حالات يعظم فيها تسلط الشياطين

عبدالمحسن بن محمد العامر
1445/06/15 - 2023/12/28 11:36AM

الحمدُ للهِ الحفيظِ العليمِ، المُعِيذِ السّميعِ الرّحيمِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ البَرُّ الكريمُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، جاءَ بالرِّسالةِ الكامِلةِ، والشريعةِ الشاملَةِ، صلّى اللهُ وسلّم عليه وعلى آله وصحابتِه والتابعينَ، ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

أمَّا بعدُ فيا عَبَادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، واحذروا فتنةَ الشّيطانِ وإغواءَه، واستعيذوا باللهِ مِنْ هَمَزَاتِه ونَزَغَاتِه: "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ"

معاشرَالمؤمنينَ: قدَّرَ اللهُ على بني آدمَ أنْ تُعادِيهمْ الشّياطينُ، وأنْ تسعى لِغوايتِهم وإضْلالِهم، كَمَا قالَ تعالى عن الشيطانِ الرّجيم: "وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا*وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا"

وقدَّرَ اللهُ أنَّ لكلِّ إنسانٍ قَريناً؛ قَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ" رواه مسلمٌ

كما قدَّرُ على ابنِ آدمَ أنْ يَحضُرهُ الشيطانُ في كلِّ أحوالِه، وفي جَميعِ شأنِه؛ قالَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: "إنَّ الشَّيْطانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شيءٍ مِن شَأْنِهِ" رواهُ مسلمٌ

وقدْ أمَرنا اللهُ تعالى بالاستعاذةِ مِنْ هَمَزاتِه، ومِنْ حُضُوْرِه، قالَ تعالى: "وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ " قالَ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ: (أي: في شَيءٍ من أمري؛ ولِهَذا أُمِرَ بذِكرِ اللَّه في ابتِداءِ الأُمورِ -وذلك مَطْرَدةٌ لِلشَّياطينِ- عِندَ الأكلِ والجِماعِ والذَّبحِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الأمورِ( انتهى كلامُه.

ومَعَ هذا العِداءِ الشديدِ، والقَرِيْنِ المُصاحِبِ، والحضورِ الدائمِ؛ فإنَّ الشيطانَ يزدادُ حضورُهُ وتَسلُّطُه على العبدِ، ويُجْلِبُ عليه بأعوانِه وخَيْلِهِ ورَجِلِه في حالاتٍ يَعْلَمُ أثرَ الغِوَايةِ والضَّلالِ فيها، وقدْ أخْبَرنَا الرّسولُ صلى اللهُ عليه وسلّم عن تلك الحالاتِ لِنَحذَرَ مِنَ الشيطانِ وإغْوائِه وإضْلالِه، وحتى لا نَقَعَ في حَبَائلِه ومَصَائِدِه.

فَمِنْ تلكم الحالاتِ: حُضُورهُ العَبدَ عندَ ولادتِه، ونَخْسُه إيّاهُ، مِنْ شدَّةِ العَداوَةِ والبغضاءِ والحسدِ له؛ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: "سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَا مِن بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِن مَسِّ الشَّيْطَانِ، غيرَ مَرْيَمَ وابْنِهَا. ثُمَّ يقولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} "رواهُ البخاريُّ.

ومِنْ تلكمُ الحالاتِ: حضورُهُ العبدَ في صلاتِه، واجتهادُهُ في نَقْصِها وتَلْبِيسِها على العبدِ وتشْكِيكِهِ في طَهارتِه؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّم: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وله ضُرَاطٌ، حتَّى لا يَسْمع التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أقْبَلَ، حتَّى إذَا ثُوِّبَ بالصَّلَاةِ أدْبَرَ، حتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أقْبَلَ، حتَّى يَخْطِرَ بيْنَ المَرْءِ ونَفْسِهِ، يقولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِما لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى" رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ. وعنْ عبدِاللهِ بنِ زيدٍ رضيَ اللهُ عنه: "أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلُ الذي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: لا يَنْفَتِلْ - أوْ لا يَنْصَرِفْ - حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا" رواهُ البخاريُّ. وعن عُثْمَانَ بنَ أَبِي العَاصِ أنّه أَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ الشَّيْطَانَ قدْ حَالَ بَيْنِي وبيْنَ صَلَاتي وَقِرَاءَتي؛ يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَاكَ شيطَانٌ يُقَالُ له: خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ منه، وَاتْفِلْ علَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا. قالَ: فَفَعَلْتُ ذلكَ، فأذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي" رواهُ مسلمٌ

ومِنْ تلكَ الحالاتِ: حضورُهُ الأسواقَ، وبقاؤه فيها، ونَصْبُ رايَتِه فيها، وقد سمّاها النّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ مَعْرَكَةَ الشّيطانِ، فعنْ سلمانَ الفارسيِّ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ ليَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: "لَا تَكُونَنَّ -إنِ اسْتَطَعْتَ- أَوَّلَ مَن يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَن يَخْرُجُ منها؛ فإنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ" رواهُ مسلمٌ.

وكذلكَ حضورُهُ العبدَ عندَ البيعِ والشراءِ؛ فعنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرْزَةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: "خرجَ علينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا معشرَ التُّجَّارِ ! إنَّ الشَّيطانَ والإثْمَ يَحْضُرانِ البيعَ ، فشوبوا بيعَكُم بالصَّدقةِ" رواه التّرمذيُّ وقالَ حسنٌ صحيحٌ.

ومِنْ تلكم الحالاتِ: حضورُهُ الطّعامَ الذي لمْ يُّذكرِ اسمُ اللهِ عليه ليستّحلّه؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: "إنَّ الشَّيطانَ ليستَحِلُّ الطَّعامَ الَّذي لم يُذكَرِ اسمُ اللَّهِ عليهِ، وإنَّهُ جاءَ بِهَذا الأعرابيِّ يَستحِلُّ بهِ، فأخذتُ بيدِهِ، وجاءَ بِهَذِهِ الجاريةِ يستَحلُّ بِها، فأخذتُ بيدِها فوَ الَّذي نفسي بيدِهِ: إنَّ يدَهُ لفي يَدِيْ معَ أيدَيهِما" رواه مسلمُ وأبو داود وهذه روايةُ أبي داود.

ومِنْ تلكمُ الحالاتِ: انتشارُ الشّياطينِ عندَ غيابِ الشمسِ إلى أنْ تذهبَ ساعةٌ مِنَ الليلِ، وقدْ حذّرنا الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلّم مِنْ هذا الوقتِ فقالَ: "إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أوْ أمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ؛ فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخلُّوهُمْ، فأغْلِقُوا الأبْوابَ، واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، ولو أنْ تَعْرُضُوا عليها شَيئًا، وأَطْفِئُوا مَصابِيحَكُمْ" رواه البخاريُّ.

ومِنْ تلكم الحالاتِ: استحواذُ الشّيطانِ على تاركِ صلاةِ الجماعةِ، واستيلاؤهُ عليه؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: "ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ" رواهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والنسائيُّ، وصحّحَه الألبانيُّ.

ومِنْ تلكم الحالاتِ: الغضبُ، قالَ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: "إنَّ الغضَبَ مِنَ الشيطانِ، وإنَّ الشيطانَ خُلِقَ منَ النارِ، وإنَّما تُطفأُ النارُ بالماءِ، فإذا غضِبَ أحَدُكم فلْيَتوضَّأْ" رواه الإمامُ أحمدُ وأبو داود، وحسّنه الألبانيُّ. وعن سليمانَ بنِ صُرَدٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فأحَدُهُما احْمَرَّ وجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لو قالَهَا ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ، لو قالَ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ فَقالوا له: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: تَعَوَّذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقالَ: وهلْ بي جُنُونٌ" رواهُ البخاريُّ.

ومِنْ تلكم الحالاتِ: حِرْصُ الشيطانِ على إثارةِ الفتنةِ بينَ الزوجينِ، واستغلالُ أدنى خلافٍ لتعظيمِه، وإشعالِ الفتنةِ بينهما حتى يَحصُلَ الطلاقُ والفراقُ؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ" رواهُ مسلمٌ.

ومِنْ تلكم الحالاتِ: عَقْدُهُ على قافيَةِ رأسِ النائمِ ثلاثَ عُقَدٍ؛ حتى يَمْنَعَه مِنَ القيامِ لِصلاةِ الليلِ، وصلاةِ الفجرِ؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّم: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ" رواهُ البخاريُّ.

ومِنْ تلكم الحالاتِ: خَلْوَةُ الرجلِ بالمرأةِ الأجنبيَّةِ عنه؛ التي ليسَ هو مَحْرَمَاً لها؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: "ألَا لا يَخْلُوَنَّ رجُلٌ بامرأةٍ لا تَحِلُّ له؛ فإنَّ ثالثَهما الشَّيطانُ، إلَّا مَحْرَمٌ؛ فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحدِ، وهو مِنَ الاثنَينِ أَبْعَدُ" رواهُ الإمامُ أحمدُ وصححه لغيره الألبانيُّ.

باركَ اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسنَّة ..

أٌقولُ قولي هذا ..

 

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ على كلِّ خيرٍ أسْدَاه، والشكرُ له على كلِّ فضلٍ أعطاهُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ ولا ربَّ لنا سِوَاه، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه ومصطفاهُ؛ صلّى اللهُ وسلّمَ عليه وعلى آله وأصحابِه ومِنْ وَالاه إلى يومِ القيامِ إلى اللهِ..

أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: اتقوا اللهَ "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: ومِنْ أخطرِ ما يَحْضُرُ فيه الشيطانُ العبدَ؛ حُضورُهُ عندَ الاحْتِضارِ، وعِنْدَ سَكراتِ الموتِ؛ حتى لا يُفلِتَ منه؛ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّم: "إنَّ الشيطانَ قال وعزَّتِك يا ربِّ لا أبْرَحُ أُغوي عِبَادَكَ ما دَامَتْ أرواحُهم في أجسادِهم؛ فقالَ الرَّبُّ ــ تبارك وتعالى ــ وعزَّتي وجَلالي وارْتِفَاعِ مكاني لا أَزَالُ أغْفِرُ لهم ما استغفَروني" رواهُ الإمامُ أحمدُ، وحسَّنَه الألبانيُّ.

وقالَ الشنقيطيُّ ــ رحمَه اللهُ ــ (الظَّاهرُ في قولِه تعالى: " وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ" أنَّ المعنى: أعوذُ بك أنْ يَحضُرَني الشّيطانُ في أمرٍ مِنْ أُمُورِي كائنًا مَا كانَ، سواءٌ كانَ ذلكَ وَقتَ تَلاوةِ القُرآنِ، أوْ عندَ حضورِ الموتِ، أو غيرِ ذلك من جميعِ الشُّؤونِ في جميعِ الأوقاتِ. والعِلمُ عند اللهِ تعالى) انتهى كلامُه

وقال ابنُ الجوزيِّ: (قَد يَعرِضُ إبليسُ لِلمَريضِ والمُحتَضَرِ فيُؤَذيه في دينِه ودُنياه... وقَد يَستَولي على الإنسانِ حينَئِذٍ فيُضِلُّه في اعتِقادِه، ورُبَّما حالَ بَينَه وبَينَ التَّوبةِ... ورُبَّما جاءَ الاعتِراضُ على المُقَدَّرِ؛ فيَنبَغي لِلمُؤمِنِ أن يَعلَمَ أنَّ تِلكَ السَّاعةَ هيَ مَصدوقةٌ لِلحَربِ، وحينَ يَحمَى الوطيسُ فيَنبَغي أن يَتَجَلَّدَ، ويَستَعينَ باللهِ على العَدُوِّ)

قالَ عبدُ اللهِ بنِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ: (حَضرتُ وفاةَ أبي أحمدَ، وبيديْ الخِرْقَةُ لأشدَّ لِحْيَيْه، فكانَ يَعْرَقُ ثمَّ يُفِيْقُ ويقولُ بيدِهِ: لا؛ بَعْدُ، لا؛ بَعْدُ، فَعَلَ هذا مِرَارَاً !! فقلتُ لَه: يا أبتِ أيُّ شيءٍ مَا يَبْدُو مِنْكَ؟ فقالَ: إنَّ الشيطانَ قائمٌ بِحِذَائِي عَاضٌّ على أنَامِلِه يَقولُ: يا أحمدُ فُتَّنِي، وأَنا أقولُ: لا؛ بَعْدُ، لا؛ حتَّى أَموتُ) 

وكانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ يدعو بهذا الدعاءِ "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منَ الهدْمِ وأعوذُ بكَ منَ التَّردِّي وأعوذُ بكَ منَ الغرَقِ والحرْقِ والهرَمِ وأعوذُ بكَ أن يتخبَّطني الشَّيطانُ عندَ الموتِ وأعوذُ بكَ أن أموتَ في سبيلِكَ مدبرًا وأعوذُ بكَ أن أموتَ لديغًا" رواهُ أبو داودَ وصحّحَهُ الألبانيُّ.

إذا عَرَفَ المُسْلِمُ عِظَمَ أمْرِ فِتْنَةِ المَمَاتِ عندَ الاحْتِضَارِ، وأنَّه على مَوْعِدٍ معَ كَرْبٍ عَظيْمٍ، استعدَّ لِذلكَ اليَومِ، وتزوَّدَ مِنَ العملِ الصّالحِ، ورَجَى أْن يَكْتُبَ اللهُ له حُسْنَ الخاتِمَةِ، فإنَّ اللهَ تَعالى يَحْمِي عَبْدَه المؤمنَ، وإذا رأى منه صدقَ القلبِ والمحبَّةَ، عَصمَه من المَزلَّةِ، وصرَفَ عنه الغِوَايَةَ، فلا يَظُنْنَّ أحدٌ السّوءَ باللهِ تَعالى، فهو عَدْلٌ كَريْمٌ، لا يَخْذُلُ عَبْدَهُ المؤمنَ، وحَرَّمَ على نفسِه الظُّلْمَ، فلا تَجِدُ  ــ إنْ شاءَ اللهُ ــ مَنْ يَفْتِنَهُ الشّيْطَانُ في مِثْلِ هذهِ المَواقِفِ إلاّ مِنْ كانَ مُعْرِضَاً عنِ اللهِ، ومُقْبِلاً على الشّيْطَانِ، فذلكَ هوَ الذي يِتَخَبَّطُهُ الشّيطانُ عندَ المَوتِ، كَمَا تَخَبَّطَهُ في الحَيَاةِ .

نسألُ اللهَ الحفيظَ أنْ يحفظنا في حياتِنا وعندَ مماتِنا مِنَ الشيطانِ الرجيمِ ونَزَغَاتِه، الَّلهُمَّ إنّا نَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِن عَذَابِ القَبرِ، وَمِن فِتنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ، وَمِن شَرِّ فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.

هذا وصلّوا وسلموا على مَنْ أمركم بالصلاةِ والسلامِ عليه الله ....

 

 

المشاهدات 870 | التعليقات 0