جَرِيمَةُ اِسْتِهْدَافِ مَكَّةَ

د صالح بن مقبل العصيمي
1438/02/02 - 2016/11/02 13:29PM
(جَرِيـمَةُ اِسْتِهْدَافِ مَكَّةَ) للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي
الــجمعة 4/2/1438هــــ
الْـخُطْبَةُ الأُولَى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ
لَقَدْ عَرَفَتِ الْبَشَرِيَّةُ لِبَيْتِ اللهِ الْـحَرَامِ قَدْرَهُ وَمَقَاْمَهُ حَتَّى أَهْلُ الْشِّرْكِ، قَدْ عَرَفُوا حُرْمَتَهُ، وَلِــمَ لَا، وَقَدْ عَلِمُوْا مَاْ صَنَعَ اللهُ بِأَصْحَاْبِ الْفِيْلِ؟ حِـيـنَ قَاْدَهُ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِّيُّ الْمُجْرِمُ الْعُتِلُّ الْعَنِيْدُ، لِـيَهَدْمَ الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّ رَبَّكَ كَاْنَ لَهُ، وَلِجَيْشِهِ بِالْمِرْصَادِ، فَأَرْسَلَ عَلِيْهِمْ جَمَاعَاْتٍ مِنَ الْطَّيْرِ، تَحْصبُهُمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيْلٍ، حَتَّى أَصْبَحُوْا كَأَوْرَاْقِ الْشَّجَرِ الْجَّافَةِ الْمُمَزَّقَةِ، فَأَهْلَكَ اللهُ الْطَّاْغِيَةَ الْعَنِيْدَ وَمَنْ مَعَهُ. لَقَدْ أَضَلَّ اللهُ مَكْرَهُمْ، فَلَمْ يَبْلُغْ هَدَفَهُ وَلَا غَاْيَتَهُ، فَاللهُ سُبْحَاْنَهُ وَتَعَاْلَى هُوَ حَاْمِي بَيْتِهُ، وَصَاْئِنُهُ وَحَاْفِظُهُ مِنْ مَكْرِ الْكُفَّارِ، وَالْمُنَاْفِقِيْنَ وَالْفُجَّارِ، فَمَهْمَا أَرَاْدَ أَهْلُ الْشَّرِ أَنْ يَصِلُوْا إِلَيْهِ بِشَّرٍ؛ فَلَنْ يَصِلُوْا إِلِيْهِ بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ. فَعَلَى مَرِّ الْتَّاْرِيْخِ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ عَاْدَىْ الْبَيْتَ إِلَّا َأَبْرَهَةُ؛ وَالْقَرَاْمِطَةُ؛ وَالْصَّفَوِيَّةُ الْحَاْقِدَةُ، فَهُمْ الْذَّيِنَ يُرِيْدُوْنَ لَهَذَا الْبَيْتِ ألَّا تَقُوْمَ لَهُ قَاْئِمَةٌ، وَلَكِنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ-بِفَضْلِ اللهِ- خَــرْطُ الْقَتَاْدِ، فَتَاْرِيْخُ الْقَرَامِطَةِ مَعَ حُجَّاْجِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ حَاْدِثٌ لَا يُنْسَىْ مَدَى الْتَّارِيخِ، وَمَاْ فَعَلُوهُ مِنْ سَرِقَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، يَعْرِفُهُ الْقَاْصِي وَالْدَّانِي، قال ابنُ كَثِيـرٍ رَحِـمَهُ اللهُ: (وَصَلَ الْـحُجَّاجُ إِلَى مَكَّةَ سَالِمِينَ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقِرْمِطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَتِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَقَتَلَ النَّاسَ فِي رِحَابِ مَكَّةَ وَشِعَابِهَا، وَفِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَجَلَسَ أَمِيرُهُمْ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ الْجَنَّابِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَالرِّجَالُ تُصْرَعُ حَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا بِاللَّهِ وَبِاللَّهِ أَنَا يَخْلُقُ الْخَلْقَ وَأُفْنِيهِمْ أَنَا
فَكَانَ النَّاسُ يَفِرُّونَ؛ فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ؛ فَلَا يُجْدِي ذَلِكَ عِنْدَهُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَيَطُوفُونَ فَيُقْتَلُونَ فِي الطَّوَافِ، ثُمَّ أَمَرَ الْقِرْمِطِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى بِبِئْرِ زَمْزَمَ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ قَلَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَعَادَ بِهِ إِلَى بِلَادِهِ.
وَقَدْ أَلْحَدَ هَذَا اللَّعِينُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَوْثِقُ وِثَاقَهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا حَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ؛ أَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا زَنَادِقَةً، وَقَدْ كَانُوا مُمَالِئِينِ لِلْفَاطِمِيِّينَ). انتهَى كَلَامُهُ رَحِـمَهُ اللهُ.
وَقَدْ حَاوَلَ صَفَوِيَّةُ الْعَصْرِ وَرَاْفِضَةُ الْدِّيْنِ؛ أَنْ يَصْنَعُوا مِثْلَهُ؛ حِيْنَمَا أَرْسَلَوا بَعْضَ أَتْبَاْعِهُمْ وَأَشْيَاْعِهُمْ، لِتَفْجِيْرِ بَيِتِ اللهِ الْحَرَامِ، مُنْذُ سَنَوَاْتٍ عِدَّةْ، فَأَمْكَنَ اللهُ مِنْهُمْ، وَرَدَّ كَيْدَهُمْ فِيْ نُحُوْرِهِمْ، حَيْثُ كُشِفَ مُخَطَّطُهُمْ قَبْلَ تَمَامِ فِعْلِهِمْ، وَذَلِكَ بِفَضْلِ اللهِ، ثُـمَّ بِفَضْلِ يَقَظَةِ رِجَالِ الأَمْنِ فِي بِلَادِنَا وَفَّقَهُمُ اللهُ! وَمَا فَعَلُوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ مِنْ مَسِيْرَاتِ الْشِّرْكِ؛ وَإِيْذَاءِ الْحَجِيْجِ وَقَتْلِهِم، لَا يَـخْفَى عَلَى مَنْ عَاشَ تِلْكَ الْـفَتْـرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ أَمْكَنَ مِنْهُمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يُفَوِّتُوْنَ فُرْصَةً، لِيْفُسِدُوْا عَلَى الْحُجَّاجِ حَجَّهُم، وَعَلَى بِلَاْدِنَا أَمْنَهَا، إِلَّا وَيَسْتَغِلونها؛ وَلَكِنَّهُمْ دَاْئِمًا-بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ- يَبُوْؤُونَ بِالْخَيْبَةِ وَالْخُذْلَانِ، وَمَهْمَا فَعَلُوا فَلَنْ يَنْجَحَ كَيْدُهُمْ ، فَلِلْبَيْتِ رَبٌّ يَحْمِيْهِ، ثُـمَّ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ. (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ هَدَفَ هَؤُلَاِء أَنْ يَصُدُّوا الْنَّاْسَ عَنْ دِيْنِ اللهِ، وَأَنْ يَمْنَعُوا الْمُسْلِمْيِنَ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَى بَيْتِهِ الْـحَرَامِ، وَإِيْذَاءِ دَوْلَةِ الْتَّوْحِيْدِ، وَلَكِنَّ آمَاْلَـهُمْ وَأَهْدَاْفَهُمْ لَمْ وَلَنْ تَتَحَقَّقَ- بِعَوْنِ اللهِ وَمَدَدِهِ- فَهَذَا الْبَلَدُ الْآمِنُ، وَهَذَاْ الْمَسْجِدُ الْحَرَاْمُ، مَحْفُوْظٌ بِحِفْظِ اللهِ، مُحَاْطٌ بِعِنَاْيَةِ الْـقَوِيِّ الْـجـَّـــبَّـارِ.
وَالْيَوْمَ يَعُودُ أَبَارِهَةُ الْعَصْرِ: الْـحُوثِــيَّــةُ وَالْصَفَوَيَّــةُ الرَّافِضَيَّةُ، وَمَنْ أَيَّـدَهُمْ لِاسْتِهْدَافِ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، مَهْبَطِ الْوَحْيِ، وَحَاضِنَةِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَمَأْوَى أَفْئِدَةِ الْمُسْلِمِيـنَ مِنْ شَتَّـى الْبِقَاعِ وَالأَصْقَاعِ؛ بِالصَّوارِيخِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِبُـغْـضِهِمْ لِبَيْتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاِسْتِهَانَتِهِمْ بِوَعِيدِ اللهِ سُبْحَانَهُ بِالْعَذَاْبِ الْبَئِيْسِ الْأَلِيْمِ، لِمَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، وَلَكِنْ قَيَّضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَبَارِهَةِ هَذَا الْعَصْرِ دَوْلَةً مُبَارَكَةً، وَجُنُودًا بَوَاسِلَ، وَعُيُونًا سَاهِرَةً، جُنُودًا قَدْ نَذَرُوا أَنْفُسَهُمْ لِلذَّوْدِ عَنْ بَيْتِهِ وَحُرُمَاتِهِ، فَانْــبَــرَوا مُدَافِعِيـنَ عَنْ بَيِتِهِ الْـحَرَامِ وَقِبْلَةِ الْمُسْلِمِيـنَ، وَدَوَّتْ مَدَافِعُهُمْ؛ لِتَـرُدَّ صَوَارِيخَ الْمُعْتَدِي الأَثِيمِ، وَتُفَجِّرَهَا بِالْـجَوِّ قَبْلَ وُصُولِـهَا لِغَايَتِهَا، وَتَـحْقِيقِهَا لِـهَدَفِهَا؛ وَهَذَا بِفَضْلِ اللهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ؛ فَجَعَلُوا صَوارَيخَ أَبَاِرهَةِ الْعَصْرِ- بِفَضْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ- كَالْعَصْفِ الْـمَأْكُولِ. أَلَا فَسَلِمَتْ تِلْكَ السَّوَاعِدُ الْــفَــتِــيَّــةُ! وَبُورِكَتْ تِلْكَ الأَنْفُسُ الأَبِيَّةُ! وَحَفِظَ اللهُ هَذِهِ الْوُجُوهَ الْـمُتَوِضِّئَةَ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ مُـحَاوَلَةَ الاعتِدَاءِ الأثِيمِ عَلَى مَكَّةَ الْـمُكَرَّمَةِ؛ لَـهِيَ جَرِيـمَةٌ نَكْرَاءُ، وَفِعْلَةٌ شَنْعَاءُ، وَبُرهَانٌ سَاطِعٌ عَلَى هَدَفِ الصَّفَوِيِّـيـنَ وَالْمَجُوسِ الرَّافِضَةِ، مِنْ زَرْعِهِمْ لِـجَمَاعَةِ الْـحُوثِيِّ الرَّافِضِيَّةِ فِي الْيَمَنِ؛ وَأَنَّـهُمْ لَنْ يَتَوَرَّعُوا عَنْ فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ لِتَنْفِيذِ مُـخَطَّطَاتِـهِمُ الْـخَبِيثَةِ، بِاستهدَافِهِمْ لأَطْهَرِ الْبِقَاعِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ أَثْبَتَتْ مُـحَاوَلَةُ الاعتِدَاءِ الآثِـمَةِ عَلَى مَكَّةَ الْـمُكَرَّمَةِ –حَرَسَهَا اللهُ- أَنَّ مَا قَدَّمَتْهُ بِلَادُنَا-حَـمَاهَا اللهُ- مِنْ أَنْفُسٍ وَأَمْوَالٍ؛ فِي سَبِيلِ الدِّفَاعِ عَنْ بَيْتِ اللهِ الْـحَرَامِ، وَمُقَدَّسَاتِنَا الإِسْلَامِيَّةِ، كَانَ فِي مِحِلِّهِ، وَمَهْمَا عَظُمَ فَهُوَ ضَئِيلٌ فِي سَبِيلِ نُصْرَةِ دِينِ اللهِ؛ وَأَبْشِرُوا بِالْعِوَضِ مِنَ اللهِ، وَلَا تَـخْشَوا مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقَلَالًا؛ فَـمَا عِنْدَهُ خَـيْـرٌ وَأَبْقَى. كَمَا عَلَينَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِيـنَ هُمْ أَيضًا يُنْفِقُونَ أمْوَالًا وَأَنْفُسًا؛ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ؛ مُسْتَمِيتِيـنَ فِي الدِّفَاعِ عَنْ بَاطِلِهِمْ، وَبُشِّرُوا بِـخَسَارَةِ الدَّارَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ). فَإِذَا كَانُوا لَا يَتَوَانَوْنَ عَنْ نُصْرَةِ الْبَاطِلِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِـهِمْ؛ فَنَحْنُ أَولَى أَنْ نُقَدِّم فِي سبيلِ نُصْرَةِ الْـحَقِّ كُلَّ غَالٍ ونَفِيسٍ، وَلِـمَ لَا، وَنَـحْنُ نُدَافِعُ عَنْ دِينِ اللهِ؟ وَنَرْجُو مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ قِوَى الْشَّرِ تَسْعَىْ جَاْهِدَةً لِإِثَاْرَةِ الْقَلَاْقِلِ فِيْ دُوَلِ الْإِسْلَامِ لِلْسَّيْطَرَةِ عَلَى خِيْرَاتِهَا؛ وَإِفْسَاْدِ دِيْنِهَا، وَلَكِنْ يَمْكُرُوْنَ وَيَمْكُرُ اللهُ، وَاللهُ خَيْرُ الْمَاْكِرِيْنَ، وَهَذِهِ الْدَّوْلَةُ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ وَلَنْ تَكُوْنَ عَاْجِزَةً عَنْ رَدْعِهِمْ، وَقَطْعِ دَاْبِرِهِمْ، وَتَفْتِيْتِ جَمْعِهِمْ، وَحِمَايَةِ بَيْتِ اللهِ مِنْ شَرِّهِمْ، فَهِي قَوِيَّةٌ بِفَضْلِ اللهِ، وَبِإِيـمَانِهَا بِرَبَّــهَا، ثُـمَّ بِوُقُوفِ مُوَاطِنِيهَا مَعَهَا، صَاْرِمَةٌ فِي الْمُحَاْفَظَةِ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ وَحُدُوْدِهِ، لَا تَأْخُذُهَا فِي ذَلِكَ لَوْمَةُ لَاْئِمٍ، وَلَاْ تَنْتَظِرُ مُوَجِّهًا مِنْ الْعَاْلَمِ وَلَاْ مُرْشِدًا، فَعِنْدَهَا الْكِتَابُ والسنة خَيْرُ مَصْدَرٍ لِلْأَحْكَاْمِ، ولَدَيهَا صَفْوَةُ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، وَخِيْرَةُ حُكَّاْمِ الْأَرْضِ، وَمَتَّعَهَا اللهُ بِالْخَيْرَاْتِ، وَجَعَلَهَاْ بَلَدًا أَمِنًا، وَيَتَخَطَّفُ الْنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ. قَاْلَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ). فَاشْكُرُوا الْـمُنْعِمِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ دَوْلَةَ الْشَّرِ الَّتِيْ تَسْعَى لِبَثِّ الْشَّرَ فِيْ الْحَرَمِيْنِ الْشَّرِيْفَيْنِ تَسْتَنْجِدُ بِعُمَلَائِهَا وَأَتْبَاْعِهَا لِـتَنْفِيذِ مُخَطَّطَاْتِهَا الإِجْرَامِـيَّةِ، فَتَشْتَرِيَ مَنْ بَاْعُوْا ضَمَاْئِرَهُمْ لِلْشِّيْطَانِ، منِ بَعْضِ الْحُجَّاْجِ الَّذِيْنَ يَأْتُوْنَ مِنْ دُوَلٍ شَتَّى لِلْإِخْلَاْلِ بِالْأَمْنِ، وَإِفْسَاْدِ تَنْظِيْمِ الْسَّيْرِ عِنْدَ قِطَاْرِاتِ الْمَشَاْعِرِ، وُقُرْبِ الْجَمَرَاتِ، وَلَاْ يَنْجَحُوْنَ بِفَضْلِ اللهِ فِيْ غَاْلِبِ مُخَطَّطَاْتِهِمْ، إِلَّا كَمَا يَنْجَحُ الْشَّيْطَاْنُ مِنْ اِسْتِرَاْقِ الْسَّمْعِ، وَلَكَنْ سُرْعَاْنَ مَاْ يَفْضَحَهُمُ اللهُ وَيَكْشِفَ عَوَاْرِهِمْ. أَلَا فَكُونُوا – عِبَادَ اللهِ- مَعَ وُلَاةِ أَمْرِكُمْ صَفًّا وَاحِدًا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.















الخُطْبةُ الثَّانيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى عباد الله، لَقَدْ كَاْنَ بَيْتُ اللهِ قَبْلَ تَوَلِّيْ هَذِهِ الْدَّوْلَةِ الْمُبَاْرَكَةِ، تَنْقُصُهُ أَكْـثَـرُ الْخَدَمَاْتِ؛ فَأَنْعَمَ اللهُ عَلَىْ هَذِهِ الْدَّوْلَةِ بِالْخَيْرَاْتِ، فَأَغْدَقَتْ عَلَىْ بَيْتِ اللهِ بِلَا مِنَّةٍ وَلَاْ فَضْلٍ-فَالْفَضْلُ وَالْـمِنَّةُ للهِ وِحْدَهُ-وَلَكَنْ كَمَا جَاءَ فِيْ الْحَدِيْثِ الْصَّحِيْحِ: " لَاْ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَاْ يَشْكُرُ الْنَّاْسَ".
لَقَدْ حَكَى أَمِـيـرُ الشُّـعَرَاءِ فِي عَـصْـرِهِ أَحْـمَدُ شَوْقِيْ مَا كَاْنَ يَلْقَاْهُ الْحُجَّاجَ قَبْلَ تَوَلِّيْ هَذِهِ الْدَّوْلَةِ الْـمُبَارَكَةِ شُؤُونَ الْـحَجِيجِ فَقَالَ فِي قَصِيْدَتِهِ الْشَّهِيْرَةْ:
ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ
أُهينَ فيها ضُيوفُ اللَهِ وَاِضطُهِدوا إِن أَنتَ لَـم تـَنــتَـقِـــمْ فَـاللَهُ مُــنــتَــقِــمُ
أَفِي الضُحى وَعُيونُ الجُندِ ناظِرَةٌ تُسبى النِساءُ وَيُؤذَى الأَهلُ وَالحَشَمُ
وَيُسفِكُ الدَمُ في أَرضٍ مُقَدَّسَةٍ وَتُـــستَــبــاحُ بِــــهـا الأَعْـــــرَاضُ وَالحُــــــــــرَمُ
إٍلَىْ آخِرِ قَصِيْدَتِهِ، الَّتِيْ يَذْكُرُ فِيْهَا مُعَانَاْةَ الْحُجَّاْجِ في زَمَنِهِ، قَاْرِنُوْهَا بِرَبِّكُمْ بِمَاْ يَجِدُهُ الْحُجَّاْجُ فِي زَمَانِنَا مِنْ إِكْرَامٍ وَأَمْنٍ وَأَمَاْنٍ، بَعَدَمَا تَوَلَّتُ شُؤُونَهُ دَوْلَتِنَا -أَعَزَّهَا اللهُ- وَمَا يَجِدُهُ الْـحُجَّاجُ فِي بِلَادِنَا- حَمَاهَا اللهُ- مِنْ أَمْنٍ وَأَمَانٍ لِتَعْرِفُوا الْـفَرْقَ. (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). وَلَيْسَ هَذَاْ الْكَلَامُ الْـمُنْصِفُ لِلْمُزَاْيَدَةِ؛ وَلَا لَمَدِيْحٍ كَاْذِبٍ، أَوْ لِرَجَاْءِ دُنْيَا فَاْنِيَةِ، بَلْ هُوَ وَرَبِّيْ الْحَقُّ الَّذِي لَاْ تَخْفَىْ عَلَى كُلِّ ذِيْ لُبٍّ وَعَقْلٍ وَدِينٍ، وَلَا ُيُنْكِرُهُ إِلَّا جَاْحِدٌ عَـمِيلٌ، أَوْ مُغْرِضٍ خَبِيثٍ، وَلَنْ تَطْمِسَهُ، أَو تَدْفِنْهُ عَيْنُ حَاْسِدٍ غَيُورٍ، وَحِيْنَمَاْ نَرَىْ الْنَّجَاْحَ الَّذِيْ حَقَّقَتْهُ بِلَادُنَاْ بِتَوْفِيْقِ اللهِ؛ مُقَاْرَنَةً بِالْأَعْدَاْدِ الْهَاْئِلَةِ، وَالْتَّضَاْرِيْسِ الْمُتْعِبَةِ، وَالْأَيَّامِ الْمَعْدُوْدَةِ، وَالْأَمَاْكِنِ الْمَحْدُوْدَةِ، فَعَلَيْنَاْ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إِلَّاْ بِفَضْلِ اللهِ، ثُمَّ بِرِجَاْلِ صِدْقٍ. يَصْدُقُ عَلِيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). فَيَجِبُ أَنْ نَكُوْنَ عَلَىْ وَعْيٍ وَإِدْرَاْكٍ لِمَاْ يُخَطِّطُ لَهُ الْأَعْدَاْءُ، وَنَكُوْنَ مَعَ وُلَاْتِنَا صَفًّا وَاْحِدًا لِـنُخْرِسَ الْأَبْوَاْقِ الْنَّاْعِقَةِ، وَنُوقِفَ الْأَيْدِيْ الْعَابِثَةَ الْخَفِيَّةِ عِنْدَ حَدِّهَا، حَـمَا اللهُ بِلَادَنَا مِنْ كُلَّ شَرِّ! وَمِنْ كُلَّ مَكْرُوهٍ! اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَـمِيلًا! اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لا سُقْيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدْمٍ وَلا غَرَقٍ، "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اِفْتَحْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، اللَّهُمَّ اِسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَـجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِيـنَ، اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا! الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات

1177.doc

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة.docx

غير مشكولة.docx

المشاهدات 2172 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


خطبة موفقة لكنها بحاجة لمراجعة التشكيل فهناك أخطاء تحتاج لتعديل
مثال :(وَاِعْلَمُوا)
(الْعُتِلُّ)
وغير ذلك ،،،،،،،