ رِدائه، فخَنقوه، حتى جاء أبو بكر فخلَّصَه منهم، وقال: أتقْتُلون رجلاً أن يقول: ربِّي الله؟
أمَا كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه بمكَّةَ قليلين مستضعَفين، يخافون أن يَتخطَّفهم الناس؟
لقدْ دخَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة هذه المرَّةَ آمنًا هو وأصحابُه
ومكَّة ترفُل بثياب العِزِّ الإسلامي، ومعالِم التوحيدِ الخالص .
ولَمَّا دخَل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسجدَ الحرام، بدأ بالطواف بالبَيْت متخشِّعًا مترسِّلاً متضرعًا، واستلَم الحجرَ وقبَّله، وكان موقفًا تُسكَب فيه العَبَرات.
ثم صلَّى رَكعتَيْن خلْفَ المقام، ثم سعَى بين الصفا والمروة سبعةَ أشواط، وفي مسعاه فشَا في مكةَ خبرُ قدوم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وتَنادَى الناس: رسولُ الله في المسجِد، رسولُ الله على الصَّفا.
ولفظتْ بيوتُ مكة مَن فيها، فخرَج إليه الرجالُ والنساءُ والأطفالُ والعبيدُ والإماءُ؛ لينظروا إليه بعيون ظامِئة، وقلوب مشتاقة، وازْدَحم الناس وتدافعوا.
فلمَّا كثُروا حوله، أمر براحلةٍ فرَكِبها؛ ليُشرفَ للناس كلُّهم، وأتمَّ سعْيَه راكبًا.
ثم سار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمَن معه، حتَّى نزَل بالأَبْطحِ شرْقَ مكَّة، وهو مكانٌ فسيحٌ واسِع (يشمل اليومَ ما يُسمَّى العَدْل والمعابدة إلى الحُجون).
وأقام في هذا المكانِ أربعةَ أيام .
ثم في اليومِ الثامِن مِن ذي الحجَّة ركِب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى منًى، فصلَّى بها الظهرَ والعصْر والمغرب والعشاء، يقصُر الرُّباعية ركعتَين، ويُصلِّي كلَّ صلاة في وقتها.
إخوة الإيمان: وأشرقتِ الشمس على خيرٍ يوم طلعتْ فيه الشمس، وسارَ ركبُ سيِّد البشَر مِن منًى إلى عرفات ، وكان أهلُ مكة يَظنُّون أنه سيَقِف معهم في مُزدلِفة كما كان شأنُهم في الجاهلية، حيثُ جعلوا لأنفسِهم موقفًا خاصًّا يقفون فيه، ولا يَقفون مع الناس في عَرَفة؛ إذ يرون لأنفسهم تميزًا عن الناس، بسَببِ جوارهم بيْت الله الحرام.
ولكنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يجئْ بدِين يميِّز فئةً على أخرى، إنَّما جاء بدِينٍ للعالمين جميعًا، فتجاوز قومه، وسار ليقفَ كما وقَف الناس، وقبْل وصوله إلى حدودِ عرَفة، أمر بقُبَّة فضُربتْ له بنَمِرة، فجلس فيها حتى زالتِ الشمس، ثم رَكِب راحلته ونزَل بها إلى بطن عُرَنة، وهي أرْضٌ فسيحة يسهُل اجتماعُ الناس عليها والجلوس فيها.
فاجتمَع حولَه الناس مِن كلِّ الأجناس، قدِ اشرأبَّت نحوَه الأعناق، واحتدقتْ إليه الأبصار، وأصغتْ له المسامع.
فخطبَهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خُطبةً عظيمةً جمَع فيها معاقِدَ الدِّين، وأُسس المِلَّة، وتَعْظيم الحرمات.
فدوَّى صوته بيْن أهل الموقِف حامدًا لله، مثنيًا عليه، ثم قال : يا أيُّها الناس، إِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوالَكُمْ حَرامٌ عَلَيْكم حرامٌ كَحُرْمةِ يَوْمِكم هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِن أَمْرِ الجاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَميَّ مَوْضُوعٌ، ودِماءُ الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، ورِبا الجاهلية موضوعٌ، وأوَّل رِبًا أضعُه رِبانا؛ ربَِا العبَّاس بن عبد المطلب، واتَّقوا الله في النِّساء، فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانِ الله، واستحللتُم فُروجَهنَّ بكلمةِ الله، وقد تركتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعدَه إنِ اعتصمتمْ به: كتاب الله).
ثم أقْبَل على الناس، فقال : إنَّكم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون؟)، فقالوا: نشهد أنَّك قد بلغتَ ونصحتَ وأديتَ الذي عليك، فرفع صلَّى الله عليه وسلَّم إصبعَه الشريفة إلى السماء فقال : اللهمَّ اشهدْ، اللهمَّ اشهدْ، اللهمَّ اشهدْ).
وفرَغ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من خُطبته، فأذَّن بلالٌ وأقام.
وصلَّى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالناسِ الظهرَ والعصر قصْرًا وجمعًا، ثم ركب راحلته فدفع إلى عمق عرفة.
ووقَف عندَ الصخرات خلْفَ الجَبل، مستقبلاً القِبْلة، داعيًا وملبِّيًا.
وكان في مقامِه العَظيمِ ذلك يُعلِّم الناس ويُوجِّههم ويُجيبهم، وكان يقول لأصحابه : خيرُ الدعاء دعاءُ عَرَفة، وخيرُ ما قلت أنا والنبيُّون قبلي: لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير).
وفي ذلك المكانِ ينزل الرُّوح الأمينُ على قلْب سيِّد المرسلين بقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فلمَّا سمعها عمرُ بن الخطاب استعْبَر، وقال: ليس بعدَ الكمال إلا النُّقصان.
استشعرَ عمر أنَّ مِن معنى الآية أنَّ مهمَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدِ انتهت بكمالِ الدِّين، وأنَّ أجَلَه قد دنَا.
وتقضَّت ساعات نهار عرَفة بخشوع وخضوع، ولهج بالدُّعاء والذِّكْر.
حتى إذا آذنتِ الشمس بغروبها، قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لبلال: (استنصتِ الناس)، فأنصتَ الناس لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماذا يُريد أن يقولَ لهذه الجموع الغفيرة قَبلَ الإفاضة، فقال لهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مبشرًا : أيُّها الناس: أتاني جبريلُ آنفًا، فاقرأني السلام مِن ربِّي، وقال: بشِّرْ أهلَ الموقف والمشعر أنَّ الله قد غفَر لهم، وتحمَّل عنهم التبعات)، فقال عمر: يا رسولَ الله، هذه لنا خاصَّة؟ فقال: ((بلْ لَكُم، ولمَن بَعدَكم إلى يومِ القيامة))، فقال عمر: كثُر خير الله وطاب.
ثم أفاضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من عَرَفة، وجموع المسلمين خلفَه يلبُّون ويُكبِّرون، ويستغفرون ويعجُّون، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا سمع حُطمةَ الناس خلْفَه، وتدافعهم في المسير، ناداهم: السَّكينةَ السَّكينة)، حتى أتى المزدلفة، فصلَّى بها المغربَ والعشاء جمْعَ تأخير، ثم اضطجع النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ووضعُ رأسه، بعد يوم عامر بالأعمال الجليلات ، والدعوات والتضرعات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرْضَى، والصَّلاة والسلام على خيْر الورَى، محمَّد بن عبدالله - صلَّى الله عليه وعلى آله وصحْبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أيها المؤمنون:
وأضاءتْ خيوطُ فجْر العيد؛ ليصبحَ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم مع أصحابه على خيْرِ أيَّام العام يوْم النَّحْر.
فصلَّى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الفجْرَ في مزدلفة في أوَّل الوقت، ثُمَّ ركِب إلى المشعر الحرام، فاستقبل القِبلة، ورفَع يديه، يدعو ويُلبِّي، ويُكبِّر ويُهلِّل، على حال مِن الضَّراعة والخشوع لربِّ العالمين، وبقِي على حالته تلك حتَّى أسفر جدًّا.
ثم دفَع مِن مزدلفة قبلَ طلوع الشَّمس، وفي الطريقِ أَمَر أن يُلقط له حصَى الجِمار، كل حصاة بحجْم حبَّة الحِمَّص، فوضعهنَّ في يده، ثم قال للناس : بأَمْثالِ هَؤُلاءِ وإيَّاكُم والغُلُوَّ، فَإنَّما أهْلكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُم الغُلُوُّ).
ومضَى صلَّى الله عليه وسلَّم في طريقِه، حتى أتَى جمرةَ العَقَبة، فجعَل مكَّةَ عن يسارِه، ومنًى عن يمينه، ثم رمَى الجمْرة بسبع حصياتٍ يُكبِّر مع كلِّ حصاة.
وفي هذا المكان ازْدَحم الناس حولَه صلَّى الله عليه وسلَّم فخاطبَهم : يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لا يَقْتُلْ بَعْضُكُم بَعْضًا، وإِذا رميتُم فارْمُوا بمِثْلِ حَصَى الخَذْف، ولتأخذوا عنِّي مناسِكَكم، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أَحجُّ بعدَ حجَّتِي هذه)، ثم وعَظ الناس موعظةً بليغة، بَيَّن فيها حُرْمةَ دمِ المسلم وماله وعِرْضه، وحُرْمةَ البيت الحرام، وحذَّرهم من التفرُّق والاقتتال، واستشعرَ الناس أنَّها موعظةُ مودِّع، فقام رجلٌ من طائفةِ الناس، فقال: يا رسولَ الله، اعهدْ إلينا، قال : صلُّوا خمسَكم، وصُوموا شهرَكم، وأطيعوا ذا أمرِكم، تدخلوا جنَّة ربِّكم).
وسأله آخَر: ما خيرُ ما أُعطي الناس، قال :خُلُقٌ حَسَن)، وجعل الناس يجتمعون حولَه يسألونه عن المناسك، فسأله رجل: يا رسولَ الله، حلقتُ قبل أن أذْبح، قال: (اذبح ولا حَرَج).
وسأله آخر: نحرتُ قبل أنْ أرْمي، قال: ارمِ ولا حَرَج)، فما سُئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال : افعلْ ولا حَرَج).
ثم انصرَف رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدَ ذلك إلى المَنْحَر، فنَحَر بيدِه الشريفةِ ثلاثًا وستِّين بَدَنة، بعددِ سِني عُمره، ثم أمَر عليًّا أن ينحرَ ما بقِي منها.
ثم حلق رأسه، وكاد الناسُ أن يقتتلوا على شعراتِه.
ثم دعَا صلَّى الله عليه وسلَّم للمحلِّقين بالرحمة ثلاثًا، وللمقصِّرين مرَّةً واحدة.
ثم حلَّ مِن إحرامه بعدَ ذلك، ولَبِس ثيابَه، وتطيَّب من أحسنِ طِيبه، ثم ركِب إلى البيت الحرام، فطاف به طوافَ الإفاضة سبعًا، ثم عاد إلى منى، فمكَث بها يُصلِّي الصلواتِ في أوقاتِها، ويقصُر الرباعية منها.
وفي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر رمى الجمرات بعدَ الزوال.
ثم طاف طوافَ الوداع، وقفَل راجعًا إلى المدينة، وودَّعته القبائل راجعة إلى بلادها.
تفرَّقت تلك الجموع بعد أيام مشهودة لا تُنسى، كانوا فيها مع خير البرية، وما كانتْ هذه الجموع تَدري وهو يودعها أنه يودِّع الدنيا، وأن أيَّامه معهم هي أيامه الأخيرة من الحياة، وأنَّه قد أنهى مهمته على الأرض، وقضى ما عليه، وإنما هي شهران وأيَّام، ثم يلحق بالرفيق الأعلى ،في مقعد صِدْق عندَ مليك مُقتدر.
تلك - عبادَ الله - مقتطفات مِن حجَّة المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وطرَف مِن سِيرته - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع هذا الرُّكن العظيم.
نسأل الله تعالى أن يجعلَنا من أحبابه وأهل سُنَّته، وأن يحشرَنا يوم القِيامة في زُمْرته، فأكْثِروا عبادَ الله من الصلاة والسلام عليه، كما أمرَكم ربُّكم بذلك فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
المشاهدات 5221 | التعليقات 10
أهلاً بك أخي الزياني
حاولت مراراً أرفق لها ملف وورد ، ويطلع لي ملف خاطئ ، وهذه ليست أول مرَّه
أعتقد لدي مشكلة في الجهاز :(
فلعل أحد الإخوة يتفضل بنشرها على الوورد
خطبة رائعة جداً وومميزة سلمت أنامل كاتبها
تم ارفاق الخطبة على ملف وورد
اسأل الله القبول للجميع
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/7/9/4/حجة%20المصطفى%20صلى%20الله%20عليه%20وسلم.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/7/9/4/حجة%20المصطفى%20صلى%20الله%20عليه%20وسلم.doc
جزاك الله خير ياشيخ إبراهيم
خطبة رائعة وسرد ممتع ومؤثر
بارك الله فيك ونفع بك
فتح الله عليكم شيخ ابراهيم ونفع بكم ،،
من المناسب الإشارة إلى أن (ثنية كَداء) التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم تضبط -بالفتح- على الكاف ،
وكداء أو كدي التي خرج منها تضبط -بالضم- .
يقال في ضبطها : افتح وادخل ثم اخرج وضم.
خطبة رائعة ومؤثرة نسأل الله أن ينفع بها
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
جزاك الله خير
الزياني الزياني
جزاك الله خير يا شيخ ابراهيم
لو وضعتها في ملف وورد.
تعديل التعليق