حال المؤمن مع رمضان - خطبة

وائل عبدالله باجروان
1431/08/24 - 2010/08/05 18:41PM
حال المؤمن مع رمضان


ألقيت في 28/8/1429


الخطبة الأولى

الحمد الله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور، وأحمده وأشكره فهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم النشور، أرجو برها وذخرها والفوز بها بدار القرار والسرور، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف آمر مأمور، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم وحذى حذوهم وسار على دربهم ونسج على منوالهم إلى يوم البعث والنشور.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي من ثمرات الصيام كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
عباد الله..
مرت الليالي وتوالت الأيام، وتعاقبت الأشهر وتصرّم العام، ودار الزمان دورته وها نحن في انتظار شهر الصيام، شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر زيادة الإيمان .. ننتظر رمضان والنفوس إليه متشوقة، والقلوب إليه متلهفة، تمر بالذاكرة صور كثيرة، مساجد ممتلئة بالمصلين، ذاكرين ومرتلين، منفقين ومتصدقين، ونكاد نسمع ترتيل القرآن في المحاريب، وبكاء المبتهلين في الدعاء، فيزداد لذلك الشوق ويعظم العزم، وتتهيأ النفس.
إن للمؤمن والمؤمنة مع شهر رمضان وقفات وتأملات، فالمؤمن يبدأ مع رمضان قبل حلوله، فهو يتوق لاستقبال هذا الشهر الكريم ويسعد باقتراب لحظات ساعاته حتى أنك تراه يدعو الله أن يبلغه هذا الشهر الكريم، لما يعلم من فضله وعظيم الأجر في لحظاته.
فإذا ما رأى هلال رمضان أو سمع بخبره حتى ينشرح صدره وتسعد نفسه ويستبشر فؤاده بقدوم هذا الشره الكريم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقوله: ((قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)).
وما إن يرخي الليل سدوله فإذا بالعبد المؤمن يصف قدميه أمام ربه عز وجل مع المصلين في صلاة التراويح ليقوم تلك الليالي المباركات ابتغاء للأجر العظيم وامتثالا لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة)).
والمؤمنة الموفقة إن شاءت صلت في المسجد، وصلاتها في بيتها خير لها، ولا تمنعو إماء الله مساجد الله ولكن إن خرجت تخرج متحجبة متسترة غير متعطرة.
ومن قام رمضان فهو موعود بمغفرة الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وأما حال العبد المؤمن والأمة المؤمنة في وقت السحر فشأن آخر، فبعد تناول طعام السحور المبارك الذي حث عليه الشرع وقبيل أذان الفجر تلك اللحظات المباركة إذا به يلهج بالدعاء والاستغفار يلتمس استجابة الله لدعاءه في وقت السحر وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} وهذه الآية هي بعد الآيات التي تحدثت عن شهر رمضان والصيام في سورة البقرة، فتأمل الصلة الوثيقة بين الدعاء وهذا الشهر، وعلى المسلم والمسلمة أن يكثر الدعاء في هذا الشهر وأن يتحرى أوقات الإجابة.
فإذا طلع الفجر أمسك عن الشراب والطعام امتثالا لأمر الله عز وجل ليبدأ يوم صيام مبارك ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) وكم له في الصيام من الأجر العظيم على ما يلقى من تعب ونصب كل ذلك ابتغاء مرضاة الله عز وجل، فإن عرض له عارض من شخص يريد أن يضايقه أو يؤذيه تأدب لأجل الله عز وجل فمسك لسانه عن قول قبيح وامتثل أمره حتى لا ينقص أجره، وتأمل في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إن صائم، والذي نفسُ محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)).
وأما شأن المسلم والمسلمة مع القرآن فهو شأن آخر، كيف لا وهو في شهر القرآن {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}، فله مع القرآن وقفات وعبرات، يستغل كل وقت يستطيعه من ليله ونهارة لكتاب الله تلاوة، وتدبرا، يبكي عند آياته، يقف عن حكمه، وأمثاله، وعجائبه، يتلوه وهو يشعر أنه يقرأ كلام العظيم سبحانه وتعالى، كلام الله جل وعلا، فيتحرك قلبه وتدمع عينه، وهكذا يحصر المؤمن والمؤمنة على ختم كتاب الله عز وجل أكثر من مرة على قدر استطاعته ليتضاعف له الأجر وتكثر له الحسنات.
وإذا من الله عز وجل عليك أيها الأخ الموفق وأيتها الأخت الموفقة بفضل مال ولو قليل، فلا تنسى أن تجعل للصدقة نصيبا من أعمالك الصالحة في هذا الشهر المبارك، فمد يدك بالإنفاق والصدقة في وجوه الخير، حالك كحال نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان.
وفي رمضان لا ينسى المؤمن الموفق أهل بيته من تعاهدهم بالتشجيع والتحفيز على اغتنام كل وقت في كل عبادة أو عمل مفيد فيشجع كبيرهم ويحفز صغيرهم كل ذلك حرصا على نجاة أهله وأقاربه انطلاقا من قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، وهكذا الأم في بيتها تشجع أبنائها على الأعمال الصالحة، فيتعاون الأبوان ليكون البيت كله في مرضاة الله تبارك وتعالى.
أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات.. شهر رمضان أفضل الشهور على الإطلاق، خصه الله بفضائل كثيرة لا تعد ولا تحصى، شهر تتنزل في الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتفتح فيه أبوب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، شهر تضاعفت فيه الحسنات ويستجيب الله فيه الدعوات وتُقال فيه العثرات، فماذا أعددت لهذا الشهر الكريم؟
ما أجمل رمضان عندما يكون بداية للتوبة، وميدانا للتنافس في الطاعات، ذلك الشهر الذي تُحط فيه الخطايا وترفع فيه الدرجات وتعتق فيه الرقاب من النيران، وتضاعف فيه الحسنات.
فكم من التائبين المنيبين إلى الله في رمضان؟ وكم من المستغفرين من ذنوبهم في رمضان! وكم من المشمرين للطاعة في رمضان! وكم من المستيقظين من سبات نومهم لنور الهداية في رمضان! وكم من المقلعين عن الذنوب في رمضان! وكم من النادمين على فعل المعاصي والمودعين لها في رمضان!.
أخي المسلم أختي المسلمة: قدموا بين يدي رمضان توبة صادقة، توبة تصلح القلب وترضي الرب، وتجلب الرحمات وتزيد الخيرات وتمحو بها الخطايا، وتستبدل بها السيئات بالحسنات.
أيها الأحبة: لقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم يعظم الله فيه الأجر ويجزل فيه الثواب، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران، اشتهرت بفضله الأخبار وتواترت فيه الآثار ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)).
إن المؤمن الموفق والمؤمنة الموفقة، من يستغل كل دقيقة في هذا الشهر المبارك ليتقرب إلى الله عز وجل بأنواع الطاعات والقربات، فلا يعلم سبيل خير يرضي الله عز وجل إلا وبادر بالعمل به ليفوز بالأجور العظيمة من الله عز وجل ففي هذا الشهر تتضاعف الحسنات.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه. وبعد..
عبد الله،،، أمة الله،،،
ومع بداية رمضان ينطلق لصوص في كثير من بيوت المسلمين ليفسدوا على المسلم والمسلمة شهرهم الكريم الفضيل، فإن كانت شياطين الجن مصفدة، فهناك شياطين الإنس الذين ما فتئوا يجهزون البرامج التي يسمونها رمضانية ورمضان منهم براء ليشغلوا وقت المسلم والمسلمة ذلك الوقت الثمين في هذا الشهر العظيم بكل ما يضيع وقتهم، وبكل ما يجرح صومهم، قل لي بربك أيهما أليق بالمسلم في هذا الشهر، النظر في صور محرمة فاتنة أم النظر في كتاب الله، سماع كلام غث لا فائدة فيه بل قد يمرض القلب أم التلذذ بمساع كلام رب العالمين، الجلوس أمام الشاشات أم الوقوف أمام باري البريات عز وجل مع المؤمنين في صلاة التراويح والتهجد.
أحبتي إن المحروم من حرم خير هذا الشهر الكريم إن من فوت شهر رمضان على نفسه فأضاع لياليه وأيامه فيما لا يعود عليه بالنفع فهو الخاسر المحروم، كيف لا وقد فوت أجرا عظيما وزمنا شريفا من عمره، يصعد صلى الله عليه وسلم المنبر ذات يوم، فلما صعد الدرجة الأولى قال آمين ثم صعد الدرجة الثانية فقال آمين ثم صعد الدرجة الثالثة فقال آمين، تعجب الصحابة من فعله فقال صلى الله عليه وسلم ((آتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله. فقلت آمين: قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله، فقلت آمين، قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله. فقلت آمين)) تأمل أيها الأخ الحبيب جبريل عليه السلام وهو أفضل الملائكة يدعوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البشر يؤمن على دعائه.
اللهم بلغنا رمضان بفضلك اللهم بلغنا رمضان اللهم بلغنا رمضان، الله وفقنا فيه للصيام والقيام على الوجه الذي يرضيك عنا.اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصرانا وقواتنا أبادا ما أبقيتنا واجعله الوارث منا وانصرنا على من ظملنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلا النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
المرفقات

حال المؤمن مع رمضان - خطبة.doc

حال المؤمن مع رمضان - خطبة.doc

المشاهدات 6375 | التعليقات 0