جريمة قتل أو اغتيال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إخوة الإيمان والعقيدة ... جريمة القتل من أعظم الجرائم والموبقات التي حرمها الله سبحانه على عباده ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) فتوعده بأربعة أشياء: الخلود في جهنم، والغضب، واللعنة، والعذاب العظيم، ولم يرد مثل هذا التهديد الشديد في ذنب من الذنوب غير القتل، وذلك لعظيم شأنه عند الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أنْ يَغْفِرَهُ ؛ إلَّا الرجلُ يموتُ كافرًا ، أوْ الرجلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ) وهذا فيمن قتل مسلما أي مسلم كان، ويعظم القتل، ويزداد إثمه وجرمه كلما كان هذا المسلم أرفع منزلة وأعلى شأنا عند الله تعالى وعند الخلق، فأعظم القتل: قتل الأنبياء ثم العلماء والدعاة والمصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أشدَّ أهلِ النَّارِ عذابًا يومَ القيامةِ ؛ من قتل نبيًّا ) وقد كان قتل الأنبياء شأن اليهود الذي لعنهم الله تعالى بسببه ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ).
ومن أعظم وأقبح أنواع القتل بعد قتل الأنبياء: قتل المصلحين الذي يأمرون بالحق ويسعون في الخير للناس، بل قد قرنه الله تعالى بقتل الأنبياء- كما في الآية السايقة – (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ).
وما أكثر اليوم أشباه اليهود – لا كثرهم الله- الذين جعلوا الخيرين أهدافا، ووجهوا سلاحهم للمصلحين من الناس، وولغوا في دماء الأبطال الذين كانت لهم البصمات المشرقة في حياة المجتمع، فسلمت منهم رؤوس الشر والفساد، ولم تسلم منهم رؤوس الصالحين من العباد، فأمثال هؤلاء المجرمين لهم هذه البشارة الربانية ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ).
بشارات مؤلمة لهؤلاء الأعداء أعداء الدعوة الإسلامية .. أبشروا بالعذاب الأليم!! أبشروا بحبوط أعمالكم في الدنيا والآخرة!! أبشروا فما لكم من ناصرين!! قد صرتم من أولياء الشيطان، قد صرتم من أعداء الرحمن، فليس لكم من ينصركم من دون الله!! أبشروا بغضب الله!! وأبشروا بسخط الله!! فليس لكم عند الله من وزن ولا مقدار وقد أرقتم دماء المصلحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أنَّ أهلَ السماءِ وأهلَ الأرضِ
اشتركوا في دمِ مؤمنٍ ؛ لأَكبَّهم اللهُ في النَّارِ ) فلا قيمة عند الله لمن يتجرأ على الدم الحرام.
ثم نقول لهؤلاء المجرمين: مِن أجل ماذا فعلتم ما فعلتم؟! ومِن أجل مَن أرقتم الدم الحرام؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يَجِيءُ المقتولُ آخِذًا قاتِلَهُ وأوَدَاجَهُ تَشْخَبُ دمًا عند ذي العزَّةِ، فيقولُ: يا ربِّ سلْ هذا فِيمَ قَتَلَنِي ؟ فيقولُ فيم قتَلْتَهُ؟؟ قال : قتَلْتُهُ لِتَكونَ العزةُ لفلانٍ. قيلَ: هي للهِ ) ماذا سيغني عنك من تقتل لأجله؟! وماذا سينفعك ما تجنيه من حطام هذه الدنيا؟! ومن الذي سينصرك من الله؟! ( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) ( مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وهل يظن القاتل أنه سيفلت بجريمته دون عقاب؟! بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما مِن ذنبٍ أجدَرَ أنْ يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرةِ مِن البغيِ وقطيعةِ الرَّحمِ ) وهل هناك بغي أعظم من قتل النفس بغير حق؟!! فعقوبته معجلة في الدنيا، وإن أفلت من عقوبة الدنيا فلن يفلت من عقوبة الآخرة، والله تعالى بالمرصاد لكل باغ ظلوم ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ).
فلا إله إلا الله!! ما أقساها من قلوب تلك التي تتجرأ على القتل!!
ولا إله إلا الله!! ما أشدها من عاقبة تلك التي تنتظر المجرمين!!
ولا إله إلا الله!! ما أعظمها من جرأة على الله!!
إن مسلسل الاغتيالات لرجال الدين والصلاح والدعوة مستمر إلى أن تقوم الساعة، لأنه صراع بين الحق والباطل. ولا يخفى عليكم ما تعرض له الداعية فضيلة الشيخ الدكتور عايض القرني حفظه الله في فلبين. فنسأل الله أن يعلو شأنه ويجعله مباركًا أينما كان.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
معاشر المؤمنين ... لَـمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ جِرَاحُنَا مِنْ أَفْعَالِ الْـخَوَنَةِ وَالْغَدَرَةِ، مُفَجِّرِي الْمَقَارِّ الأَمْنَيَّةِ، وَالْـمُنْشَئَاتِ الْـحُكُومِيَّةِ، وَقَتَلَةِ الأَخْوَالِ والأَعمَامِ، ورجَالِ الأَمْنِ، والركَعِ السُّجُودِ؛ حَتَّـى حَلَّتْ بِسَاحَتِنَا فَاجِعَةٌ أُخْرَى، وَمُصِيبَةٌ عُظْمَى؛ أَدْمَتْ قُلُوبَنَا وَأَسَالَتْ مَدَامِعَنَا، مِنْ أَفْعَالٍ مُشِينَةٍ، وَجَرَائِمَ آثِـمَةٍ، اِقْتَـرَفَهَا مَنْ لَا يُوفُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ، وَلَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً؛ لَقَدْ فُجِعْنَا بِـمَنْ قَامُوا بِاسْتِدْرَاجِ اِبْنِ عَمِّهِمْ فَقَتَلُوهُ أَبْشَعَ قِتْلَةٍ، وَلَا ذَنْبَ لَهُ وَلَا جَرِيرَةً؛ إِلَّا أَنَّهُ حَامٍ مِنْ حُـمَاةِ دِيَارِنَا، وَرجُلٌ مِنْ رِجَالِ أَمْنِنَا، الَّذِينَ لَـمْ تُـخِفْهُمْ - وَلَنْ تُـخِيفَهُمْ بِـحَولِ اللهِ وقوتِهِ- أفْعَالُ الْـخَوَنَةِ، وَلَـمْ يُثَبِّطْ عَزِيـمَتَهُمْ تَـهْدِيدُ الْمَارِقِيـنَ الْعُمَلَاءِ الْفَجَرَةِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَفْعَالَ هَؤُلَاءِ لَـمِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ ". قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ ". قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ. قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ"
عِبَادَ اللهِ، لَيْسَ هُنَاكَ أَشَدُّ إِيلَامًا للنُّفُوسِ مِنَ الْغَدْرِ، وَنَقْضِ الْعَهْدِ.
فَكَمْ أَوْقَعَ الْغَدْرُ فِي الْمَهَالِكِ مِنْ غَادِرٍ! وَضَاقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَوَارِدِ الْـهَلَكَاتِ فَسِيحَاتُ الْمَصَادِرِ، وَطَوَّقَهُ غَدْرُهُ طَوْقَ خِزْيٍ؛ فَهُوَ عَلَى فَكِّهِ غَيْـرُ قَادِرٍ؛ فَأَيُّ سُوءٍ أَقْبَحُ مِنْ غَدْرٍ يَسُوقُ إِلَى النَّارِ؟! وَأَيُّ عَارٍ أَفْضَحُ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، إِذَا عُدَّتْ مَسَاوِئُ الأَخْلَاِق؟! وَأَيُّ فَضِيحَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أَنَّ الْغَادِرَ يَـحْمِلُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ لِوَاءَ غَدْرِهِ؛ لِيَكُونَ خِزْيًا لَهُ، وَعَارًا عَلَيهِ بَيْـنَ الْـخَلَائِقِ. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ اللهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فَبِئْسَتِ الأَلْوِيَةُ هَذِهِ الَّتِـي يَـحْمِلُهَا الْغَدَرَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَالْغَادِرُ مَـمْقُوتٌ مِنَ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْـمَعِيـنَ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ذِمَّةُ الْمُسْلِميـنَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَليْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أجْمَعِيـنَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً، وَلا عَدْلاً) فَغَدْرُهُ دَلِيلٌ عَلَى خِسَّةِ نَفْسِهِ وَحَقَارَتِـهَا. فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَتَلُوا رَجُلَ الأَمْنِ غَدْرًا؛ يَصْدُقُ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ).
ومع هذا كله نقول: إن التضحيات لا بد منها، فالراحة لا بد لها من تعب، والمؤامرة على البلاد وعلى الأمة كلها مؤامرة ضخمة، والحرب لم تضع أوزارها بعد، ولا زال الشر موجودا، وسنة الله تعالى في خلقه أنه لا بد من التدافع بين الحق والباطل لبقاء الحياة، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، ولكن العاقبة للمتقين، ومهما حاول الباطل أن يعلو فإن الله تعالى خاذله وناصر عباده (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وعزاؤنا فيمن فقدناه من الشهداء أن ما عند الله تعالى خير لهم مما عندنا، والآخرة خير من الأولى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)
فرحم الله شهداءنا أجمعين، ورفع درجتهم في المهديين، وجزاهم عنا خير الجزاء، وجمعنا بهم في دار النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
المشاهدات 1908 | التعليقات 0