جحرُ الضبِ-3-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري
محمد بن سامر
جحرُ الضبِ-3-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
آفةٌ إذا تغَلغَلتْ في أَوساطِ أفرادِ المُجتمعاتِ وخاصةً عِندَ شبابِها وشاباتـِها، فينبغي الاستنفارُ العامُ في تشخيصِ حالِها ومعالجةِ أسبابِها، حتى لا تنشغلَ الأجيالُ بالتَّفاهاتِ عن التَّخطيطِ للتَّقدُّمِ والبِناءِ، ولا تكونَ فريسةً سهلةً يصطادُها ويفرحُ بها الأعداءُ، هي علامةُ وَهنِ الأمَّمِ وضَعفِ شَخصيَّتِها، وهي أَمارةٌ على هزيمتِها وفُقدانِ هويَّتِها، إنَّها آفةُ التَّبعيةِ المذمومةِ وتَقليدِ السَّفهاءِ، والاقتداءِ بالسَّاقطينَ من الرِّجالِ أو النِّساءِ.
فما هو تفسيرُ هذه الملابسِ العَجيبةِ؟ وما هو تحليلُ هذه القصَّاتِ الغَريبةِ؟ وما معنى هذه التَّصرفاتُ المُريبةُ؟ أوقاتٌ ضائعةٌ، وحركاتٌ مائعةٌ، شبابٌ وشاباتٌ يتكلمون بينَنا بلغةِ غيرِنا، ويأكلون ويشربون ويلهون بعاداتِ غيرِنا، يبحثونَ دائمًا عن الجديدِ ولو كانَ تافهًا ضارًّا، ويتركونَ القديمَ ولو كانَ عظيمًا نافعًا، ألم يقلِ اللهُ-تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فاللهُ-تعالى-كما فَطَرَ الإنسانَ على الاتِّباعِ، فقد جعلَ الاتِّباعَ الكاملَ لرسولِه ولما جاءَ به-عليهِ وآلِهِ البركةُ والصَّلاةُ والسلامُ-، ومن فرَّطَ في هذا الاتِّباعِ فإنَّه ولا بُدَّ أن يعوضَ هذا النَّقصَ في اتِّباعِ غيرِه، فَقِفْ وانظرْ حولَك مدَّ البَصرِ، أين نحنُ من سُنَّةِ خيرِ البَشرِ:
قِفْ بالمُطِيِّ فَنادِ في صَحرائهم*فعَسَى يُجيبُ الحيُّ من أبنائهمْ
أما الخِيامُ فإنَّها كخيامِهم*وأَرَى نساءَ الحيِّ غيرَ نسائهمْ
واسمعوا معي إلى هذا المِثالِ النَّبويِّ الدَّقيقِ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: (لَتَتّبِعُنَّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ)، وتأملوا في جُحرِ الضَّبِّ لتعرفوا مدى أثرِ التَّقليدِ السيئِ على أصحابِه:
فجُحرِ الضَّبِّ عندَ العربِ من قديمِ الزمانِ، ولم يُفكِّرْ أحدٌ يومًا أن يدخلَه، بل يُعتبرُ التَّفكيرُ في ذلكَ نوعٌ من الجنونِ، فلماذا إذا دخلَه غيرُنا أصبحَ دخولُه فنًّا من الفنونِ؟ ومن ذلكَ اللِّحيةُ، لما جاءتْ عنِ الأنبياءِ والمرسلينِ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-كانت عندَ بعضِهم إرهابًا وتطرفًا وتخلفًا وبشعةَ المنظرِ، وعندما جاءتْ تقليدًا للاعبٍ أو مُمثِّلٍ، أصبحتْ مَوْضةً جميلةَ الشَّكلِ والمَظهرِ.
ثُمَّ ما هي الفائدةُ من دُخولِ جُحرِ الضَّبِّ؟ لماذا لم يكنْ التَّقليدُ في المفيدِ في التَّقنيةِ والاختراعاتِ؟ أو في النافعِ من العلومِ والصِّناعاتِ؟ هل يمكنُ أن يَصلَ بنا التَّقليدُ إلى هذا الحدِّ من الجَهالةِ والتَّفاهاتِ؟
جُحرُ الضَّبِّ ليسَ له إلا فتحةٌ واحدةٌ، فهو قليلُ التَّهويةِ كثيرُ الأخطارِ، فالولوجُ والزِّحامُ فيه نوعٌ من الهلاكِ والانتحارِ، فانتبهوا من متابعةِ أهلِ الفسادِ، (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
جُحرُ الضَّبِّ متَّعرِّجٌ مُظلمٌ، وهكذا هي سُبلُ المُجرمينَ مُخيفةٌ مُرعبةٌ، تُبعدُكَ عن صراطِ اللهِ المُستقيمِ، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
جُحرُ الضَّبِّ ضيِّقٌ غيرُ نظيفٍ، فيا عجبًا للتَّقليدِ كيفَ يقودُ صاحبَه إلى القَذارةِ والحَرجِ، ويتركُ طريقَ النَّظافةِ والفَرجِ، قالَ ربعيُّ بن عامرٍ-رضيَ اللهُ عنه-لرُستم قائدِ الفُرسِ: (نحنُ قومٌ ابتعثنا اللهُ لنخرجَ العبادَ من عِبادةِ العبادِ إلى عِبادةِ اللهِ ربِّ العبادِ، ومن ضِيقِ الدُّنيا إلى سَعةِ الدُّنيا والآخرةِ، ومن ظلمِ الأديانِ إلى عدلِ الإسلامِ).
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فقدْ ظهرَ أثرُ التَّقليدِ الأَعمى على أهلِه، ووضحَ الطَّريقُ الذي يسلكُه بأتباعِه، فلماذا نتركُ اتِّباعَ رسولِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-وفي سيرتِه مجامعُ الخيرِ والرَّشادِ، ونتَّبعُ طريقةَ أهلِ الزَّيغِ والفسادِ، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، واللهِ إنَّ سُنتَه تَملأُ قلبَك وروحَكَ وبدَنكَ بالجمالِ والجلالِ، وتكفيكَ عن كثرةِ التَّحوُّلِ والانتقالِ.
فيا أصحابَ الإعلامِ والقنواتِ، ماذا تَعرضُون لشبابِنا وفتياتِنا من القُدواتِ؟ وماذا تنتقونَ لهم من سيرةِ الأحياءِ والأمواتِ؟ هل انتقيتُم من في سيرتِهم العلمُ والصَّلاحُ؟ أم تنبشونَ قبورَ الفتنةِ والفُرقةِ والسِّلاحِ؟ فاتَّقوا اللهَ في مجتمعاتِكم ولا تُشغلوها عن التَّقدُّمِ والفلاحِ، لا تَعرضوا لنا من يحاربُ دينَنا وتقاليدَنا الجميلةَ، ومن يُفرِّقَ صفَّنا ووحدتَنا الأصيلةَ، ومن يُضيعُ أوقاتِنا الثمينةَ الجليلةَ.
وأنتم يا شبابَ المُسلمينَ، اعلموا أنَّكم عبيدُ ربِّ الأرضِ والسَّماءِ، وأتباعُ سيِّدِ الأنبياءِ، ودينُكم أعظمُ الأديانِ، وكتابُكم هو القرآنِ، فما أروعَكم! عندما تعملونَ بالقرآنِ وسنةِ النبي-عليه وآلِه البركةُ والصلاةُ والسلامُ-فَيحُقُّ لشبابِ الأمَّمِ الأخرى أنْ يَقْتَدُوا بكم كما اقْتَدَوْا بأسلافِكم.
يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1631154880_جحرُ الضبِ-3-2-1443ه-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري.docx
1631154882_جحرُ الضبِ-3-2-1443ه-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري.pdf
المشاهدات 1273 | التعليقات 3
جزاك الله خيرا على مرورك الكريم، ودعائك واهتمامك، وجزى الله الشيخ هلالا خيرا فالأصل له.
اللهم آمين وإياك وجميع المسلمين
m93 m93
خطبة موفقة ومسددة جعلها الله فى ميزان حسناتك
تعديل التعليق