حافظو على الصلوات ..
عبدالله محمد الطوالة
1435/05/20 - 2014/03/21 21:08PM
أحبتي في الله : وهذه خطبة (مجمعة) عن الخشوع في الصلاة ..
أسأل الله أن ينفعني وإياكم بها ..
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله .. فتقوى الله سبيل المؤمنين، وطريق الناجين / قال تعالى : {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ..
أحبتي في الله : حديثنا اليوم عن رأس مال المسلم .. وحياة قلبه وسلواه .. ونوره في دنياه وأخراه .. بها يجد العابد قرة العين وانشراح الصدر .. والإعانة على فعل الخيرات .. وترك المنكرات .. {واستعينوا بالصبر والصلاة .. } .. على قدر إقامتها والمحافظة عليها يكون البعد عن المعاصي والمنكرات { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} .. وعلى قدر تضيعيها والتفريط فيها يكون الولوغ في الشهوات {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} ..
الصلاة : عماد الدين وعموده ، ومفتاح دخول الجنة والرقي فيها ، خير الأعمال ، وأول ما يحاسب عليه المؤمن يوم القيامة، يذكرها القرآن في دعاء الخليل عليه الصلاة والسلام فيقول: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء } ..
ويأمر كليمه موسى بها قائلا: {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} .
وينطق المسيح عليه الصلاة والسلام في مهده قائلا: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً }. أما سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم فيأمره ربه قائلا: {أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة } .. الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، لها في الدين المكانة العظمى، والأهمية الكبرى، وهي العهد الذي بين المؤمنين، من تركها فقد كفر، ومن حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه وعصم دمه وحسابه على الله تعالى، ومن ضيعها وفرط فيها فهو لما سواها أضيع. الصلاة أولُ ما يحاسب عليه العبد من عمله، وهي آخر ما يفقد الناس من دينهم ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَلِمَ المُوَفَّقُونَ مِن عِبَادِ اللهِ أَنَّ مَا أَصَابَهُم مِن مُصِيبَةٍ وَمَا ظَهَرَ في الأَرضِ مِن فَسَادٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَا كَسَبَت أَيدِيهِم، وَأَنَّ أَوَّلَ خُطوَةٍ في طَرِيقِ الإِصلاحِ . إِنّمَا هِيَ تَحدِيدُ حجم المشكلة ومعرفة الأسباب، وأول خطوات العلاج، الاعتراف بالخطأ و َالقُصُورِ ، وَمِن ثَمَّ َالسَّعيُ الجاد في تَصحِيحِ الخَطَأِ وَتَعدِيلِ المَسَارِ ..
وَبَعدُ: أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَنَحنُ نَشكُو ما نشكو ، وَنَحنُ نَرَى تَعَقُّدَ الأُمُورِ وتَسَلُّطِ الأَعدَاءِ واختلاف الصف وتنافر القلوب ، وَنحن نَعَيِشُ ضِيقًا في الصُّدُورِ، وَنَتَجَرَّعُ مَرَارَةَ الأَلم والحسرة .. يَجِبُ عَلَينَا أَن لاَّ نَذهَبَ بَعِيدًا في تَلَمُّسِ أَسبَابِ ذَلِكَ البَلاءِ، أَو نُجهِدَ أَنفُسَنَا بِالبَحثِ عَنهَا بِاستِقصَاءٍ، {قل هو من عند أنفسكم} وإن أول وأهم ما نهتم له .. أَن نَقِفَ مَعَ عِمَادِ أَمرِنَا ورُكنِ دِينِنَا، فَإِذَا رَأَينَاهُ مُستَقِيمًا وَالأَمرُ فِيهِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ رَبُّنَا .. فَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا عَلَى سَائِرِ الأَعمَالِ بَعدَهُ، وَإِنْ نحنُ وَجَدنَا العَمُودَ مَكسُورًا وَالرُّكنَ مَهصُورًا فَلِمَاذَا نَشُدُّ الطُّنُبَ مِن حَولِنَا وَنَستَكِثرَ أَن يَخر عَلَينَا السَّقفُ مِن فوقِنَا ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَلِمتُم أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ عَمُودُ الدِّينِ وَرُكنُهُ الرَّكِينُ، وَأَنَّهَا قُرَّةُ عُيُونِ المُؤمِنِينَ وَمِعرَاجُ أَفئِدَةِ المُتَّقِينَ، وَأَنَّهَا كَانَت مَفزِعَ المُضطَّرِّينَ وَمَلاذَ المَكرُوبِينَ .. َيَنطَرِحُونَ بَينَ يَدَيهِ ، يَتَقَرَّبُونَ بها ويتزلفون إليه ، وَيَرفَعُونَ فِيهَا حَاجَاتِهِم وَضَرُورَاتِهِم إِلَيهِ، وَيَشكُونَ لَهُ في ثَنَايَاهَا مَا يُصِيبُهُم، فَيَجِدُونَ مِنهُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ وَكَشفَ البَلاءِ ، وَكَانَتِ أحوالهم وشئونهم في أحسن حال .. حتى خَلَفَ مِنَّا قَومٌ أَلهَتهُمُ المَادَّةُ عَمَّا يُغَذِّي الأَروَاحَ، وَشَغَلَتهُم دُنيَاهُم عَن زَادِ قُلُوبِهِم، فَهَدَمُوا رُكنَ الدِّينِ وَكَسَرُوا عَمُودَهُ، وَقَطَعُوا الصِّلَةَ أوَ ضَعُفَ مِنهُمُ الاتِّصَالُ، وَفَرَّطُوا في فَوَاتِحِ الخَيرِ وَقَصَّرُوا في خَوَاتِمِهِ ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، ألم تَرَوا أَنَّ رَبَّكُم لَمَّا أَرَادَ أَن يَفرِضَ عَلَى نَبِيِّكُمُ الصَّلاةَ فَرَضَهَا عَلَيهِ في السَّمَوَاتِ العُلَى حِينَ أَسرَى به مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى، ثم رَفَعَهُ إِلَيهِ وَقَرَّبَهُ فَأَوحَى إِلَيهِ مَا أَوحَى، وَأَعطَاهُ مِنَ الخَيرِ حَتى رَضِيَ، ثم فَرَضَ عَلَيهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلوَاتِ الخَمسَ؟! ثم أَلم تَرَوا إِلى نَبِيِّكُم بَعدَ ذَلِكَ كَيفَ ظَلَّ مُتَمَسِّكًا بِهَذِهِ الصَّلاةِ مُحَافِظًا عَلَيهَا مُهتَمًّا بِأَمرِهَا مُعَظِّمًا لِشَأنِهَا حَتى كَانَت هِيَ آخِرَ مَا أَوصَى بِهِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوتِ حَيثُ صَاحَ مُنَادِيًا: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم" ؟! ألم تَعلَمُوا أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ أَكثَرُ الفَرَائِضِ في القُرآنِ ذِكرًا وَأَنَّهَا مَا ذُكِرَت مَعَ فَرِيضَةٍ غَيرِهَا إِلاَّ قُدِّمَت عَلَيهَا؟! أَلم تَعلَمُوا أَنَّهَا أَصلٌ وَغَيرَهَا فَرعٌ، لا يَقبَلُ اللهُ مِن تَارِكِهَا زَكَاةً وَلا صَومًا وَلا حَجًّا، وَلا يَأجُرُهُ عَلَى صَدَقَةٍ وَلا دَعوَةٍ وَلا جِهَادٍ، وَلا يُثِيبُهُ عَلَى أَمرٍ بِمَعرُوفٍ وَلا نَهيٍ عَن مُنكَرٍ، وَلا يَشفَعُ لَهُ عِندَهُ حُسنُ خُلُقٍ أَو طِيبُ تَعَامُلٍ؟! أَلم تَرَوا كَيفَ افتُتِحَت بها صِفَاتُ المُؤمِنِينَ المُفلِحِينَ وَبها خُتِمَت، قَالَ سُبحَانَهُ: {قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ * الَّذِينَ هُم في صَلاَتِهِم خَاشِعُونَ}، ثم قَالَ في آخِرِ صِفَاتِهِم: {وَالَّذِينَ هُم عَلَى صلاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ} ؟! إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ هِيَ صِلَتُكُم بِرَبِّكُم، إِنَّهَا نُورُ وُجُوهِكُم وَسَعَةُ أَرازَقِكُم، {وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لاَ نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى}، إِنَّهَا صَلاحُ أَبدَانِكُم وَأَوطَانِكُم، وَزَكَاءُ أَروَاحِكُم وَمَصدَرُ فَلاحِكُم، إِنَّهَا المَنهَاةُ لَكُم عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ، إِنَّهَا عَونُكُم عَلَى الشَّدَائِدِ وَقُوَّتُكُم في النَّوَازِلِ، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، إِنَّهَا المَفزَعُ لَكُم إِذَا حَزَبَتِ الأُمُورُ، وَالمَلجَأُ إِذَا مَسَّ اللُّغُوبُ، إِنَّهَا طُمَأنِينَةُ قُلُوبِكُم وَانشَراحُ صُدُورِكُم، وقد كَانَ نَبِيُّكُم إِذَا حَزَبَهُ أَمرٌ فزع إلى الصَلَّاة وَكَانَ يَقُولُ: ((يَا بِلالُ، أَرِحْنا بها)) ..
ولأهمية الصلاة وعظم شانها .. يؤكد الإسلام على المحافظة عليها في الحضر والسفر ، وفي الصحة والمرض ، والأمن والخوف ، والسلم والحرب ، يقول الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً }. أي فصلوا حال الخوف والحرب !! مشاة أو راكبين كيفما استطعتم ، ولو بدون ركوع أو سجود .. ولو بالإشارة والإيماء فقط .. ولو بدون استقبال القبلة : قَالَ سُبحَانَهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفتُم فَرِجَالاً أَو رُكبَانًا فَإِذَا أَمِنتُم فَاذكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَا لم تَكُونُوا تَعلَمُونَ}، وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَت بي بَوَاسِيرُ فَسَأَلتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَعَلَى جَنبٍ)). {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله .. } .. المهم أن لايترك المسلم الصلاة وهو في وعيه ومعه عقله ..
فَمَاذَا بَقِيَ بَعدُ؟ لم يَبقَ إِلاَّ التَّشَاغُلُ عَنِ الصَّلاةِ وَالسَّهوُ عَنهَا، وَأَصحَابُ ذَلِكَ هُم المُتَوَعَّدُونَ بِقَولِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: {فَوِيلٌ لِلمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ}، لم يَبقَ إِلاَّ التَّكَاسُلُ وَقِلَّةُ الذِّكرِ وَنُدرَةُ الفِكرِ، وَتِلكَ مِن صِفَاتِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِم سُبحَانَهُ: {إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، لم يَبقَ إِلاَّ تَركُ الصَّلاةِ وَإِضَاعَتُهَا، وَتِلكَ والله هِيَ مُصِيبَةُ أَهلِ النَّارِ وَقَاصِمَةُ ظُهُورِهِم؛ فَإِنَّهُم حِينَ يُسأَلُونَ: {مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ}، {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ * وَيلٌ يَومَئِذٍ للمُكَذِّبِينَ}، {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا} ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَاعرِفُوا قَدرَهَا وَلا تُضِيعُوهَا، فَإِنَّ مَن ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضيَعُ ..
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، {وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاقُو رَبّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعُونَ} .. بارك الله ..
الحمد لله وكفى ..
وبعد .. فالخشوع هو لُبّ الصلاة وروحها .. فإذا ذهبت الروح فماذا بقي .. قال ابن رجب الحنبلي: "أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره، فإذا حصل له ذلك تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له"، والباعث عليه هو الخوف من الله ومراقبته" .. فإذا نظرنا إلى أنفسنا وتسائلنا : هل يحقق كل منا هذا الأمر الأساسي من أمور الصلاة؟ لوجدنا أن أكثر المصلين -إلا من رحم الله- لا يحققه ، بل إنا لتجد البعض يقف أمام المخلوق برهبة أكثر من رهبته أمام الخالق .. تجده عندما يقف أمام مدير الكبير للمؤسسة التي يعمل بها أو غيره من أصحاب المكانة والجاه، فإن حواسه كلها تكون منتبهة وحركاته محسوبة، عقله متيقظ ، وبصره وسمعه مركز ، فلا تفوته كلمة أو لفتة من لفتات هذا المسؤول الذي أمامه، فما بالنا إذا وقفنا بين يدي الله لا نقف باحترام ولا نعطي هذه الوقفة حقها؟! فالهندام غير مرتب، والملابس غير لائقة .. والقلب هائم في أودية الدنيا .. والأعضاء والجوارح تتحرك بلا وعي .. كأنه ليس في صلاة ، فربما تحرك أو تحكك أو تمايل ، أو نظر في ساعته ، أو عدل غترته ، أو طقطق أصابعه ، أو نظر في غير موضع سجوده .. وفي الحديث الذي رواه أحمد عن أبي ذر يقول صلى الله عليه وسلم : "لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه" ..
ومن أراد أن يحقق الخشوع فعليه بعدة أمور ..
أولها : الاستعداد المبكر للصلاة .. فيخرج المسلم من بيته مبكراً مطمئناً متهيئاً .. يدخل إلى المسجد ذاكراً شاكراً .. عليه السكينة والوقار .. يقف في مصلاه وقد استحضر هيبةَ وعظمةَ وجلالَ مولاه .. ومن سيقف بين يديه .. ومن سيقدِّم هذه الصلاة تقرباً إليه ، الملك الجليل .. قيوم السموات والأرض .. من عنت له الوجوه .. وخشعت له الأصوات .. وذل له الخلق كلهم أجمعون .. فكيف لا تخشع له أنت ؟! ومن أحق بخشوعك منه ؟!
فيصلي السنة النافلة بتدبر ووعي ويقرأ شيئاً من القرآن .. ويرفع يديه إلى الله ويدعو .. فيستشعر لذة العبادة ويخشع في صلاته .. بإذن الله .. ويفوز بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم :((ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا أنفتل وهو كيوم ولدته أمه)) ..
فمن أعظم الدواعي لحضور القلب وخشوعه، تدبر الألفاظ والمعاني، واستشعار أنه يتخاطب مباشرة مع الله .. وكذلك تأمّل الجزاء العظيم في كل تكبيرة تكبرها وفاتحة تقرأها وركعة تركعها، وذكر تذكره ، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه . وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .. وأجور وفضائل كثيرة أخرى .. قيام وقعود .. دعاء ونداء . ذكر وتسبيح .. خضوع وخشوع .. ومما يساعد على الخشوع في الصلاة أيضاً العمل بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم (صل صلاة مودع) ، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((اذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته فحري أن يحسن صلاته)) ..
ولقد كان السلف رحمهم الله يحاسبون أنفسهم على الخشوع حساباً شديداً، ويعدون الغفلة في الصلاة والسهو فيها أمراً جللاً حتى لقد قيل لعامر بن عبد قيس: هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا في الصلاة؟ فقال: لأن تختلف الأسنّة فيّ أحب إلي من أن أجد هذا .. وسئل حاتم الأصم كيف يؤدي صلاته فقال:أكبر تكبيراً بتحقيق ، وأقرأ قراءة بترتيل، وأرفع ركوعاً بخضوع ، وأسجد سجوداً بتذلل، وأعتبر الجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي ، وملك الموت على رأسي، وذنوبي محيطة بي، وعين الله ناظرة إلي وأعدها آخر صلاة في عمري ، وأتبعها الإخلاص ما استطعت ثم أسلم ، ولا أدري بعدها أيقبلها الله مني أم يقول:اضربوا بها وجه من صلاها. هكذا كانت صلاتهم.
فرحم الله عبدا أقبل على الصلاة خاشعًا خاضعًا لله عز وجل خائفًا مذعنًا راغبًا وجلاً مشفقًا راجيًا، مجتهداً أن يجعل كل همه في صلاته لربه ومناجاته لمولاه ..
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واستقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن .. ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، واحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ..
اللهم صلى ..
أسأل الله أن ينفعني وإياكم بها ..
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله .. فتقوى الله سبيل المؤمنين، وطريق الناجين / قال تعالى : {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ..
أحبتي في الله : حديثنا اليوم عن رأس مال المسلم .. وحياة قلبه وسلواه .. ونوره في دنياه وأخراه .. بها يجد العابد قرة العين وانشراح الصدر .. والإعانة على فعل الخيرات .. وترك المنكرات .. {واستعينوا بالصبر والصلاة .. } .. على قدر إقامتها والمحافظة عليها يكون البعد عن المعاصي والمنكرات { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} .. وعلى قدر تضيعيها والتفريط فيها يكون الولوغ في الشهوات {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} ..
الصلاة : عماد الدين وعموده ، ومفتاح دخول الجنة والرقي فيها ، خير الأعمال ، وأول ما يحاسب عليه المؤمن يوم القيامة، يذكرها القرآن في دعاء الخليل عليه الصلاة والسلام فيقول: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء } ..
ويأمر كليمه موسى بها قائلا: {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} .
وينطق المسيح عليه الصلاة والسلام في مهده قائلا: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً }. أما سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم فيأمره ربه قائلا: {أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة } .. الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، لها في الدين المكانة العظمى، والأهمية الكبرى، وهي العهد الذي بين المؤمنين، من تركها فقد كفر، ومن حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه وعصم دمه وحسابه على الله تعالى، ومن ضيعها وفرط فيها فهو لما سواها أضيع. الصلاة أولُ ما يحاسب عليه العبد من عمله، وهي آخر ما يفقد الناس من دينهم ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَلِمَ المُوَفَّقُونَ مِن عِبَادِ اللهِ أَنَّ مَا أَصَابَهُم مِن مُصِيبَةٍ وَمَا ظَهَرَ في الأَرضِ مِن فَسَادٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَا كَسَبَت أَيدِيهِم، وَأَنَّ أَوَّلَ خُطوَةٍ في طَرِيقِ الإِصلاحِ . إِنّمَا هِيَ تَحدِيدُ حجم المشكلة ومعرفة الأسباب، وأول خطوات العلاج، الاعتراف بالخطأ و َالقُصُورِ ، وَمِن ثَمَّ َالسَّعيُ الجاد في تَصحِيحِ الخَطَأِ وَتَعدِيلِ المَسَارِ ..
وَبَعدُ: أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَنَحنُ نَشكُو ما نشكو ، وَنَحنُ نَرَى تَعَقُّدَ الأُمُورِ وتَسَلُّطِ الأَعدَاءِ واختلاف الصف وتنافر القلوب ، وَنحن نَعَيِشُ ضِيقًا في الصُّدُورِ، وَنَتَجَرَّعُ مَرَارَةَ الأَلم والحسرة .. يَجِبُ عَلَينَا أَن لاَّ نَذهَبَ بَعِيدًا في تَلَمُّسِ أَسبَابِ ذَلِكَ البَلاءِ، أَو نُجهِدَ أَنفُسَنَا بِالبَحثِ عَنهَا بِاستِقصَاءٍ، {قل هو من عند أنفسكم} وإن أول وأهم ما نهتم له .. أَن نَقِفَ مَعَ عِمَادِ أَمرِنَا ورُكنِ دِينِنَا، فَإِذَا رَأَينَاهُ مُستَقِيمًا وَالأَمرُ فِيهِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ رَبُّنَا .. فَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا عَلَى سَائِرِ الأَعمَالِ بَعدَهُ، وَإِنْ نحنُ وَجَدنَا العَمُودَ مَكسُورًا وَالرُّكنَ مَهصُورًا فَلِمَاذَا نَشُدُّ الطُّنُبَ مِن حَولِنَا وَنَستَكِثرَ أَن يَخر عَلَينَا السَّقفُ مِن فوقِنَا ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَلِمتُم أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ عَمُودُ الدِّينِ وَرُكنُهُ الرَّكِينُ، وَأَنَّهَا قُرَّةُ عُيُونِ المُؤمِنِينَ وَمِعرَاجُ أَفئِدَةِ المُتَّقِينَ، وَأَنَّهَا كَانَت مَفزِعَ المُضطَّرِّينَ وَمَلاذَ المَكرُوبِينَ .. َيَنطَرِحُونَ بَينَ يَدَيهِ ، يَتَقَرَّبُونَ بها ويتزلفون إليه ، وَيَرفَعُونَ فِيهَا حَاجَاتِهِم وَضَرُورَاتِهِم إِلَيهِ، وَيَشكُونَ لَهُ في ثَنَايَاهَا مَا يُصِيبُهُم، فَيَجِدُونَ مِنهُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ وَكَشفَ البَلاءِ ، وَكَانَتِ أحوالهم وشئونهم في أحسن حال .. حتى خَلَفَ مِنَّا قَومٌ أَلهَتهُمُ المَادَّةُ عَمَّا يُغَذِّي الأَروَاحَ، وَشَغَلَتهُم دُنيَاهُم عَن زَادِ قُلُوبِهِم، فَهَدَمُوا رُكنَ الدِّينِ وَكَسَرُوا عَمُودَهُ، وَقَطَعُوا الصِّلَةَ أوَ ضَعُفَ مِنهُمُ الاتِّصَالُ، وَفَرَّطُوا في فَوَاتِحِ الخَيرِ وَقَصَّرُوا في خَوَاتِمِهِ ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، ألم تَرَوا أَنَّ رَبَّكُم لَمَّا أَرَادَ أَن يَفرِضَ عَلَى نَبِيِّكُمُ الصَّلاةَ فَرَضَهَا عَلَيهِ في السَّمَوَاتِ العُلَى حِينَ أَسرَى به مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى، ثم رَفَعَهُ إِلَيهِ وَقَرَّبَهُ فَأَوحَى إِلَيهِ مَا أَوحَى، وَأَعطَاهُ مِنَ الخَيرِ حَتى رَضِيَ، ثم فَرَضَ عَلَيهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلوَاتِ الخَمسَ؟! ثم أَلم تَرَوا إِلى نَبِيِّكُم بَعدَ ذَلِكَ كَيفَ ظَلَّ مُتَمَسِّكًا بِهَذِهِ الصَّلاةِ مُحَافِظًا عَلَيهَا مُهتَمًّا بِأَمرِهَا مُعَظِّمًا لِشَأنِهَا حَتى كَانَت هِيَ آخِرَ مَا أَوصَى بِهِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوتِ حَيثُ صَاحَ مُنَادِيًا: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم" ؟! ألم تَعلَمُوا أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ أَكثَرُ الفَرَائِضِ في القُرآنِ ذِكرًا وَأَنَّهَا مَا ذُكِرَت مَعَ فَرِيضَةٍ غَيرِهَا إِلاَّ قُدِّمَت عَلَيهَا؟! أَلم تَعلَمُوا أَنَّهَا أَصلٌ وَغَيرَهَا فَرعٌ، لا يَقبَلُ اللهُ مِن تَارِكِهَا زَكَاةً وَلا صَومًا وَلا حَجًّا، وَلا يَأجُرُهُ عَلَى صَدَقَةٍ وَلا دَعوَةٍ وَلا جِهَادٍ، وَلا يُثِيبُهُ عَلَى أَمرٍ بِمَعرُوفٍ وَلا نَهيٍ عَن مُنكَرٍ، وَلا يَشفَعُ لَهُ عِندَهُ حُسنُ خُلُقٍ أَو طِيبُ تَعَامُلٍ؟! أَلم تَرَوا كَيفَ افتُتِحَت بها صِفَاتُ المُؤمِنِينَ المُفلِحِينَ وَبها خُتِمَت، قَالَ سُبحَانَهُ: {قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ * الَّذِينَ هُم في صَلاَتِهِم خَاشِعُونَ}، ثم قَالَ في آخِرِ صِفَاتِهِم: {وَالَّذِينَ هُم عَلَى صلاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ} ؟! إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ هِيَ صِلَتُكُم بِرَبِّكُم، إِنَّهَا نُورُ وُجُوهِكُم وَسَعَةُ أَرازَقِكُم، {وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لاَ نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى}، إِنَّهَا صَلاحُ أَبدَانِكُم وَأَوطَانِكُم، وَزَكَاءُ أَروَاحِكُم وَمَصدَرُ فَلاحِكُم، إِنَّهَا المَنهَاةُ لَكُم عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ، إِنَّهَا عَونُكُم عَلَى الشَّدَائِدِ وَقُوَّتُكُم في النَّوَازِلِ، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، إِنَّهَا المَفزَعُ لَكُم إِذَا حَزَبَتِ الأُمُورُ، وَالمَلجَأُ إِذَا مَسَّ اللُّغُوبُ، إِنَّهَا طُمَأنِينَةُ قُلُوبِكُم وَانشَراحُ صُدُورِكُم، وقد كَانَ نَبِيُّكُم إِذَا حَزَبَهُ أَمرٌ فزع إلى الصَلَّاة وَكَانَ يَقُولُ: ((يَا بِلالُ، أَرِحْنا بها)) ..
ولأهمية الصلاة وعظم شانها .. يؤكد الإسلام على المحافظة عليها في الحضر والسفر ، وفي الصحة والمرض ، والأمن والخوف ، والسلم والحرب ، يقول الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً }. أي فصلوا حال الخوف والحرب !! مشاة أو راكبين كيفما استطعتم ، ولو بدون ركوع أو سجود .. ولو بالإشارة والإيماء فقط .. ولو بدون استقبال القبلة : قَالَ سُبحَانَهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفتُم فَرِجَالاً أَو رُكبَانًا فَإِذَا أَمِنتُم فَاذكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَا لم تَكُونُوا تَعلَمُونَ}، وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَت بي بَوَاسِيرُ فَسَأَلتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَعَلَى جَنبٍ)). {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله .. } .. المهم أن لايترك المسلم الصلاة وهو في وعيه ومعه عقله ..
فَمَاذَا بَقِيَ بَعدُ؟ لم يَبقَ إِلاَّ التَّشَاغُلُ عَنِ الصَّلاةِ وَالسَّهوُ عَنهَا، وَأَصحَابُ ذَلِكَ هُم المُتَوَعَّدُونَ بِقَولِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: {فَوِيلٌ لِلمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ}، لم يَبقَ إِلاَّ التَّكَاسُلُ وَقِلَّةُ الذِّكرِ وَنُدرَةُ الفِكرِ، وَتِلكَ مِن صِفَاتِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِم سُبحَانَهُ: {إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، لم يَبقَ إِلاَّ تَركُ الصَّلاةِ وَإِضَاعَتُهَا، وَتِلكَ والله هِيَ مُصِيبَةُ أَهلِ النَّارِ وَقَاصِمَةُ ظُهُورِهِم؛ فَإِنَّهُم حِينَ يُسأَلُونَ: {مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ}، {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ * وَيلٌ يَومَئِذٍ للمُكَذِّبِينَ}، {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا} ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَاعرِفُوا قَدرَهَا وَلا تُضِيعُوهَا، فَإِنَّ مَن ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضيَعُ ..
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، {وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاقُو رَبّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعُونَ} .. بارك الله ..
الحمد لله وكفى ..
وبعد .. فالخشوع هو لُبّ الصلاة وروحها .. فإذا ذهبت الروح فماذا بقي .. قال ابن رجب الحنبلي: "أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره، فإذا حصل له ذلك تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له"، والباعث عليه هو الخوف من الله ومراقبته" .. فإذا نظرنا إلى أنفسنا وتسائلنا : هل يحقق كل منا هذا الأمر الأساسي من أمور الصلاة؟ لوجدنا أن أكثر المصلين -إلا من رحم الله- لا يحققه ، بل إنا لتجد البعض يقف أمام المخلوق برهبة أكثر من رهبته أمام الخالق .. تجده عندما يقف أمام مدير الكبير للمؤسسة التي يعمل بها أو غيره من أصحاب المكانة والجاه، فإن حواسه كلها تكون منتبهة وحركاته محسوبة، عقله متيقظ ، وبصره وسمعه مركز ، فلا تفوته كلمة أو لفتة من لفتات هذا المسؤول الذي أمامه، فما بالنا إذا وقفنا بين يدي الله لا نقف باحترام ولا نعطي هذه الوقفة حقها؟! فالهندام غير مرتب، والملابس غير لائقة .. والقلب هائم في أودية الدنيا .. والأعضاء والجوارح تتحرك بلا وعي .. كأنه ليس في صلاة ، فربما تحرك أو تحكك أو تمايل ، أو نظر في ساعته ، أو عدل غترته ، أو طقطق أصابعه ، أو نظر في غير موضع سجوده .. وفي الحديث الذي رواه أحمد عن أبي ذر يقول صلى الله عليه وسلم : "لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه" ..
ومن أراد أن يحقق الخشوع فعليه بعدة أمور ..
أولها : الاستعداد المبكر للصلاة .. فيخرج المسلم من بيته مبكراً مطمئناً متهيئاً .. يدخل إلى المسجد ذاكراً شاكراً .. عليه السكينة والوقار .. يقف في مصلاه وقد استحضر هيبةَ وعظمةَ وجلالَ مولاه .. ومن سيقف بين يديه .. ومن سيقدِّم هذه الصلاة تقرباً إليه ، الملك الجليل .. قيوم السموات والأرض .. من عنت له الوجوه .. وخشعت له الأصوات .. وذل له الخلق كلهم أجمعون .. فكيف لا تخشع له أنت ؟! ومن أحق بخشوعك منه ؟!
فيصلي السنة النافلة بتدبر ووعي ويقرأ شيئاً من القرآن .. ويرفع يديه إلى الله ويدعو .. فيستشعر لذة العبادة ويخشع في صلاته .. بإذن الله .. ويفوز بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم :((ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا أنفتل وهو كيوم ولدته أمه)) ..
فمن أعظم الدواعي لحضور القلب وخشوعه، تدبر الألفاظ والمعاني، واستشعار أنه يتخاطب مباشرة مع الله .. وكذلك تأمّل الجزاء العظيم في كل تكبيرة تكبرها وفاتحة تقرأها وركعة تركعها، وذكر تذكره ، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه . وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .. وأجور وفضائل كثيرة أخرى .. قيام وقعود .. دعاء ونداء . ذكر وتسبيح .. خضوع وخشوع .. ومما يساعد على الخشوع في الصلاة أيضاً العمل بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم (صل صلاة مودع) ، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((اذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته فحري أن يحسن صلاته)) ..
ولقد كان السلف رحمهم الله يحاسبون أنفسهم على الخشوع حساباً شديداً، ويعدون الغفلة في الصلاة والسهو فيها أمراً جللاً حتى لقد قيل لعامر بن عبد قيس: هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا في الصلاة؟ فقال: لأن تختلف الأسنّة فيّ أحب إلي من أن أجد هذا .. وسئل حاتم الأصم كيف يؤدي صلاته فقال:أكبر تكبيراً بتحقيق ، وأقرأ قراءة بترتيل، وأرفع ركوعاً بخضوع ، وأسجد سجوداً بتذلل، وأعتبر الجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي ، وملك الموت على رأسي، وذنوبي محيطة بي، وعين الله ناظرة إلي وأعدها آخر صلاة في عمري ، وأتبعها الإخلاص ما استطعت ثم أسلم ، ولا أدري بعدها أيقبلها الله مني أم يقول:اضربوا بها وجه من صلاها. هكذا كانت صلاتهم.
فرحم الله عبدا أقبل على الصلاة خاشعًا خاضعًا لله عز وجل خائفًا مذعنًا راغبًا وجلاً مشفقًا راجيًا، مجتهداً أن يجعل كل همه في صلاته لربه ومناجاته لمولاه ..
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واستقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن .. ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، واحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ..
اللهم صلى ..
المشاهدات 3326 | التعليقات 5
الله يجزيك خير الجزاء على هذه الخطبة الأكثر من رائعة بورك فيك وفي علمك ومروك وبصماتك الطيبة في هذه المنتدى المبارك يا شيخ عبدالله.
والشكر موصول لكل المعلقين والمشاركين
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
وجزاك شيخ زياد وجزى الشيخ شبيب ..
وكل الإخوة الأفاضل في هذا المنتدى المبارك ..
ونفع بكم أجمعين ..
شكر الله لك ونفع بك يا شيخ عبد الله
عبدالله محمد الطوالة
بارك الله فيك يا شيخ أحمد ونفع بك ..
تعديل التعليق