حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسه 6 / 11 / 1444 هـ
د. عبدالله بن حسن الحبجر
بسم الله الرحمن الرحيم
حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسه 6 / 11 / 1444 هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله تقدَّس ذاتًا وصفاتٍ وجمالاً، وعزَّ عظمةً وعلوًّا وجلالاً، وتعالى مجدًا ورفعةً وكمالاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعنُو لها القلوبُ خضوعًا وامتِثالاً، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه ، خيرُ الناس أقوالاً وفِعالاً، صلَّى الله عليه وعلى صحبِه وآله والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله -، واعلَموا أن التقوى نورُ القلوب إلى خشيةِ الله ومِشكاتُها، وسبيلُ محبَّته ومَرقاتُها، وبُرهانُ رهبتِه ودَلالاتُها،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
عباد الله:
حديث عظيم مِن الأحاديث التي عليها مدار الدِّين، لو أخذ به الناس لكُف الأذى، وقل الحسد وطاب العيش وسلمت الصدور.
ولقُضي على كثير من الخصومات بين الناس، ولعمَّ المجتمعَ الأمنُ والخير والسلام،
أخرج البُخاريُّ ومُسلِمٌ في صحيحهما من حديث أنسِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ:
"لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسه".
وخرَّجه الإمام أحمد، ولفظه:
"لا يبلغُ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتَّى يحبَّ للناس ما يُحِبُّ لنفسه من الخِير".
ومعنى نفي كمال الإيمان هنا:
أي: الكمال الواجب ، فمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان مقصراً يما يجب عليه من الإيمان ، مرتكباً شيئاً محرماً ، يستحق عليه العقاب .
فالموصوف بالإيمان الكامل: من كان في معاملته للناس ناصحاً لهم، مريداً لهم ما يريده لنفسه، وكارهاً لهم ما يكرهه لنفسه.
عباد الله:
جبليٌّ أن يحب المرء لنفسه ربحا في تجارته ، وجاها عريضا في علاقاته ، وعافية في بدنه وأهله وعياله ، وعيشا سعيدا ، ورزقا رغيدا وعمرا مديدا .
لكن أن يحب ذلك لأخيه المسلم قريبا كان أو بعيدا ، حبيبا كان أو بغيضا ، وليا كان أو عدوا ، فهذا يحتاج إلى سمو في النفس والأخلاق وصبرا على الأذى ، وهذا لا يناله إلا مؤمن يحمل قلبا سليما (وما يلقاها إلا اللذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)
عباد الله:
ومن أحب لإخوانه ما يحب لنفسه نصح لهم ، فقد أخرج مسلم من حديث أبي ذرٍّ، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا ذرٍّ، إني أراكَ ضعيفاً، وإني أحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مالَ يتيم".
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: "إني لأمرُّ على الآية من كِتاب الله، فأودُّ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعلمُون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح وما لي به سائمة"،
وقال الشافعيُّ: "وددتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العلمَ، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيء"،
عباد الله:
ومن مقتضيات هذا الحديث، أن يكره المسلم لأخيه ما يكره لنفسه فيؤلمه حزنهم ويسوئه ما يضرهم حتى وإن كان بينه وبينهم شحناء فلا ينطوي قلبه على الفرح بما أصابهم ويسأل الله العافية له ولهم.
ومن كره لإخوانه ما يكره لنفسه صان أعراضهم .
وبهذا عالج صلى الله عليه وسلم سطوة الشهوة المحرمة وأخمد لهيبها
فعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: إنَّ فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه، مه، فقال: ((ادْنُه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال صلى الله عليه وسلم: ((أتحبُّه لأمِّك؟))
قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لأمَّهاتهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لابنتِك؟)) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لِبناتِهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لأختِك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لأخواتهم))،
قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لعمَّتِك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لعمَّاتِهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لخالتِك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ((ولا الناس يحبُّونه لخالاتهم)) قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه))، قال: فلم يكُن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ.
رواه الإمام أحمد
والمؤمن وإن ضعفت نفسه فخانت عينه وضللته شهوته يكره من شباب المسلمين وفتياتهم ما يراه من تفلت في دينهم وجرأة على حدود ربهم ومجاهرة بذنوبهم وسوء في أخلاقهم ويحب لهم هداية يكونوا بها من السعداء يوم القيامة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد:
فهذه قاعدة نبوية تنال بها السلامة من النار والفوز بالجنة:
أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أحبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ويُدخَلَ الجنة فلتدركه منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، ويأتي إلى الناسِ الذي يحبُّ أنْ يُؤْتَى إليه".
أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.
وليتبين لك هذا ضع نفسك مكان من تعامل ثم انظر، هل تحب أن يعاملوك بتلك المعاملة أم لا؟
فإن كنت تحب ذلك، كنت محبا لهم ما تحب لنفسك، وإن كنت لا تحب أن يعاملوك بتلك المعاملة، فقد ضيعت هذا الواجب العظيم.
ضع نفسك مكان جارك الذي تؤذيه، أو موظفك الذي تتسلط عليه، أو زوجك التي تتذمر منها، أو أخيك الذي هجرت، أو عاملك الذي على كفالتك، لو كنت مكانه هل كنت ترضى لنفسك أن تؤذى أو تهجر أو تهان؟
أيها المسلمون:
كل مسلم وفد علينا ، فمن واجب الإيمان أن نحب له من الخير وسعة الرزق ما نحبه لأنفسنا، نحب له كرامة لا يهان فيها، وحياة كريمة لا يعاني منها.
نحب له ولكل مسلم رزقا طيبا مباركا، نشفق على ضعافهم ولا نجعلهم فرصة للاستغلال ولا مجالا للتهكم والسخرية ونكره لهم العنت والمشقة والغربة والعناء.
وإخوان لنا آخرون في بلاد شتى يعيشون فقرا وفرقة وحروبا ومرضا وبدعا وجهلا،
يؤلمنا ألمهم، يوجعنا أنينهم، تخيفنا فرقتهم، ونكره اختلافهم وندعو لهم أن يرزقوا عيشا رغيدا وعيشا سعيدا ورأيا سديدا وأمرا رشيدا.
اللهم إنا نسألك لأُمَّةِ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أمرَ رُشد، يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويُتَابُ فيه على أهل المعصية، يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم ألف على الخير قلوبهم وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وجنبهم الفواحش والآثام .
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق امامنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك واعل به دينك، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللهم انصر بهم دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين ممتدين متلازمين الى يوم الدين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.