جهازُ الْهيئةِ: تاريخُ نشأته, وأبرزُ جهوده, والواجب عند صدور خطأ من أحد أفراده 18/5
أحمد بن ناصر الطيار
1437/05/15 - 2016/02/24 14:21PM
الحمد لله الذي خلق كلَّ شيءٍ وصوَّر, وأتقن صُنعه بإحكامٍ ودبَّر, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فيما خلق وقدَّر, أرسى شرائع الدينِ ويسَّر, ومِن أعظمِها شعيرةُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المبعوثُ للأبيض والأسود, والأحمرِ والأصفر، أدَّى رسالةَ ربِّه وبشَّر وأنذَر, صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادةِ الغُرَر، وأصحابِه ذَوِي السُّلوكِ الأطهر، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم العرضِ الأكبر.
أما بعد, فاتقوا الله أيها المسلمون, واعلموا أنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر: مِن أعظم ركائز الدين, وأوجبِ الواجبات على الْمُؤمنين, به يدفع الله عنا البلاء, ويُؤَمِّنُنَا مِن العذاب والتفرقِ والشقاء.
قال الإمامُ النّوويُّ- رحمه اللّه-: اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بابٌ عظيم, به قِوامُ الأمر ومِلاكه، وإذا كثر الخبث عمّ العقابُ الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم: أوشك أن يعمّهم اللّه تعالى بعقابه, {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}. ا.ه
وقال أبو حامدٍ الغزاليُّ- رحمه اللّه-: «إنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر: هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابْتَعَثَ اللّهُ له النَّبِيِّيْنَ أجمعين، ولو طُوي بساطه، وأُهملَ عِلْمُه وعَمَلُه: لتعطّلت النُّبوَّة، واضْمحلَّتِ الدِّيانة، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلّا يوم التّناد. ا.ه
ولقد أكَّد الله تعالى في كتابه هذه الشعيرةَ العظيمة, وعظَّم شأنها, وبيَّن منزلتها.
فأمر بأن تكون مِنَّا أمَّةٌ يقومون بها, ويُحيون أمرها فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وأخبر بأنَّنا خيرُ أمةٍ بِسَبَبِها فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
وأخبر جل وعلا, أنّهاَ مِن أظهرِ صفات المؤمنين, وأعظمِ سِماتِ أولياء الله المتقين, فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وأخْبَرَ تعالى أنَّ هذه الشعيرة العظيمة, هي مِن أعظم أسباب النّصر والتّمكين في الدّنيا فقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
وهي أمانٌ من العقاب والعذاب في الدنيا والآخرة, وسرُّ البقاءِ وعُنوانُ الرَّخاء, فقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اْلقُرَىْ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُوْنَ}.
وأخبر تعالى, أنه لعن بني إسرائيل بتركهم لهذه الشعيرة الجليلة فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}, ما هو نوعُ معصيتهم واعتدائِهم؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
قال شيخ الإسلام - رحمه اللّه-: فهؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أطِبَّاءُ الأديان، الذين تُشفَى بهم القلوب المريضة، وتهتدي بهم القلوب الضالة، وترشُدُ بهم القلوبُ الغاوية، وتستقيم بهم القلوبُ الزائغة، وهم أعلامُ الهدى ومصابيح الدُّجى. ا.ه
وبعدما سمعنا -يا أمة الإسلام-, أهميةَ ومكانةَ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر, وشرفَ مَن يقومُ بها, والمنزلةَ الشريفةَ لمن اتَّصفَ بها, هل يليق بأُمَّةٍ أنْ تُهِين أصحابَها, أو تستهينَ برجالِها, أو تستخفَّ وتستهزئ بجهودها؟, لا والله! فهم صمَّام الأمان لهذه البلاد, والساعون لِحْفظِ أعراضِ العباد.
كم ردّ الله بهم مِن مُصيبة, وحفظ بهم مِن فاجعة, كم عرضٍ حفظوه وستروه, وكم ذئبٍ خبيثٍ أدَّبوه.
ولقد تأسس جهازُ الهيئة مُنْذُ تأسيس الدولة حرسها الله, وذلك عام، ألفٍ وثلاثمئةٍ وستَّةٍ وخمسين, أي ما يُقارب الثمانين عاماً, وهو يَحْرُس أمننا, ويسعى في حفظِ أعراضنا, ويردُّ كيدَ الأعداء عنَّا.
ولقد اهتمت هذه الدولة المباركة, بِجَاِنِبِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنها تميَّزت وانفردت عن غيرها, من سائر الدول الإسلامية, في إيجادِ جهازٍ مستقلٍ كبير, يُعنى بجانب الاحتساب والنصح والتَّوجيه، حتى أصبحت الرئاسةُ العامةُ لهيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, جهازاً مستقلاًّ, يرتبط مباشرةً برئيس مجلس الوزراء, ويُعيَّن رئيسُه بأمرٍ ملكيٍّ برتبةِ وزير, بل جاء في النظام الأساسيِّ للحكم, في المادة الثالثةِ والعشرين ما نَصُّه: "تحمي الدولةُ عقيدةَ الإسلام ، وتُطبِّقُ الشريعة ، وتأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقومُ بواجب الدعوة إلى الله".
والمملكة -حرسها الله تعالى-, منذ تأسيسها وإلى وقتنا الحاضر, تلتزم في نهجها شرعَ الله تعالى؛ لأنها تُدْرك أن الإسلام هو السبيلُ الوحيدُ لعزِّها, وهو الكفيلُ وحده لقيامها وتوحيدِها ودوامها, ومِن أعظم ركائز ودعائمِ الإسلام: شعيرةُ الأمر بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, فعملتْ على إقامتها, وجعلته من أساسيَّات نظامها.
ولذا, فالاعتداءُ على جهاز الهيئة أو أحدِ أفرادها, هو اعتداءٌ على الدولةِ ومُؤسَّساتِها, وأمنِها ونظامِها, واستخفافٌ بوليِّ أمرها, وأنظمتها وقوانينها.
وقد يقع الخطأ من أحدِ أفرادهم, فالخطأ والزلل لا يسلم منه بشر, وهو يعود عليه لا على الجهاز بأكملِه, وإذا كان خطأ الأفراد يُوجب الوقيعة في الجهة التي يُمثلها, فلن تسلم الوزارات كلها, بل إنّ جهازَ الهيئةِ من أقلّ الجهات أخطاءً وتجاوزات, وأخطاءُ أفرادِها تُعدّ بالأصابع, وكفى بالمرء نُبلاً أنْ تُعَدّ معايبُه.
اللهم احْفظ رجال الهيئات, والمصلحين من العلماء والدعاة, وأعنهم على إزالةِ الْمُنكرات, واكفهم كيد الْمُفسدين والْمُفسدات, برحمتك يا أرحم الراحمين.
الحمد لله رب العالمين, ينزعُ الأمن عن الظالمين، ويُسْدلُه على الْمُصلحين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه النبيُّ الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: إنَّ مُهمَّةَ رجالِ الهيئات, ليستْ مُقتصرةً على حثِّ الناس على الصلوات, وإغلاقِ الْمحلاَّت, بل هذا جُزءٌ يسيرٌ من عملهم, فهمُ الذين ستروا العوراتِ ودفعوا المنكرات, وهمُ الذين حاربوا الخمور والمخدِّرات, كم أنقذوا مِن فتاتٍ وقعت في شباك الْمُعاكسات, وكم هتكوا أستار الساحرين والساحرات.
لا يَرَوْنَ شيئاً فيه صلاحُ العباد إلا سارعوا إليه, ولا شيئاً فيه ضررٌ عليهم إلا ردُّوه, ضحَّوا بأنفسهم وأوقاتِهم لأمْنِنَا وأعْراضنا, فكم وكْرٍ لسَّحرةِ والْمُشعوذين داهموه, وكم مصنعٍ للخمرِ والْمُخدِّرات أغلقوه, فقُتل الكثيرُ منهم جرَّاءَ ذلك وأُصيبوا.
ولقد ساهمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, في الحفاظ على الأمن الفكري, ومحاربة الفكر الضال, بل إنّها حاورتِ الكثير من معتنقي الأفكار المنحرفة, وأعادتْ أكثر مائتي شابٍّ منهم إلى جادة الصواب، وبلغ عدد المناشط التي قامت بها الهيئة, للتحصين الفكري لأبناء المجتمع, أكثر من عشرين ألف منشطٍ.
وقبضوا على أربعين ألفِ ساحرٍ ومشعوذ, ولكم أنْ تتخيّلوا بأن هؤلاء طُلقاء, كم سيُدمرون من أسرة, ويُفسدون أُمَمًا لا يُحصيها إلا اللهُ وحده.
وأما في مجال حفظ الأعراض فحدث ولا حرج, ويكفي أنهم في عام واحد فقط, أحبطوا عمليات ابتزازٍ من ذئاب بشريةٍ مسعورة, تقدر بما يُقارب أربعمائةِ قضية, أنقذوا الفتيات منهم ومن شرهم, ولولاهم بعد الله تعالى, لانْتُهِكَتْ أعراضهن, وأصبحن يُقدن للدعارة والرذيلة.
فهذه بعضُ جهُود الهيئة ورجالِها وفقهم الله تعالى, ولا يذُمُّهم ويُجاهر بعدائهم, إلا من لم يقف على واقعهم وجميل أفعالهم, أو من هو غارقٌ في الشهوات والرذيلة, حيث يقفون عائقًا أمام جرائمِه وخبثِه, وحجر عثرةٍ أمام مآربِه النَّتِنَة.
اللهم أعذنا من سخطك, وآمنَّا من عقوبتك, اللهم لا تُؤاخذنا بما فعلنا ولا بما فعل السفهاء منَّا, برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد, فاتقوا الله أيها المسلمون, واعلموا أنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر: مِن أعظم ركائز الدين, وأوجبِ الواجبات على الْمُؤمنين, به يدفع الله عنا البلاء, ويُؤَمِّنُنَا مِن العذاب والتفرقِ والشقاء.
قال الإمامُ النّوويُّ- رحمه اللّه-: اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بابٌ عظيم, به قِوامُ الأمر ومِلاكه، وإذا كثر الخبث عمّ العقابُ الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم: أوشك أن يعمّهم اللّه تعالى بعقابه, {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}. ا.ه
وقال أبو حامدٍ الغزاليُّ- رحمه اللّه-: «إنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر: هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابْتَعَثَ اللّهُ له النَّبِيِّيْنَ أجمعين، ولو طُوي بساطه، وأُهملَ عِلْمُه وعَمَلُه: لتعطّلت النُّبوَّة، واضْمحلَّتِ الدِّيانة، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلّا يوم التّناد. ا.ه
ولقد أكَّد الله تعالى في كتابه هذه الشعيرةَ العظيمة, وعظَّم شأنها, وبيَّن منزلتها.
فأمر بأن تكون مِنَّا أمَّةٌ يقومون بها, ويُحيون أمرها فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وأخبر بأنَّنا خيرُ أمةٍ بِسَبَبِها فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
وأخبر جل وعلا, أنّهاَ مِن أظهرِ صفات المؤمنين, وأعظمِ سِماتِ أولياء الله المتقين, فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وأخْبَرَ تعالى أنَّ هذه الشعيرة العظيمة, هي مِن أعظم أسباب النّصر والتّمكين في الدّنيا فقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
وهي أمانٌ من العقاب والعذاب في الدنيا والآخرة, وسرُّ البقاءِ وعُنوانُ الرَّخاء, فقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اْلقُرَىْ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُوْنَ}.
وأخبر تعالى, أنه لعن بني إسرائيل بتركهم لهذه الشعيرة الجليلة فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}, ما هو نوعُ معصيتهم واعتدائِهم؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
قال شيخ الإسلام - رحمه اللّه-: فهؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أطِبَّاءُ الأديان، الذين تُشفَى بهم القلوب المريضة، وتهتدي بهم القلوب الضالة، وترشُدُ بهم القلوبُ الغاوية، وتستقيم بهم القلوبُ الزائغة، وهم أعلامُ الهدى ومصابيح الدُّجى. ا.ه
وبعدما سمعنا -يا أمة الإسلام-, أهميةَ ومكانةَ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر, وشرفَ مَن يقومُ بها, والمنزلةَ الشريفةَ لمن اتَّصفَ بها, هل يليق بأُمَّةٍ أنْ تُهِين أصحابَها, أو تستهينَ برجالِها, أو تستخفَّ وتستهزئ بجهودها؟, لا والله! فهم صمَّام الأمان لهذه البلاد, والساعون لِحْفظِ أعراضِ العباد.
كم ردّ الله بهم مِن مُصيبة, وحفظ بهم مِن فاجعة, كم عرضٍ حفظوه وستروه, وكم ذئبٍ خبيثٍ أدَّبوه.
ولقد تأسس جهازُ الهيئة مُنْذُ تأسيس الدولة حرسها الله, وذلك عام، ألفٍ وثلاثمئةٍ وستَّةٍ وخمسين, أي ما يُقارب الثمانين عاماً, وهو يَحْرُس أمننا, ويسعى في حفظِ أعراضنا, ويردُّ كيدَ الأعداء عنَّا.
ولقد اهتمت هذه الدولة المباركة, بِجَاِنِبِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنها تميَّزت وانفردت عن غيرها, من سائر الدول الإسلامية, في إيجادِ جهازٍ مستقلٍ كبير, يُعنى بجانب الاحتساب والنصح والتَّوجيه، حتى أصبحت الرئاسةُ العامةُ لهيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, جهازاً مستقلاًّ, يرتبط مباشرةً برئيس مجلس الوزراء, ويُعيَّن رئيسُه بأمرٍ ملكيٍّ برتبةِ وزير, بل جاء في النظام الأساسيِّ للحكم, في المادة الثالثةِ والعشرين ما نَصُّه: "تحمي الدولةُ عقيدةَ الإسلام ، وتُطبِّقُ الشريعة ، وتأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقومُ بواجب الدعوة إلى الله".
والمملكة -حرسها الله تعالى-, منذ تأسيسها وإلى وقتنا الحاضر, تلتزم في نهجها شرعَ الله تعالى؛ لأنها تُدْرك أن الإسلام هو السبيلُ الوحيدُ لعزِّها, وهو الكفيلُ وحده لقيامها وتوحيدِها ودوامها, ومِن أعظم ركائز ودعائمِ الإسلام: شعيرةُ الأمر بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, فعملتْ على إقامتها, وجعلته من أساسيَّات نظامها.
ولذا, فالاعتداءُ على جهاز الهيئة أو أحدِ أفرادها, هو اعتداءٌ على الدولةِ ومُؤسَّساتِها, وأمنِها ونظامِها, واستخفافٌ بوليِّ أمرها, وأنظمتها وقوانينها.
وقد يقع الخطأ من أحدِ أفرادهم, فالخطأ والزلل لا يسلم منه بشر, وهو يعود عليه لا على الجهاز بأكملِه, وإذا كان خطأ الأفراد يُوجب الوقيعة في الجهة التي يُمثلها, فلن تسلم الوزارات كلها, بل إنّ جهازَ الهيئةِ من أقلّ الجهات أخطاءً وتجاوزات, وأخطاءُ أفرادِها تُعدّ بالأصابع, وكفى بالمرء نُبلاً أنْ تُعَدّ معايبُه.
اللهم احْفظ رجال الهيئات, والمصلحين من العلماء والدعاة, وأعنهم على إزالةِ الْمُنكرات, واكفهم كيد الْمُفسدين والْمُفسدات, برحمتك يا أرحم الراحمين.
الحمد لله رب العالمين, ينزعُ الأمن عن الظالمين، ويُسْدلُه على الْمُصلحين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه النبيُّ الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: إنَّ مُهمَّةَ رجالِ الهيئات, ليستْ مُقتصرةً على حثِّ الناس على الصلوات, وإغلاقِ الْمحلاَّت, بل هذا جُزءٌ يسيرٌ من عملهم, فهمُ الذين ستروا العوراتِ ودفعوا المنكرات, وهمُ الذين حاربوا الخمور والمخدِّرات, كم أنقذوا مِن فتاتٍ وقعت في شباك الْمُعاكسات, وكم هتكوا أستار الساحرين والساحرات.
لا يَرَوْنَ شيئاً فيه صلاحُ العباد إلا سارعوا إليه, ولا شيئاً فيه ضررٌ عليهم إلا ردُّوه, ضحَّوا بأنفسهم وأوقاتِهم لأمْنِنَا وأعْراضنا, فكم وكْرٍ لسَّحرةِ والْمُشعوذين داهموه, وكم مصنعٍ للخمرِ والْمُخدِّرات أغلقوه, فقُتل الكثيرُ منهم جرَّاءَ ذلك وأُصيبوا.
ولقد ساهمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, في الحفاظ على الأمن الفكري, ومحاربة الفكر الضال, بل إنّها حاورتِ الكثير من معتنقي الأفكار المنحرفة, وأعادتْ أكثر مائتي شابٍّ منهم إلى جادة الصواب، وبلغ عدد المناشط التي قامت بها الهيئة, للتحصين الفكري لأبناء المجتمع, أكثر من عشرين ألف منشطٍ.
وقبضوا على أربعين ألفِ ساحرٍ ومشعوذ, ولكم أنْ تتخيّلوا بأن هؤلاء طُلقاء, كم سيُدمرون من أسرة, ويُفسدون أُمَمًا لا يُحصيها إلا اللهُ وحده.
وأما في مجال حفظ الأعراض فحدث ولا حرج, ويكفي أنهم في عام واحد فقط, أحبطوا عمليات ابتزازٍ من ذئاب بشريةٍ مسعورة, تقدر بما يُقارب أربعمائةِ قضية, أنقذوا الفتيات منهم ومن شرهم, ولولاهم بعد الله تعالى, لانْتُهِكَتْ أعراضهن, وأصبحن يُقدن للدعارة والرذيلة.
فهذه بعضُ جهُود الهيئة ورجالِها وفقهم الله تعالى, ولا يذُمُّهم ويُجاهر بعدائهم, إلا من لم يقف على واقعهم وجميل أفعالهم, أو من هو غارقٌ في الشهوات والرذيلة, حيث يقفون عائقًا أمام جرائمِه وخبثِه, وحجر عثرةٍ أمام مآربِه النَّتِنَة.
اللهم أعذنا من سخطك, وآمنَّا من عقوبتك, اللهم لا تُؤاخذنا بما فعلنا ولا بما فعل السفهاء منَّا, برحمتك يا أرحم الراحمين.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق