حاجتنا إلى الثقة بالله

خالد الكناني
1445/01/16 - 2023/08/03 17:25PM

حاجتنا إلى الثقة بالله

الحمد لله ربّ العالمين ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الموحدين الواثقين برب العالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد : عباد الله ما أحوجنا في هذه الأزمنة وفي كل وقت وحين إلى الثقة بالله ربّ العالمين ، ما أحوجنا إلى التوكل والاعتماد على ربنا العظيم ، ما أحوجنا إلى ما عند الله أكثر مما عندنا

قال تعالى : ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ))

عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ))

أيها المسلمون : الثقة بالله هي :

أن تعلق قلبك بالله وحده في تحصيل ما ينفعك ودفع ما يضرك ، وأن تقطع تعلقك بالمخلوقين ، فهم لا يملكون لك ولا لأنفسهم ضرا ولا نفعا.

الثقة بالله هي التي جعلت أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، يضرب أبلغ مثل للثقة والتسليم ، ((إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) ، إخلاصا وتوحيدا، ومحبة، وإنابة فكان التوحيد لله نعته . ولما القي في النار كان على ثقة عظيمة بربه تبارك وتعالى ، فكان قوله ((حسبنا الله ونعم الوكيل ))

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ )) .... فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد وحفظه من أن تصيبه النار بسوء ، فكانت بردا وسلاما عليه ، قال تعالى : ((قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ )) ، وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أنه ((لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّارِ )) عَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ: أَلِكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا، وَأَمَّا مِنَ اللَّهِ فَبَلَى )) .

الثقة بالله تعالى وبما وعد الله هي التي تمثلتها أم موسى عليه السلام لما خافت على رضيعها موسى عليه السلام من فرعون أن يقتله ، فجاءها الأمر الرباني : ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )) ، فما كان جزاء هذه الثقة العظيمة بربها ، أن أصبح موسى الرضيع الملقى في اليم في حماية ورعاية عدوه فرعون ، قال تعالى : ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) ، ثم بعد ذلك يتحقق وعد الله تعالى ويعاد الرضيع إلى أمه ، قال تعالى : ((فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) ,

الثقة بالله تمثلها موسى عليه السلام وهو أمام عدوه فرعون في أحلك الظروف وذلك عندما خرج بمن معه من المؤمنين ، فأتبعهم فرعون بجنوده ، فأصبح البحر أمامه وفرعون خلفه ، فقال له بنو أسرائيل ((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )) ولكنه قال بثقة ويقين ((  قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))

فنجاه الله ومن معه و تحقق له النصر ، وأهلك فرعون ومن معه .

قال تعالى : ((فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )) .

عباد الله : وهذا إمام الواثقين بربه تبارك وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا ولحقه الكفار داخل الغار في جبل ثور ، فحفظ الله نبيه من كيد الكفر وحرسة من كل مكروه .

أعن َنَس بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، حَدَّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا ))

وفي ذلك نزل قول الله تعالى : ((إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))

أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم .

الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه واخوانه

عباد الله : إننا بحاجة إلى تربية أنفسنا على الثقة بالله والتوكل والاعتماد عليه لتصلح أحوالنا وتُفرج همومنا وتدفع عنا البلايا والمصائب والفتن ،

وهناك وسائل تعين المؤمن على تقوية الثقة بالله وحسن التوكل عليه ، ومنها :

+ العلم بالله تعالى عن طريق النظر والتفكر في أسمائه وصفاته والعلم بقضائه وقدره ، قال تعالى : ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))

+ومنها التحلي بالصبر فإن الصبر مفتاح الفرج ، قال تعالى : ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ))

+ ومن الوسائل الناجعة لتقوية الثقة بالله تعلى وحصول المطلوب الدعاء والاقبال على الله والتضرع بين يديه والالحاح عليه ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} ، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ ، ونصره في تلك المعركة .

هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))

 

المرفقات

1691072729_حاجتنا إلى الثقة بالله.pdf

المشاهدات 960 | التعليقات 0