جَرْد الحساباتِ نهايةَ العامِ
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ على نِعَمٍ تترَى، وعلى أرزاقٍ لا نُطيقُ لها حصرًا، وأشهدُأن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً تكونُ لنا ذخرًا، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المخصوصُ بالفضائلِ الكبرى، صلى اللهُ وسلمَعليهِ إلى يومِ الأُخرى. أما بعدُ: فهل سمعتمْ عن رجلٍ واحدٍ بنَى أكثرَمن ثلاثِ مئةِ عمارةٍ في سنةٍ واحدةٍ، وجمعَ ثروةً تُقدرُ بستةٍ وثلاثينَ مليونٍخلال سنةٍ! وتصدقَ بأكثرَ من مئةِ ألفِ صدقةٍ؟!
أتدريْ من هوَ؟! أتريدُ أن تكونَ مثلَه؟!
الأمرُ سهلٌ ميسرٌ، وإليكَ الطريقةَ: حافِظْ على السننِ الرواتبِ، واختمْالقرآنَ كلَ شهرٍ، وصلِ الضحَى كلَ يومٍ تكنْ مثلَه.
أمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ().
أمَا قالَ بأن سُنةَ الضحى تجزئُ عن صدقاتٍ بعددِ عظامِ الإنسانِ().
أليستْ كلُ ختمةٍ شهريةٍ فيها ثلاثةُ ملايينِ حسنةً، فاضرِبْها في اثنَيعشرَ؟! إنها تجارةٌ رابحةٌ مع الكريمِ الأكرمِ.
أيُها المؤمنونَ: ونحن نودعُ عامًا ونستقبلُ آخرَ؛ علينا أن نتاجِرَ مع اللهِ، ونجردَ حساباتِنا مع ربِنا، كما تجردُ الشركاتُ والمحلاتُحساباتِها نهايةَ كلِ عامٍ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر18]
ولنقفْ مع أنفسِنا وقفاتٍ للمحاسبةِ بشأنِ ثلاثةِ أمورٍ: رأسِ المالِ، والأرباحِ، والخسائرِ. والمقصودُ برأسِ المالِ كلُ الفرائضِ، ابتداءً بتحقيقِالتوحيدِ وتثبيتِه، وانتهاءً بواجباتِ العباداتِ والمعاملاتِ، خصوصًا صلاتَنا وحقوقَ العبادِ علَينا.
ولنخوِفْ أنفسَنا بحَدِيثِ الْقِصَاصِ المخيفِ! حيثُ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ.فقَالَ الصحابةُ: كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ().
فلنحذرْ أن نخسرَ حسناتِنا، فنهديَها لمن اغتَبْنَاهُ، أو نعطيَها لمن ظَلَمْناهُ. ولنردَّ المظالمَ ولو ريالاً واحدًا، ولْنستغفرْ لمن اغتبناهُ، ولْنحفظْألسنتَنا التي حصدتْ حسناتِنا.
وأما المحاسبةُ على الأرباحِ ففي التزودِ من النوافلِ: الصدقاتُ-قيامُالليلِ- صلاةُ الضحى- الرواتبُ -أذكارُ الصباحِ والمساءِ -صيامُ الاثنينِ-العمرةُ.
ألا تعلمُ أن بعضَ الموتَى يَوَدُونَ لو يَخرجونَ من قبورِهِم ليُصلُوا ولو ركعتينِ خفيفتينِ. مَرَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثاً فَقَالَ: رَكْعَتَانِ خَفِيْفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُون وَتَنَفَّلُون يَزِيْدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ().
وأما مراجعةُ الخسائرِ فبالحذرِ من أبوابِ السيئاتِ السبعةِ: القلبِبشبهاتِهِ وشهواتهِ، والفرجِ واللسانِ والعينِ والأذنِ والرِجلِ واليدِ.
كَانَ التابِعِيُّ العابِدُ تَوْبَةُ بْنُ الصِّمَّةِ مُحَاسِبًا لِنَفْسِهِ، فَحَسَبَ فَإِذَا هُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، فَحَسَبَ أَيَّامَهَا، فَإِذَا هِيَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَخَمْسُ مِئَةِيَوْمٍ، فَصَرَخَ وَقَالَ: يَا وَيْلَتَا! أَلْقَى الْمَلِيكَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ ذَنْبٍ فَكَيْفَ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةُ آلَافِ ذَنْبٍ. ثُمَّ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ().
أيُها المؤمنونَ: هل كانَ الصالحونَ يَندمونَ؟! ولمراحلِ حياتِهمْيحاسِبونَ؟! إِيْ نعمْ واللهِ! قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا يُعَاتِبُ نَفْسَهُ مَاذَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي مَاذَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي مَاذَا أَرَدْتُ بِشَرْبَتِي().
وقَالَ التابِعِيُّ العابِدُ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَثَّلْتُ نَفْسِيَ فِي الْجَنَّةِ، أَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وآكُلُ ثِمَارَهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ، آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا؛ فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيْ نَفْسِي، أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟! قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا؛ فَأَعْمَلَ صَالِحًا. قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الْأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي().
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:
فلو اعترضَ مُعترضٌ، فقالَ: هل المحاسبةُ للنفسِ تقتضِي ألا أمزحَ، ولا أسافرَ للسياحةِ المباحةِ، ولا أمتعَ نفسيَ؟!
فيُقالُ: لا وكلا! بل اعملْ بما نَقَلَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، حينَ قالَ: حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَغْفَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ؛ سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهِ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيُحْمَدُ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَإِجْمَامًا لِلْقُلُوبِ().
• فاللهم إنا نسألكَ بأنا نشهدُ أنكَ أنتَ اللهُ، لا إلهَ إلا أنت الأحدُ الصمدُ،الذي لم يلدْ، ولم يولدْ، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، نسألكَ أن تجعلَ عامَنا المنصرمَ شاهدًا لنا لا علينا، وأن تجعلَ عامَنا الداخلَ عامَ أمنٍ وبركةٍ على بلادِنا وبلادِ المسلمين. عامَ علمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ.
• عامًا تُسبغُ به علينا نعمَك وترزقَنا شكرَها.
• عامًا تزيدُ به أئمتَنا وولاةَ أمورِنا من السدادِ، والهدايةِ لسبيلِ الرشادِ.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك. اللهم صلِّ وسلِمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ
المرفقات
1689245049_جرد الحسابات نهاية العام.doc
1689245062_جرد الحسابات نهاية العام.pdf