حتَّى لا تَكُونَ مِن الخَاسِرِينَ 19/11/1441هـ

خالد محمد القرعاوي
1441/11/18 - 2020/07/09 00:38AM

حتَّى لا تَكُونَ مِن الخَاسِرِينَ 19/11/1441هـ
الحمدُ لله أَهْلُ المَغْفِرَةِ وَالتَّقْوَى، أَشْهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعَبُّدًا لَهُ وَرِقًّا، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَكْمَلُ الخَلْقِ خُلُقًا وَخَلْقًا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَمَنْ تَبِعهُم بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ وَمَنْ كَانَ لِرَبِّهِ أَتْقَى،
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
أَيُّهَا الْنَّاسُ: فِي ظِلِّ جَائِحَةِ كُورُونَا خَسِرَ أُنَاسٌ مَالاً كَثِيرَاً حَتَّى أُغْلِقَتْ مُؤَسَّساتٌ, وَمَحَلاَّتٌ, وَسُرِّحَ عَامِلُونَ! وَالحمْدُ للهِ على كُلِّ حَالٍ, وَمَعَ هَذا كُلِّهِ فَخَسَارَةُ الِمَالِ لَيْسَتْ كَخَسَارَةِ الِأَهْلِ والوَالِدِ وَالوَلدِ؛ وَالْخَسَارَةُ عُمُومَاً مُرٌّ مَذَاقُهَا، شَدِيدٌ وَطْؤُهَا.
عِبَادَ اللهِ: الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَوضَحَ لَنَا مَعْنى الْخُسْرَانِ الحَقِيقيِّ، وَبَيَّنَ أَسْبَابَهُ, وَفَصَّلَ أَنْوَاعَهُ، فَأَعْظَمَ خَسَارَةٍ هِيَ خَسَارَةُ الْدِّينِ؛ فَمَنْ رَبِحَ الْدِينَ سَعِدَ، وَمَنْ خَسِرَهُ شَقِيَ! قَالَ اللهُ تَعالى: الَّذِينَ خَسِرُوَا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .فَقَدْ جَعَلَ اللهُ خَسَارَةَ الْنَّفْسِ فِي فَقْدِ الْإِيمَانِ! وَقَالَ: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوَا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المُبِينُ . فَلَمَّا قَصَّرَ الأَولِيَاءُ فِي إِيصَالِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الْصَّالِحِ لِأَهْلِيهِمْ وَأَوْلادِهِمْ فِي الْدُّنْيَا؛ كَانَتْ رُؤْيَتُهُمْ لَهُمْ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي الْنَّارِ, هُوَ أَعْظَمُ الْخُسْرَانِ وَأَشَدُّهُ! لِأَنَّهُمْ كَانُوا سَبَبًا فِي عَذَابِهِمْ وَإهْمَالِهِمْ!
عِبَادَ اللهِ: طَاعَةُ الْشَّيْطَانِ هِيَ أَصْلُ الْخُسْرَانِ وَأَسَاسُ الْإِفْلَاسِ، قَالَ اللهُ تَعَالى وَمَنْ يَتَّخِذِ الْشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا .لأنَّهُ يَأمُرُنَا بالفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ! وَلِهَذَا كُلَّمَا دَعَتْكَ نَفْسُكَ لَلْمَعصِيَةِ فَخُذْ بِتَوجِيهِ اللهِ بَقَولِهِ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مِن جُمْلَةِ أدْعِيَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ».
يا مُؤمِنُون:َ والشَّيطَانُ لَا يَكْتَفِي مِنْ أتبَاعِهِ أنْ يَضِلُّوا بِأنْفُسِهِمْ فَقَطْ بَلْ لا يَزَالُ بِهِمْ حَتَّى يَجْعَلَهُمْ مِنْ دُعَاةِ الْبَاطِلِ, المُحَارِبِينَ لِلْحَقِّ, وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِالله أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
فَهُمْ يُنَمِّقُونَ الْبَاطِلَ ويُزَيِّنُونَهُ لِلنَّاسِ وَيَقْلِبُونَ الحَقَائِقَ وَيَتَلاعَبُونَ بِنُصُوصِ الشَّرِيعَةِ عَبْرَ كِتَابَاتِهِمْ وَمِهْرَجَانَاتِهِمْ وَقَنَوَاتِهِمْ وَلِقَاءاتِهِمْ! حَقَّاً كَمَا وَصَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». واللهُ تَعَالى يَقُولُ: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . فالَّلهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الشَّيطَانِ وَشَرَكِهِ, وَنَعُوذُ بِكَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ. أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ واسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلمُسلِمِينَ فاستغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية/
الْحَمْدُ لله حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ ألَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ،
عِبَادَ اللهِ: وَالْشَّيْطَانُ يُزَيِّنُ لَنا تَرَكَ الطَّاعَاتِ, وَإِتْيَانَ المُحَرَّمَاتِ، حَتَّى نَكُونَ مِن الخَاسِرِينَ! وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ .وَيُزَيِّنُ لَنَا كَذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْدُّنْيَا, وَإِهْمَالَ الْآخِرَةِ؛ حَتَّى نَخْسَرَ! حَقَّاً مَنِ اتَّبَعَ الْشَّيْطَانَ، ف أُولَئِكَ حِزْبُ الْشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الْشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
عِبَادَ اللهِ: دُعَاةُ الْسُوءِ واتِّبَاعُهُمْ، سَبَبُ الْخُسْرَانِ, لأنَّهُمُ زَيَّنُوا كُلَّ بَاطِلٍ, فَمَا بَالُ بَعْضِنَا يَنْسَاقُ خَلْفَ العَابِثِينَ مَعَ يَقِينِنَا بِخُسْرَانِهِمْ، أَلَمْ يُحَذِّرْنَا رَبُّنَا بَقَولِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ . ألا تَذْكُرُونَ حَالَنا أَيَّامَ الحَجْرِ فِي البُيُوتِ, والخَوفِ الشَّدِيدِ مِن الوَبَاءِ, كَيفَ كَانَ أَكْثَرُنَا؟ تَضَرُّعٌ وَخُضُوعٌ, وانْكِسَارٌ وَخُشُوعٌ, وَبَعْدَهُ نَقَضَ بَعْضُنَا العَهْدَ, وَخَاضَ فِي وَحَلِ المُنْكَرَاتَ, وَجَاهَرَ اللهَ بالعِصْيَانِ! ألا فَلتَحْذَرُوا فَإنَّهُ حِينَ يَأْمَنُ المَرْءُ مَكْرَ الله، وَلَا يَتَّقُي غَضَبَهُ، فَإنَّهُ سَيَخْسَرُ دِينَهُ وَأَمْنَهُ! أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ . إِنَّهَا مَوْعِظَةٌ رَبَّانِيَّةٌ لَنَا لِنَحْذَرَ طُرُقَ الْخَاسِرِينَ، وَنَتَّبِعَ النَاصِحِينَ.
وَحِينَ سَأَلَتْ أُمُّنَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». رواهُ مُسْلِمٌ.
نَعُوذُ بِالله مِنَ الْخُذْلَانِ وَالْخُسْرَانِ، وَنَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ حتَّى المَمَاتِ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .اللهمَّ اِهدِنَا لِمَا اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِكَ إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ. الَّلهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشدٍ يُعزُّ فِيهِ أَهْلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ياربَّ العالمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين. واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينا والمُسْلِمينَ أجمعِينَ.
عِبادَ اللهِ: أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 1880 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا