ثمراتِ الرِّضَا وفوائدِه العظيمةِ

سعود المغيص
1444/05/21 - 2022/12/15 10:40AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعلموا أن الرضَا بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه عبادةٌ عظيمةٌ جليلةٌ، وخُلقٌ كريمٌ، وصفةٌ من صفاتِ المؤمنينَ، ولازمٌ من لوازمِ الإيمانِ واليقينِ،

وكلَّما زادَ عِلْمُ العبدِ باللهِ زادَ رضاهُ عن اللهِ، قالَ اللهُ تعَالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير* لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور}

قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (لاَ يؤمنُ عبدٌ حتّى يؤمِنَ بالقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ؛ حتّى يعلمَ أنَّ ما أصابَهُ لم يَكن ليخطئَهُ، وأنَّ ما أخطأَهُ لم يَكن ليصيبَهُ)

وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لِكُلِّ شيءٍ حقيقةٌ وما بلغَ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتّى يعلَمَ أنَّ ما أَصابَهُ لم يكنْ لِيُخْطِئَهُ وما أخْطَأَهُ لم يكن لِيُصِيبَهُ)

وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( احرِص على ما ينفعُكَ واستعِنْ باللَّهِ ولا تعجزنَّ وإن أصابَك شيءٌ فلا تقُلْ: لو أنِّي فعَلتُ لَكانَ كذا وَكذا ولَكن قُلْ: قدَّرَ اللَّهُ وما شاءَ فعلَ فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشَّيطانِ)

منعتني رَضيتُ، وإنْ تركتني عَبدتُ، وإنْ دعوتني أَجبتُ)، وكَتَبَ عُمرُ بنُ الخطابِ إلى أبي موسى رضي اللهُ عنهما (أما بعدُ: فإنَّ الخيرَ كلَّه في الرضَا، فإنْ استطعتَ أَنْ تَرضى وإلَّا فاصْبرْ)، وقالَ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه:

عبادَ اللهِ: ومِنَ الأسبابِ المُعينةِ على تحصيلِ صفةِ الرِّضَا ما يلي:

أولاً : الإيمانُ الجازمُ واليقينُ الصادقُ بأنَّ اللهَ تعالى كَتَبَ مقاديرَ كلِّ شيءٍ، وأنَّ كلَّ شيءٍ في هذا الكونِ يسيرُ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه.

ثانياً: عِلْمُ العبدِ بأنَّ الدُّنيا متاعَها قليلٌ وهيض إلى فناءٍ، وأنَّ ما يأخذُه منهَا إنَّما هو بلاغٌ إلى حينٍ، فلا يفرْحُ بِغنىً، ولا يَحْزنُ لفقرٍ، ولا يَسْخطُ لمرضٍ، ولا يتَضجَّر لمصيبةٍ أو بلاءٍ، فدوامُ الحالِ من المحالِ.

ثالثاً : اعْتِقادُ العبدِ بأنَّ اللهَ سبحانَه جَعَلَ بِحكْمتِهِ التَّفاوتَ بينَ النَّاسِ في الأرزاقِ، فلا يَعترضُ على قسمةِ اللهِ لهُ، فإنَّ من العبادِ مَنْ لا يَصلحُ إيمانُه إلا بالغنى، ولو أَفْقَرهُ لَفَسدَ حالُه، ومنْهم مَنْ لا يُصْلِحُ إيمانَه إلا الفقرُ ولو أَغْنَاهُ لَفَسدَ حالُه، ومِنْهم من لا يُصْلِحُ إيمانَه إلا الصحةُ ولو أَسْقَمهُ لفَسَدَ حالُه، ومِنْهمْ مَنْ لا يُصْلِحُ إيمانَه إلا السقمُ، ولو عَافَاهُ لفَسَدَ حالُه، فسبحانَ مَنْ يُقَدِّرُ الأمورَ بحكمتِه وتدبيرِه ولطفِه.

رابعاً : أَنْ ينظرَ المرءُ إلى مَنْ هو دونَه في أمورِ الدُّنيَا: يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إذا نَظَرَ أحَدُكُمْ إلى مَن فُضِّلَ عليه في المالِ والْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إلى مَن هو أسْفَلَ منه مِمَّنْ فُضِّلَ عليه)، وفي روايةٍ لمسلمٍ: ( انْظُروا إلى مَن هو أَسْفَلَ مِنكم، ولا تَنْظُروا إلى مَن هو فَوْقَكم؛ فإنَّه أَجْدَرُ أنْ لا تَزْدَروا نِعْمَةَ اللهِ، قال أَبو مُعاوِيَةَ: عَليكم ).

خامساً : عِلْمُ العبدِ بأنَّ الفَقْرَ والغنى إنَّما هُو ابتلاءٌ وامتحانٌ، فالفقيرُ مُمْتَحنٌ بفقرِه وحاجتِه والغنيُّ مُمْتحَنٌ بغناه وثروتِه، وكلٌّ منهمَا موقوفٌ ومسؤولٌ بينَ يديْ اللهِ عزَّ وجلَّ.

سادساً : الاطلاعُ على أحوالِ السلفِ ودراسةُ سيرتِهم، فإنَّ ذلكَ يُقوِّي يقينَ المسلمِ ورضاهُ عن أقدارِ اللهِ كلِّها.

سابعاً : لزومُ الدعاءِ بِطَلبِ القناعةِ والرِّضَا مِنَ اللهِ، فإنَّ الدُّعاءَ سلاحُ المؤمنِ في كلِّ حالٍ من أحوالِه، وما دامَ أنَّ قلبَه دائمُ التَّعلُّقِ برَبِّه فلنْ يَخِيْبَ أبدًا، وسوفَ يُرضِيْه اللهُ.

ثامناً : الحرْصُ على طاعةِ اللهِ والبُعدِ عَنْ معصيتِه، فإنَّ الطَّاعةَ تُقوِّي جانبَ الرِّضَا عَنِ اللهِ، والمعصيةُ عَكْسَ ذلكَ.

اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمَنُ.

أقول قولي هذا ..

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعلموا أنَّ بعضَ العبادِ لا تسمعُ منهُم غيرَ الشَّكايةِ مِنْ أحوالِهم على كثرةِ نعمِ اللهِ التي تَتْرى عليهم، ولو نظروا إلى غيرِهم من أهلِ البلاءِ لحمِدوا اللهَ على نعمائِه وضرائِه، يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (من أصبحَ منكُم آمِنًا في سِربِه مُعافًى في جسَدِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لهُ الدُّنيا)

عِبادَ الله: ومِنْ ثمراتِ الرِّضَا وفوائدِه العظيمةِ ما يلي:

أولاً: تحصيلُ حلاوةِ الإيمانِ: فقدَ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا)

ثانيًا: تحقيقُ الغنى في الرِّضَا والقناعةِ: قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(اتَّقِ المحارمَ تكن أعبدَ الناسِ، وارْضَ بما قسم اللهُ لك تكن أغنى الناسِ)

ثالثًا: أنَّ الرِّضَا سبيلٌ لمغفرةِ الذُنوبِ: فعنِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قالَ: (مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، وبالإسْلامِ دِينًا، غُفِرَ له ذَنْبُهُ)

رابعًا: نيلُ رضَا اللهِ ودخولُ الجنَّةِ: فَمَنْ رضيَ عن اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه وأرضَاه، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ؟ فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ، فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا )

نسألُ اللهَ الكريمَ من فضلِه.

اللهم عَلِّمْنا ما يَنْفَعُنا، وانْفَعْنا بِما عَلَّمْتَنا وَفَقْهِنا في دِينِكَ يا ذا الجَلال والإِكْرام.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُك اللهم الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ يا ذا الجلال والإكرام.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يَصِفون، وسَلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

المشاهدات 1222 | التعليقات 0