حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ..

عبدالله محمد الطوالة
1435/12/30 - 2014/10/24 05:45AM
..


أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله جلّ وعلا، فتزوّدوا بها فهي خير الزاد، واستعدوا بالأعمال الصالحة ليوم المعاد ، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} ..
عباد الله .. سنة كاملة محمّلة بالأيام والليالي ، مثقَلة بالساعات والدقائق والثواني ، مرت شهورها تباعًا ، وتصرّمت أيامها سراعًا .. نتذكر مَرّور الأشهر الثمانية الأولى منها كثمانية أيام، ثم دخل شهر رمضان المبارك، وعاش المسلمون فيه أحلى الأيام ، وقضوا أحلى الليالي ، ثم انقضت تلك الأيام والليالي كساعة من نهار ، ومَرّ عيد الفطر ورحل ، وانتهى موسم العشر والحج كعشية أو ضحاها ، ثم خلعت السنة ثيابها وألقت بخمارها وجلبابها ، لتعلنها صريحة مدوية ، أننا كنا بكثرة الأيام عند بدايتها مغترّين ، وبحبال التسويف في أولها متعلّقين .. فكم منّا من رسم أهدافاً لآخر العام الماضي ، فمضى العام وتركه ، وكم من عاجز ألهته الأماني حتى أوقعه الشيطان في حبائله وشَرَكِهِ ، أما قال كثير منا: إذا جاء رمضان حافظت على الصلاة ، أما وعد بعضنا نفسه أن يرجع بعد الحج إلى الله، أما سوف المدخن بترك التدخين ، أما نوى مدمن القنوات هجرها .. أما ، وأما إلى آخر الأماني والمنى .. فقد مضى رمضان وانقضى ، وتبعه موسم الحج وانتهى ، بل انتهت السنة كلها ، وما زال العاجز عاجزًا ، والمسوّف مسوّفًا .. وهذا شأنهم كلما انتهت سنة ومضت أخرى، تمنّى المبطلون على الله الأماني في السنة التي تليها ، وما علم هؤلاء المساكين أن الزمن إذا مضى لا يعود ، وأن العمر يذهب والعامر يخرب ، وأن كل يومٍ يمر على العبد يزيد في عمره ويُنقص من أجله ، ويقربه إلى قبره ، ويبعده عن أهله ..
جاهل يا عباد الله من يغتر بالشباب ، مخذول من يتعلق بالسراب ، غافل من ألهته صحته ، سفيه من أطغته قوته ، خسران من أنسته دنياه آخرته ..
يا أبناء العشرين ، بادروا الفُتوّة والشباب ، ويا أبناء الثلاثين ، انتصف العمر وجدّت الركاب ، ويا أبناء الأربعين ، بلغتم الأشُدّ وحق العتاب ، ويا أبناء الخمسين ، ضعف الجسم والرأس شاب ، ويا أبناء الستين فُتِح لكم للآخرة باب .. ويا من بلغت السبعين أو أكثر، لقد أمهلك الله وأعذر ، أفلا يجدر بك أن تراجع وتستغفر ؟! ..
إخواني : أما آن لنا أن نعود إلى ربنا ، ونبكي على ذنوبنا ؟! .. أما آن لنا أن نشتغل بعيوبنا عن عيوب غيرنا؟! {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} ..
كم أودعت بيديك في القبر من قريب؟! ، وكم ودعت من أخ وحبيب؟! ، ألم تفكر في يومٍ تكون فيه أنت المودَع المودَّع ؟! ، ألم تعمل ليوم تكون فيه أنت المحمول المشيَّع؟! ، عجبًا لك ثم عجبًا! ، كلما ازددت من الآخرة دنوًا ، ازددت من الله بعدًا ..
نهـارُكَ يا مغرورُ سَهْوٌ وغفلة وليلُك نومٌ والأسـى لك لازِمُ
تُسَرُّ بمـا يفنى وتفرحُ بالمُنَـى كما سُرَّ باللذاتِ فِي النوم حالِمُ
وشُغْلُك فيما سوف تكره غِبَّهُ كذلك في الدنيـا تعيشُ البهائمُ
ألا فارجع إلى ربك ، واستغفره لذنبك ، وابك على خطيئتك ، وقدم لنفسك ، من قبل أن تقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت ، فيقال لك: كلا ، إنها كلمة هو قائلها ..
أيها المسلمون : يجب على العاقل أن يرجع إلى نفسه ، فيحاسبها على ما قدم في يومه وأمسه ، فإن كان خيرًا فليحمد الله ، وليتزود من الصالحات ويكثر ، وإن كان غير ذلك فليتب ، وليتخلص من السيئات ويستغفر .. يجب على العاقل أن يحاسب نفسه في ختام يومه وأسبوعه وشهره ، وفي نهاية عامه وفي كل دهره ، فإن من حاسب نفسه قبل أن يحاسَب خفّ في القيامة حسابه ، وحضر عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ، ومن أهمل نفسه وأطلق لها العَنان ظهرت عند الموت حسراته ، وطالت في العرصات وقفاته ، وقادته إلى المقت والخزي سيئاته ..
إنه لا آفة تأكل العمر وتحصد بركة الوقت مثل التسويف والأماني الكاذبة ، ولا علاج يحسم ذلك مثل قصر الأمل وتذكر الموت ..
أيها المسلمون: إن حقًّا على كل من أراد الخير لنفسه أن يحاسبها أشد من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه ؛ لينظر: هل أجاد أم قصّر؟ وهل هو يتقدّم أم يتأخّر؟ كلا ، {إِنَّهَا لإٍحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} ..
نعم أيها الأحبة: إن محاسبة النفس أمر ضروري ولا بد منه ؛ لأن السائر إلى الدار الآخرة يسلك طريقًا لا توقّف فيها ، ويركب عجلة تدور بكل من فيها ، وليس بإرادته ولا مقدوره أن يوقفها أو يرجعها ، وهو في سيره في تلك الطريق بين أمرين لا ثالث لهما ، إما أن يسرع في سيره ويجد في أمره ، فلعله أن يصل في أول الركب ، فينجو من الآفات ، ويفوز مع الفائزين ، ويد الله مع الجماعة ، وإما أن يتباطأ ويتثاقل ، وتتجاذبه السبل يمنة ويسرة ، فيوشك أن لا يصل إلى مراده ، وإن وصل وصل متأخّرًا ، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ..
أيها المسلمون: إنه لا بد أن يقف كل منا مع نفسه وقفة محاسبة صادقة ، يتذكر فيها أعماله الصالحة والطالحة ، ثم يعقد موازنة دقيقة ، لينظر ما له وما عليه ، ثم لينتقل بعد ذلك إلى الأعمال التي رأى أنها صالحة .. لينظر هل أخلص فيها النية لله ؟ وهل تابع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .. والله يا عباد الله : لو وقف كل منا كذلك لرأى عجبًا ، ولهاله كثرة الأعمال التي لم ينطبق عليها شرطا صحة العمل وقبوله ، فضلاً عن الأعمال التي لا يشك في كونها سيئات ، صغيرة كانت أو كبيرة ..
ليتفكر الإنسان في حاله مع الصلوات المفروضة ، هل أداها بشروطها وأركانها وواجباتها؟ .. هل صلاها في المسجد مع جماعة المسلمين؟ .. كيف حاله مع صلاتي الفجر والعصر؟ .. ثم ما حاله بعد ذلك مع النوافل؟ .. هل تزود منها ليجبر بها نقص الفرائض ، وينال بها محبة الله؟ .. وليسأل نفسه عن بقية العبادات على هذا المنوال .. ثم ليحاسب نفسه بعد ذلك عن أمواله التي اكتسبها ، من أين حصلها؟ وفيم أنفقها؟ .. وما موقفه من حقوق الناس؟ .. هل أداها أم ضيعها ؟ .. ليسأل نفسه عن الولائم التي أقامها ، والمناسبات التي حضرها ، والمجالس التي جلسها وأفاض فيها بالحديث ونوّعها ، والرحلات والسفريات التي قام بها، والرسائل التي كتبها وأرسلها ، والمكالمات التي هاتفها ، هل كان كل ذلك لله وفي الله؟ .. أم أنه مجاراة ومحاباة؟ .. ثم ليسأل نفسه في المقابل: كم ريالاً دفعه في سبيل الله؟ .. وكم من زيارة ورحلة قام بها لله؟ .. إنها أسئلة صعبة ، والإجابة عنها أصعب ، ولكنها وقائع مؤلمة وحقائق مرّة ، يجب أن يتقبلها كل منا بصدر رحب ، وأن يعيها بمشاعره وعقله ، لعله أن يغيّر من نفسه ويصلح من حاله ، قبل أن يفجأه هادم اللذات ومفرق الجماعات ، فيندم ولات حين مناص {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}..
ألا فاتقوا الله عباد الله ، وأصلحوا ما بينكم وبين ربكم ، يصلح الله ما بينكم وبين إخوانكم ، واخشوه في السر يصلح علانيتكم ، وحاسبوا أنفسكم محاسبة توردكم حسن العاقبة .. وهلم إلى دار لا يموت سكانها ، ولا يخرب بنيانها ، ولا يهرم شبابها ، ولا يتغير حُسنها ..
واعلموا أن الأمر فصل وليس بالهزل ، جد ليس باللعب ، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَن الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} .. بارك الله ..





الحمد لله وكفى ..
أما بعد: فاتّقوا اللهَ عبادَ الله حقَّ التقوى ، فالتقوى أربحُ المكاسب وأجزل المواهب .. ها نحنُ قد ودَّعنا عاماً حافِلاً من أعمارِنا ، فما أسرعَ ما مضى وانقضى ، وما أعظمَ ما حَوى ، كم من حبيبٍ فيه فارقنا ، وكم من بلاءٍ فيه واجهنا ، وكم من سيئات فيه اجترَحنا ، والليالي والأيام خزائنُ للأعمال ومراحلُ للأعمار ، تبلي الجديدَ وتقرِّب البعيدَ ، أيامٌ تمرّ ، وأعوام تكرّ ، وأجيال تتعاقَب في إثر بعض ، والكلّ إلى الله يسير ، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "كلُّ الناس يغدو، فبائع نفسَه فمعتقُها أو موبقها" .. والعام الذي مضى لن يعود عليكم منه إلا الذكريات ، ثم ما دُوِّن في صحائف أعمالكم {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ..
يا عباد الله : لقد ذهب عامكم شاهدًا لكم أو عليكم ، فخذوا لما سيأتي زادًا كافيًا ، وأعدوا للسؤال جوابًا شافيًا ، واستكثروا فيما بقي لكم من الحسنات ، وتداركوا ما مضى من الهفوات ، وليحاسب كل واحد منكم نفسه ، فقد سعد والله من لاحظها وحاسبها ، وفاز وربي من راقبها وعاتبها ، انظر في صحائف أيّامك التي خلت ؛ ماذا ادَّخرتَ فيها لآخرتك؟ .. واخلُ بنفسِك وحاسِبها حسابَ الشّحيح ، يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبدُ تقيًّا حتى يكونَ مع نفسه أشدَّ من الشريك مع شريكه". والموفق مَن وقفَ مع نفسه وقفةَ حسابٍ وعتاب ؛ يصحِّح مسيرتَها ويتدارك زلَّتَها ، يقول ابن حبان: "أفضلُ ذوِي العقولِ منزلةً أدومُهم لنفسه محاسبة" ..
وإن غيابَ محاسبةِ النفس نذير غرقِ العبد في هواه ، وما أردَى الكفارَ في لُجج العَمى إلا ظنُّهم أنّهم يمرحون كما يشتهون بلا رقيب ، ويفرحون بما يهوَون بلا حسيب ، قال سبحانه وتعالى عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} ..
والاطلاعُ على عيبِ النفسِ ونقائصِها ومثالبها يلجِمها عن الغيّ والضلال ، ومعرفة العبدِ نفسَه وأنَّ مآلَه إلى القبر يورثُه تذلّلاً وعبوديةً لله ، فلا يُعجَب بعملِه مهما عظُم ، ولا يحتقِر ذنباً مهما صغُر ، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا يتفقَّه الرجل كلَّ الفقه حتى يمقتَ الناسَ في جنب الله ، ثم يرجِع إلى نفسِه فيكون لها أشدَّ مقتًا) ..
وإذا جالستَ الناس فكُن واعظاً لقلبك ، فالخلق يراقبون ظاهرَك ، والله يراقب باطنَك ، ومن صحَّح باطنَه لله زيَّن الله ظاهرَه .. والتعرّفُ على حقّ الله وعظيم فضله ، وتذكّر كثرة نعمِه ، يطأطِئ الرأسَ للجبّار جلّ وعلا ، ويدرك المرءُ معه تقصيرَه على شكر النعم ، وأنّه لا نجاةَ إلا بالرجوع إليه ، وأن يطاعَ فلا يعصى ، وأن يشكرَ فلا يكفر، يقول أهل العلم: "بدايةُ المحاسبةِ أن تقايِس بين نعمتِه عز وجل وجنايتِك ، فحينئذ يظهر لك التفاوتُ ، وتعلَم أنّه ليس إلا عفوُه ورحمته أو الهلاك والعطب" ..
وتفقّدُ عيوبِ النفس يزكّيها ويطهّرها ، قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا} ، يقول مالك بن دينار: "رحِم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبةَ كذا؟! ألستِ صاحبةَ كذا؟! ثم زمَّها ، ثم خطمَها ، ثم ألزمها كتابَ ربّها ، فكان لها قائداً" .. وإنَّ أضرَّ ما على المكلَّف إهمال النفس وتركُ محاسبتها والاسترسال خلفَ شهواتها حتى تهلك ، وهذا حالُ أهلِ الغرور الذين يغمضون عيونَهم عن المعاصي ويتَّكلون على العفو ، وإذا فعلوا ذلك سهُلت عليهم مواقعةُ الذنوب والأنس بها ، والله يقول: {يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ} .. فيا من تمرّ عليه السنة بعد السنة ، وهو غارق في نوم الغفلة والسِّنَة ، قل لي بربك: لأي يوم أخّرت توبتك؟! ولأي عام ادّخرت أوبتك؟! .. فبادر أُخيّ بالتوبة ، واحذر التسويف والتأجيل ، وتب إلى ربك قبل أن يشتمل الهدم على البناء ، وينقطع من الحياة حبل الرجاء ، و استدرك من العمر ذاهبًا لا يرجع ، ودع اللهو جانبًا واقلع ، وقم في الدجى نادبًا ، وقف على الباب تائبًا، فإن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، وكما تدين تدان ، كما تدين تدان .. اللهم صلى محمد وعلى ..

المشاهدات 3357 | التعليقات 3

بورك فيك شيخ عبدالله ونفعنا والمنتدى والزائرين بعلمك وكتاباتك القيمة وجعل ذلك رصيدا في حسناتك يوم تلقاه.


جزاك الله خيرا


وبورك فيكما شيوخنا الكرام .. وكل من عطر بمروره هذا المقام ..