جريمةُ الاتِّجارِ بالبشرِ

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1441/02/04 - 2019/10/03 16:51PM

جريمةُ الاتِّجارِ بالبشرِ

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا عِزَّ إلّا فِي طَاعَتِهِ، وَلَا سَعَادَةَ إلّا فِي رِضَاهُ، وَلَا نَعِيمَ إلّا فِي ذِكْرِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا كَثِيرَا، أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا النَّاسُ- فَإِنَّهَا خَيْرُ الْوَصِيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي كُلِّ حالٍ: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ".

أيهَا المؤمنونَ:

وفد جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ آخِرُ مُلوكِ الغَساسِنةِ إلى المدينةِ ليُعلِنَ إسلامَه، فرَحَّبَ بِهِ عُمَرُ أشدَّ التَّرحيبِ، وَشَهِدَ الْحَجَّ مَعَ عُمَرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِذْ وَطِئَ إِزَارَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فَانْحَلَّ، فَرَفَعَ جَبَلَةُ يَدَهُ فَهَشَّمَ أَنْفَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فاشتكاهُ الرَّجلُ إِلى عُمَرَ، فَاسْتَحْضَرَهُ عُمَرُ، فَاعْتَرَفَ الملِكُ الغَسَّانِيُّ بفِعلَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَقِدْهُ. فَقَالَ جَبَلَةُ بعِزَّةٍ وكِبْرٍ: كَيْفَ وَأَنَا مَلِكٌ وَهُوَ سُوقَةٌ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ سَوَّى بينَكَ وبَينَهُ، فَلَسْتَ تَفْضُلُهُ إِلَّا بِالتَّقْوَى. فَقَالَ جَبَلَةُ: قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أَكُونَ فِي الْإِسْلَامِ أَعَزَّ مِنِّي فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْ ذَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُرْضِ الرَّجُلَ أَقَدْتُهُ مِنْكَ. فَقَالَ: إِذَنْ أَتَنَصَّرَ. فَقَالَ: إِنْ تَنَصَّرْتَ ضَرَبْتُ عُنُقَكَ. فَلَمَّا رَأَى الْجِدَّ قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ. فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ فَرَّ هَارباً إِلَى الشَّامِ مرتداً.

ولَم يُبالِ عُمرُ ولا الصَّحابةُ معه بهذِه النتيجةِ، لأنَّ ارتدادَ رَجلٍ عنِ الإسلامِ أَهونُ بكثيرٍ مِنَ التَّهاونِ في تَطبيقِ مَبدأٍ عَظيمٍ مِن مَبادِئِه، وخَسارةَ فَردٍ لا تُقاسُ بخَسارةِ مَبدأٍ!

الإنسانُ -يَا عبادَ اللهِ- أكرمُ مخلوقٍ علَى اللهِ، وقدْ فضَّلهُ سبحانهُ علَى كثيرٍ ممنْ خلقَ، يقولُ عزَّ منْ قائلٍ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.

بل إنَّه حثَّ علَى احترامِه ولو كَانَ مَيِّتاً، وعدمِ احتقارِهِ أوْ أذِيَّتِهِ بالقولِ أوِ الفعلِ، بلْ جعلَ حُرمةَ الميتِ كَحُرْمةِ الحيِّ، فحرَّمَ أنْ يُوطأَ قبرُهُ أوْ تُقضَى عِندهُ الحاجةُ، فَضلاً عنْ حُرمةِ الاعتداءِ علَى جُثَّتِه؛ قال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ، كَكَسْرِهِ حَيًّا" رواهُ أبو داودَ، يقولُ الحافظُ ابنُ حَجرٍ فِي شَرحهِ لهذَا الحديثِ: "يُستفادُ منهُ أنَّ حُرمةَ المؤمنِ بعدَ مَوتِهِ باقيةٌ كمَا كَانتْ فِي حَياتِهِ".

أيها المؤمنون: ومِن صُوَرِ الإخلالِ بهذِه التَّعَاليمِ العَظيمةِ الاتجَارُ بالبَشَرِ. وهوَ أَحدُ أَشكالِ الرِّقِّ في العَصرِ الحديثِ، أو العُبوديةِ الحديثةِ, وهو انتهاكٌ لحقوقِ الإنسانِ وحُريَّاتِهِ الأَساسِيةِ، ومِن صُوَرِ ذلكَ: الاتِّجارُ بالنِّساءِ والأطفالِ؛ لأغراضِ الدَّعارةِ والاستغلالِ الجِنسِيِّ، وبيعُ الأعضاءِ البشريَّةِ، واستغلالُ خَدَمِ المنازِلِ، وبيعُ الأطفالِ؛ لِغَرضِ التَّبنِّي، واستغلالُ الأَطفالِ في النِّزاعاتِ المُسَلَّحةِ في بَعضِ الدُّولِ، أو استغلالُهُم كذلكَ في أعمالِ التَّسوُّلِ، والاستغلالُ السيّئِ للمهاجرينَ بصفةٍ غيرِ شَرعيَّةِ إلى غير ذلكَ مِن أَنواعِ الاتجارِ بالبشرِ.

الاتجارُ بالبشرِ -أيها الإخوةُ- وُجِدَ مُنذُ عِدةِ قُرونٍ، إنها جريمةٌ قَاسيةٌ تَستغِلُّ الملايينَ مِنَ النساءِ والأطفالِ والرجالِ الضُّعفاءِ في جميعِ أَنحاءِ العَالَمِ دُونَ رَحمةٍ!

فبِحسَبِ تقاريرِ مُنظمةِ العَملِ الدوليةِ فإنَّ حصيلةَ الاتِّجارِ في البشرِ واستغلالَهُم في أشكالٍ غيرِ إنسانيةٍ تَأتِي مُباشَرَةً بعدَ تجارةِ السِّلاحِ غيرِ الشرعيةِ وتجارةِ المخدِّراتِ.

نَعم.. لقد أَصبحَ مَشروعاً إِجرامياً عَالمياً يُدِرُّ سَنوياً أَرباحاً هائلةً غيرَ مَشروعةٍ. قَدَّرتهَا مُنظمةُ التجارةِ العالميةُ بـ مائةٍ وخمسينَ مِليونَ دُولارٍ سَنوياً. وأنَّ واحداً وعِشرينَ مِليونَ شَخصٍ وَقعوا ضَحايا هذه الممارساتِ المُشِينَةِ حولَ العَالَم.

أيهَا المُبارَكُونَ:

لقد حرَّمَ القرآنُ الكريمُ الدّعارةَ والزِّنَا باعتبارِها مِنَ الجرائمِ المُشينَةِ التي تَنالُ مِن شَرَفِ الإنسانِ وتَحطُّ مِن قِيمتِهِ وكَرامتِهِ، فتجعلُهُ يَهوِي إلى مرتبةٍ غَيرِ إِنسانيةٍ يتَساوَى بها مَعَ الأنعامِ، بل تكونُ الأَنعامُ أَكثرَ شَرفاً ورُقِيًّا، فقالَ تعالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ وأوقَعَتِ الشريعةُ السَّمحَةُ عُقوبةً شَديدةً في حقِّ مُرتكِبِ هذه الجريمةِ الشنيعةِ. بالرَّجمِ إن كانَ مُتزوِّجاً، والجلدِ إنْ كانَ غيرَ ذلكَ.

عِبَادَ اللَّهِ: حرَّمتْ وجَرَّمَتِ الشريعةُ العملَ القَسْرِيَّ، واستغلالَ العَاملِ وخَدمِ المنازِلِ، سواءٌ تكلِيفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَمَّلُهُ، أو لَا يَهْتَمُّ بِحُقُوقِهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالسَّكَنِ وَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِبَشَرٍ، أوَ الَتَأَخَّرُ عَنْ إعْطَائِهِ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ, أو إهانَتُهُ أوِ الإساءةُ إليهِ بأيِّ طريقةٍ كَانتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"  رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وقامَ عُثمانُ بنُ عَفانَ رضي اللهُ عنه ليلةً ليقضِيَ بعضَ أَمرِهِ فقيلَ لَه: لو أَمرْتَ بعضَ الخَدَمِ فكَفَوْكَ، فقالَ‏:‏ لاَ، الليلُ لهُم يَسترِيحونَ فِيهِ.

وعن المَعْرُورَ بْنَ سُويْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الغِفَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 وَمِنْ أَقْبَحِ الْمُتَاجَرَةِ بِالْبَشَرِ: عَضَلُ بَعْضِ الْآبَاءِ أَوِ الْإِخْوَةِ بَنَاتِهِمْ أوَ أَخَوَاتِهِمْ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْ أَجْلِ أَكْلِ أَمْوَالِهِنَّ، كَمَا أَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمُتَاجَرَةِ أَنْ يُزَوِّجَ بَعْضُ الآبَاءِ بَنَاتَهُ لِغَيْرِ الْأَكْفَاءِ مِنْ أَجْلِ مَا يَحْصُلُ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرٍ فَيُزَوِّجُهَا بِمَبَالِغَ طَائِلَةٍ، ليَأخُذَ مِن ذَلكَ النَّصيبَ الأَوفَرَ.

وَمِمَّا يَلحقُ به مِمَّا هو مُشاهَدٌ فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ: التَّشْهِيرُ بِشَخْصٍ مَا أَوْ قَذَفُهُ بِجَرِيمَةٍ أَخْلاقِيَّةٍ أَوْ بِاِنْتِمَائِهِ أَوْ دَعْمِهِ لِجَمَاعَاتٍ إِرْهَابِيَّةٍ لِلنَّيْلِ مِنْ سُمْعَتِهِ وَالْحَطِّ مِنْ شَأْنِهِ.

كُلُّ هَذَا -يا عِبَادَ اللهِ- مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَجَرِيمَةٌ نِظَامِيَّةٌ.

وَمِنْ صُوَرِ الْمُتَاجَرَةِ بِالْبَشَرِ: الاِبْتِزَازُ، وَهَذَا مَلْحُوظٌ بِكَثْرَةٍ حَيْثُ يَتِمُّ اسْتِغْلَالُ بَعْضِ الْبَشَرِ، مِنْ خِلَالِ حِفْظِ وَثَائِقَ أَوْ صُوَرٍ أَوْ مُسْتَنَدَاتٍ قَدْ تَضُرُّ بِهِمْ أَوْ بِسُمْعَتِهِمْ، فَيُهَدَّدُ إِنْ لَمْ يدْفَعْ أَمْوَالًا أَوْ تَنَازُلَاتٍ يَفْضَحُونَهُمْ أَوْ يُوَرِّطُونَهُمْ، بَلْ هُنَاكَ نِسَاءٌ اسْتُغْلِلْنَ عَشَرَاتِ السَّنَوَاتِ؛ تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُنَّ، وَتُهْتَكُ أَعْرَاضُهُنَّ،  بِسَبَبِ مُكَالَمَةٍ أَوْ نَزْوَةٍ عَابِرَةٍ أَوْ عَثرَةٍ.

ومِن صُوَرِ ذَلكَ: اسْتِغْلَالُ الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لبَيْعِ أَعْضَائِهِمْ، وحرامٌ أَصْلًا أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ وَالْكَسْبِ، فأَعْضَاءُ الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ مِلْكًا لِه، وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِوَرَثَتِهِ. وقد عَلَّلَ كَثيرٌ مِنَ الفُقهاءِ حُرمةَ بيعِ أَجزاءِ الآدَمِيِّ بكَونِهَا مُخالِفَةً لتكريمِ اللهِ تعَالى للإنسانِ.

نعَم.. أيها السَّادةُ:

مِن حَقِّ الإنسانِ أَن يَعيشَ كَريماً، يكونُ حُراً فلا يُستَعبَدُ، حُرَّاً فلا يُتاجَرُ بهِ، حُرًّا فلا تُسرَقُ أَعضاؤُهُ ولا تُباعُ ولا تُشرَى، حُرَّاً فلا يُغتَصَبُ ليصِيرَ رَقيقاً أبيضَ. ولا يُهانُ إنسانٌ ولا تُدَاسُ كَرامَةٌ.

أيها الإخوةُ:

ويُسبِّبُ الاتجارُ بالبشرِ كُلفةً عَاليةً للاقتصادِ عَبرَ التحويلاتِ الماليةِ غَيرِ النظاميةِ. كمَا يحطِّمُ النَّسيجَ الاجتماعيَّ بتدميرِ العلاقاتِ الأُسرِيةِ والمجتمعيةِ، وحِرمانِ الأَطفالِ حَقَّهُم مِنَ التعليمِ، لكنَّ الأَثرَ الأشدَّ تَدمِيرٌ يَطالُ الضَّحايا أنفسَهُم: فإذا بَقُوا على قَيدِ الحياة يمكنُ أنْ يُعانُوا مِن صَدمَاتٍ نَفسيةٍ وجَسديةٍ لبقيَّةِ حَياتِهِم جرَّاءَ التعرُّضِ للحوادثِ الجسديةِ، كالعملِ المضنِي أو التَّحرُّشِ الجِنسيِّ أو الاغتصابِ وما ينتجُ عَن ذلكَ مِن اكتئابٍ شَديدٍ والشُّعورِ الدَّائمِ بالخوفِ والقَلقِ والخشيةِ مِنَ الآخَرِينَ والعارِ وصُعوبةِ التَّحدُّثِ عَمَّا لَحِقَ بهِم مِن ممارسَاتٍ قَاسيةٍ.

أَرأيتُم -أيها الإِخوةُ- عَظمةَ هذه الرسالةِ المحمديةِ، إنَّهَا الرسالةُ الإنسانيةُ الأخلاقيةُ التي تَحضُّ على تحريرِ الإنسانِ مِنَ العُبوديةِ، وتُعطِيهِ حقَّه اللائقَ مِنَ الكرامةِ والحُريةِ.

باركَ اللهُ لي ولكُم...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ وكفَى، وسلامٌ علَى عبادهِ الذينَ اصطفَى، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ لَا إلهَ وحدهُ لَا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ، أمَّا بعدُ:

فتُشِيرُ عَددٌ مِنَ التقاريرِ الإعلاميةِ الدّوليةِ أنَّ بلادَنا حفظها اللهُ تُعدُّ واحدةً مِنَ الدُّولِ المستهدَفَةِ مِن قِبَلِ عِصاباتٍ إجراميةٍ مُتخصِّصَةٍ في الاتجارِ بالبشرِ، تَستغِلُّ تَدنِّي المستَوى الاقتصاديِّ والفقرِ في دولٍ مُجاوِرَةٍ لتهريبِ أَشخاصٍ مِنها بما فيهِم أَطفالٌ ونِساءٌ وكِبارٌ في السنِّ، حيثُ يَتِمُّ سَنوياً إحباطُ تَهرِيبِ الآلافِ مِنَ البشرِ مِن مُختَلفِ الجنسياتِ ممَّن يحاولونَ التَّسلُّلَ عَبرَ الحدودِ لداخلِ البلادِ.

أيها الكرامُ: الأنظمةُ المرعِيةُ في هذه البلادِ تَنصُّ على السَّجنِ لمدَّةِ خمسةَ عَشرَ سَنةٍ وغَرامةٍ مَاليةٍ قَدرُهَا عَشرةِ مَلايينِ ريال، يُطبَّقُ فقط بحقِّ مَن شَكَّلُوا عصابةً وخَطَّطوا سابقاً لاستغلالِ الآخرينَ مِنَ الفقراءِ والمعوزِينَ في أعمالٍ غيرِ مَشروعةٍ؛ بهدفِ جَمعِ الأَموالِ.

فالحذرَ الحذرَ مِن ذلكَ. بل لا بدَّ أن نكونَ يداً واحدةً في مكافحةِ مَن يَتجاوَزُ في ذَلكَ.

أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الظُّلْمَ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِكُلِّ إِنْسانٍ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَلِهَذَا كَانَ الْعَدْلُ أَمْرًا وَاجِبًا فِي كُلِّ شَيْءٍ, وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ, وَالظُّلْمُ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ, وَلِكُلِّ أَحَدٍ. فَلَا يَحِلُّ ظُلْمُ أَحَدٍ أَصْلًا. سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا, أَوْ كَانَ ظَالِمًا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} انتهى كلامُه رحمهُ اللهُ.

صلُّوا وسلِّمُوا..

المرفقات

الاتجار-بالبشر-2

الاتجار-بالبشر-2

المشاهدات 1095 | التعليقات 0