جهاد قديم وتحميص مستمر خطبة عن التغريب (نص+بي دي إف)

عاصم بن محمد الغامدي
1438/10/20 - 2017/07/14 01:39AM

الخطبة الأولى:

الحمد لله حمد الشاكرين بجميع محامده كلها؛ على جميع نعمائه كلها، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا كما هو أهله، وصلى الله على محمد المصطفى رسول الرحمة خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين؛ صلاة دائمة بركتها إلى يوم الدين، كما صلى على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنه حميد مجيد، أما بعد عباد الله:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصيته للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}

عباد الله:

لا زال أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر، ويسعون للقضاء عليه بكافة السبل، وستبقى محاولاتهم إلى يوم القيامة، فقد قال الله جل جلاله: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.

وهذه العداوة مما يبتلي الله به عباده ويمحِّصهم، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}.

وإن من الحمَلات الشرسة التي يخبو لهيبها آنًا، ويذكو آخر، محاولةّ صبغِ المجتمع الإسلامي بالصبغة الغربية، وطمسِ هويته الإسلامية، فتحقيق ذلك يسهل للأعداء السيطرة على المجتمع، والتحكم في آرائه وقراراته.

لذلك ترونهم يبثون سمومهم في الكتب والمقالات، والمحاضرات والمؤتمرات، ويجيشون وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق أهدافهم.

ولا زال المجتمع الإسلامي يقاوم هجماتهم الشرسة، ويتصدى لسيلها الجرار، ولكن قوتَها وتجددَ أساليبها استطاعت التأثير على بعض المسلمين، فأصبحنا نرى دولاً إسلامية تحكم بغير ما أنزل الله في بعض شؤونها، ودولاً أخرى تعلن الاحتفال بأعياد النصارى، وتحشد لذلك من الأموال والجهود ما لا تبذل مثله في أعياد المسلمين، وتساهل البعض في الأعياد الصادرة إلينا من بلاد الكفار، كأعياد الميلاد، والأم، والحب، وغيرها.

وانتشرت في وسائل الإعلام مظاهر الفساد، من الأغاني المحرمة، والرقص، والاختلاط، ومشاهد العري، والمجون.

ونرى عند بعض الشباب ذكورًا وإناثًا تقليدَ اللاعبين والممثلين والمغنين العالميين، في قَصَّاتِهم، وأشكالهم، وملابسهم، وهيئاتهم، وهو مصداق قول النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ». [رواه البخاري ومسلم].

ورأينا من العرب المسلمين من أهمل لغة القرآن، حتى أصبح لا يحسن الحديث بلا لحن، وبلغ الأمر ببعضهم إلى تعمد خلط حديثه بشيء من الأعجمية، وإنَّ نظرة واحدة إلى شارع مليء بالمحلات التجارية يوضح لك الانهزامية التي وصل إليها البعض فيما يتعلق بلغة القرآن.

ولم يقف الأعداء عند هذا الحد، بل جندوا بعض المسلمين في هذه الحملات، فأصبحنا نرى في وسائل إعلامنا، قومًا من بني جلدتنا، يسخرون من بعض شعائر الإسلام ومظاهره، كحجاب المرأة المسلمة، وفتاوى العلماء الصادقة، والتزام المجتمع وتمسكه.

رأيناهم يصمون المرأة المسلمة التي تتفرغ لزوجها وبيتها وأولادها بالمتخلفة التي ضيعت عمرها فيما لا يفيدها، وأفنت وقتها فيما لا ينفعها.

ويرمون على الدين، كل أسباب تخلف المسلمين.

ويصفون علماء الشريعة بالمتشددين.

ويقبلون على الفتاوى الشاذة، والأقوال الساقطة، ويروجونها بين المسلمين.

وهكذا هم، يستغلون كل مناسبة لغرس حرابهم في جسد الإسلام، ويغفلون أو يتغافلون أنهم يحاربون ربهم بتصرفاتهم.

أيها المسلمون:

ما وقع بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.

وطلب العلم، ونشره وترويجه، من أعظم القربات، خصوصًا في مثل هذه الأيام.

وتأصيل الهوية الإسلامية في النفوس، وتشرُّب مبادئها، وتلقينها للأجيال القادمة، من الجهاد في سبيل الله.

والوعي بمكر الأعداء، في الداخل والخارج، وأساليب ترويج باطلهم، ونشر أفكارهم، من علامات العقل.

ومن الأمور المهمة، ألا يتحول دور الأب في أسرته إلى مجرد ممول بالمال والطعام والشراب، بل ينبغي له متابعة أحوال أسرته، وتبصيرهم بما يحاك لهم وللمسلمين، في مؤتمرات التغريبيين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر العظيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية:

الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، أما بعد عباد الله:

فإن الأمة لا زالت بخير، ومظاهر الإسلام بحمد الله قوية، في كثير من المجتمعات الإسلامية، فالمآذن لا زالت تصدح بعبارات التوحيد، والصلوات تقام في بيوت الله، والحجاب كلما حاربه الأعداء ازداد انتشارًا بين المسلمات، وحلقات القرآن، ودروس العلم يقبل عليها الآلاف من الشباب.

لا زالت دور العجزة والمسنين نادرة في بلاد المسلمين، فالأبناء بارون بآبائهم، يبذلون لخدمتهم كل ما يطيقون، ولا تكاد تمر ببلد إلا وفيه عشرات المؤسسات الخيرية، والمكاتب الدعوية، والناس مقبلون على البذل للخير.

فاحذر أن تكون أهلك الناس، حين تقرر فيهم الهلاك، قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ". [رواه مسلم].

واعلم أن كثيرًا من أهل الباطل يحاولون بث اليأس في قلوب المسلمين، بنشر مظاهر الفساد التي يسمونها زورًا وبهتانًا بغير اسمها، ويقدمونها تارة في إطار حوار ثقافي في وسائل الإعلام، وتارة في إطار ترفيه على خشبات المسرح، ويسعون إلى إقناع الناس بكثرة الراغبين في ذلك، وتعذر مقاومة التيار، واستحالة التغيير.

وهذا أسلوب شيطاني قديم، يريدون منه حمل غيرهم على سلوك طريقهم، وقد مارسه أهل الضلال قديمًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله سبحانه وتعالى إليه قوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}، وذكر بعض المفسرين أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته، والمعنى: اصبروا أيها المسلمون على ما تلقونه من أذى أعدائكم، فإن وعد الله بنصرة دينه حق، ولا يستفزنكم الذين لا يوقنون بموعود الله، فتسلكوا طريقهم.

 

فكونوا يا عباد الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلوا وسلموا على خير الورى طرًا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.

المشاهدات 780 | التعليقات 0